كتاب الزكاة (للمنتظري) المجلد 1

اشارة

سرشناسه : منتظری، حسینعلی، 1301 - 1388.

عنوان و نام پديدآور : کتاب الزکاه ‫ / لمولفه المنتظری.

مشخصات نشر : قم: مرکز النشر، مکتب الاعلام الاسلامی، [ 14ق. = 13] -

مشخصات ظاهری : ج.

وضعیت فهرست نویسی : برون سپاری

يادداشت : عربی.

يادداشت : فهرستنویسی بر اساس جلد دوم، 1406ق. = 1364.

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : زکات

رده بندی کنگره : BP188/4/م 8ک 2 1300ی الف

رده بندی دیویی : 297/356

شماره کتابشناسی ملی : 1839992

[مقدمة المصنف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين و اللعن على أعدائهم أجمعين.

و بعد فيقول العبد المفتقر الى ربه الهادي، حسين علي المنتظري النجف آبادي- غفر اللّه له و لوالديه-: هذه دروس فقهية ألقيت الى الاخوان في مسائل الزكاة و كنت أقيد ما ألقيه بالكتابة و كنّا نراعي في بحثنا ترتيب كتاب العروة الوثقى و نورد ما نذكره شرحا لها فاستدعى بعض الأصدقاء نشرها. و حيث ان المرء لا يخلو من الخطأ و النسيان و كفى في نبله ان تعدّ معايبه، فالمرجو ممن نظر فيها أن ينظر بنظر الانصاف و الاغماض و من اللّه- تعالى- أستمدّ و عليه التكلان.

قال المصنف:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 9

[تعريف الزكاة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

كتاب الزكاة (1)

______________________________

(1) الزكاة في اللغة بمعنى النمو و الطهارة، ففي مقاييس اللغة: «الزاء و الكاف و الحرف المعتل اصل يدل على نماء و زيادة و يقال: الطهارة، زكاة المال قال بعضهم سميت بذلك لأنها مما يرجى به زكاء المال و هو زيادته و نمائه. و قال بعضهم سميت زكاة لأنها طهارة قالوا و حجة ذلك قوله: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «1».

و في المفردات: «اصل الزكاة النمو الحاصل عن بركة اللّه ... يقال: زكا الزّرع يزكو اذا حصل منه نمو و بركة».

اقول: و من النماء ظاهرا قوله- عليه السلام- في نهج البلاغة: «المال تنقصه النفقة و العلم يزكو على الانفاق» «2»، و من الطهارة قوله- تعالى-: «يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيٰاتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ»* «3» و قوله:

«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا» «4».

و الزكاة في الاصطلاح يمكن اخذها من كل منهما اذ بالزكاة ينمو المال و يطهر المال

و صاحبه و لكن الانسب بقرينة قوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» المعنى الثاني. و حيث قصد بالزكاة طهارة مؤدّيها اشترط فيها القربة و هذا من مميزات اقتصاد الإسلام حيث صبغ واجباته المالية من الزكوات و الاخماس بصبغة العبادة و القربة.

و عرّفوا الزكاة اصطلاحا بانها قدر مخصوص يطلب اخراجه من المال بشروط خاصة.

و ليست الزكاة من مخترعات الإسلام بل كانت مشرّعة في الأديان السابقة أيضا فترى

______________________________

(1)- سورة التوبة، الآية 103.

(2)- نهج البلاغة من كلامه «ع» لكميل بن زياد (رقم 147).

(3)- سورة آل عمران، الآية 164 و سورة الجمعة، الآية 2.

(4)- سورة الشمس، الآية 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 10

[وجوب الزكاة]

التي وجوبها من ضروريات الدين (1)

______________________________

القرآن يحكي عن عيسى- عليه السلام-: «وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ مٰا دُمْتُ حَيًّا» «1».

و الزكاة في فقهنا صارت قسيما للخمس و لكن نحدس كونها باصطلاح القرآن و في الصدر الأول مستعملة لكل واجب مالي مقدر فتشمل الخمس أيضا فكل ما ذكرت في القرآن عقيب الصلاة اريد بها الواجب المالي في قبال الواجب البدني، نعم الصدقة لا تشمل الخمس.

و لا يتوهم كون الزكاة حقيقة شرعية إذ لم يكن بناء الشرع على وضع اللغات و إنما استعملت الألفاظ بتناسب معانيها اللغوية ثم صارت في عرف المتشرعة بنحو الحقيقة المصطلحة.

(1) نذكر بعض ما دلّ على وجوبها و حرمة منعها:

الأول: ففي صحيحة حريز، عن زرارة و محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع» ان اللّه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم و لو علم ان ذلك لا يسعهم لزادهم، انهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّه- عزّ و جلّ- و لكن اوتوا من منع من منعهم حقّهم

لا مما فرض اللّه لهم و لو ان الناس أدّوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير «2».

الثاني: و في رواية معتّب، مولى الصادق- عليه السلام- قال: قال الصادق: انما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء و معونة للفقراء و لو ان الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا و لاستغنى بما فرض اللّه له، و ان الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا عروا إلّا بذنوب الأغنياء، و حقيق على اللّه- تبارك و تعالى- ان يمنع رحمته ممّن منع حق اللّه في ماله، و اقسم بالذي خلق الخلق و بسط الرزق انه ما ضاع مال في برّ و لا بحر إلّا بترك الزكاة، و ما صيد صيد في برّ و لا بحر إلّا بترك التسبيح في ذلك اليوم، و ان أحب الناس الى اللّه- تعالى- أسخاهم كفا، و اسخى الناس من أدّى زكاة ماله و لم يبخل على المؤمنين بما افترض اللّه لهم في ماله «3».

الثالث: و في صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع» انه قال: ما من عبد منع من زكاة ماله شيئا إلّا جعل اللّه ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوّقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب و هو قول اللّه- عز و جل-: «سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ» يعني ما بخلوا به من الزكاة «4».

الرابع: و في رواية عمرو بن جميع، عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال: ما ادّى أحد الزكاة فنقصت

______________________________

(1)- سورة مريم، الآية 31.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث

6.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 11

[منكر الزكاة و منكر الضروري]

و منكره مع العلم به كافر (1)

______________________________

من ماله و لا منعها أحد فزادت في ماله «1».

الخامس: و في رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال: ما من رجل يمنع درهما في حقه إلّا أنفق اثنين في غير حقه، و ما من رجل يمنع حقا في ماله إلّا طوّقه اللّه به حيّة من نار يوم القيامة «2». و امثال هذه الرواية شاهدة على تجسّم الأعمال.

السادس: و في صحيحة هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: من منع حقا للّه- عز و جل- أنفق في باطل مثليه «3».

السابع: و في خبر ابن مسكان، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: بينما رسول اللّه «ص» في المسجد إذ قال: قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان، حتى اخرج خمسة نفر، فقال:

اخرجوا من مسجدنا لا تصلّوا فيه و أنتم لا تزكّون «4».

و الواجبات المالية كانت في اختيار حكومة الإسلام و كان رسول اللّه «ص» يبعث العمّال لجمعها و كذا كانت السيرة بعده.

و بالجملة الأخبار في باب فرض الزكاة و حرمة منعها في غاية الكثرة و إنما ذكرنا بعضها نموذجا فراجع.

(1) أقول: ذكروا في كتاب الطهارة ان الكافر من ينكر الألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضروريّا من ضروريات الدين فنقول:

هل لإنكار الضروري موضوعية فهو موجب للكفر مطلقا أو لرجوعه الى انكار الرسالة و لو ببعضها و كون شي ء ضروريا امارة على التفات الشخص الى كونه جزء من الدين فلو ثبت كون انكاره لشبهة فلا يوجب الكفر أو لا

أثر للضرورية أصلا و لو بعنوان الامارة فلو احتمل في حقه الشبهة أيضا لا يحكم بكفره؟

ظاهر بعض العبارات الأول، ففي كتاب الطهارة من الشرائع: «الكافر و ضابطه كل من خرج عن الإسلام أو من انتحله و جحد ما يعلم من الدين ضرورة كالخوارج و الغلاة».

و في الارشاد: «و الكافر و إن أظهر الإسلام إذا جحد ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة كالخوارج و الغلاة»، و نحوهما غيرهما.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 12

..........

______________________________

و لكن في مفتاح الكرامة: «و هنا كلام في أن جحود الضروري كفر في نفسه أو يكشف عن انكار النبوة مثلا؟ ظاهر هم الأول و احتمل الاستاذ الثاني قال: فعليه لو احتمل وقوع الشبهة عليه لم يحكم بتكفيره إلّا ان الخروج عن مذاق الأصحاب مما لا ينبغي».

و فيه أيضا: «و في مجمع البرهان: المراد بالضروري الذي يكفر منكره الذي ثبت عنده يقينا كونه من الدين و لو بالبرهان و لو لم يكن مجمعا عليه إذ الظاهر ان دليل كفره هو انكار الشريعة و انكار صدق النبي «ص» مثلا في ذلك الأمر مع ثبوته يقينا عنده و ليس كل من أنكر مجمعا عليه يكفر، بل المدار على حصول العلم و الانكار و عدمه إلّا انه لما كان حصوله في الضروري غالبا جعل ذلك مدارا و حكموا به فالمجمع عليه ما لم يكن

ضروريا لم يؤثر».

و ظاهر ما حكاه في عبارته الأولى عن استاذه كاشف الغطاء من النسبة الى مذاق الأصحاب توهم كون المسألة اجماعية و لكن ليعلم ان المسألة ليست من المسائل الأصلية المتلقاة عن المعصومين- عليهم السلام- و لم تذكر في الكتب المعدّة لنقلها كالمقنعة و النهاية و لم أجدها بهذه العبارة في الكتب قبل الشرائع.

نعم في الغنية كلام يقرب منها قال: «فصل في الردّة: متى أظهر المرء الكفر باللّه أو برسوله أو الجحد بما يعم فرضه و العلم به من دينه كوجوب الصلاة أو الزكاة أو ما يجري مجرى ذلك بعد اظهار التصديق به كان مرتدّا». فقوله: «الجحد بما يعم فرضه و العلم به» يقرب من انكار الضروري.

و بالجملة فليس كون انكار الضروري موجبا للكفر بنفسه مذكورا في كتب القدماء من أصحابنا فلا وجه لادعاء الشهرة في المسألة فضلا عن الاجماع، و اجماع المتأخرين على فرض ثبوته لا يفيد.

و ليس الاجماع بما هو اجماع حجة عندنا و ان جعله المخالفون حجة و استدلوا عليها بأمور: منها ما رووه عن النبي «ص» انه قال: «لا تجتمع أمتي على خطأ» و الحديث لم يثبت عندنا و إنما نؤمن بحجية الاجماع إذا كان كاشفا عن قول المعصومين- عليهم السلام- فمحله المسائل الأصلية المتلقاة يدا بيد لا المسائل التفريعية الاستنباطية.

و على هذا فليس لإنكار الضروري موضوعية و ليس بنفسه موجبا للكفر بل ان رجع انكاره الى انكار الرسالة بأن كان ملتفتا الى كونه من الدين و مع ذلك أنكره.

فان قلت: فعلى هذا لا يبقى فرق بين الضروري و غيره أصلا.

قلت: نعم و لذا مرّ عن مجمع البرهان كفر من أنكر ما ثبت عنده كونه من الدين بالبرهان و لو

لم يكن مجمعا عليه فضلا عن كونه ضروريا.

نعم لعل بينهما فرقا في مقام الاثبات فلو كان أحد في مناطق الإسلام و بلاده و نشأ بين المسلمين بحيث يبعد جدّا عدم علمه بواضحات الإسلام و ضرورياته فتصير ضرورية المسألة امارة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 13

..........

______________________________

عقلائية على علمه بكونها من الإسلام و يرجع إنكارها الى انكار أصل الرسالة و لو يجزئها و إلّا فلو ثبت كون انكار الشخص لشبهة أو كان الشخص جديد الإسلام أو بعيدا عن مناطق الإسلام فلا امارة و لا طريق الى احراز كون انكاره راجعا الى انكار الرسالة و الإسلام و لأجل ذلك قال في المتن: «و منكره مع العلم به كافر».

هذا، و القائلون بكون انكار الضروري مطلقا موجبا للكفر يتمسكون بوجوه:

الأول: ان الإسلام عبارة عن مجموع العقائد و الأحكام المخصوصة المقررة من جانب اللّه و يجب على المسلمين الالتزام بها فمن أنكر واحدا منها فقد أنكر الإسلام ببعضه.

إن قلت: لنا أخبار كثيرة تدل على أن الإسلام الذي به تحقن الدماء و تحل المناكح و يثبت التوارث شهادة أن لا إله إلّا اللّه و ان محمدا رسول اللّه.

قلت: أولا ان ذلك لجديد الإسلام، و ثانيا ان الشهادة بالرسالة في الحقيقة اقرار بجميع ما جاء به الرسول فانكار بعضها يرجع الى انكار الرسالة.

الثاني: اجماعهم على موضوعية انكار الضروري، لعطفه في كلماتهم على من خرج عن الإسلام، و ظاهر العطف المغايرة و لعدم تقييده بالعلم، و لتقييدهم إياه بالضروري، إذ لو كان الملاك الرجوع الى انكار الرسالة لجرى في كل ما علم أنه من الدين و ان لم يكن ضروريا، و لتمثيلهم له بالخوارج و الغلاة و النواصب مع ان كثيرا منهم لا

يعلمون بمخالفتهم في ذلك للدين بل ربما يتقربون بذلك الى اللّه سبحانه.

الثالث: اخبار مستفيضة متفرقة في الأبواب المختلفة، و سيأتي ذكرها.

أقول: يرد على الأول ان مقتضاه كفر من أنكر واحدا من أحكام الإسلام سواء كان ضروريا أو غيره و سواء كان عالما بكونه من الإسلام أو جاهلا مقصرا أو قاصرا حتى انه يجوز تكفير كل مجتهد لغيره اذا أفتى بخلاف ما أفتى به هذا المجتهد لأنه بفتواه بخلاف هذا المجتهد أنكر ما أفتى به هذا، و لا يمكن أن يلتزم بهذا أحد.

و يرد على الثاني منع الاجماع في المسألة لما عرفت من أن عنوان مسألة الضروري و ايجاب انكاره للكفر كان من المحقق و من بعده فيما أعلم و لم يكن في كلمات القدماء ذكر منه و التمثيل بالغلاة و الخوارج أيضا في كلمات المتأخرين.

نعم مرّ من ابن زهرة في الغنية: «الجحد بما يعم فرضه و العلم به من دينه»، و لكن لا يخفى ان كلمة «الجحد» لا تطلق إلّا في الانكار مع العلم، ففي الصحاح: «الجحود الانكار مع العلم»، و في المفردات «الجحود نفي ما في القلب اثباته و اثبات ما في القلب نفيه ... قال- عز و جل-:

و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم» «1». و ذكر المتأخرين للضروري لعله كان من جهة ان

______________________________

(1)- سورة النمل، الآية 14.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 14

..........

______________________________

ضرورية المسألة و كونها بديهية سبب للعلم بها فأرادوا بذلك كون الانكار عن علم أو لكونها امارة على كون المنكر عالما بكونها من الدين إذا كان الشخص ممن نشأ في محيط المسلمين فلو أنكر أحد مثلا كون الزوايا الثلاث في المثلث مساوية لقائمتين امكن كون انكاره عن جهل بالمسألة و

أما إذا أنكر أحد كون مضروب الاثنين في نفسه أربعة فلا يحمل انكاره طبعا على كونه عن جهل بعد كون المسألة بديهية يعرفها كل أحد و هذا لا ينافي كونه عن جهل إذا صدر ممن يحتمل في حقه ذلك.

و كيف كان فليس لإنكار الضروري موضوعية في ايجاب الكفر بل انكار كل حكم إذا رجع الى انكار الرسالة صار سببا للكفر و إلّا فلا.

و لا يخفى ان انكار الألوهية و التوحيد و الرسالة موجب للكفر و لو كان عن جهل و قصور فان العذر و القصور و عدم العذاب أمر، و الإسلام و الاعتقاد به أمر آخر فالمنكر لهذه الأصول أو لواحد منها ليس مسلما و إن كان قاصرا معذورا و لا محالة لا عقاب عليه عقلا فتدبر.

بقى الكلام في الاخبار التي ربما يتوهم دلالتها على المسألة فلنتعرض لها اجمالا:

فالأول: ما رواه في أصول الكافي صحيحا الى عبد الرحيم القصير قال: كتبت مع عبد الملك بن أعين الى أبي عبد اللّه «ع» أسأله عن الايمان ما هو؟ فكتب إليّ مع عبد الملك بن أعين سألت- رحمك اللّه- عن الايمان، و الايمان هو الإقرار باللسان و عقد في القلب و عمل بالأركان، و الايمان بعضه من بعض و هو دار و كذلك الإسلام دار و الكفر دار فقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا و لا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما، فالاسلام قبل الايمان و هو يشارك الايمان، فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى اللّه- عزّ و جلّ- عنها كان خارجا من الايمان ساقطا عنه اسم الايمان و ثابتا عليه اسم الإسلام فان تاب و استغفر عاد إلى

دار الايمان، و لا يخرجه الى الكفر إلّا الجحود و الاستحلال ان يقول للحلال: هذا حرام و للحرام: هذا حلال و دان بذلك فعندها يكون خارجا من الإسلام و الايمان، داخلا في الكفر و كان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة و أحدث في الكعبة حدثا فاخرج عن الكعبة و عن الحرم فضربت عنقه و صار الى النار. «1» و عبد الرحيم القصير و إن لم يوثق في الرجال و لكن نقل الكليني و الصدوق لرواياته يوجب نحو اعتبار له و لعله يستفاد من ترحم الصادق- عليه السلام- عليه كونه إماميا حسن الحال، و نقل الصدوق للحديث يتفاوت مع نقل الكليني و لعل نقل الكليني أصحّ.

و كيف كان فنقول ليس في الحديث اسم من الضروري، و لفظ الجحود كما مرّ يطلق على الانكار مع العلم لا مطلق الانكار، و لو سلم انه أعمّ فالمحتملات في الحديث أربعة:

الأول: ان الألفاظ وضعت للمعاني الواقعية فيكون المراد ان من قال للحلال الواقعي: انه

______________________________

(1)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب ان الإسلام قبل الايمان، ص 27.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 15

..........

______________________________

حرام، و للحرام الواقعي: هذا حلال، و مقتضاه كون انكار الحكم الواقعي موجبا للكفر مطلقا سواء كان ضروريا أو غيره و عن علم أو جهل تقصيرا أو قصورا.

الثاني: ان يراد بالحلال و الحرام ما ثبت عند جميع فرق المسلمين و مذاهبهم حليته أو حرمته.

الثالث: ان يراد بهما ما كان ضروريا و بديهيا منهما.

الرابع: ان يراد بهما ما كان كذلك في علم الشخص المنكر.

و أظهر الاحتمالات الاحتمال الأول و لكن لا يمكن أن يلتزم به أحد كما مرّ فيتردد الأمر بين الثلاثة الأخر و

أظهرها الأخير فيختص الكفر بالمنكر مع العلم و لا أقل من بقاء الترديد و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال فلا دلالة في الحديث على كون عنوان الضروري موجبا للكفر فتدبر.

هذا، و تشبيهه- عليه السلام- الإسلام و الايمان بالحرم و الكعبة أولا من جهة كون النسبة بينهما بالعموم و الخصوص و ثانيا من جهة ان الكعبة مما يعرفها كل أحد بخلاف الحرم و المسجد فالاهانة لها لا محالة تقع عن علم و عمد و لكن لو فرض لأحد شبهة في ذلك فأحدث فيها عن شبهة فهل يضرب عنقه؟ لا يمكن الالتزام بذلك و يشهد لهذا موثقة سماعة حيث ورد فيها: «لو ان رجلا دخل الكعبة فافلت منه بوله أخرج من الكعبة و لم يخرج من الحرم فغسّل ثوبه و تطهر، ثم لم يمنع أن يدخل الكعبة، و لو ان رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا أخرج من الكعبة و من الحرم و ضربت عنقه» «1». فحكم القتل مرتب على البول عنادا لا مطلقا.

الحديث الثاني: خبر أبي الصباح الكناني، عن أبي جعفر «ع» قال: قيل لأمير المؤمنين «ع» من شهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه «ص» كان مؤمنا؟ قال: فأين فرائض اللّه، قال:

و سمعته يقول: كان علي «ع» يقول: لو كان الايمان كلاما لم ينزل فيه صوم و لا صلاة و لا حلال و لا حرام. قال: و قلت لأبي جعفر «ع»: ان عندنا قوما يقولون: إذا شهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه «ص» فهو مؤمن؟ قال: فلم يضربون الحدود؟ و لم تقطع أيديهم؟! و ما خلق اللّه- عزّ و جلّ- خلقا أكرم على اللّه- عزّ و

جلّ- من المؤمن، لأن الملائكة خدّام المؤمنين و ان جوار اللّه للمؤمنين و ان الجنة للمؤمنين و ان الحور العين للمؤمنين، ثمّ قال: فما بال من جحد الفرائض كان كافرا؟ «2».

أقول: أولا ان الجحد كما عرفت هو الانكار عن علم لا مطلقا و ثانيا ليس في الحديث اسم من الضروري و المحتملات فيه أربعة كما عرفت في الحديث الأول و الكلام الكلام و ثالثا الكفر لغة الستر. يقال: «كفره» أي ستره و غطّاه و يقال للّيل «كافر» لستره الأشخاص و الأشياء

______________________________

(1)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب ان الإسلام قبل الايمان، ص 28.

(2)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر، ص 33.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 16

..........

______________________________

و للزارع «كافر» لستره البذور في الأرض. قال اللّه- تعالى- «كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّٰارَ نَبٰاتُهُ» «1»، أي الزّراع كما عن بعض المفسرين. و للكفر في الانسان مراتب بلحاظ مراتب ستر الايمان و الفطرة فمرتبته الكاملة مقابل الإسلام و لكن قد يطلق في مقابل الايمان أيضا كما في هذا الحديث بل قد يطلق على كل مرتكب للمعصية انه كافر، و في الحديث: «لا يزني الزاني و هو مؤمن» «2». و الكفر المبحوث عنه في كتاب الطهارة و المترتب عليه الأحكام الخاصة هو الكفر المقابل للإسلام و ليس في الحديث اسم منه.

الثالث: ما في الكافي أيضا عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت عليا- عليه السلام- يقول و أتاه رجل فقال له: ما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا و أدنى ما يكون به العبد كافرا و أدنى ما يكون به العبد ضالا؟ فقال له: قد سألت فافهم الجواب اما أدنى ما يكون به العبد

مؤمنا أن يعرّفه اللّه- تعالى- نفسه ... و أدنى ما يكون به العبد كافرا من زعم ان شيئا نهى اللّه عنه ان اللّه أمر به و نصبه دينا يتولى عليه و يزعم انه يعبد الذي أمره به و إنما يعبد الشيطان، الحديث «3».

و الجواب عنه أولا جريان الاحتمالات الأربعة المذكورة في الحديث الأول فيه أيضا فلا يتعين حمله على انكار الضروري فقط و ثانيا ان الكفر فيه مقابل الايمان لا الإسلام و لا أثر فقهي له.

الرابع: ما رواه الحسن بن محبوب، عن داود بن كثير الرقي قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: سنن رسول اللّه «ص» كفرائض اللّه- عزّ و جل-؟ فقال: ان اللّه- عزّ و جل- فرض فرائض موجبات على العباد فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها و جحدها كان كافرا، الحديث «4». و داود بن كثير و ان اختلفوا في وثاقته و لكن الحسن بن محبوب من أصحاب الاجماع.

و الجواب عن الحديث أيضا أولا ما مرّ من كون الجحد هو الانكار مع العلم و ثانيا جريان الاحتمالات الأربعة فيه.

الخامس: خبر موسى بن بكر قال: سألت أبا الحسن «ع» عن الكفر و الشرك أيّهما أقدم؟

قال: فقال لي: ما عهدي بك تخاصم الناس، قلت: أمرني هشام بن سالم أن أسألك عن ذلك، فقال لي: الكفر أقدم و هو الجحود، الحديث «5». و موسى بن بكر واقفي و الأمر في سهل سهل كما ذكر في محله.

و الجواب ما مرّ من أن الجحود الانكار مع العلم لا مطلقا و ليس في الحديث اسم من

______________________________

(1)- سورة الحديد، الآية 20.

(2)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الكبائر، ص 285.

(3)- أصول الكافي ج 2

كتاب الايمان و الكفر باب أدنى ما يكون به العبد مؤمنا، ص 414.

(4)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الكفر، ص 383.

(5)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الكفر، ص 385.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 17

..........

______________________________

الضروري.

السادس: صحيحة محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر «ع» يقول: كل شي ء يجرّه الاقرار و التسليم فهو الايمان و كل شي ء يجرّه الانكار و الجحود فهو الكفر «1».

و الجواب أولا ان الكفر فيه مقابل الايمان لا الإسلام و ثانيا ما مرّ في معنى الجحود.

السابع: خبر أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: اخبرني عن وجوه الكفر في كتاب اللّه- عزّ و جل- قال: الكفر في كتاب اللّه على خمسة أوجه، فمنها كفر الجحود و الجحود على وجهين، الحديث «2».

و الحديث مفصل و حاصله ان الكفر في القرآن خمسة أوجه: الأول الجحود بالربوبية، الثاني الجحود على معرفة و هو أن يجحد الجاحد و هو يعلم انه حق، الثالث كفر النعم، الرابع ترك ما أمر اللّه به، الخامس كفر البراءة.

و الجواب ان كفر منكر الربوبية واضح و الجحود أيضا مرّ معناه و الأقسام الثلاثة الأخر لا أثر فقهي لها.

الثامن: صحيحة بريد العجلي، عن أبي جعفر «ع» قال: سألته عن أدنى ما يكون العبد به مشركا قال: فقال: من قال للنواة: انها حصاة و للحصاة: انها نواة ثم دان به «3».

و الجواب أولا ان المسؤول عنه حيثية الشرك لا الكفر و ثانيا ان لازم الحديث باطلاقه كفاية انكار كل حكم للحكم بالشرك ضروريا كان أم لا عن علم أو عن جهل تقصيرا أو قصورا و لا يقول به أحد فيجب أن

يحمل على الانكار عن علم أو على كون الشرك ذا مراتب و ليست كل مرتبة منه موجبة للكفر بالاصطلاح الفقهي فتدبر.

التاسع: موثقة مسعدة بن صدقة قال سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: الكبائر: القنوط من رحمة اللّه و اليأس من روح اللّه و الأمن من مكر اللّه و قتل النفس التى حرّم اللّه و عقوق الوالدين و أكل مال اليتيم ظلما و أكل الربا بعد البينة و التعرّب بعد الهجرة و قذف المحصنة و الفرار من الزحف، فقيل له: أ رأيت المرتكب للكبيرة يموت عليها، أ تخرجه من الايمان، و ان عذب بها فيكون عذابه كعذاب المشركين أو له انقطاع؟ قال: يخرج من الإسلام إذا زعم انها حلال و لذلك يعذّب أشدّ العذاب و إن كان معترفا بأنها كبيرة و هي عليه حرام و انه يعذب عليها و انها غير حلال، فانه معذّب عليها و هو أهون عذابا من الأول و يخرجه من الايمان و لا يخرجه من الإسلام «4».

______________________________

(1)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الكفر، ص 387.

(2)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب وجوه الكفر، ص 389.

(3)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الشرك، ص 397.

(4)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الكبائر، ص 280.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 18

..........

______________________________

و الرواية صريحة في ان مرتكب الكبيرة مع الاعتراف بها لا يكون كافرا فيجب أن يحمل ما دلّ على كفر العاصي أو مرتكب الكبيرة على ارادة بعض مراتب الكفر غير المضرة باسلام الشخص، و حيث ان مورد هذا الفرض أعني فرض الاعتراف هو صورة علم الشخص بكونها كبيرة يكون مورد الفرض

الأول أعني صورة زعم الحلية و انكار الحرمة أيضا صورة العلم فيرجع انكاره الى انكار الرسالة قهرا.

و قد يتوهم ان اسناد الفعل الى الفاعل المختار ظاهر في التفات الفاعل الى العنوان الذي ينطبق على هذا الفعل و يكون موضوعا للحكم في لسان الدليل فاذا قلنا: «فلان ارتكب كبيرة» يكون ظاهرا في ارتكابه لها ملتفتا الى كونها كبيرة و اذا قلنا: «فلان شرب خمرا» يكون ظاهرا في شربه له ملتفتا الى كونه خمرا.

و فيه ان الاسناد و ان دلّ على وقوع الفعل عن الفاعل عن علم و اختيار في مقابل الفاعل في النوم أو عن اكراه و لكن لا ظهور له في التفات الفاعل الى العنوان الذاتي لموضوع فعله فاذا قلنا:

«شرب زيد خمرا» يكون الاسناد ظاهرا في الشرب مع العلم و الاختيار و أما التفاته الى كون المشروب خمرا فدلالة الاسناد عليه ممنوعة و كون الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية لا يلازم التفات الفاعل اليه و إلّا فلو كان المشروب خمرا واقعا و لكن الفاعل زعم كونه ماء و شربه يلزم مجازية قولنا حينئذ: «شرب زيد خمرا»، و بالجملة فالخمر موضوع للخمر الواقعي لا لمعلوم الخمرية و الاسناد أيضا لا يستفاد منه إلّا وقوع الفعل عن علم و اختيار و أما التفاته الى عنوان الخمرية فلا يستفاد هذا.

و لكن في المقام يجب أن يحمل المرتكب للكبيرة في الحديث على مرتكبها مع الالتفات الى كونها كبيرة اذ المحتملات كما عرفت في شرح الحديث الأول أربعة: المرتكب للكبيرة مطلقا ضرورية أم لا عن علم أو عن جهل عن تقصير أو عن قصور، و المرتكب لما هو كبيرة عند جميع المذاهب و الفرق، و المرتكب لما هو كبيرة و حرام

بالضرورة، و المرتكب لما هو كبيرة عند الفاعل و في علمه، و أظهر الاحتمالات و ان كان هو الأول و لكنه لا يمكن الالتزام به و لا يلتزم به أحد فيدور الأمر بين الثلاثة الأخر و أظهرها الأخير و يؤيده ما مرّ من كون مورد الاعتراف أيضا صورة العلم و لو سلّم بقاء الترديد بطل الاستدلال فحملها على ما هو حرام و كبيرة بالضرورة لا دليل عليه.

العاشر: صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك من الإسلام و ان عذّب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدّة و انقطاع؟ فقال: من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم انها حلال أخرجه ذلك من الإسلام

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 19

..........

______________________________

و عذّب أشدّ العذاب و ان كان معترفا انه أذنب و مات عليه أخرجه من الايمان و لم يخرجه من الإسلام و كان عذابه أهون من عذاب الأول «1». و الكلام فيه الكلام في سابقة.

فان قلت: اذا كان الملاك كون الانكار عن علم حتى يرجع الى انكار الرسالة فلا يكون فرق بين الكبيرة و غيرها فلم خصّت بالذكر؟

قلت: الكبيرة ذكرت في كلام السّائل و لعله كان مرتكزا في ذهنه ما يعتقده بعض من كون فعل الكبائر مخرجا عن الإسلام، و الامام- عليه السلام- ردّ هذا الاعتقاد. و ما احتاطه بعض محشّي العروة من كون انكار الكبيرة موجبا للكفر فمأخذه هذان الحديثان و ليس الملاك حينئذ عنوان الضروري بل عنوان الكبيرة و بينهما عموم من وجه و قد عرفت جريان الاحتمالات الاربعة في الحديثين فيمكن حملهما على صورة الانكار عن علم كما كان الاعتراف أيضا

في مورد العلم.

و قد تلخص مما ذكرنا في جواب الروايات التي ربما يتوهم دلالتها على كون انكار الضروري بنفسه موجبا للكفر أولا ان الكفر في كثير منها ذكر في مقابل الايمان لا الإسلام و ثانيا اشتمال اكثرها على لفظ الجحود و هو يختص بصورة الانكار عن علم و ثالثا ان المحتملات فيها أربعة و أظهرها بحسب الاطلاق الأول و لكن حيث لا يلتزم به أحد يكون أظهر الثلاثة الباقية الأخير أعني صورة كون الإنكار عن علم و لو منعت الأظهرية بطل الاستدلال مع الاحتمال فلا دليل على خصوص عنوان الضروري.

و هنا ثلاث روايات أخر تشتمل على مضمون آخر ربما يتفاوت مع ما سبق:

الأولى: رواية زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: لو ان العباد اذا جهلوا وقفوا و لم يجحدوا لم يكفروا «2».

و لا يخفى ان المراد بالعباد في الحديث ليس مطلق العباد بل الذين لهم سابقة الإسلام و لكن قد يعرض لهم شبهات في بعض المسائل و هذا كثير و لا سيما للشبان في أعصارنا و ليس المراد بالجهل الجهل المطلق و إلّا لم يناسب الجحد فانه الانكار عن علم كما عرفت فالمراد ان المسائل التي يعلم الانسان اجمالا بكونها من الدين و لكن يعرض له بسبب إلقاء الشيطان شبهة آنية فيها لو لم ينكرها الانسان جزما بل توقف فيها مقدمة للسؤال و التفحّص لم يخرج بذلك من الدين و الانسان لا يخلو غالبا من شك و من يهتم بذلك و يتعقبه بالسؤال و الاستفهام كان ذلك من كمال ايمانه كما في بعض الأحاديث.

______________________________

(1)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الكبائر، ص 285.

(2)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر

باب الكفر، ص 388.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 20

..........

______________________________

الثانية: رواية محمد بن مسلم قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» جالسا عن يساره و زرارة عن يمينه فدخل عليه أبو بصير فقال: يا أبا عبد اللّه ما تقول فيمن شك في اللّه؟ فقال: كافر يا أبا محمد، قال: فشك في رسول اللّه؟ فقال: كافر، قال: ثم التفت الى زرارة فقال: إنما يكفر إذا جحد «1».

و يظهر من سابقها موردها و المراد منها.

الثالثة: خبر أبي اسحاق الخراساني قال: كان أمير المؤمنين «ع» يقول في خطبته: لا ترتابوا فتشكّوا و لا تشكّوا فتكفروا «2».

و الظاهر ان الشك أمر غير اختياري غالبا و لكن الارتياب يطلق فيما اذا اوجد الانسان باختياره مقدمات شكّه و ترديده، و لعل المراد ان الارتياب يتعقبه الشك و الشك قد يتعقبه الكفر لا ان الشك بنفسه كفر.

و كيف كان فسنخ الروايات الثلاث يخالف سنخ ما سبق.

و قد ظهر الى هنا عدم الدليل على موضوعية انكار الضروري و كونه بنفسه موجبا للكفر و لذا قال في طهارة العروة: «مع الالتفات الى كونه ضروريا بحيث يرجع انكاره الى انكار الرسالة، و الأحوط الاجتناب عن منكر الضروري مطلقا»، و علقت عليه سابقا حينما كنت في السجن «لا دليل على عنوان الضروري، نعم الأحوط الاجتناب عن منكر المعاد و كذا عمن ارتكب كبيرة من الكبائر و زعم انها حلال و دان بذلك اذا لم يكن عن قصور»، و الآن أقول لا يلزم رعاية الاحتياط في غير منكر المعاد إلا إذا رجع الى انكار الرسالة. و لنذكر هنا بعض الفتاوى التي ربما يستفاد منها ايجاب انكار الضروري للكفر و القتل:

ففي باب الذبائح من المقنعة: «و يجتنب الأكل

و الشرب في آنية مستحلّي شرب الخمر و كل شراب مسكر».

و في الخلاف (- كتاب المرتد المسألة 9): «من ترك الصلاة معتقدا انها غير واجبة كان كافرا يجب قتله بلا خلاف».

و في النهاية: «من شرب الخمر مستحلا لها حلّ دمه ... و من استحل الميتة أو الدم أو لحم الخنزير ممّن هو مولود على فطرة الإسلام فقد ارتد بذلك عن دين الإسلام و وجب عليه القتل بالإجماع».

و في صوم المعتبر «من أفطر مستحلا فهو مرتدّ إن كان ممن عرف قواعد الإسلام».

فالعبارات السابقة مطلقة و لكن المحقق قيّد الحكم بمن عرف قواعد الإسلام مع انه في شرائعه

______________________________

(1)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الشك، ص 399.

(2)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الشك، ص 399.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 21

[حكم مانع الزكاة]

بل في جملة من الأخبار ان مانع الزكاة كافر (1).

______________________________

أطلق كون انكار الضروري موجبا للكفر مطلقا و الظاهر ان مراد المطلقين أيضا صورة العلم و المعرفة نعم لا نأبى كما عرفت ان تكون ضرورية الحكم امارة على العلم ما لم ينكشف الخلاف، هذا ما عندنا هنا و محل تفصيل المسألة كتاب الطهارة فراجع.

(1) ففي رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن و لا مسلم» و في روايته الأخرى، عنه- عليه السلام-: «ان الزكاة ليس يحمد بها صاحبها، إنما هو شي ء ظاهر إنما حقن اللّه بها دمه و سمي بها مسلما» «1»، الى غيرهما من الروايات و لكن يجب حملها على مراتب الكفر فقد عرفت ان الكفر بمعنى الستر و إن له مراتب بل للإسلام الذي هو بمعنى التسليم أيضا

مراتب و ليس كل كفر مصداقا للكفر المبحوث عنه في كتاب الطهارة بل قد مرّ بعض الروايات المصرّحة بعدم كفر مرتكبي الكبائر مع الاعتراف و يحتمل في بعض روايات الباب ان يراد بالكفر فيها البغي الموجب لجواز قتله فان الزكاة كانت مالية للإسلام و كانت تؤخذ من قبل الحكومة فمانعها باغ على الحكومة. و مما يسهّل الخطب ان التعبير بالكفر ورد في تارك الصلاة و تارك الحج و نحوهما أيضا فيجب حمل ذلك على بعض المحامل بداهة عدم ارادة الظاهر فيها فتدبر.

[في ان حق الحصاد واجب آخر مثل أم لا؟]

تنبيه: الزكاة و الخمس واجبان ماليان مقرران من قبل الشرع في موضوعات خاصة بمقدار مخصوص تحت شرائط و خصوصيات معينة لمصارف مشخصة، و في الشرع أيضا صدقات مستحبة و انفاقات مندوبة حثّ عليها الكتاب و السنة و قد يعرضها الوجوب بالنذر و أخويه و كذا في موارد الاضطرار أو حكم حاكم الإسلام و نحو ذلك و لكن هذا النسخ من الوجوب موقّت.

و هل هنا واجب مالي آخر عدا الخمس و الزكاة أو لا؟

قد يتوهم وجود واجبين ماليين غيرهما، أحدهما: حق الحصاد و الثاني: الحق المعلوم فلنتعرض لهما اجمالا.

أما حق الحصاد فيظهر من خلاف الشيخ كونه واجبا و كونه غير الزكاة المصطلحة، ففي (المسألة 1 من كتاب الزكاة): «يجب في المال حق سوى الزكاة المفروضة و هو ما يخرج يوم الحصاد من الضغث بعد الضغث و الحفنة بعد الحفنة يوم الجذاذ و به قال الشافعي و النخعي و مجاهد، و خالف جميع الفقهاء في ذلك، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم و أيضا قوله تعالى: «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» فأوجب اخراج حقه يوم الحصاد و الأمر يقتضي الوجوب ... و أيضا روت فاطمة بنت

قيس ان النبي «ص» قال: في المال حق سوى الزكاة و روى حريز عن زرارة و محمد بن مسلم ...». فتراه- قدس سره- صرح بالوجوب و استدل عليه بالإجماع و بروايتين من

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3 و 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 22

..........

______________________________

طرق الفريقين و الضغث معلوم و الحفنة: ملأ الكفين من الشي ء.

و في الانتصار بعد ذكر قوله- تعالى-: «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» و بيان انه شي ء غير الزكاة قال: «لو قلنا بوجوب هذا العطاء في وقت الحصاد و ان لم يكن مقدرا بل موكولا الى اختيار المعطي لم يكن بعيدا من الصواب».

و في هداية الصدوق بعد ذكر الآية: «و لا يجوز الحصاد و الجذاذ و البذر بالليل لأن المسكين لا يحضره».

هذا، و لكن المشهور عدم الوجوب و ادعاء الشيخ الاجماع على الوجوب عجيب و لكن الخلاف و كذا الغنية مشحونان من هذه الاجماعات و منشأها ورود الأخبار في المسألة بضميمة تحقق الاجماع على الأخذ بالأخبار.

و كيف كان فما يمكن أن يستدل بها للوجوب أمور:

الأول: اجماع الفرقة المدعى في الخلاف.

و فيه وجود الشهرة على الخلاف حتى ان الشيخ بنفسه أيضا لم يفت بالوجوب في غير خلافه.

الثاني: قوله- تعالى-: «وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنّٰاتٍ مَعْرُوشٰاتٍ وَ غَيْرَ مَعْرُوشٰاتٍ وَ النَّخْلَ وَ الزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمّٰانَ مُتَشٰابِهاً وَ غَيْرَ مُتَشٰابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذٰا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ وَ لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» «1».

أقول: في مجمع البيان ما حاصله «ان في الآية قولين: احدهما: انه الزكاة العشر أو نصف العشر، عن ابن عباس و محمد بن الحنفية و

زيد بن أسلم ... و الثاني: انه ما تيسّر مما يعطى المساكين، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه و عطا و مجاهد و ابن عمر ... و قال ابراهيم و السدّي الآية منسوخة بفرض العشر و نصف العشر».

و في الفقه على المذاهب الأربعة أيضا حمل الآية على الزكاة.

و بالجملة فالجواب عن الاستدلال بالآية بوجهين:

الأول: حملها على الزكاة الواجبة.

فان قلت: لا يمكن تأدية الزكاة يوم الحصاد.

قلت: أولا ان المراد باليوم الزمان و زمان الحصاد واسع الى يوم التصفية و ذكره لتشريع أداء الزكاة قبل حمل الغلات الى المنزل. و ثانيا ان يوم الحصاد ظرف للحق لا للإيتاء فالمراد ايجاب اعطاء الحق الثابت في يوم الحصاد و الزكاة ثابتة يوم الحصاد لتعلقها حين انعقاد الحب.

الثاني: ان الحق فيها غير الزكاة و لكن الأمر محمول على الندب و حمل الأمر على الندب في

______________________________

(1)- سورة الأنعام، الآية 141.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 23

..........

______________________________

الكتاب و السنة غير عزيز و يشهد للحمل على الندب بعض الأخبار الآتية.

و في نفس الآية قرينة على كون الحق فيها غير الزكاة و هو قوله: «لٰا تُسْرِفُوا»*.

ففي الانتصار: «روي عن أبي جعفر- عليه السلام- في قوله- تعالى- «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» قال: ليس ذلك الزكاة أ لا ترى انه- تعالى- قال: «لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»* و هذه نكتة مليحة منه- عليه السلام- لان النهي عن السرف لا يكون إلّا فيما ليس بمقدر و الزكاة مقدرة».

الثالث: اخبار مستفيضة ذكرها في الوسائل في الباب 13 و 14 من أبواب زكاة الغلات.

فمنها صحيحة زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السلام- في قول اللّه- عزّ و جل-:

«وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» فقالوا جميعا: قال أبو جعفر: هذا من الصدقة تعطى المسكين القبضة بعد القبضة، و من الجذاذ الحفنة بعد الحفنة حتى يفرغ، الحديث «1».

و قد يقال ان قوله: «من الصدقة» يشعر بالاستحباب.

و فيه ان الزكاة المفروضة أيضا صدقة كما يشهد بذلك قوله- تعالى- «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» المفسر بالزكاة، و كذا قوله: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ ...».

و يحتمل ضعيفا ان يراد بقوله: «من الصدقة» الزكاة يعني بذلك ان الزكاة لا يجب تأخيرها الى التصفية بل الانسان يشرع في أدائها من يوم الحصاد الى أن تفرغ.

و لكن يردّ هذا الاحتمال بعض الاخبار الأخر.

و منها خبر أبي مريم، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ- «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» قال: تعطى المسكين يوم حصادك الضغث، ثم إذا وقع في البيدر، ثم إذا وقع في الصاع العشر و نصف العشر «2».

و منها خبر العياشي، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع» في قوله: «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» قال: حقّه يوم حصاده عليك واجب و ليس من الزكاة تقبض منه الضغث من السنبل لمن يحضرك من السؤال، و لا تحصد بالليل و لا تجز بالليل لأن اللّه يقول: «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» فاذا أنت حصدته بالليل لم يحضرك السؤال و لا تضحى بالليل «3»، الى غير ذلك من الأخبار و ظاهرها و إن كان الوجوب كظاهر الآية و لكن يجب حملها على الاستحباب بقرينة أخبار أخر:

منها خبر معاوية بن شريح قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: في الزرع حقان: حق تؤخذ به و حق تعطيه، قلت: و ما الذي اوخذ به و ما الذي أعطيه؟ قال:

أما الذي تؤخذ به فالعشر و نصف العشر، و أما الذي تعطيه فقول اللّه- عزّ و جل-: «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» يعني من حضرك

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 13 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 13 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 24

..........

______________________________

الشي ء بعد الشي ء و لا أعلمه الا قال: الضغث ثم الضغث حتى يفرغ «1». فان مقابلة الحقين ظاهرة في عدم وجوب الثاني لعدم الأخذ به، اللهم إلّا ان يقال: لا مانع من وجوب كليهما إلّا ان الأول يأخذه الحاكم و الثاني محوّل الى شخص المكلف.

و الظاهر كون معاوية بن شريح هو معاوية بن ميسرة بن شريح فنسب الى جده و يمكن ادراج خبره في الحسان و لا سيما لرواية ابن أبي عمير عنه هنا.

و منها خبر معمر بن يحيى انه سمع أبا جعفر- عليه السلام- يقول: لا يسأل اللّه عبدا عن صلاة بعد الفريضة و لا عن صدقة بعد الزكاة «2».

و منها ما رواه عبد اللّه بن الحسين قال: قال رسول اللّه «ص»: شهر رمضان نسخ كل صوم و النحر نسخ كل ذبيحة و الزكاة نسخت كل صدقة و غسل الجنابة نسخ كل غسل «3».

و يشهد للاستحباب أيضا اشتمال بعض الأخبار على الصدقة من البذر كقوله في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»: «و كذلك البذر، لا تبذر بالليل لأنك تعطى في البذر كما تعطى في الحصاد» «4»، و لم يقل بوجوبه أحد فالسياق يدل على الاستحباب في يوم الحصاد أيضا.

و يحتمل بعيدا كون حق الحصاد واجبا أولا ثم

نسخ بالزكاة فان حق الحصاد مذكور في سورة الأنعام و هي مكية و الزكاة وجبت رسما في السنة التاسعة من الهجرة حيث نزل قوله- تعالى-:

«خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» فقرأها رسول اللّه للناس ثم أمهلهم سنة ثم طالبهم بالزكاة. هذا ما يتعلق بحق الحصاد.

[في أن الحق المعلوم واجب آخر مثل الزكاة أم لا]

و أما الحق المعلوم فلم ينسب وجوبه الى أحد إلا الى الصدوق، ففي الهداية: «باب المعلوم سئل الصادق- عليه السلام- عن قول اللّه: «فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ» قال: هذا شي ء سوى الزكاة و هو شي ء يجب أن يفرضه على نفسه كل يوم أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة».

و في الفقيه أيضا روى رواية سماعة الآتية المعبر فيها بالفرض و قال في أول الفقيه:

«و لم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت الى ايراد ما أفتى به و أحكم بصحته».

و كيف كان فيستدل على وجوبه بقوله- تعالى-: «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسّٰائِلِ

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 13 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 12.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 13.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 25

..........

______________________________

وَ الْمَحْرُومِ» «1». و بأخبار مستفيضة ذكرها في الوسائل «2».

منها خبر سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: و لكن اللّه- عزّ و جلّ- فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة، فقال- عزّ و جل-: «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ» فالحق المعلوم غير الزكاة و هو شي ء يفرضه الرجل على نفسه في ماله يجب

عليه أن يفرضه على قدر طاقته و سعة ماله فيؤدّي الذي فرض على نفسه إن شاء في كل يوم و إن شاء في كل جمعة و إن شاء في كل شهر و قد قال اللّه- عز و جل- أيضا «أَقْرَضُوا اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً»* و هذا غير الزكاة و قد قال اللّه- عز و جل- أيضا:

«يُنْفِقُوا مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ سِرًّا وَ عَلٰانِيَةً» و الماعون أيضا و هو القرض يقرضه و المتاع يعيره، و المعروف يصنعه، و مما فرض اللّه- عز و جل- أيضا في المال من غير الزكاة قوله- عز و جل-: «الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ» و من أدّى ما فرض اللّه عليه فقد قضى ما عليه، و أدّى شكر ما أنعم اللّه عليه في ماله إذا هو حمده على ما أنعم اللّه عليه فيه مما فضّله به من السعة على غيره، و لما وفقه لأداء ما فرض اللّه- عز و جل- عليه و أعانه عليه.

و الحديث و سائر أخبار الباب تشتمل على أمور لا يقول بوجوبها أحد بل و نفس احالة الفرض و تعيين مقدار المفروض الى شخص المكلف من أوضح الأدلة على عدم الوجوب و الفرض بمعنى التقدير لغة كما ان الوجوب بمعنى الثبوت فلا صراحة فيهما بالنسبة الى الوجوب الفقهي الممنوع من تركه. بل الآية بعد الدقة في مفادها ربما تشعر بعدم الوجوب إذ لو كان الحق المعلوم واجبا لكان وجوبه من قبل اللّه و الحق ثابتا من قبله و بجعله و الذي كان في عهدة المكلف أدائه و امتثاله مع ان مفاد الآية بقرينة السياق كون نفس الحق و ثبوته أمرا اختياريا ثابتا من قبل المكلف فقبل الآية قوله:

«إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلىٰ صَلٰاتِهِمْ دٰائِمُونَ» و كما ان الدوام على الصلاة فعل اختياري ثابت من قبل المكلف فكذلك ثبوت الحق في المال أيضا فعل اختياري له فلا يصح تسميته واجبا شرعيا فتدبر.

هذا، مضافا الى أن ما مرّ من الروايات التي نفينا بها وجوب حق الحصاد تدل على عدم وجوب الحق المعلوم أيضا. فالواجب من قبل اللّه- تعالى- بعنوان الواجب المالي المقرّر دائما ليس إلا الزكاة و الخمس. بل قد مرّ منا احتمال أن تعم الزكاة المرغب فيها في الإسلام و في ساير الأديان و المذكورة في الكتاب و السنة عدلا للصلاة للخمس الاصطلاحي أيضا فيراد بالزكاة مطلق الواجب المالي المقرّر لسدّ الخلّات بشعبها و الذي هو قسيم للخمس و حرم على النبي و آله الصدقة، فتأمّل.

______________________________

(1)- سورة المعارج، الآية 24 و 25.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 26

[شروط وجوب الزكاة]

[الأول: البلوغ]

اشارة

و يشترط في وجوبها أمور: الأول: البلوغ فلا تجب على غير البالغ في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول (1)

______________________________

(1) هنا ثلاث مسائل يجب أن يبحث عنها: الأولى: في نقديه، الثانية: في مال تجارته، الثالثة: في غلاته و مواشيه.

[حكم الزكاة في نقدي الطفل]

أما النقدان ففقهاء الشيعة متفقة على عدم الزكاة فيهما لا وجوبا و لا ندبا و ادّعى جمع الاجماع فيها، نعم مقتضى اطلاق ابن حمزة في الوسيلة عدم الوجوب على الصبي و اللزوم في ماله لزوم الزكاة في ماله مطلقا فيؤدّيها الولي و لكن يرده الاجماع و أخبار الباب.

[حكم الزكاة في مال تجارة الطفل]

الثانية: زكاة مال تجارته فالمشهور على ثبوتها فيه استحبابا مثل البالغين و يدل عليه أخبار مستفيضة و منهم من قال بالوجوب فيها.

الثالثة: الغلات و المواشي ففيها ثلاثة أقوال: الأول: الوجوب الثاني: الاستحباب. الثالث:

عدم الوجوب و لا الاستحباب.

و أما أهل السنة فلم يفصلوا في مال الصبي بل اما حكموا فيه بالوجوب مطلقا أو العدم كذلك.

فلنحكي عبارة الخلاف (المسألة 41): «مال الصبي و المجنون إذا كان صامتا لا تجب فيه الزكاة و إن كان غلّات أو مواشي يجب على وليّه أن يخرج عنه، و قال الشافعي ما لهما مثل مال البالغ العاقل تجب فيه الزكاة و لم يفصّل و به قال عمرو ابن عمر و عائشة و رووه عن علي «ع» و عن الحسن بن علي «ع» و به قال الزهري و ربيعة و هو المشهور عن مالك و به قال الليث بن سعد و ابن أبي ليلى و أحمد و اسحاق و قال الأوزاعي و الثوري تجب الزكاة في مالهما لكن لا يجب إخراجها بل تحصى حتى إذا بلغ الصبي عرّفوه مبلغ ذلك فيخرجه بنفسه و به قال ابن مسعود و ذهب ابن شبرمة و أبو حنيفة و أصحابه الى أنه لا تجب في ملكهما الزكاة و لم يفصّلوا، دليلنا اجماع الفرقة و أيضا الأصل عدم الزكاة و ايجابها يحتاج الى دليل ... و يمكن أن يستدل بما

روي عن النبي «ص» انه قال: رفع القلم ... و لا يلزمنا مثل ذلك في المواشي و الغلات لأنا قلنا ذلك بدليل».

و في الناصريات: «و لا زكاة في مال الصبي في احد القولين، الصحيح عندنا أنه لا زكاة في مال الصبي من العين و الورق فأما الزرع و الضرع فقد ذهب أكثر أصحابنا الى أن الامام يأخذ منه الصدقة و قال أبو حنيفة و أصحابه لا زكاة في مال اليتيم على العموم ...، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المقدم ذكره ... و أيضا ما روي عن النبي أنه قال: رفع القلم».

و كيف كان فعدم الزكاة في النقدين بالنسبة الى الصبي مقطوع به و يدل عليه مضافا الى الاجماع الأخبار المستفيضة و العجب من الشيخ عدم اشارته إليها في الخلاف.

فمنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: في مال اليتيم عليه زكاة؟ فقال: إذا

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 27

..........

______________________________

كان موضوعا فليس عليه زكاة، فاذا عملت به فأنت له ضامن و الربح لليتيم «1».

و منها صحيحة زرارة و محمد بن مسلم انهما قالا: ليس على مال اليتيم في الدين و المال الصامت شي ء فاما الغلات فعليها الصدقة واجبة «2».

فالنقدين هما القدر المتيقن من المال و هل يختص بهما فتكون الغلات قسيما له أو يعمّ كل ماله مالية و قيمة فتكون الغلات قسما منها؟

لا يخفى ان في كلمات الشيخ الأنصاري- قدس سره- «ان بين المال و الملك عموما من وجه فالمال يقال لكل ماله مالية و قيمة بحيث يبذل بازائه المال و الملك يقال لماله اضافة خاصة الى شخص خاص فدار زيد مال و ملك له و الحبة من حنطة زيد

ملك له و ليس له مالية و أشجار الآجام مال و ليست ملكا لأحد».

و لكن ربما ينسبق الى الذهن من بعض الروايات كون المال منحصرا في النقدين و يؤيد ذلك كونهما معيار مالية الأشياء و قيمتها و بهما تقوّم الأشياء خارجا،

و في لسان العرب: «المال معروف، ما ملكته من جميع الأشياء ... قال ابن الأثير: المال في الأصل ما يملك من الذهب و الفضة ثم أطلق على كل ما يقتنى و يملك من الأعيان و اكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل لأنها كانت اكثر أموالهم».

فابن الأثير أيضا اعترف بأن الأصل في المال النقدان و كنت في قديم الوقت حينما أراجع روايات ابواب زكاة مال اليتيم و القرض و الدين و نحوها ينسبق الى ذهني اختصاص المال لغة او اصطلاحا عرفيا بالنقدين إذ هما المعيار للمالية و بهما يقوم الناس ثرواتهم و أرباحهم و خساراتهم.

هذا.

و لكن مع ذلك الأقوى عموم المال لجميع ما له مالية و قيمة و يبذل بازائه المال، و يشهد بذلك قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» بضميمة الروايات المستفيضة الواردة في تفسيرها من أن رسول اللّه «ص» قرأها بعد نزولها للناس و أمهلهم سنة ثم وضع الزكاة في تسعة و عفا عما سوى ذلك.

و من أخبار الباب أيضا صحيحة أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: ليس على مال اليتيم زكاة، و ان بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه فيما بقي حتى يدرك فاذا أدرك فانما عليه زكاة واحدة ثم كان عليه مثل ما على غيره من الناس. كذا في نقل الكليني و لكن في نقل الشيخ لهذه الرواية اضافة «3» فنتعرض لها في

مسألة زكاة غلات الطفل.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3 و 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 28

..........

______________________________

و منها أيضا صحيحة يونس بن يعقوب قال: ارسلت الى أبي عبد اللّه «ع» ان لي اخوة صغارا فمتى تجب على اموالهم الزكاة؟ قال: اذا وجب عليهم الصلاة وجب عليهم الزكاة، قلت:

فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال: اذا اتّجر به فزكّه «1».

و منها أيضا صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السلام- قال: سألته عن مال اليتيم، فقال: ليس فيه زكاة «2» الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

و اعلم ان الشيخ الطوسي حينما شرع في تأليف التهذيب شرحا لمقنعة شيخه المفيد كان بنائه ان يذكر في الروايات المذكورة جميع السند منه الى الامام المعصوم و لكنه بعد أن شرح مقدارا من كتاب الطهارة رأى ان هذا الأسلوب يوجب التطويل فبنى في نقل كل حديث على الابتداء باسم راو يأخذ الحديث من كتابه ثم ذكر في آخر التهذيب سنده الى مؤلف هذا الكتاب فصحيحة محمد بن مسلم الأخيرة مثلا أخذها الشيخ من كتاب سعد بن عبد اللّه و هو من الطبقة الثامنة يعني ان بينه و بين رسول اللّه «ص» بحسب الطبع سبع وسائط و الشيخ نفسه من الطبقة الثانية عشر فيكون بينه و بين سعد ثلاث وسائط طبعا و لم يكن بنائهم على نقل الحديث من كتاب إلّا إذا قرؤوه على شيخ و هكذا الى أن يصل الى من قرأ الكتاب على مؤلفه رعاية للاحتياط.

و

كيف كان فالأخبار المصرحة بعدم الزكاة في مال اليتيم مستفيضة ان لم تكن متواترة و النقدان هما القدر المتيقن من المال فلا زكاة فيهما من اليتيم لا وجوبا و لا ندبا بالإجماع و الأخبار الكثيرة، و اما حديث رفع القلم فلا يفيد هنا إذ المرفوع به قلم التكليف لا الوضع و لذا يثبت فيه الأحكام الوضعية و اليتيم لا خصوصية له فالمراد مطلق غير البالغ و يشهد لذلك مضافا الى وضوحه صحيحة يونس بن يعقوب التي مرت.

و قد اتضح بما ذكرنا عدم الزكاة في النقدين من الطفل لا وجوبا و لا استحبابا.

المسألة الثانية: الزكاة في مال التجارة لليتيم و يأتي البحث عنها عند تعرض المصنف لها في ذيل المسألة الأولى فانتظر.

[زكاة غلات الطفل و مواشيه]

المسألة الثالثة: في حكم الزكاة في غلات الطفل و مواشيه و الأقوال في المسألة ثلاثة:

الأول: الوجوب و به قال الشيخان و أبو الصلاح و ابن البراج.

الثاني: الاستحباب و هو المشهور بين المتأخرين.

الثالث: عدم الوجوب و لا الاستحباب و به قال ابن ادريس، فلنذكر بعض عبارات

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 29

..........

______________________________

الأصحاب:

ففي الخلاف (المسألة 41): «مال الصبي و المجنون اذا كان صامتا لا تجب فيه الزكاة و ان كان غلات أو مواشي يجب على وليه أن يخرج عنه».

و في النهاية: «و اما المجانين و من ليس بكامل العقل فلا يجب عليهم الزكاة في اموالهم المودعة و تجب عليهم فيما يحصل لهم من الغلات و المواشي و حكم الأطفال حكم من ليس بعاقل من المجانين ...».

و في المقنعة: «لا

زكاة عند آل الرسول في صامت أموال الأطفال و المجانين ... و على غلاتهم و أنعامهم الزكاة ...».

و في الناصريات: «الصحيح عندنا انه لا زكاة في مال الصبي من العين و الورق فاما الزرع و الضرع فقد ذهب أكثر أصحابنا الى أن الامام يأخذ منه الصدقة».

و في المختلف: «أوجب الشيخان و أبو الصلاح و ابن البراج الزكاة في غلات الطفل و المجانين و مواشيهم، و أوجب ابن حمزة الزكاة في مال الصبي ... و قال ابن ادريس لا زكاة على الأطفال و المجانين و نقله عن ابن أبي عقيل و هو الأقرب».

هذه بعض الكلمات في المقام.

و يدل على وجوب الزكاة العمومات الأولية الحاكمة بثبوت الزكاة في الأموال كقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و خصوص صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» انهما قالا: مال اليتيم ليس عليه في العين و الصامت شي ء فاما الغلات فان عليها الصدقة واجبة «1».

و الوجوب ظاهر في الوجوب الاصطلاحي أعني الالزام على الفعل و على فرض ارادة معناه اللغوي أعني الثبوت يكون الوجوب الاصطلاحي الفرد الأكمل منه فينصرف اليه اطلاق اللفظ، و المذكور في الصحيحة و ان كان خصوص الغلات و لكن يتم الحكم في المواشي أيضا بعدم القول بالفصل بينهما.

فان قلت: العمومات الأولية مخصصة بحديث رفع القلم.

قلت: حديث رفع القلم يختص بباب التكاليف و لذا يثبت للصغير و المجنون الأحكام الوضعية من النجاسة و الجنابة و الضمانات، و الثابت في باب الزكاة أولا قلم الوضع و بعد ثبوته يتصدى الولي لامتثاله.

فان قلت: العمومات مخصصة بما مرّ من الروايات الحاكمة بعدم الزكاة في مال اليتيم.

______________________________

(1)- التهذيب ج 1 ص 356.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 1، ص: 30

..........

______________________________

قلت: أولا يحتمل أن يراد بالمال في تلك الروايات النقدان لكونهما الملاك و المعيار في المالية حتى في الأشياء الأخر و قد مرّ عن ابن الأثير ان المال في الأصل ما يملك من الذهب و الفضة، و ثانيا ان بين عمومات الزكاة في الغلات و المواشي و بين قوله: «لا زكاة في مال اليتيم» عموما من وجه و لا دليل على تقديم الثاني على الأول في مورد التعارض.

هذا و لكن يرد في المقام أولا عدم ثبوت العموم فان قوله «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» محدود بما ورد في تفسيره في الروايات الكثيرة من ان رسول اللّه «ص» وضع الزكاة على تسعة و عفا عما سوى ذلك و هذه الروايات ليست في مقام بيان ثبوت الزكاة في جميع التسعة بل في مقام بيان عدم الزكاة فيما سواها و قوله «فيما سقت السماء العشر» أيضا لا اطلاق له لكونه في مقام بيان الواجب لا بيان ما فيه الواجب فتأمل فان عموم الآية لا يختلّ بهذه الروايات على فرض كون الآية في مقام تشريع الزكاة لا في مقام الحث على أخذ الزكاة مما ثبت تشريعها فيه قبل ذلك، و ثانيا لا نسلم اختصاص المال بالنقدين فانه مفرد الأموال الواقعة في الآية و هي عامة لجميع الأموال كما هو المستفاد من الأخبار الواردة في تفسيرها، فلا محيص إلّا عن الأخذ باطلاق قوله: «لا زكاة في مال اليتيم» و لا تراعى النسبة بينه و بين عمومات الزكاة في الغلات و المواشي، إذ نسبة العموم من وجه ثابتة بالنسبة الى أدلة زكاة النقدين أيضا فلو لم يؤخذ به لزم طرحه أو تخصيص بعض العمومات به دون بعض بلا مرجح،

مضافا الى ان لسان أدلة الزكاة لسان الاقتضاء للزكاة و لسان قوله «لا زكاة في مال اليتيم» لسان بيان المانع عنها و في أمثال ذلك يحكم العرف بتقديم الثاني فيكون المراد ان اليتيم مانع عن تعلق الزكاة مطلقا ثم على فرض لحاظ العموم من وجه يكون المرجع في مورد التعارض البراءة فتأمل.

و بالجملة لا مجال للأخذ بعمومات الزكاة على فرض ثبوتها بعد اطلاق قوله: «لا زكاة في مال اليتيم» و صحيحة زرارة و محمد بن مسلم يعارضها صحيحة أبي بصير بنقل الشيخ الحاكمة بعدم الزكاة في غلات اليتيم و سيأتي ذكرها و شرحها فالقول بالوجوب في الغلات مخدوش فكيف بالمواشي التي لا دليل عليها.

[الفرق بين التعارض و الحكومة]

تنبيه: قد عرفت ان وجه تقديم قوله: «ليس على مال اليتيم زكاة» على العمومات الأولية مع كون النسبة بينه و بين كل منها عموما من وجه لحاظه بالنسبة الى جميعها و تقديمه عليها و إلّا لزم طرحه أو تخصيص بعضها دون بعض بلا مرجح مضافا الى أن لسان المانع يقدم على لسان الاقتضاء بحكم العرف و هو المعبر عنه بالتوفيق العرفي.

و لكن في مصباح الفقيه ان قوله: «ليس على مال اليتيم زكاة» حاكم على العمومات الأولية المثبتة الواردة في كل نوع نوع من الأجناس و لا يلاحظ النسبة بين الحاكم و المحكوم.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 31

..........

______________________________

أقول: الظاهر عدم صحة ما ذكره اذ المقام من باب التعارض لا الحكومة.

بيان ذلك ان التعارض عبارة عن ورود حكمين مختلفين بالايجاب و السلب على موضوع واحد في عرض واحد سواء اختلفا بالتباين أو بنحو العموم و الخصوص مطلقا أو من وجه، فمثال الأول قوله: «أكرم العلماء» و قوله: «لا تكرم العلماء» و مثال

الثاني قوله: «اكرم العلماء» و قوله:

«لا تكرم النحويين» و مثال الثالث قوله: «اكرم العلماء» و قوله: «لا تكرم الفساق» ففي العموم و الخصوص مطلقا أو من وجه أيضا يرد الايجاب و السلب في عرض واحد على موضوع واحد أعني الخاص و مورد الاجتماع ففي باب التعارض يتعرض كل واحد من الدليلين لنفس النسبة التي يتعرض لها الدليل الآخر كلا كما في المتباينين أو بعضا كما في العامين من وجه أو مطلقا و لكن يخالف معه بالايجاب و السلب فالموضوع في القضيتين واحد كلا أو بعضا و المحمول أيضا واحد و محط الاختلاف النسبة بينهما فتختلفان فيها بالايجاب و السلب.

و أما في الحكومة فدليل الحاكم لا يتعرض للنسبة التي تعرض لها دليل المحكوم بل يتعرض لحيثية أخرى لم يتعرض لها دليل المحكوم من قبيل مقدمات الحكم و مؤخراته، و بعبارة أخرى من الأمور الواقعة في سلسلة علل الأحكام أو في سلسلة معلولاتها، فاذا قال المولى: «اكرم العلماء» فما تعرض له هذا الدليل هو النسبة الواقعة بين العالم و وجوب الاكرام بنحو الايجاب فلو تعرض الدليل الثاني لنفس هذه النسبة كلا أو بعضا بنحو السلب فهو من باب التعارض و لكن قوله: «اكرم العلماء» مسبوق بتصور المولى و تصديقه و عزمه و ارادته و جعله و إنشائه و كذا الموضوع و المحمول و ملجوق بوجوب اطاعته و استحقاق العقوبة و الذم على مخالفته و كذا وجوب اعادته و قضائه مثلا و لكن ليست هذه الأمور مفاد القضية بالمطابقة بل مما يحكم العقل بتحققها سابقة أو لا حقة أو مقارنة للنسبة، فلو قال المولى بدل قوله: «لا تكرم النحويين»: «ما تصورت اكرام النحويين» أو «ما أردت اكرام النحويين»

أو «ما انشأت وجوب اكرام النحويين» أو «ما جعلته» أو «النحوي ليس بعالم» أو «حارس الثورة عالم» أو «لا يجب اطاعة اكرام النحوي» أو «لا أعاقب على ترك اكرامه» أو «لا يجب الاعادة أو القضاء على من تركه» ففي جميع هذه الأمثلة ضيّق الحكم الأول أو وسّعه و لكن الدليل الثاني لم يتعرض لنفس النسبة التي تعرض لها الدليل الأول بل تعرض لحيثية أخرى يكون نتيجتها تضييق الحكم الأول أو توسعته و لسان الحاكم مقدم على لسان المحكوم فانه بمنزلة الشارح و المفسر للمراد عنه و بما ذكرنا يظهر عدم انحصار الحكومة في توسعة الموضوع أو تضييقه كما اشتهر بل هما من مصاديقها و الملاك فيها تعرض الحاكم لجهة من الدليل الأول لم يتعرض هو لهذه الجهة بل مما حكم العقل بتحققها سابقة أو لا حقة أو مقارنة له، فقوله «اكرم العلماء» يتعرض لنسبة وجوب الاكرام الى العلماء و لا يتعرض لتصور المولى و تصديقه و ارادته و لا لمعنى العالم و معنى الاكرام و حدودهما و لا للجعل و الانشاء بالحمل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 32

..........

______________________________

الأولي و لا لوجوب الاطاعة و استحقاق العقوبة على المخالفة و وجوب الاعادة أو القضاء معها فاذا تعرض الدليل الثاني لجهة من هذه الجهات يحكم بكون الثاني حاكما على الأول و مفسّرا له و مقدما عليه مطلقا من غير ملاحظة النسبة بينهما فتدبر.

فاذا عرفت هذا فنقول: بين قوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و قوله: «لا زكاة في مال اليتيم» عموم و خصوص مطلق و بين قوله: «لا زكاة في مال اليتيم» و بين دليل الزكاة في كل واحد من العناوين عموم من وجه، بداهة ان الموضوع في

دليل الزكاة جميع الناس و اليتيم بعض من هذا الموضوع فالدليلان متعارضان.

نعم لو قال «ما جعل الزكاة في مال اليتيم» كان حاكما نظير قوله «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» اذ مفاد الدليل الأول ليس هو الجعل و ان كان جعلا بالحمل الشائع فتقديم قوله «ليس على مال اليتيم زكاة» ليس من جهة الحكومة بل من جهة انه يلاحظ مع قوله «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً»، و بعبارة أخرى مع مجموع الأدلة المثبتة للزكاة لكونها بمنزلة دليل واحد فيكون خاصا بالنسبة اليه كيف و لو لوحظ مع كل منها فاما ان يقدم على الجميع فهو المطلوب أو تقدم هي عليه فيلزم طرحه أو يخصص به بعضها دون بعض فيلزم الترجيح بلا مرجح.

هذا مضافا الى ما مرّ من أن الظاهر من الدليلين بعد جمعهما هو ان وجود المال مقتض للزكاة و اليتم مانع عنها و في أمثال ذلك يقدم دليل المانع عرفا فهذا جمع عرفي يحكم به العرف بمناسبة الحكم و الموضوع.

و على أي حال فقوله «ليس في مال اليتيم زكاة» يدل على نفي الزكاة في جميع اموال اليتيم من النقدين و الغلات و المواشي فكما لا تجب في نقديه لا تجب في غلاته و مواشيه أيضا و المال يعمّ الجميع و ان كان يختلج بالبال قديما انه منحصر في النقدين.

و الحاصل ان قوله: «ليس في مال اليتيم زكاة» الوارد في أخبار مستفيضة ان لم تكن متواترة مقدم على العمومات المثبتة للزكاة فبه يرفع اليد عنها على فرض ثبوتها و اما قوله في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم: «فاما الغلات فعليها الصدقة واجبة» فتعارضها صحيحة أبي بصير بنقل الشيخ عن أبي عبد اللّه «ع» انه

سمعه يقول: «ليس في مال اليتيم زكاة، و ليس عليه صلاة، و ليس على جميع غلّاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة، و ان بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فاذا ادرك كانت عليه زكاة واحدة، و كان عليه مثل ما على غيره من الناس» «1»، و الكليني روى الحديث و حذف قوله: «و ليس على جميع غلّاته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة» «2». و الشيخ لما كان قائلا بوجوب الزكاة في غلات اليتيم حمل هذه الجملة على انه

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 33

[حكم من كان غير بالغ في بعض الحول]

و لا على من كان غير بالغ في بعضه، فيعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ (1)

______________________________

ليس في جميع غلاته زكاة بل في بعضها أعنى الأربع و هو خلاف الظاهر جدّا مضافا الى ان غير اليتيم أيضا كذلك.

فبمقتضى هذه الصحيحة يلزم توجيه صحيحة زرارة و محمد بن مسلم اما أولا فبحمل الوجوب فيها على تأكد الاستحباب، و الوجوب و ان صار ظاهرا في الحكم الإلزامي في اصطلاح الفقهاء و لكنه بحسب اللغة بمعنى الثبوت فيعمّ الندب و نظيره حمل الوجوب على غسل الجمعة في بعض الأخبار و لا سيما و ان الوجوب في الصحيحة لم يضف الى الشخص بل الى الغلّات و الوجوب الفقهي يضاف الى الشخص، و اما ثانيا فيحتمل كون الجملة خبرية و يكون في الكلام نحو تقية لا من جهة الفتاوى اذ فقهاء أهل السنة بين موجب للزكاة في مال

الطفل مطلقا كالشافعي و مالك و أحمد و غير موجب له مطلقا كأبي حنيفة فليس فيهم مفصل بين موضوعات الزكاة بل التقية من عمّال خلفاء الوقت فان الزكاة كانت هي الخراج المهم و كان عمالها يأخذونها عملا من الأموال الظاهرة التي كانت بالمرأى كالغلّات و المواشي و مال التجارة و اما النقدان فلم يكونا من الأموال الظاهرة فيكون المراد بقوله: «واجبة» ان الزكاة ثابتة عليها عملا و لذا أضاف الوجوب اليها فقال: «فعليها الصدقة واجبة». و على هذا الاحتمال فلا يبقى دليل على الاستحباب أيضا بخلاف الاحتمال الأول فان الصحيحة دليل عليه بعد رفع اليد عن ظهورها في الوجوب بقرينة الصحيحة الأخرى.

هذا في الغلات و اما في المواشي فلا دليل على الاستحباب فيها الّا ما قيل من عدم القول بالفصل بينها و بين الغلات فمن أوجب الزكاة أوجبها فيهما و من قال بالندب قال فيهما و لكن عدم القول بالفصل لا حجية فيه إلّا اذا رجع الى القول بعدم الفصل بنحو يكشف عن قول المعصومين- عليهم السلام- اذ حجية الاجماع بسيطا و مركبا عندنا من جهة كشفه عن الحجة أعنى قول المعصوم- عليه السلام- و ان كان عند اهل السنة لنفس عنوانه موضوعية لما رووه عن النبي «ص» من انه قال: «لا تجتمع أمتي على خطأ».

(1) في المسألة ثلاثة احتمالات: الأول: ان يعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ افتى به المصنف و هو المشهور بين من تعرض للمسألة بل نسب الى ظاهر الأصحاب المشعر بالإجماع أيضا.

الثاني: ان يعتبر من حين الملكية فلو بلغ في أثناء السنة حسب ما قبله أيضا اختاره المحقق السبزواري في الذخيرة فقال على ما حكي عنه: «المستفاد من الأدلة عدم وجوب

الزكاة على الصبي ما لم يبلغ و هو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه عليه، اذ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 34

..........

______________________________

لا يستفاد من أدلّة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف».

و محصّل كلامه ان كلا من البلوغ و حلول الحول شرط لتعلق الزكاة فهما شرطان في عرض واحد لتعلق الزكاة و لا دليل على اشتراط احد الشرطين بالشرط الآخر و هذه قاعدة كلية في كل مورد ذكر لحكم شروط متعددة فالجميع شروط في عرض واحد لهذا الحكم و لا يقتضي هذا تقدما لبعض الشروط على بعض لاحتياجه الى عناية زائدة فمتى حصل الجميع و لو في آن واحد يثبت الحكم قهرا.

الثالث: ان يفصّل بين تحقق البلوغ قبل الورود في الشهر الثاني عشر و بعده اذ الحول في الزكاة يتحقق بحلول الشهر الثاني عشر فلو بلغ قبل ذلك فبحلول الشهر يتحقق الشرطان فيجب الزكاة و اما اذا بلغ بعد ذلك فلا يحسب الأشهر السابقة اذ وقت التعلق حلول الشهر الثاني عشر و المفروض عدم التعلق حينئذ لعدم البلوغ.

أقول: المسألة لم تكن معنونة في كتب القدماء المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة فلا يوجد فيها شهرة قدمائية فضلا عن الاجماع فيجب اتمامها بالقواعد.

و العمدة في المسألة ما أشار اليه السبزواري من ان الشرطين اعتبرا في عرض واحد او طولين و الظاهر من الأدلة هو الثاني اذ الظاهر من قوله: «لا زكاة في مال اليتيم» ان مال اليتيم ليس موضوعا للزكاة بل موضوعه مال البالغ فيكون البلوغ شرطا في الموضوع نظير قوله: «لا زكاة في مال الغائب» و قوله: «لا زكاة في الدين» و مضي الحول يجب أن يكون فيما هو موضوع الزكاة بعد ما

صار موضوعا له فليس البلوغ و الحول معتبرين في عرض واحد.

نعم في باب وجوب القصر على المسافر البالغ يعتبر القيدان في عرض واحد فلا يعتبر كون السفر في حال البلوغ فلو سافر عن قصد ثم بلغ يجب عليه القصر، كيف و مقتضى ما ذكره المحقق السبزواري وجوب الزكاة على الصبي بعد ما بلغ بالنسبة الى السنين السابقة بأجمعها اذ مضي الحول على قوله لا يعتبر أن يكون في حال البلوغ فاذا مضت سنوات على ماله ثم بلغ تحقق الشرطان في ماله و لو متعاقبين فيجب الزكاة و لا يفتي بهذا أحد. هذا.

و قد يستدل على المقام بأن الصبي لا يتمكن من التصرف و هو شرط اجماعا فيكون المقام نظير مال الغائب الذي يعتبر فيه الحول بعد التمكن.

و فيه ان البلوغ شرط آخر وراء التمكن من التصرف و الفرق بين المقامين ان في الغائب السلطنة على المال ناقصة و لا نقص في ذي السلطنة و في الصغير ليست السلطنة ناقصة و انما النقص في ذي السلطنة فيقوم وليه مقامه، نظير قيام الوكيل مقام موكّله فتدبر.

و قد يستدل أيضا بصحيحة أبي بصير السابقة عن أبي عبد اللّه «ع» انه سمعه يقول: ليس في

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 35

..........

______________________________

مال اليتيم زكاة، و ليس عليه صلاة، و ليس على جميع غلّاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة، و ان بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فاذا ادرك كانت عليه زكاة واحدة، و كان عليه مثل ما على غيره من الناس «1».

و مورد الاستدلال اولا قوله: «ليس في مال اليتيم زكاة» بتقريب مرّ و ثانيا قوله: «و ان بلغ

اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة» بتقريب ان قوله: «ما مضى» يشمل السنة التامة و الناقصة فلا يحسب ما مضى.

أقول: الاستدلال بالجملة الأولى قد مرّ بيانه و اما بالجملة الثانية فيتوقف على بيان الاحتمالات الجارية فيها و هي على ما في مصباح الفقيه أربعة و نضيف إليها واحدا فتصير خمسة:

الأولى: ان يجعل قوله: «و ان بلغ اليتيم ...» مرتبطا بالفقرة السابقة عليه النافية للزكاة على غلاته فيكون المراد بالموصول في «ما مضى» و «ما يستقبل» الغلّات و بالادراك بلوغها حد الكمال الذي يتعلق بها الزكاة. استظهر هذا الاحتمال في المصباح و المستمسك و عليه فالرواية أجنبية عن المدّعى.

الثانية: ان يراد بالموصول الزمان أعم من السنّة و بعضها و بالادراك ادراك اليتيم او ان التعلق بماله من حلول الحول أو انعقاد الحبّ و عليه فتصير الرواية دليلا على المدّعى من عدم حساب ما مضى من الشهور.

الثالثة: ان يراد بالموصول الزمان كذلك و بالادراك بلوغه حدّ الرشد الذي يرتفع به الحجر فتصير الرواية أجنبية أيضا، و لكن يرده عدم القول باشتراط الرشد في تعلق الزكاة.

الرابعة: ان يراد بالموصول الزمان المستقل في ايجاب الزكاة أعني السنة التامة لا مطلق الزمان و لذا يقبح أن يقال: ليس عليه لليوم الماضي أو الشهر الماضي زكاة، و عليه تكون الرواية على خلاف المطلوب أدلّ و لا أقل من سكوتها عن بعض السنة.

الخامسة: ما احتملناه و هو ان تكون «ان» في قوله: «و ان بلغ اليتيم» وصلية فتكون الجملة مرتبطة بما قبلها و تكون الفاء في قوله: «فليس عليه ...» تفريعية لا جزائية و يراد تكرار المقصود ببيان أو في فيكون المعنى: فليس على اليتيم لما مضى من سنّه و ما يستقبل

زكاة حتى يدرك البلوغ الشرعي فاذا بلغ كانت عليه زكاة واحدة اما استحبابا كما قد يقال أو بعد تحقق الشرائط التي منها حلول الحول فيما يعتبر فيه و يؤيده قوله: «و كان عليه مثل ما على غيره من الناس»، فيكون عطفا تفسيريا و يكون المقصود دفع توهم انه عند اليتم و ان لم يكن عليه شي ء و لكن بعد اليتم يؤدّي زكاة السنوات السابقة، و لعل هذا الاحتمال الخامس أظهر الاحتمالات فلا ترتبط الرواية

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 36

[حكم ما لا يعتبر فيه الحول من مال الطفل]

و اما ما لا يعتبر فيه الحول من الغلات الأربع فالمناط البلوغ قبل وقت التعلق (1) و هو انعقاد الحبّ و صدق الاسم على ما سيأتي.

[الثاني: العقل]

[تساوي المجنون و الطفل]

الثاني: العقل (2) فلا زكاة في مال المجنون في تمام الحول،

______________________________

بالمسألة و لو سلّم فنمنع ظهور الاحتمال الثاني و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و كيف كان فالحق في المسألة عدم حساب ما مضى و ابتداء الحول من حين البلوغ و قد عرفت وجهه و ان المدار في المسألة كون الشرطين أعني البلوغ و الحول في عرض واحد كما هو الظاهر في أكثر الأبواب او طوليين كما هو الظاهر من اخبار الباب فتدبر.

و اما التفصيل بين كون البلوغ قبل حلول الشهر الثاني عشر أو بعده فلا وجه له اذ مع فرض كون الشرطين في عرض واحد فكل واحد منهما اذا تحقق اولا ينتظر الثاني منهما فاذا تحققا معا تحقق المشروط و هو التعلق قهرا.

هذا و لكن الأحوط مع تحقق البلوغ قبل الشهر الثاني عشر اداء الزكاة اذا حلّ الحول و لو كان بعضه قبل البلوغ.

(1) لو قيل بكون عنوان البلوغ شرطا للتعلق فلا محالة يعتبر تحققه قبله.

و لكن لأحد ان يقول: لا دليل على شرطية عنوان البلوغ بل المستفاد من الأدلة كون اليتم مانعا فلو قارن البلوغ و انعقاد الحب كان المحكّم عمومات الزكاة لعدم صدق قوله: «لا زكاة في مال اليتيم» حينئذ بل يمكن أن يقال: مع شرطية البلوغ أيضا انه شرط في عرض شرطية انعقاد الحب فكلاهما شرطان في عرض واحد للتعلق و لا دليل على لزوم تقدم أحد الشرطين على الآخر ففي صورة المقارنة أيضا تتعلق الزكاة قهرا فتدبر.

(2) قد ذكر في أكثر كلمات الأصحاب التي مرّت،

المجنون مساويا لليتيم في الحكم فراجع.

و في الجواهر: «الأكثر بل المشهور ان حكم المجنون حكم الطفل لكن ان لم يكن اجماعا أشكل اثبات ذلك لعدم دليل معتدّ به على هذه التسوية الا مصادرات لا ينبغي للفقيه الركون اليها».

فالواجب الرجوع الى أخبار المسألة و اخبار اليتيم أربع طوائف:

الأولى: المستفيضة الحاكمة بعدم الزكاة في مال اليتيم مطلقا.

الثانية: صحيحة زرارة و محمد بن مسلم الحاكمة بوجوب الصدقة في غلاته.

الثالثة: صحيحة أبي بصير الحاكمة بعدم الزكاة في غلاته.

الرابعة: المستفيضة الحاكمة بثبوت الزكاة في مال تجارته و سيأتي البحث عنها.

و اما المجنون فالأخبار فيه طائفة واحدة حاكمة بعدم الزكاة في ماله إلّا في مال تجارته.

فمنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: امرأة من أهلنا مختلطة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 37

..........

______________________________

أ عليها زكاة؟ فقال: ان كان عمل به فعليها زكاة و ان لم يعمل به فلا «1».

و منها خبر موسى بن بكر قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن امرأة مصابة و لها مال في يد أخيها هل عليه زكاة؟ قال: ان كان أخوها يتجر به فعليه زكاة «2».

و قد يتوهم بقرينة التفصيل في الصحيحة بين ان يعمل بالمال و غيره ان المراد به خصوص النقدين اذ الظاهر من العمل المضاربة و لا تصح إلا في النقدين.

و أجيب عن ذلك بأن السؤال عن الزكاة على المختلطة فهو عامّ فيراد بعدم العمل به في الجواب أعم من عدم القابلية أيضا فيعم الغلات و المواشي. هذا في الصحيحة و اما في الخبر فالاتجار يعم الغلات و المواشي أيضا.

و يفهم من اخبار باب اليتيم و المجنون ان غرض الشارع بقاء مالهما لهما لقصورهما و لو تعلقت الزكاة

بما لهما اكلته الزكاة لتكررها في كل سنة و كذلك العبد و اما زكاة مال التجارة فلا توجب فناء المال كما لا يخفى.

و كيف كان فلا زكاة في مال المجنون بالنسبة الى نقديه لا وجوبا و لا استحبابا و اما في غلاته و مواشيه فلا حديث في الباب بالخصوص و الحقه الشيخان و غيرهما باليتيم فيهما و قد مرّ استشكال صاحب الجواهر في ذلك.

و في المعتبر «ألحق الشيخان المجانين بالصبيان في ايجاب الزكاة في مواشيهم و غلاتهم، و يجب التوقف في ذلك و مطالبتهما بدليل ما ذكراه فانا لا نرى وجوب الزكاة على مجنون ثم لو سلمنا الوجوب في غلّة الطفل تبعا لما ادّعياه فمن اين يلزم مثله في المجنون فان جمع بينهما بعدم العقل كان جمعا بقيد عدمي لا يصلح للعلة و يمكن الفرق بين الطفل و المجنون بان الطفل لبلوغه التكليف غاية محققة فجاز ان تجب الزكاة في ماله لانتهاء غاية الحجر».

و في الشرائع «و قيل حكم المجنون حكم الطفل و الأصحّ انه لا زكاة في ماله إلّا في الصامت اذا اتجر له الولي استحبابا».

فالأمر في زكاة غلات المجنون و مواشيه مشكل اللهم إلّا ان يتمسك بالعمومات و قد ناقش في ثبوتها بعض و لكن قد مرّ منّا ان الأموال في قوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» جمع مضاف يفيد العموم اللهم إلّا ان يدعى انصرافه عن مال الطفل و المجنون و لا سيما بلحاظ قوله: «تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا ...» كما لا يبعد ذلك هذا.

و اما في مال تجارة المجنون فتثبت الزكاة كما دل عليه الخبران.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب

3 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 38

[حكم المجنون في بعض الحول]

او بعضه و لو ادوارا (1) بل قيل: ان عروض الجنون آنا مّا يقطع الحول.

لكنه مشكل، بل لا بدّ من صدق اسم المجنون و انه لم يكن في تمام الحول عاقلا، و الجنون آنا مّا بل ساعة و ازيد لا يضر لصدق كونه عاقلا.

______________________________

تنبيه: لا يخفى انه لا اشكال في عدم وجوب الزكاة تكليفا على اليتيم و المجنون و انما البحث في تعلقها بهما وضعا فكان الأولى للمصنف أن يقول: «و يشترط في تعلقها أمور» فافهم.

(1) ليس في كلمات القدماء في المسألة تصريح بقسمي المجنون.

و أول ما رأيته في التذكرة قال فيها: «لو كان الجنون يعتوره اشترط الكمال طول الحول فلو جنّ في أثنائه سقط و استأنف من حين عوده».

و ظاهر كلامه اضرار الجنون و لو ساعة في طول الحول و الالتزام بذلك مشكل جدّا اذ كثيرا ما يتفق الجنون و اختلال الحواس للناس لبعض العوارض و الأغذية في ساعة أو يوم و الالتزام بقطع ذلك للحول بعيد.

و في المدارك: «اما ذو الادوار فالاقرب تعلق الوجوب به في حال الافاقة اذ لا مانع من توجه الخطاب اليه في تلك الحال» ثم نقل عبارة التذكرة ثم قال: «و هو مشكل لعدم الظفر بما يدل على ما ادعاه».

و التحقيق ان يقال: لو ثبت بالدليل اشتراط العقل طول الحول كالبلوغ فالجنون آنا ما يضرّ فكيف بالساعة و اليوم و لا يفيد صدق كونه عاقلا في الحول بالصدق المسامحي العرفي فان موضوعات الأحكام و ان كانت تؤخذ من العرف لا من العقل و لذا نحكم بطهارة لون الدم و ان كان بحسب الدقة بقايا

اجزائه و لكن الملاك دقة العرف لا مسامحته فالعرف يحكم بالمسامحة على منّ من حنطة الّا مثقال انه منّ و على الصوم من طلوع الفجر الى الليل الا دقيقة انه صوم يوم و لكنه يتوجّه الى انه مسامحة منه بحيث لو سئل عن حكمه بالدقة يحكم بالسلب و لذا لا نكتفي في الكر و النصاب و الصوم و نحوها بالمسامحات العرفية فكذلك العرف في مثل من كان عاقلا طول السنة الا ساعة و ان كان يحكم بكونه عاقلا في السنة مسامحة و لكنه يتوجه الى كونه حكما مسامحيّا فلا اعتبار بهذا الحكم العرفي المسامحي في تعيين الموضوعات الشرعية.

هذا و لكن الذي يسهّل الخطب انه لا دليل على اعتبار عنوان العقل في المقام كما لا دليل على اعتبار عنوان البلوغ، بل الذي ثبت بالأدلة في المسألة السابقة عدم الزكاة في مال اليتيم و بعد الغاء الخصوصية عدم الزكاة في مال الصغير و في مسألتنا هذه عدم الزكاة في مال المختلط و اذا فرض ان امرأة تكون عاقلة طول السنة و لكنه عرضها جنون ما في بعض الساعات لا يصدق في حقّها انها امرأة مختلطة و اذا لم يصدق عليها هذا العنوان شملها عمومات الزكاة، نعم لو كان يعتورها الجنون كثيرا في طول السنة يصدق عليها المختلطة عرفا فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 39

[الثالث: الحرية]

[لا زكاة على العبد]

الثالث: الحرية فلا زكاة على العبد و ان قلنا بملكه (1)

______________________________

(1) في التذكرة: «باجماع العلماء و لا نعلم فيه خلافا إلا عن عطاء و أبي ثور».

أقول: موضوع العبيد و الإماء منتف في عصرنا فتفصيل البحث عنه بلا فائدة و لكن نشير اليه اشارة اجمالية فنبحث أولا عن مالكيته و ثانيا عن عدم

الزكاة في ماله.

اما الأول: فالمشهور عدم ملكه بل ادعى فيه الاجماع بل ربما قيل انه مذهب الإمامية.

و استدلوا لذلك بالأصل. و فيه ان عمومات اسباب الملك محكمة عليه بل واردة. و بقوله- تعالى-: «عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ» «1». فيدل على عدم الملكية الاختيارية، و بعدم القول بالفصل تنفى الاضطرارية أيضا، و بقوله أيضا: «ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ شُرَكٰاءَ فِي مٰا رَزَقْنٰاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوٰاءٌ» «2». و فيهما ان المنفي الاستقلال و المساواة مع السيد لا أصل القدرة و الملكية. و بأخبار كثيرة منها صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر- عليه السلام- في المملوك ما دام عبدا فانه و ماله لأهله لا يجوز له تحرير و لا كثير عطاء و لا وصية إلّا ان يشاء سيّده «3». هذه احدى الروايات التي ذكرها الشيخ في زكاته للدلالة على عدم مالكيته. و أنت ترى ان دلالتها على المالكية أظهر غاية الأمر كونه محجورا عن كثير من التصرفات.

و قد يستدل لذلك أيضا بأنه مال و لا يملك المال مالا.

و فيه ان الملكية امر اعتباري تابعة لاعتبار العقلاء الا ان يرد الردع و المعمول في عصرنا تمليك اموالهم حتى لكلابهم و سنانيرهم و عندنا جواز التمليك حتى للأمكنة كالمساجد و الحسينيات مثلا و لذا نوصي من يريد ان يقف فرشا مثلا على المسجد ان لا يقفه عليه بل يملكه إياه ليكون المتولي للمسجد في سعة لتبديله اذا رآه صلاحا للمسجد.

هذا و هنا اخبار كثيرة دالة على مالكيته و منها اخبار المقام الدالة على عدم الزكاة في ماله اذ حملها على السالبة بانتفاء الموضوع خلاف الظاهر جدّا.

و المحتملات في المال

المنسوب الى العبد أربعة: كونه له مستقلا دون مولاه، و العكس، و كونه لهما لا بالمناصفة بل يعتبر لكل منهما بتمامه في عرض واحد، و كونه بتمامه لكل منهما طولا نظير مملوكية دار زيد لزيد و للّه- تعالى- طولا بل و مملوكية داره له و لأبيه كما يستفاد من قوله: «أنت و مالك لأبيك» فراجع الأخبار الواردة فيه. و الأول خلاف الآيات و الروايات و الأقوال و الثالث غير معتبر عند العقلاء ظاهرا فيبقى الثاني و الرابع و الأقوى الرابع فيكون المال للعبد و من طريقه

______________________________

(1)- سورة النحل، الآية 75.

(2)- سورة الروم، الآية 28.

(3)- الوسائل ج 13 الباب 78 من كتاب الوصايا، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 40

..........

______________________________

و مسيره للمولى حيث انه يملك العبد بشراشر ذاته و توابعه و منها ماله فتدبر.

و اما الثاني أعني عدم الزكاة في ماله فقد يستدل عليه بعدم مالكيته و بحجره عن التصرف في ماله و بالأخبار الواردة و يردّ الأول بمنعه و الثاني بالنقص بالسفيه فالعمدة هي الأخبار.

فمنها صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ليس في مال المملوك شي ء و لو كان الف الف درهم و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا، و نحوها صحيحته الأخرى بل الظاهر اتحادهما «1». و المستفاد منهما عدم الزكاة في ماله مطلقا فبذلك يدفع توهم عدم الزكاة عليه لكونها على مولاه لتوهم كون المال ماله.

و منها خبر وهب، عن الصادق عن آبائه عن علي- عليهم السلام- قال «ليس في مال المكاتب زكاة» «2». و لا فرق بين المكاتب و غيره قطعا بل الحكم ثابت في غيره بالأولوية.

و منها موثقة اسحاق بن عمار قال:

قلت لأبي عبد اللّه «ع»: ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر ... قلت: فعلى العبد أن يزكّيها اذا حال عليه الحول؟ قال: لا إلّا أن يعمل له فيها، و لا يعطى العبد من الزكاة شيئا «3».

و قد رأيت في مال الصبي و المجنون أيضا ما دلّ على عدم الزكاة فيه إلّا أن يعمل به فيستفاد من هذه الأخبار ان الصبي و المجنون و العبد مشتركون في ان اللّه- تعالى- راعى جهة قصورهم الذاتي فلم يشرع الزكاة في مالهم حفظا له من النقصان إلّا ان يعمل به فتثبت الزكاة في ربحه.

و منها خبر عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قلت له: مملوك في يده مال أ عليه زكاة؟ قال: لا، قال: قلت: فعلى سيّده؟ فقال: لا لأنه لم يصل الى السيد و ليس هو للمملوك «4».

نعم ليست الرواية صريحة في كون المال للمملوك فلعله كان للمولى وديعة عند عبده يتّجر به له ثم انقطع منه خارجا فصار من مصاديق ما لا يتمكن من التصرف فيه.

و في الجواهر احتمل كون قوله: «و ليس هو للمملوك» حالا من الضمير المستتر في قوله:

«لم يصل» فيكون المراد انه لم يصل اليه وصولا تاما بل وصل اليه و هو للعبد. و لكنه احتمال بعيد و يشبه اللاحجية.

و كيف كان فالأخبار السابقة دلت على مالكية العبد و انه ليس في ماله بما هو ماله زكاة

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1 و 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب

من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 41

من غير فرق بين القن و المدبّر و أم الولد و المكاتب المشروط و المطلق الذي لم يؤدّ شيئا من مال الكتابة (1)،

[وجوب الزكاة في مال المبعض]

و اما المبعّض فيجب عليه اذا بلغ ما يتوزع على بعضه الحر النصاب (2).

______________________________

لا عليه و لا على مولاه نظير الصبي و المجنون فهذا ما يظهر من الأخبار فالحرية شرط آخر وراء المالكية كما في المتن أيضا.

و لكن هنا احتمالات اخر كلها بعيدة عن وجه الصواب:

الأول: ان تطرح الأخبار بكثرتها بتوهم كونها معرضا عنها اذ مفادها مالكية العبد، و هي خلاف الآيات و الروايات و الشهرة المحققة القريبة من الاجماع.

الثاني: ان تحمل على عدم الزكاة فيما بيد العبد من المال لعدم كونه مالا له شرعا بل هو مال لمولاه و عليه زكاته.

الثالث: ان تحمل على عدم الزكاة فيه لا عليه و لا على مولاه و المال لمولاه شرعا.

و الحق ان الظاهر منها ما ذكرناه فاما ان يؤخذ به كما هو الأقوى و اما ان تطرح الأخبار و اما الاحتمالان الآخران فبعيدان جدّا عن مساغها. هذا.

و اما ما في المعتبر من أنه اذا قلنا لا يملك فلا بحث لأن المال للمولى فعليه زكاته و ان قلنا يملك فعلى العبد زكاته فمرجعه الى طرح الأخبار.

ثم انه ربما ينقدح في الذهن ان عدم الزكاة عليه لقصوره فلو جعله المولى مستقلا و حوّل أموره الى نفسه فعلى ماله زكاة مثل سائر الناس و ربما يستدل لذلك بخبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى «ع» قال: ليس على المملوك زكاة إلا باذن مواليه

«1». و لكن الخبر مضافا الى ضعفه بعبد اللّه بن الحسن المجهول معرض عنه ثم انه ليس صريحا في مال العبد فلعل المال لمولاه فان اراد العبد اداء زكاته لزم اذن المولى فتدبر.

(1) كل ذلك لإطلاق الأخبار مضافا الى كون المكاتب منصوصا عليه في خبر وهب كما مرّ و ان كان ضعيفا.

(2) كما هو المشهور بل نسب الى قطع الأصحاب و حكى الاتفاق عليه كذا في المستمسك.

أقول: ليس الفرع من المسائل الأصلية المأثورة حتى يتمسك فيه بالاتفاق أو الشهرة، و الاحتمالات المتصورة ثلاثة.

الأول: ثبوت الزكاة في جميع مال المبعّض عملا بعمومات الزكاة بعد ادعاء انصراف أخبار

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 42

[الرابع: ان يكون مالكا]

الرابع: ان يكون مالكا فلا تجب قبل تحقق الملكية (1).

______________________________

المقام عن المبعض.

الثاني: عدم الزكاة أصلا أما في جزئه الرق فللرقية و اما في جزئه الحر فلأن أدلة التكاليف تنصرف عن اجزاء المكلف.

الثالث: ما في المتن من التوزيع لأن في جزئه الحرّ المقتضى أعني عموم أدلة الزكاة موجود و المانع و هو الرقية مفقود و هو الأقوى.

(1) اجماعا كما عن نهاية الاحكام، و عليه اتفاق العلماء كما في المعتبر، و هو قول العلماء كافة كما في المنتهى، و هل يراد بها أصل الملكية في مقابل المباح فلا تتعلق الزكاة بالنصاب اذا فرض عدم كونه ملكا لأحد كالعنب الموجود في الآجام، أو الملكية الخاصة كما في الموهوب قبل القبض أو القرض قبله حيث لا تجب على الموهوب له و المستقرض لعدم حصول الملكية لهما و ان وجبت على الواهب و المقرض؟ كل محتمل بدوا، و على الأول تكون الملكية شرطا لأصل

التعلق كما في البلوغ و العقل و الحرّية، و على الثاني شرطا للوجوب على شخص خاص، و لكن الظاهر من المصنف بقرينة الأمثلة الثاني.

و لا يخفى ان عبارات الأصحاب في بيان هذا الشرط و الشرط الخامس مختلفة.

ففي الشرائع: «و الملك شرط في الأجناس كلها و لا بدّ ان يكون تاما ... و التمكن من التصرف في النصاب معتبر في الأجناس كلها».

فتراه اعتبر ثلاثة شروط: الملكية و التمامية و التمكن من التصرف، و المصنف اعتبر الملكية و التمكن من التصرف شرطين.

و في القواعد ذكر شرطا و هي كمالية الملك ثم قال ما حاصله: «و أسباب النقص ثلاثة: الأول منع التصرف فلا تجب في المغصوب و لا الضال و لا المجحود. الثاني تسلط الغير عليه فلا تجب في المرهون و لا الوقف و لا منذور التصدق به. الثالث عدم قرار الملك فلو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلّا بعد القبول و القبض، و لو اوصي له اعتبر الحول بعد الوفاة و القبول».

و عن البيان أيضا انه ذكر التمام خاصة ثم قال: «و النقص بالمنع من التصرف و الموانع ثلاثة:

أحدها الشرع كالوقف و منذور الصدقة و الرهن غير المقدور على فكه. الثاني القهر فلا تجب في المغصوب و المسروق. الثالث الغيبة فلا زكاة في الموروث حتى يصل اليه او الى و كيله و لا في الضال و المدفون مع جهل موضعه».

و كيف كان فاصل الملكية معتبرة بلا إشكال اذ الزكاة جعلت في اموال الأغنياء للفقراء كما يستفاد من قوله- تعالى- «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و من اخبار باب الزكاة بكثرتها فراجع.

و في الجواهر «بل الظاهر ذلك فيما كان الملك فيه بالجهة العامة كالمملوك للفقراء و العلماء

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 43

..........

______________________________

و نحوهم».

أقول: لو كان النصاب لمنصب الامامة و للحكومة الاسلامية فعدم تعلق الزكاة و الخمس به واضح اذ هما من الضرائب الاسلامية، و لا تتعلق بالماليات ماليات، و يدل على ذلك مضافا الى وضوحه قوله في مرسلة حماد الطويلة المذكورة في باب الخمس «... و ليس في مال الخمس زكاة ... و لذلك لم يكن على مال النبي و الولي زكاة لأنه لم يبق فقير محتاج، الحديث» «1».

و ليس المراد بمال النبي و الولي مال أشخاصهما بل ما لمنصبهما كما هو واضح فان شخص النبي و الامام مكلفان بالتكاليف الاسلامية مثل سائر الأشخاص فعليهما الصلاة و على مالهما الزكاة بعد تحقق الشرائط و بما ذكرنا يظهر المراد من خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

قلت له: اما على الامام زكاة؟ فقال: احلت يا أبا محمد اما علمت ان الدنيا و الآخرة للإمام يضعها حيث يشاء و يدفعها الى من يشاء جائز له ذلك من اللّه، الحديث «2».

فالدنيا و الآخرة للإمام بما هو امام لا لجعفر بن محمد «ع»، بما هو شخص و ليس في مال الامام بما هو امام أي في بيت المال زكاة و إن كان مال شخص جعفر بن محمد يتعلق به الزكاة قطعا.

و يدل على عدم الزكاة في مال الامام أيضا قوله- عليه السلام- في خبر البزنطي الوارد في أرض الخراج الذي يقبلها الامام: «... و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم ...» «3».

حيث خصّ الزكاة بحصص المتقبلين، و اما ما كان ملكا لسائر العناوين كالعلماء أو للأمكنة كالمساجد و الحسينيات بناء على صحة اعتبار الملكية لها كما

هو الأقوى لبناء العقلاء عليه فهل تتعلق بها الزكاة او الخمس لتعلق الماليات بكل ما يستفيد من امكانيات الحكومة اولا لانصراف الآية و الروايات؟ و جهان، هذا.

و اما عدم وجوب الزكاة على غير المالك فيدل عليه مضافا الى وضوحه صحيحة الكناني عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل ينسئ أو يعيّن فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟ قال:

يزكّيه و لا يزكي ما عليه من الدين إنما الزكاة على صاحب المال. و كذا قوله- عليه السلام- في خبر ابن مهزيار: «... لا تجب عليه الزكاة إلا في ماله» و في خبر ابن جعفر عن أخيه- عليه السلام- «... إنما الزكاة على صاحب المال» «4».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(2)- أصول الكافي ج 1 باب ان الأرض كلها للإمام ص 408.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1، 2 و 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 44

كالموهوب قبل القبض (1) و الموصى به قبل القبول (2)،

______________________________

(1) بناء على أنه شرط في الملك ناقل و كذا على الكشف الحكمي، و اما على الكشف الحقيقي فلا يكون المثال من باب فقد الملك و كذا بناء على كونه شرطا في اللزوم لا في الصحة.

ففي المختلف «الظاهر من كلام الشيخين ان الاقباض شرط في لزوم الهبة لا في صحتها و به قال ابن البرّاج و سلّار و ابن حمزة و ابن ادريس ... و قال أبو الصلاح انه شرط الصحة و نقله ابن ادريس عن أكثر علمائنا، و الوجه الأول».

و لكن في الجواهر عن التذكرة: «لا

يحصل الملك بدونه عند علمائنا أجمع».

و عن الايضاح «عليه اجماع الامامية و نص الأئمة».

و عن نهج الحق «ذهبت اليه الامامية».

و عن الدروس «لعل الأصحاب ارادوا باللزوم الصحة».

ثم قال في الجواهر: «الظاهر ان مراده في المختلف من الصحة الحاصلة بدون القبض صحة العقد من حيث كونه عقدا لا صحته بمعنى ترتب الملك عليه».

و في المستمسك «المحكي عن المحققين التصريح بأن المراد من كون القبض شرطا في اللزوم انه شرط في الملكية على نحو الكشف الحقيقي».

و لا يخفى ان كلماتهم في المسألة لا تخلو من تشويش و محل البحث عنها كتاب الهبة فراجع.

و كيف كان فلو حال الحول على النصاب بعد العقد و قبل القبض وجبت الزكاة على الواهب بناء على النقل أو الكشف الحكمي لا على المتهب لعدم الملكية له، و اما على الكشف الحقيقي فبالقبض ينكشف عدم ملكيته للواهب و بالنسبة الى الموهوب له لم يحل الحول عليه عند ربه و سيأتي اعتباره و مقتضى ذلك عدم تعلق الزكاة به اصلا و كذا على القول باشتراط القبض في اللزوم.

(2) الظاهر كون الوصية العهدية ايقاعا و لا يعتبر فيها القبول اصلا، و اما في التمليكية فهل القبول جزء نقلا او كشفا أو شرط كذلك أو شرط في استقرار الملك لا في أصل ثبوته أو لا يعتبر أصلا و لكن الرد مانع أو لا يعتبر شي ء اصلا فتحصل الملكية المستقرة بصرف الايجاب و الوفاة كالإرث؟ وجوه، فالمحتملات سبعة.

و الظاهر ان مفهوم الوصية التي يعبّر عنها في الفارسية ب «سفارش» مفهوم واحد في كلا قسميها من العهدية و التمليكية و تتحقق بصرف الايجاب فهي ايقاع مطلقا فليس القبول جزء فيها و لكن لمّا كان دخول المال قهرا في

ملكية الغير مخالفا للأصل من سلطنة الناس على نفوسهم تكوينا و اعتبارا عند العقلاء فالأقوى اعتبار القبول شرطا في حصول الملكية نقلا.

و لكن المصنف في باب الوصية يختار عدم اعتبار القبول أصلا بل يجعل الردّ مانعا فما ذكره

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 45

او قبل القبض (1) و كذا في القرض لا تجب الّا بعد القبض (2)

[الخامس: تمام التمكن من التصرف]

[الأقوال في المسألة]

الخامس: تمام التمكن من التصرف فلا تجب في المال الذي لا يتمكن المالك من التصرف فيه بأن كان غائبا و لم يكن في يده، و لا في يد وكيله (3)

______________________________

هنا مخالف لما يختاره هناك.

و قد يقال: ان مقتضى عمومات الوصية كقوله- تعالى- «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» «1»، و نحوه عدم اعتبار شي ء. و مقتضاه انتقال المال بالموت قهرا كالإرث و الوقف بالنسبة الى نمائه و لكن الالتزام بحكم مخالف للأصل يحتاج الى دليل قوي و اثبات ذلك بعمومات الوصية مشكل و تفصيل ذلك في كتاب الوصية.

(1) لم يتحقق قول باعتبار القبض هنا مضافا الى القبول و لذا قيل بأنه سهو من قلم المصنف بدل «قبل الوفاة».

هذا و لكن يمكن ان يقال: ان المراد به القبول العملي في قبال القبول اللفظي و لا دليل على اعتبار خصوص اللفظ فيه بناء على اعتباره فتدبر.

(2) لاعتباره في حصول الملكية به عندنا كما عن التذكرة بل ادعوا عليه الاجماع.

(3) في الحدائق «مما لا خلاف فيه فيما اعلم».

و في المدارك: «هذا الشرط مقطوع به في كلام الأصحاب بل قال في التذكرة انه قول علمائنا أجمع».

و في زكاة الشيخ الأعظم: «التمكن من التصرف شرط في وجوب الزكاة اجماعا محققا في الجملة و مستفيضا».

هذا و لكن اثبات الاجماع

لهذا العنوان مشكل، و المذكور في الأخبار بكثرتها مال الغائب او المال المدفون، و في كلمات الأصحاب عناوين خاصة مثل مال الغائب و المال المجحود و المسروق و المغصوب و الضال و نحوها.

و الظاهر ان اجماع التذكرة أيضا على العناوين الخاصة لا عنوان التمكن من التصرف فلنذكر بعض عبارات الأصحاب.

ففي الخلاف (المسألة 29): «من كان له مال: دراهم أو دنانير فغصبت أو سرقت أو جحدت أو غرقت أو دفنها في موضع ثم نسيها و حال عليه الحول فلا خلاف انه لا تجب عليه الزكاة منها لكن في وجوب الزكاة فيه خلاف فعندنا لا تجب فيه الزكاة و به قال أبو حنيفة و أبو يوسف

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 181.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 46

..........

______________________________

و محمد و هو قول الشافعي في القديم و قال في الجديد: تجب فيه الزكاة و به قال زفر. دليلنا اجماع الفرقة و أخبارهم لا يختلفون في ذلك».

و في المقنعة: «و لا زكاة على المال الغائب عن صاحبه اذا عدم التمكن من التصرف فيه و الوصول اليه».

و في النهاية «و لا زكاة على مال غائب إلّا اذا كان صاحبه متمكنا منه أي وقت شاء فان كان متمكنا منه لزمته الزكاة ... و من ورث مالا و لا يصل اليه إلا بعد أن يحول عليه أحوال فليس عليه زكاة إلّا أن يصل اليه و يحول عليه حول».

و في الغنية: «و اما شرائط وجوبها في الذهب و الفضة فالبلوغ و كمال العقل و بلوغ النصاب و الملك له و التصرف فيه بالقبض أو الأذن و حلول الحول عليه و هو كامل في الملك».

و في الشرائع: «و التمكن من التصرف في النصاب معتبر في

الأجناس كلها».

و في التذكرة: «يشترط في وجوب الزكاة تمامية الملك و أسباب النقص ثلاثة: منع التصرف و تسلط الغير و عدم قرار الملك فلا تجب الزكاة في المغصوب و لا الضال و لا المجحود بغير بينة و لا المسروق و لا المدفون مع جهل موضعه عند علمائنا أجمع».

و لعل المتبادر من منع التصرف المنع الشرعي كما في المرهون و الموقوف و المنذور التصدق به و من تسلط الغير المنع الخارجي و من عدم القرار مثل الموهوب قبل القبض و نحوه و لكن الأمثلة كلها من قبيل المنع الخارجي و الاجماع أيضا عليها لا على عنوان التمكن.

و كيف كان فهنا جهات من البحث نشير إليها لتكون على بصيرة حين ذكر أخبار الباب:

الأولى: هل يعتبر عنوان التمكن من التصرف أو يقال: لا دليل على ذلك و إنما المتيقن عدم الزكاة في مال الغائب أو المال الغائب المذكورين في الأخبار؟

الثانية: على فرض اعتبار عنوان التمكن من التصرف فهل يراد به التمكن من جميع التصرفات أو يكفي التمكن من بعضها؟

و قالوا ان مقتضى الأول عدم تحقق مصداق له و لا سيما اذا أريد به الأعم من الشرعي لأن الانسان ممنوع عادة أو قانونا أو شرعا من كثير من التصرفات في ماله.

و مقتضى الثاني وجوب الزكاة حتى في موارد الأخبار و الفتاوى أيضا لإمكان بيع المال الغائب أو المغصوب و لو بأقل من قيمته أو هبته للغاصب و نحو ذلك.

الثالثة: هل المراد به التمكن الخارجي أو الأعم منه و من الشرعي لأن الممنوع شرعا كالممتنع عقلا و خارجا؟ و مثاله المرهون و الموقوف و المنذور التصدق به.

الرابعة: هل المراد به الاستيلاء الفعلي على المال بحيث يكون قبض المال و بسطه

فعلا بيده

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 47

..........

______________________________

أو الأعم منه و من التمكن و القدرة على الاستيلاء بتقريب ان التمكن من الاستيلاء يعدّ استيلاء عرفا و لا سيما في القوة القريبة من الفعل؟

الخامسة: هل يعتبر التمكن في خصوص النقدين أو فيما يعتبر فيه الحول مطلقا أو في الأجناس كلها حتى في الغلّات فيعتبر فيها وجود التمكن في وقت تعلق الزكاة؟

فلنذكر أخبار المسألة ثم نرجع الى توضيح هذه الجهات.

[أخبار المسألة]

فالأولى: ما رواه سدير الصيرفي قال: قلت لأبي جعفر- عليه السلام-: ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظنّ ان المال فيه مدفون فلم يصبه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين، ثم انه احتفر الموضع الذي من جوانبه كله فوقع على المال بعينه كيف يزكّيه؟ قال: يزكّيه لسنة واحدة لأنه كان غائبا عنه و ان كان احتبسه «1».

و السند صحيح إلّا بسدير فانه ممدوح و هو بفتح السين، و قوله: «يزكّيه لسنة واحدة» هل يحمل على الوجوب تعبّدا أو بلحاظ السنة الأولى حيث ان العلم بغيبة المال حصل بعد السنة الأولى أو يحمل على الاستحباب كما أفتى به كثير أو يحمل على الوجوب بعد تحقق الشرائط التي منها الحول بعد العثور على المال و قد ذكر ردّا لمن يفتي بعدم الوجوب ما دام المال غائبا فاذا عثر عليه يزكيه لجميع السنين الماضية كما أفتى به زفر و الشافعي في الجديد؟ وجوه.

و الظاهر عدم الافتاء بالأول و يردّ الثاني بأن المانع من تعلق الزكاة الغيبة الواقعية لا العلم بها و المفروض حصولها في السنة الأولى أيضا و يشهد للأخير روايتا اسحاق بن

عمار الآتيتان المصرّحتان بعدم الزكاة بعد قدوم الغائب حتى يحول الحول إذ الفرق بين مال الغائب و المال المدفون بلا وجه.

هذا و لكن الحكم بالزكاة يوجد في خبر رفاعة و مرسلة ابن بكير أيضا. و حمل الجميع على كون المراد الزكاة بعد حلول الحول عنده بعيد فلعل الحمل على الاستحباب كما صنعه الاصحاب هو الأظهر فتدبر.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 47

الثانية: موثقة اسحاق بن عمار قال: سألت أبا ابراهيم- عليه السلام- عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو و مات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟

قال: يعزل حتى يجي ء، قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال: لا حتى يجي ء، قلت: فاذا هو جاء أ يزكّيه؟

فقال: لا حتى يحول عليه الحول في يده «2».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 48

..........

______________________________

الثالثة: موثقته الأخرى عنه «ع» قال: سألته عن رجل ورث مالا و الرجل غائب هل عليه زكاة؟ قال: لا حتى يقدم، قلت: أ يزكّيه حين يقدم؟ قال: لا حتى يحول عليه الحول و هو عنده «1».

و الروايتان ترجعان الى واحدة لاتحادهما راويا و مرويّا عنه و مفادا.

الرابعة: صحيحة رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثم يأتيه فلا يرد رأس المال كم يزكّيه؟ قال: سنة واحدة «2».

و قد مرّت المحتملات في قوله: «سنة واحدة» و قوله: «فلا يرد»

يمكن أن يكون مثالا و ان يكون مضاعفا معلوما و مجهولا.

الخامسة: صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن رجل أخذ مال امرأته فلم تقدر عليه أ عليها زكاة؟ قال: إنما هو على الذي منعها «3».

و هو كناية عن نفي الوجوب أو محمول على أخذه قرضا مع اجتماع الشرائط.

السادسة: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه «ع» قال: لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك «4».

السابعة: مرسلة عبد اللّه بن بكير عمن رواه (زرارة) عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه؟ قال: فلا زكاة عليه حتى يخرج فاذا خرج زكّاه لعام واحد، فان كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين «5».

هكذا في الوسائل المطبوعة جديدا فجعل زرارة نسخة و لذا عبّر في أكثر الكتب الفقهية عن الرواية بالموثقة، و لكن في التهذيب و الاستبصار «عمن رواه» فالحديث مرسل.

هذا و لكن ابن بكير من أصحاب الاجماع فلعل ارساله غير مضرّ.

و يفهم من الرواية عدم لزوم كون المال عنده و بيده فعلا بل يكفي القدرة على أخذه فهل يؤخذ بذلك و به يعمّم سائر الأخبار بتقريب ان القوة القريبة من الفعل بمنزلة الفعلية أو يقدم ظهور سائر الأخبار في الفعلية المحضة و يحمل هذا الخبر على الدين كما قيل أو على الاستحباب كما حمل العام الواحد فيه عليه؟ و جهان و سيأتي البحث عنه.

الثامنة: صحيحة ابراهيم بن أبي محمود قال: قلت لأبي الحسن الرضا- عليه السلام-: الرجل

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من

تجب عليه الزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 49

..........

______________________________

يكون له الوديعة و الدين فلا يصل اليهما ثم يأخذهما متى يجب عليه الزكاة؟ قال: اذا أخذهما ثم يحول عليه الحول يزكّي «1».

و ليس المراد من قوله: «لا يصل إليهما» عدم كونهما فعلا في يده بل الظاهر منه عدم قدرته على قبضهما و بسطهما فلا يشمل من يقدر على الأمر و النهي فيهما بالتليفون مثلا و مورد الرواية المال الغائب و صرح فيها باشتراط الحول فلا يجب بدونه و لو زكاة سنة واحدة.

التاسعة: صحيحة الفضلاء الخمسة: زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد و الفضيل عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السلام- قالا: ليس على العوامل من الابل و البقر شي ء ...

و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فيه فاذا حال عليه الحول وجب عليه «2».

و المستفاد من مجموع هذه الأخبار اشتراط حلول الحول على المال و هو عنده و بيده و عند ربه و ان غيبة المال الموجبة لاحتباسه عنه و انقطاعه منه مانعة عن تعلق الزكاة به.

و يشهد لذلك أيضا الأخبار الواردة فيمن ترك لأهله نفقة و غاب عنهم فراجع الوسائل الباب 17 من أبواب زكاة النقدين.

فمنها صحيحة أبي بصير أو موثقته عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قلت له:

الرجل يخلف لأهله ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتين عليه زكاة؟ قال: إن كان شاهدا فعليها زكاة، و ان كان غائبا فليس فيها شي ء، و نحوها موثقة اسحاق بن عمار.

و منها مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول؟ قال: ان كان مقيما زكاه و ان كان غائبا لم يزك.

و لعله ينسبق الى الذهن من هذه المرسلة عدم وجوب الزكاة عليه لا على عياله و لكن المستفاد من خبر أبي بصير عدم وجوب الزكاة في هذا المال أصلا، و النفقة ليست ملكا للعيال بل هي باقية على ملك المعيل، و لا يخفى ان السفر و الغيبة في تلك الأعصار كانا يوجبان انقطاع الشخص من أهله و ماله بالكلية بحيث ربما كان يخلف لأهله مالا كثيرا و يحتاج في سفره الى قليل منه و لا يجد إليه سبيلا فلو فرض كون قبض المال و بسطه بيده و لو في سفره بحيث يأمرهم فيه بأوامره بالتليفون أو يمكن له ذلك بسهولة فالحكم بعدم الزكاة فيه حينئذ مشكل بل ممنوع فوزان هذه الأخبار أيضا وزان سائر الأخبار الدالة على اعتبار كون المال عنده و بيده، و هذا المضمون ربما يستفاد من أخبار اخر أيضا متشتتة في الأبواب المختلفة و لا سيما باب زكاة الدين فتتبّع.

اذا عرفت هذا فلنرجع الى جهات البحث الخمسة التي أشرنا إليها.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 50

[عنوان التمكن من التصرف ليس في الأخبار]

______________________________

الجهة الأولى: قد رأيت انه ليس من عنوان التمكن من

التصرف في هذه الأخبار بكثرتها عين و لا أثر، و مورد الجميع المال المدفون و الغائب و الحق به الأصحاب المغصوب و المسروق و المجحود و بعضهم المرهون و الموقوف و منذور التصدق أيضا مما يكون المنع فيها شرعيا لا خارجيا و يستفاد من الأخبار اعتبار كون المال بيده و عنده و عند ربه و مشهودا و غير محتبس عن صاحبه، فما هو العنوان المعتبر؟ و المحتملات بدوا ثلاثة:

الأول: ان يصطاد من الجميع عنوان التمكن من التصرف و يؤيد بالإجماعات المنقولة فيقع البحث في ان المراد به التمكن من جميع التصرفات أو بعضها و ان المانع من تعلق الزكاة المانع الخارجي التكويني أو الأعم منه و من المانع الشرعي.

و الظاهر عدم ارادة جميع التصرفات و إلّا لما تحقق له مصداق و لا سيما اذا اريد به الأعم من الشرعي اذ لا يخلو انسان من المنع عادة أو قانونا أو شرعا من كثير من التصرفات في ماله. و لا يراد تصرف ما أيضا و إلا لوجبت الزكاة حتى في المال الغائب المنقطع عنه لإمكان هبته للغاصب مثلا و بيعه بأقل من ثمنه بل المراد كونه بحيث يقدر على نوع التصرفات المتعارفة و يكون قبض المال و بسطه خارجا بيده أو بيد وكيله.

هذا و لكن عرفت خلو الأخبار و أكثر كلمات الأصحاب المتقدمين من هذا العنوان.

الثاني: ان يكون المعتبر كون المال بيد الانسان بما هي امارة على الملكية و يحكم على صاحبها في باب الترافع بكونه منكرا و كون البينة على خصمه. و الالتزام بهذا المعنى أيضا مشكل فان النفقة الموضوعة عند العيال و كذا المال المدفون في ملك الانسان اذا نسى موضعه تحت يد الانسان بهذا

المعنى و ان لم يتمكن من التصرف فيه فعلا.

الثالث: أن يكون المعتبر كون المال بيده بما انها آلة للقبض و البسط و اعمال القدرة في قبال كونه محتبسا عن ماله و منقطعا عنه خارجا.

و هذا هو الملاك المستفاد من الأخبار و من الأمثلة المذكورة في كلمات الأصحاب. فالمذكور في الأخبار و ان كان المال المدفون و الغائب و لكن لا يمكن الالتزام بموضوعية نفس الغيبة المقابلة للحضور. فمن كانت له نقود أو زروع أو مواشي متفرقة في البلدان و يتصرف فيها بوسيلة أياديه و وكلائه فهل يمكن الالتزام بعدم وجوب الزكاة عليه؟ و قد عرفت ان الغيبة في تلك الأعصار كانت موجبة لانقطاع الانسان من ماله بحيث ربما كان يحتاج الى قليل منه و لا يصل اليه فالظاهر ان الملاك استيلاء الانسان خارجا على المال و كون قبضه و بسطه بيده بحيث يقدر على نوع التصرفات فيه و لو بالأمر الى وكلائه و أياديه و هذا هو المراد من كونه بيده و عنده و عند ربه.

نعم ربما يتفق لهذا مصاديق مشتبهة أيضا فلو فرض ان حاكما مقتدرا أراد مصلحة صاحب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 51

..........

______________________________

المال و حفظ ماله فمنعه عن نقله و انتقاله دون مثل الأكل و الشرب و السكون و التلبس فهل يصدق كونه بيده و عنده أو لا؟ و لو كان الأب مراعيا لمصالح ابنه فمنعه من التصرفات الناقلة في ماله و كان الابن مطيعا له فهل تتعلق الزكاة بمثل هذا المال مع كون الابن منقطعا قهرا عن التصرفات الناقلة فيه؟ في المسألة و جهان. و الظاهر تعلقها به و سيأتي البحث عن حكم الشك فانتظر. هذا.

و للشيخ الأعظم في المقام

كلام لا بأس بالاشارة اليه و الى ما قيل فيه قال- قدس سره- ما حاصله: «ان المراد بالتمكن من التصرف في معاقد الاجماعات الذي يظهر اعتباره من النصوص هو كون المال بحيث يتمكن صاحبه عقلا و شرعا من التصرف فيه على وجه الاقباض و التسليم و الدفع الى الغير بحيث يكون من شأنه بعد حول الحول ان يكلف بدفع حصة منه الى المستحقين اذ المستفاد من أخبار المسألة انه اذا حال الحول على المال في يده و عنده يتعلق به الوجوب بلا مدخلية شي ء آخر في الوجوب فحلول الحول عليه و هو عنده تمام الموضوع و علة تامة له فيكون المراد بذلك التمكن من الاخراج و التسليم الى الغير لأن هذا التمكن شرط في آخر الحول الذي هو وقت الوجوب قطعا فلو كان المعتبر في تمام الحول شيئا آخر لزم توقف الوجوب مضافا الى كونه في يده تمام الحول الى شي ء آخر و قد عرفت ان كونه في يده و عنده تمام الموضوع و علة تامة بلا مدخلية شي ء آخر فما هو المعتبر في تمام الحول هو الذي يعتبر في آخر الحول قطعا». هذه خلاصة ما ذكره الشيخ- قدس سره.

و أجاب عنه في مصباح الفقيه بما حاصله «أولا: ان الأخبار ليست مسوقة الّا لبيان اشتراط تعلق الزكاة بوصول المال اليه و بقائه تحت يده حتى يحول عليه الحول لا انحصار شرائط الزكاة به و كونه سببا تاما لذلك و لذا لا تنافي بينها و بين ما دلّ على اعتبار سائر الشرائط كالنصاب و نحوه، و ثانيا سلمنا ظهورها في السببية التامة و لكن لا ينافي ذلك كونه ممنوعا عن التصرف فيه بالدفع و الاقباض لو

لا تعلق الزكاة، اذ قد يكون جواز الدفع و الاقباض مسببا عن ايجاب الزكاة عليه كما لو نذر أو حلف أو أمره أبوه أن لا يخرج النصاب عن ملكه الى ما بعد الحول فاذا تعلق به الزكاة ارتفع النهي الناشئ من قبل هذه العناوين الطارئة، و ثالثا: التمكن من الاقباض حال تعلق الزكاة ليس شرطا في تعلق الوجوب اذ قد يكون ممنوعا عن الاقباض عقلا و شرعا حال تعلق الوجوب و ليس ذلك مانعا من تعلقه كما في المال المشترك البالغ سهمه حد النصاب المتعذر في حقه تسليمه الى الفقير بدون اذن شركائه».

و في المستمسك أجاب عن الشيخ بما حاصله «ان هنا أمرين: ثبوت الزكاة في المال، و وجوب دفعها الى مصرفها و التمكن من الدفع في آخر الحول إنما يكون شرطا في وجوب الدفع، و التمكن من التصرف طول الحول شرط في ثبوتها في المال فلو بنى على أن التمكن من التصرف طول الحول سبب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 52

..........

______________________________

تام و انه بمعنى آخر غير التمكن من الدفع لم يلزم ان يكون الشرط في ثبوت الزكاة أمرين اذ احدهما شرط للثبوت و الآخر شرط لوجوب الدفع».

هذا و للشيخ الأعظم هنا كلام آخر واضح الإشكال قال ما حاصله: «قد يتوهم ان عمومات الزكاة بعد تخصيصها بغير المتمكن من التصرف تصير أعم من وجه من عمومات نفي الزكاة في مال الغائب و هو توهم محض لأن العام اذا ورد عليه خاصان فلا بدّ أن يخصص بكليهما لا ان يخصص باحدهما ثم تؤخذ النسبة بينه بعد التخصيص و بين الخاص الآخر».

أقول: ليس هنا خاصان حتى يبحث في طوليتهما أو عرضيتهما اذ الدليل على اعتبار التمكن

من التصرف ليس إلّا ما دلّ على عدم الزكاة في مال الغائب من الأخبار التي مرّت فتدبر.

[المعتبر التمكن من جميع التصرفات أو بعضها]

الجهة الثانية: قد ظهر بما ذكرنا في بيان العنوان المعتبر في المقام ما هو الحق في الجهة الثانية أيضا و هو ان المعتبر التمكن من جميع التصرفات أو بعضها و ان الملاك نوع التصرفات بحيث يصدق كون قبض المال و بسطه بيده و ان كان بعض التصرفات ممنوعا عادة أو قانونا أو شرعا فراجع.

[حكم القدرة على الاستيلاء]

و تأتي الجهة الثالثة أعني حكم القدرة على الاستيلاء في ذيل المسألة التاسعة فانتظر.

[التمكن من التصرف معتبر في الأجناس كلها]

الجهة الرابعة: في الشرائع «و التمكن من التصرف في النصاب معتبر في الأجناس كلها».

و في المسالك «أما ما لا يعتبر فيه (الحول) كالغلات فان استوعب الغصب مدة شرط الوجوب و هو نموّه في ملكه بأن لم يرجع حتى بدا الصلاح لم يجب و لو عاد قبل ذلك و لو بيسير وجبت كما لو انتقلت الى ملكه حينئذ».

و استشكل عليه في المدارك «بكون الروايات فيما يعتبر فيه الحول و لا دلالة لها على حكم ما لا يعتبر فيه الحول بوجه و لو قيل بوجوب الزكاة في الغلات متى تمكن المالك من التصرف لم يكن بعيدا».

و ردّه الشيخ في زكاته بما حاصله: «انه خلاف فتاوى الأصحاب بل ظاهر ما يستفاد من الأخبار فان قوله في رواية سدير «لأنه كان غائبا عنه» يدل بمقتضى التعليل على أن كل مال غائب لا تجب عليه الزكاة و لا شك في عدم القول بالفصل بينه و بين مطلق غير المتمكن منه كالمغصوب و المجحود و نحوهما فاذا كان الزرع حال انعقاد حبّته مغصوبا فالزكاة لا تتعلق بعينها حينئذ فلا تتعلق به بعد ذلك أيضا لانقضاء وقت التعلق ألا ترى انه لو دخلت في ملك المكلف بعد ذلك أو حدث شرط لم يكن قبل ذلك انتفى الزكاة اجماعا».

أقول: الظاهر صحة ما ذكره الشيخ و أفتى به المحقق من العموم اذ المستفاد من التعليل كون الغيبة تمام العلة و تمام الموضوع للحكم و لو كان الحكم منحصرا بما فيه الحول صارت الغيبة جزء الموضوع و الجزء الآخر كونه مما فيه الحول فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 53

و لا

في المسروق و المجحود و المدفون في مكان منسيّ، و لا في المرهون (1)

______________________________

و يستفاد هذا من سائر أخبار المسألة أيضا و إن ذكر في آخرها الحول فحديث اسحاق بن عمار عن أبي ابراهيم- عليه السلام- «سألته عن رجل ورث مالا و الرجل غائب هل عليه زكاة؟

قال: لا حتى يقدم ...» «1» يشمل باطلاقه الغلات أيضا و لو فرض عدم اعادة السائل السؤال اقتصر الامام على هذا الجواب المطلق، غاية الأمر انه لما اعاد السؤال بقوله «أ يزكيه حين يقدم؟» صرح الامام بلزوم حولان الحول فقال: «لا حتى يحول عليه الحول و هو عنده» و لا محالة يكون لزومه فيما يعتبر فيه لا مطلقا فتأمل.

و اما قول الشيخ بأنه خلاف فتاوى الأصحاب فان أراد بذلك استظهار الاجماع في المسألة فيرد عليه عدم كون الفرع معنونا في كلمات القدماء من أصحابنا فراجع.

[عدم وجوب الزكاة في المرهون]

(1) الجهة الخامسة: لا يخفى ان المذكور في أخبار المسألة كما مرّ المال المدفون أو الغائب و دلّت على عدم الزكاة فيه حتى يحول عليه الحول عنده أو بيده و الغيبة في تلك الأعصار كانت موجبة لانقطاع الانسان من ماله بالكلية و عدم كون قبضه و بسطه بيده فليس لنفس عنوان الغيبة موضوعية بل المانع انقطاع الانسان من ماله و الشرط استيلاؤه عليه و كون قبضه و بسطه بيده و في المقنعة و النهاية الموضوعتان لنقل الفتاوى المأثورة عن الأئمة- عليهم السلام- أيضا لم يذكر إلّا مال الغائب نعم ذكر في كتب المتأخرين المغصوب و المسروق و المجحود أيضا لوجود الملاك فيها و يشترك الجميع في كون الانقطاع و الممنوعية فيها خارجيا و لكن هنا أشياء ليست الممنوعية فيها خارجية بل شرعية كالمرهون و

الموقوف و منذور التصدق و قد تعرضوا لها في الكتب المتعرضة للتفريعات و الشيخ أيضا تعرض لها في مبسوطه.

و قال في أول المبسوط ما حاصله «اني عملت على قديم الوقت كتاب النهاية و ذكرت فيها المسائل الأصلية التي رواها الأصحاب في مصنفاتهم و لما كثر طعن المخالفين على أصحابنا بقلة الفروع و المسائل ألّفت المبسوط لذكر التفريعات المستنبطة من الأصول».

فهذا السنخ من المسائل مسائل تفريعية استنبطها الأصحاب و ليست مأثورة حتى يتمسك في مثلها بالإجماع أو الشهرة.

و كيف كان فالممنوع الشرعي اما أن يكون بنحو ثبت فيه حق للغير و نقص في الملكية كما في المرهون و نحوه و اما لا كما اذا نهاه والده عن التصرف في ماله بالكلية و كان يتأذى من عصيانه فالموجود هنا على فرض القول به المنع التكليفي الصرف.

اما في الثاني فنقول ان أثّر نهي الوالد في الولد و انقطع بسببه خارجا من المال فالظاهر عدم

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 54

..........

______________________________

الزكاة و اما اذا لم يؤثر فيه خارجا و لم ينقطع من المال عملا فالزكاة تتعلق به قطعا و صرف المنع الشرعي اذا لم يوجب الانقطاع خارجا لا نسلّم كون وزانه وزان الامتناع الخارجي و ان اشتهر بينهم ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا و عادة.

و اما اذا ثبت فيه حق للغير كالمرهون و أخويه فلها حكم آخر لتحقق النقص في الملكية و في الشرائع ذكر منذور التصدق من أمثلة عدم تمامية الملك و المرهون و الموقوف من أمثلة عدم التمكن من التصرف، و لم يظهر لي وجه ذلك.

و كيف كان ففي المرهون أقوال ثلاثة: تعلق

الزكاة مطلقا، و عدمه مطلقا، و التفصيل بين القدرة على فكّه و عدمها.

و كلمات الشيخ- قدس سره- في المسألة متهافتة ففي الخلاف (المسألة 128): «اذا كان له ألف فاستقرض ألفا غيرها و رهن هذه عند المقرض فانه يلزمه زكاة الألف التي في يده اذا حال عليها الحول دون الألف التي هي رهن ...، دليلنا انه لا خلاف بين الطائفة ان زكاة القرض على المستقرض دون القارض و ان المال الغائب اذا لم يتمكن منه لا تلزمه زكاته و الرهن لا يتمكن منه ... و لو قلنا انه يلزم المستقرض زكاة الألفين لكان قويا لأن الألف القرض لا خلاف بين الطائفة انه يلزمه زكاتها و الألف المرهونة هو قادر على التصرف فيها بأن يفك رهنها و المال الغائب اذا كان متمكنا منه يلزمه زكاته بلا خلاف بينهم».

و المستفاد من أول كلامه عدم الزكاة في الرهن مطلقا و من آخره التفصيل بين امكان الفك و عدمه.

و في المبسوط أيضا ذكر نحو صدر كلامه و لكن في موضع آخر منه: «و متى رهن قبل ان تجب فيه الزكاة ثم حال الحول و هو رهن وجبت الزكاة و ان كان رهنا لأن ملكه حاصل ثم ينظر فيه فان كان للراهن مال سواه كان اخراج الزكاة منه و ان كان معسرا فقد تعلق بالمال حق المساكين يؤخذ منه لأن حق المرتهن في الذمة».

فيستفاد منه تعلق الزكاة في الرهن مطلقا فالشيخ أفتى في المسألة بالأقوال الثلاثة كما ذكره الشيخ الأعظم في زكاته.

و المسألة دائرة مدار ما أسلفناه من ان الاعتبار بالاستيلاء الفعلي أو الأعم منه و من القدرة عليه؟ و لم يثبت في الرهن الاستيلاء الفعلي شرعا لكونه متعلقا لحق الغير

و ما في المبسوط من ان حق المرتهن في الذمة ففيه ان الدين و ان كان في ذمة الراهن و لكن العين أيضا متعلقة لحق المرتهن و لذا ليس للراهن التصرف فيها بما ينافي حق الرهانة.

و الحق ما أسلفناه من التفصيل فان كان يقدر على فك الرهن قوة قريبة من الفعل بأن كان

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 55

و لا في الموقوف (1)،

______________________________

الدين حالا و الراهن يقدر على أدائه بلا منّة و لا مئونة و لا استقراض فعليه الزكاة على الأحوط بل الأقوى و المصنف أيضا يحتاط في ذلك كما يأتي في المسألة التاسعة و ان كان الدين مؤجلا او حالا و لكن لا يقدر الراهن على فكه بسهولة فلا تجب الزكاة فان كون العين متعلقة لحق الغير مانع من التصرف فيها فيكون الانسان منقطعا من ماله شرعا و ان لم ينقطع منه خارجا بان كان العين في يده خارجا فتدبر.

[عدم وجوب الزكاة في الموقوف و المنذور]

(1) هل الوقف ملك للواقف أو الموقوف عليه أو للّه- تعالى- أو يفصل بين الوقف الخاص فللموقوف عليه و العام فلله أو ليس ملكا لأحد بل فك ملك؟ وجوه بل أقوال.

و الظاهر ان اعتبار الوقف على الأشخاص أو على الجهات ايقاف الانسان ملكه على رءوس الموقوف عليهم ليدرّ منافعه عليهم و هذا أيضا مفاد الحديث النبوي: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة» «1». و ليس في نظر الواقف تمليك ملكه للموقوف عليهم أو للّه- تعالى- بل و لا سلب مالكية نفسه بل سلب اختيار نفسه عن التصرف فيه و جعل منافعه للموقوف عليهم فقط. و التزام ما لم ينشئه الواقف مشكل فان العقود و الايقاعات تابعة للقصود، فبذلك يقرب في الذهن ما عن أبي

الصلاح في الكافي من بقائه على ملك الواقف، و في الفقه على المذاهب الأربعة عن المالكية:

«و اما الموقوف على غير معيّنين كالفقراء أو على معيّنين فتجب زكاته على ملك الواقف لأن الوقف لا يخرج العين عن الملك».

هذا و لكن المشهور كما في الجواهر انتقاله الى ملك الموقوف عليهم و به أفتى في الشرائع.

و قد يستدل على ذلك بالأخبار الواردة في أوقاف علي «ع» و الأئمة بعده المعبّر عنها بالصدقات بتقريب ان الموقوف عليهم هم المتصدق عليهم و الصدقة تصير ملكا للمتصدق عليه، اللهم إلّا أن يقال: لا دليل على كون الصدقة الجارية من قبيل الوقف فلعل الوقف على شخص أو جهة، أمر و التصدق عليه أمر آخر، و الفارق قصد المالك و إنشاؤه.

هذا و كلام المحقق في الشرائع لا يخلو من تهافت فانه اختار انتقال الوقف الى ملك الموقوف عليه مع انه صرّح فيها بأنه مع انقراض الموقوف عليه ينتقل الى ورثة الواقف دون الموقوف عليه.

فراجع.

هذا و لو منع بقاء الوقف على ملك الواقف فالأظهر عدم كونه ملكا لأحد، و ليست المسألة معنونة في كتب القدماء المعدّة لنقل المسائل المأثورة حتى يتمسك فيها بالإجماع أو الشهرة، و نفى الملكية لا يقتضي عدم ضمان المتلف اياه فان الضمان تابع للمالية لا الملكية، نعم يحتاج الى

______________________________

(1)- المستدرك ج 2، ص 511- عن العوالي.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 56

و لا في المنذور التصدق به (1).

[حكم الشك في التمكن]

اشارة

و المدار في التمكن على العرف و مع الشك يعمل بالحالة السابقة (2) و مع عدم العلم بها فالأحوط الاخراج.

______________________________

المضمون له و هو من ضاع حقه بالا تلاف و هو الموقوف عليه.

و كيف كان فلا اشكال في عدم الزكاة في أصل

الوقف اما على عدم الملكية فواضح و اما على الملكية فلعدم التمامية فانه محبوس شرعا و عرفا لا يباع و لا يوهب فما مرّ عن المالكية من الزكاة فيه ممنوع جدّا.

و في المبسوط: «ان وقف على انسان أربعين شاة و حال عليها الحول لا تجب فيه الزكاة لأنها غير مملوكة و الزكاة تتبع الملك». و ظاهره عدم الملكية أصلا.

و اما في غلة الوقف ففي المبسوط ما حاصله «انها ان كانت لواحد و بلغ النصاب تجب فيه الزكاة و كذا ان كانت لجماعة و بلغ نصيب كل منهم ذلك لأنهم يملكون الغلة و ان كان الوقف غير مملوك».

أقول: و اما في الوقف العام كالوقف على الفقراء أو العلماء مثلا فالغلة تحصل في ملك العنوان و الجهة و لا يدخل في ملك الشخص و ان كان منحصرا الا بتطبيق العنوان عليه من قبل المتولي، و قد مرّ من الجواهر عدم الزكاة في ملك الجهات لانصراف الآية و الروايات عنها فقوله «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» و قوله: «ان اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به» ظاهران جدّا في الأشخاص.

نعم احتملنا سابقا الغاء الخصوصية و ان الزكاة مالية اسلامية فتتعلق بكل من يستفيد من امكانات الحكومة الاسلامية و المعمول في الحكومات الفعلية الدائرة أيضا تأدية المؤسسات العمومية المملوكة للجهات مالية الحكومة فتدبر و يأتي تتمة لذلك في شرح المسألة الثامنة فانتظر.

(1) يأتي شرح ذلك في المسألة الثانية عشرة فانتظر.

(2) لو شك في تحقق التمكن مفهوما أو مصداقا ففي الجواهر «و مع فرض عدم تنقيح العرف لبعض الأفراد قد يقوى سقوط الزكاة للأصل بعد قاعدة: الشك في الشرط شك في المشروط، و ربما احتمل

الوجوب للإطلاق و رجوع الشك في الفرض الى الشك في الاشتراط لا في تحقق الشرط، و الأول أظهر»

أقول: بعد فرض تحقق العمومات و الاطلاقات كقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» مثلا اذا شك في سعة دائرة المخصص و ضيقه بنحو الأقل و الأكثر فالمخصص اما متصل او منفصل و في كل منهما فالشبهة اما مفهومية أو مصداقية، و المشهور بين الأصوليين عدم جواز التمسك بالعام في

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 57

..........

______________________________

مورد الشبهة في المتصل مطلقا و اما في المنفصل فالجواز في المفهومية دون المصداقية.

[التمسك بالعام في الشبهة المفهومية للمخصص]

و محل البحث عن المسألة الكتب الأصولية و لكن نتعرض لها هنا اجمالا تتميما للفائدة.

فنقول: اما في المتصل فيسري إجماله الى العام اذ هو يوجب عدم انعقاد ظهور العام من أول الأمر إلا في الخاص ففي قوله: «أكرم العلماء العدول» مثلا و ان كان هنا لفظان و استعمالان و كل لفظ استعمل فيما وضع له و لكن ليس لكل منهما ظهور مستقل حتى يتمسك بظهور العام في المورد المشكوك فيه كمرتكب الصغيرة مثلا، بل للموصوف و الصفة ظهور وحداني يستفاد منه كون موضوع الحكم أمرا واحدا و هو الطبيعة المقيدة فالتمسك به في مورد الشبهة نظير التمسك بالعام في الشبهة المفهومية أو المصداقية لنفسه و هو غير جائز قطعا. و نظير ذلك الاستثناء المتصل كقوله:

«أكرم العلماء إلّا الفساق منهم».

و اما في المنفصل فالشبهة اما مفهومية أو مصداقية فالأول كما اذا تردد الفاسق بين مرتكب الكبيرة فقط و مرتكب الكبيرة أو الصغيرة و الثاني كما اذا شك في كون زيد فاسقا أو عادلا بعد تبيّن مفهوم الفسق.

اما في الأول فالاقوى جواز التمسك بالعام في مورد الشبهة اذ العام بعد

صدوره من قبل المولى بلا احتفاف بالمخصص انعقد له ظهور في العموم و هو حجة عند العقلاء، و الخاص لا جماله لا يكون حجة في غير القدر المتيقن فيكون رفع اليد بسببه عن ظهور العام من مصاديق رفع اليد عن الحجة باللاحجة و ان شئت قلت: الامر دائر بين تخصيص واحد و تخصيصين فيقتصر على الأقل.

و استشكل على ذلك بوجهين: الأول: ما في الدرر و حاصله بتوضيح منا «انه بعد ما صارت عادة المتكلم جارية على ذكر التخصيص منفصلا فحال المنفصل في كلامه حال المتصل في كلام غيره و بناء الشارع المقدس على ذكر المخصصات منفصلات بل ربما يوجد العام في الكتاب و المخصص في السنة أو العام في كلام امام و المخصص في كلام امام آخر».

و أجاب عنه نفسه في حاشيته ان الانصاف خلاف ما ذكرنا اذ لو صحّ ذلك لما جاز تمسك أصحاب الأئمة- عليهم السلام- بكلام إمام زمانهم لأنه كالتمسك بصدر كلام المتكلم قبل مجي ء ذيله.

و في تقريرات بحث السيد الأستاذ- حفظه اللّه تعالى- الجواب عن الاشكال بوجه آخر و هو ان وجوب الفحص عن المخصص باب و سراية اجمال المخصص الى العام باب آخر. و مقتضى ما ذكره عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص لا سراية الاجمال اليه.

الوجه الثاني: ما في تقريرات بحث النائيني- قدس سره- و حاصله: «ان دليل حرمة اكرام العالم الفاسق و ان لم يكن رافعا لظهور دليل وجوب اكرام العلماء إلّا انه يوجب تقيّد المراد الواقعي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 58

..........

______________________________

بغير الفاسق و حيث ان مفهوم الفاسق مردّد بين الأقل و الأكثر يكون من يجب اكرامه بحسب المراد الواقعي مرددا فلا يكون فرق بين المتصل

و المنفصل الّا في ان الأول رافع للظهور من أول الأمر دون الثاني و امّا بالنسبة الى تقييد المراد الواقعي فكل منهما يوجب اجماله».

ثم أجاب عن الاشكال بما حاصله: «ان الأحكام لا تتعلق بالمفاهيم بما هي مفاهيم بل باعتبار كونها مرآتا للحقائق الخارجية فاذا كان دليل العام عاما بالنسبة الى كل انقسام ككونه مرتكب الكبيرة و غيره و مرتكب الصغيرة و غيره فبازاء كل انقسام يفرض في العام تكون فيه جهة اطلاق لا ترفع اليد عنها الا بدليل، فاذا تردد مفهوم المخصص بين الأقل و الأكثر فلا يكون هنا موجب لرفع اليد عن ظهور العام بالنسبة الى المشكوك فيه».

أقول: لعله يوجد فرق بين التخصيص المحض و التخصيص المستلزم للتقييد فالتخصيص المحض عبارة عن اخراج بعض الأفراد من العام الشامل لجميع الأفراد بلا اخذ عنوان فيه فلو قال:

«أكرم العلماء» ثم أشار الى بعض الأفراد و قال: «لا تكرم هؤلاء» فهذا تخصيص محض اذ ليس للمخصص عنوان دخيل في الحكم، و اما اذا قال: «أكرم العلماء» ثم قال و لو منفصلا: «لا تكرم الفسّاق منهم» فالمستفاد من الجمع بين الدليلين كون موضوع الحكم العالم غير الفاسق بحيث يكون كل من العنوانين جزء من الموضوع و هذا معنى التقييد.

نعم نتيجة هذا التقييد اخراج بعض العلماء من الحكم، فاذا صار موضوع الحكم مقيدا أعني مركّبا من جزءين فلقائل أن يقول: لا يمكن اجراء الحكم إلّا اذا أحرز الموضوع بكلا جزأيه، و في مورد الشبهة كمرتكب الصغيرة لم يحرز الجزء الثاني منه أعني القيد.

هذا و لكن يجاب عن ذلك بأن ظهور العام بعد انعقاده لا ينقلب عما وقع عليه و يكون حجة على العبد ما لم يرد في مقابله حجة

أقوى، و المفروض عدم ورود الحجة الأقوى من قبل المولى بالنسبة الى مرتكب الصغيرة اذ الشبهة مفهومية و رفع الشبهة و بيان المفهوم من وظائف المولى و هذه هي النكتة الفارقة بين الشبهة المفهومية و الشبهة المصداقية، هذا كله بالنسبة الى الشبهة المفهومية.

و اما الشبهة المصداقية كما اذا شككنا في فسق زيد بعد احراز علمه و تبين مفهوم الفسق فان كانت الحالة السابقة فسقه أو عدالته كان الاستصحاب محرزا له و لو لم نجوز التمسك بالعام، و اما مع عدم العلم بالحالة السابقة فربما يقال بجواز التمسك فيه بالعام بتقريب ان الحجة من قبل المولى لا تتم الا باحراز الصغرى و الكبرى معا ففي ناحية العام احرزتا معا لإحراز علم زيد و وجوب اكرام العالم، و اما في ناحية الخاص فالكبرى أعنى حرمة اكرام الفاسق و ان كانت محرزة و لكن لم تحرز الصغرى أعني فسق زيد فرفع اليد عن العام بسبب ورود الخاص رفع اليد عن الحجة باللاحجة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 59

[السادس: النصاب]

السادس: النصاب (1)، كما سيأتي تفصيله.

[صور الاتجار بمال الصبي]

[يستحب للولي اخراج الزكاة في غلات غير البالغ]

[مسألة 1]: يستحب للولي الشرعي (2) اخراج الزكاة في غلات غير

______________________________

و يرد على ذلك ان حكم المخصص لا يختص بأفراده المعلومة بل يدل على أن كل ما هو فرد للفاسق واقعا فهو مما لم يتعلق به الارادة الجدية في ناحية العام، و لا نسلّم عدم تمامية الحجة من قبل المولى الّا بعد احراز الصغرى و الكبرى معا فان بيان الصغرى ليس من وظائفه فقوله: «اكرم العلماء» مثلا حجة يجب التصدي لامتثاله، و قوله: «لا تكرم الفساق منهم» حجة أقوى تزاحم الأولى بالنسبة الى الفاسق الواقعي فلا يجوز التمسك بواحد منهما في الفرد المشكوك فيه فيرجع الى الأصل و السرّ في ذلك هو ما أشرنا اليه من ان تعيين الصغرى ليس من وظائف المولى، و هذا هو الفارق بين الشبهتين.

و بما ذكرنا يظهر ان من يتمسك في الشبهات الموضوعية بالبراءة العقلية بتقريب عدم كفاية بيان الكبرى في تحقق البيان بل يتوقف على بيان الصغرى و الكبرى معا كان مقتضى كلامه جواز التمسك بالعام في المقام اذ في ناحية العام احرزتا معا كما مرّ و في ناحية المخصص احرزت الكبرى فقط، و لكن يشكل جريان البراءة العقلية المبتنية على قبح العقاب من غير بيان في الشبهات الموضوعية نعم يجري فيها البراءة الشرعية الثابتة بحديث الرفع فتأمل.

هذا كله في البحث عن المسألة الأصولية فلنرجع الى المقام فنقول مع الشك في عنوان المخصص في المقام و سعة دائرته و ضيقه مفهوما يكون المرجع عمومات الزكاة و اطلاقاته.

و لكن ربما يشكك في وجود العمومات و الاطلاقات و لكن الظاهر عموم قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» لإفادة الجمع المضاف ذلك و ان قيل ان

تعقيبه بقوله: «تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» يدل على كونه محط النظر و ان الآية في مقام بيان الغاية المترتبة على الزكاة لا في مقام أصل تشريعها و لكن يرد على ذلك ان ذكر الغاية التشويق المكلفين لا يضر باطلاق التشريع فهما جملتان إحداهما في مقام التشريع و الأخرى في مقام بيان الغاية المترتبة على ما شرع فتدبر.

و اما اذا كانت الشبهة مصداقية فمع الحالة السابقة يعمل بها و الا فتجرى البراءة لما عرفت من عدم جواز التمسك بالعموم فيها و الظاهر من عبارة المصنف كون محل نظره الشبهة المصداقية فلا وجه للاحتياط فيها الا استحبابا نعم ظاهر ما مرّ من الجواهر فرض الشبهة مفهومية فتدبر.

(1) باجماع المسلمين غير أبي حنيفة في الغلات و يدل عليه مضافا الى ذلك الأخبار الواردة في الأبواب المختلفة لبيان النصب و الظاهر ان المراد به ما نصبه الشارع علامة و معيارا لتعلق الزكاة.

(2) الظاهر ان ملاك الاستحباب ثابت للطفل لكون المال ماله و انما الوليّ يجري ما ثبت عليه كما في سائر موارد النيابة و قد مرّ ان الأقوال في غلات الطفل ثلاثة: الوجوب كما أفتى به

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 60

البالغ يتيما كان أو لا (1) ذكرا كان أو انثى دون النقدين (2) و في استحباب اخراجها من مواشيه اشكال (3) و الأحوط الترك.

نعم اذا اتجر الولي بماله يستحب اخراج زكاته أيضا (4).

______________________________

الشيخان و أبو الصلاح و ابن البراج، و الاستحباب كما افتى به كثير، و عدمهما كما عن ابن ادريس فراجع ما حررناه في شرطية البلوغ.

(1) للعلم بعدم خصوصية اليتم و ان ذكر في أكثر الأخبار و في صحيحة يونس بن يعقوب قال: أرسلت الى أبي

عبد اللّه «ع» ان لي اخوة صغارا فمتى تجب على اموالهم الزكاة؟ قال: اذا وجب عليهم الصلاة وجب عليهم الزكاة قلت: فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال: اذا اتجر به فزكّه. «1» فالموضوع فيها أعم من اليتيم.

(2) لعدم الدليل على الاستحباب فيهما و لم أجد القائل به أيضا.

(3) من عدم الدليل على الاستحباب فيها و من ذكرها في كلماتهم مع الغلات و ادعاء عدم الفصل بينهما فمقتضى القول بالوجوب او الاستحباب في الغلات القول بهما فيها.

و لكن عرفت ان احراز عدم الفصل بنحو يصل الى حد الاجماع المعتبر ممنوع و لذا احتاط المصنف بالترك فراجع ما حررناه سابقا في شرطية البلوغ.

(4) المتجر بمال الصبي اما ان يتجر به للصبي او لنفسه او لهما مضاربة و المتجر به لنفسه اما ان يستقرضه من الصبي، ثم يتجر به لنفسه أم لا فهذه أربعة شقوق و في كل منها فاما يتجر بالعين او في الذمة مع قصد ابرائها من هذه العين او بدون هذا القصد و لكن يبرئها بها تصادفا و في جميع الصور فاما ان يكون المتجر وليّا شرعا أم لا فهذه كل شقوق المسألة.

و اما من جهة الزكاة فان وقعت التجارة من الولي الشرعي للصبي فهو القدر المتيقن من موضوع البحث هنا أعني ثبوت زكاة مال التجارة للصبي و ان وقعت صحيحة لنفس المتجر صار من مصاديق زكاة التجارة الآتية في محلها.

و اما اذا قصد المتجر نفسه و لكن حكمنا بوقوعها للصبي قهرا عليه ففي ثبوت زكاة التجارة فيه خلاف و الأولى نقل عبارة الشرائع في المقام: «نعم اذا اتجر له من اليه النظر استحب له الزكاة من مال الطفل فان ضمنه و اتجر لنفسه و

كان مليّا كان الربح له و يستحب الزكاة اما لو لم يكن مليّا او لم يكن وليّا كان ضامنا و الربح لليتيم و لا زكاة هنا».

و كيف كان فلنحرر مسألة التجارة بمال اليتيم و حكم الزكاة فيها في ضمن مسائل:

المسألة الأولى: لو اتجر بمال الصبي للصبي ففي زكاته ثلاثة أقوال: الوجوب كما هو ظاهر المقنعة

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 61

..........

______________________________

و المقنع، و الاستحباب كما نسب الى الأكثر تارة و الأشهر أخرى و المشهور ثالثة و في المعتبر «عليه اجماع علمائنا» و في المنتهى «عليه فتوى علمائنا أجمع»، و عدم الوجوب و لا الاستحباب كما في تجارة السرائر و نفى البعد عنه في المدارك. و الأولى نقل بعض العبارات.

ففي المقنعة: «و لا زكاة عند آل الرسول في صامت اموال الأطفال و المجانين من الدراهم و الدنانير الا أن يتجر الولي او القيم عليهم بها فان اتجر بها و حركها وجب عليه اخراج الزكاة منها فاذا افادت ربحا فهو لا ربا بها و ان حصل فيها خسران ضمنه المتّجر لهم بها».

و في المقنع: «اعلم انه ليس على مال اليتيم زكاة الا أن يتجر به فان اتجر به فعليه الزكاة».

هذا و الشيخ في التهذيب بعد نقل عبارة المقنعة قال: «فاما قول الشيخ وجب فيه الزكاة انما يريد به الندب و الاستحباب دون الفرض و الايجاب ... ألا ترى انه لو كان هذا المال للبالغ و اتجر به لما وجبت عليه فيه الزكاة وجوب الفرض».

و يؤيد هذا ان المفيد بنفسه أيضا جعل زكاة مال التجارة سنة مؤكدة و اما عبارة المقنع فهي أيضا مضمون

اخبار الباب فالواجب نقلها.

فمنها صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: هل على مال اليتيم زكاة؟ قال:

لا الا ان يتجر به أو تعمل به «1». و الظاهر من الرواية بقاء المال على ملك اليتيم و لعل المراد بالأول التجارة له و بالثاني المضاربة.

و منها صحيحة يونس بن يعقوب قال: ارسلت الى أبي عبد اللّه «ع» ان لي اخوة صغارا فمتى تجب على اموالهم الزكاة؟ قال: اذا وجب عليهم الصلاة وجب عليهم الزكاة، قلت: فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال: اذا اتجر به فزكّه «2».

و منها خبر محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن الرضا «ع» عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم هل يجب على مالهم الزكاة؟ فقال: لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به، فاذا عمل به وجبت الزكاة، فاما اذا كان موقوفا فلا زكاة عليه «3».

و منها خبر ابن أبي شعبة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سئل عن مال اليتيم فقال: لا زكاة عليه الا ان يعمل به «4»، الى غير ذلك من الأخبار.

و ظاهرها كما ترى الوجوب و لكن يبعد جدّا القول بالوجوب هنا اذا منعنا الوجوب في زكاة

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 10.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 62

..........

______________________________

تجارة البالغين فهما في مساغ واحد يدل على عدم الوجوب فيهما ما استدل به عليه هناك.

و في المستمسك

ان العمدة في رفع اليد عن الوجوب هنا الاتفاق المحكي على الاستحباب و اما اطلاقات «ليس على مال اليتيم زكاة» و كذا ما دلّ على عدم وجوب الزكاة في مال التجارة فالجمع العرفي يقتضي تقديم نصوص المقام عليها لأنها أخص هذا.

و اما ما في مكاسب السرائر لنفي الاستحباب من «انه لا دلالة عليه من كتاب و لا سنة مقطوع بها و لا اجماع و لأنه لا يجوز له التصرف الا فيما فيه مصلحة لهم».

فيرد عليه كفاية الأخبار المستفيضة مضافا الى ما مرّ من نقل الاجماع و ما ذكره من الدليل اجتهاد في مقابل النص.

و اضعف من ذلك ما في المدارك بعد نقل قول ابن ادريس: «و القول بالسقوط جيّد على أصله بل لا يبعد المصير اليه لأن ما استدل به على الاستحباب غير نقي الاسناد بل و لا واضح الدلالة».

لأن في أخبار الباب ما يصح سنده و دلالتها أيضا واضحة الا ان يقال انها لا تدل على الاستحباب لظهورها في الوجوب هذا.

و قد يوجد في كلمات المتأخرين احتمال حمل الأخبار في المسألة على التقية.

و فيه ان الأخبار فصّلت في مال اليتيم بعدم الزكاة فيه الا اذا اتجر به و لم يفصل أهل السنة في ماله بل حكم الشافعي و مالك و احمد بثبوت الزكاة في مال اليتيم مطلقا و حكم أبو حنيفة بعدمها فيه مطلقا فراجع المسألة 41 من زكاة الخلاف و قد مرّت منا في شرط البلوغ فالتفصيل بين مال التجارة و غيره في اليتيم لا يناسب التقية.

اللهم الا ان لا يراد التقية من أهل الفتوى بل التقية في مقام العمل في قبال حكام الوقت فان الزكوات كانت تطلب من قبل الحكام، و الذهب

و الفضة لم تكونا بمرآهم بخلاف الغلات و المواشي و مال التجارة فيكون الوجوب في قوله في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم السابقة: «فاما الغلات فعليها الصدقة واجبة» و كذا في أخبار مال التجارة بمعنى الثبوت و يراد به الاخبار عن الثبوت خارجا فيكون نظر الأئمة- عليهم السلام- ان مال اليتيم ليس فيه زكاة شرعا و لكن في الغلات و المواشي و مال التجارة تثبت خارجا لأخذهم لها قهرا.

[الاشارة الى نكتة مهمّة في تشريع الزكاة]

و هنا كلام آخر نورده هنا ايرادا لا اعتقادا و هو ان الزكاة كما يستفاد من الكتاب و السنة مالية شرعية شرعت في جميع الأديان الإلهية و منها الإسلام لسدّ خلّات المسلمين و المتدينين و رفع الحوائج المادية بشعبها و حيث ان دين الإسلام دين عامّ لجميع الأمكنة و الأزمنة الى يوم القيامة و منابع الثروة و طرق الاسترباح و كذا الحوائج و الخلّات تختلف بحسب الأمكنة و الأزمنة فلا محالة كان المناسب تشريع أصل الزكاة في الكتاب و السنة و احالة تعيين موضوعاتها و مواردها الى

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 63

..........

______________________________

حكام الشرع و أولياء الأمور المحوّل اليهم ادارة الجوامع الاسلامية.

و أنت ترى ان القرآن لم يعين ما فيه الزكاة بل قال بنحو الاطلاق: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً».

و لكن الرسول- صلى اللّه عليه و آله- بعد ما نزلت الآية وضع الزكاة على تسعة و عفا عما سواها كما نطقت بذلك أخبار كثيرة و من المحتمل جدّا ان هذا لم يكن تشريعا منه «ص» باذن اللّه بل كان منه حكما حكوميّا بما انه كان حاكم المسلمين في عصره و كان أكثر ثروة المسلمين في عصره و منطقة حكومته الأمور التسعة و كانت زكاتها كافية

لإدارة شئونهم و رفع حاجاتهم.

و اما في مثل عصرنا فهل تكفي زكاة الأشياء التسعة و هل هي عمد ثروة الناس و طرق استرباحهم؟ و قد ورد في أخبارنا ان اللّه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم فهل يسع مصارف الزكاة الثمانية زكاة الأشياء التسعة؟! فلا بدّ من تبدل موارد الزكاة بحسب الأزمنة و الأمكنة.

اللهم الا ان يقال ان أئمتنا- عليهم السلام- جبروا هذا النقص بجعل الخمس في أرباح المكاسب فهو في الحقيقة زكاة جعلت من قبلهم و لذا لا ترى منه اسما و لا أثرا في عصر النبي و الأئمة الاول و ليس في أخبار تنصيف الخمس أيضا اسم منه بل الظاهر من أخباره كونه بأجمعه لهم- عليهم السلام- لا لأشخاصهم بل بما هم أئمة و أولياء الأمور فهو في الحقيقة وضع من قبلهم لإدارة شئون المسلمين و سدّ خلاتهم. فليكن هذا في ذكرك اجمالا و للتفصيل مقام آخر.

[الاتجار بمال الصبي مضاربة]

المسألة الثانية: اذا اتجر الوليّ الشرعي بمال الصبي مصلحة له فقد يتوهم كون ضمان المال على الولي و الربح بأجمعه لليتيم بمقتضى عموم الأخبار المستفيضة التي تأتي و لكن الأقوى كون الخسارة على اليتيم بل و الربح بينهما مع قصد المضاربة للأصل و قاعدة عدم ضمان المأذون و قوله- تعالى- «مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» و رواية الحسن بن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع قال: سئل أبو عبد اللّه «ع» عن الرجل يكون في يديه مال لأخ له يتيم و هو وصيّه أ يصلح له أن يعمل به؟ قال: نعم كما يعمل بمال غيره و الربح بينهما، قال: قلت: فهل عليه ضمان؟

قال: لا اذا كان ناظرا له ... «1».

و الرواية أخص من

الأخبار الآتية فيؤخذ بها في موردها و قوله: «ناظرا له» يحتمل ان يراد به شرط زائد على الوصاية فيكون المراد نظره و دقته له بمعنى رعاية المصلحة و يحتمل ان يراد به ولايته و وصايته المفروضة بناء على كفاية عدم المفسدة في صحة فعل الوصي و الولي.

و عن الكشي: «محمد بن مسعود قال سألت على بن الحسن عن خالد بن جرير الذي يروي عنه الحسن بن محبوب فقال: كان من بجيلة و كان صالحا». و أبو الربيع الشامي اسمه خليد بن

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 64

..........

______________________________

أوفى له كتاب و لكن لم تثبت وثاقته، و الذي يسهّل الخطب ان الحسن بن محبوب من أصحاب الاجماع و السند اليه صحيح مضافا الى عمل الأصحاب بالروايات الواردة بهذا السند في الأبواب المختلفة.

و بالجملة فعدم الضمان في المقام أقوى سواء اتجر الولي بقصد الصبي أو بقصدهما معا مضاربة.

و اعلم ان حقيقة المضاربة و المزارعة و المساقاة شركة رأس المال و العمل. فان الفائدة تترتب على العمل و على رأس المال الذي هو موضوعه معا و قد ينقدح في الذهن الغاء الخصوصية من هذه الموارد الثلاث و استفادة جواز شركة العمل و رأس المال مطلقا فيجوز مثلا شركة صاحب الشبكة و الصائد في الصيد و شركة صاحب السيارة و السائق في الاستفادة و شركة صاحبي المواد و الصنّاع في الموارد المختلفة و كل ذلك معاملات عقلائية يحتاج اليها الناس و يدل على صحتها أدلة وجوب الوفاء و للبحث عن ذلك مقام آخر.

[اخذ الولي الاجرة]

المسألة الثالثة: في زكاة الشيخ الأعظم بعد ذكر خبر أبي الربيع: «يستفاد من

الرواية و غيرها جواز اخذ الولي الأجرة».

أقول: القاعدة الفقهية الموافقة للقاعدة العقلائية تقتضي احترام عمل العامل و لا سيما المسلم و استحقاقه أجرة مثل عمله فقيرا كان أو غنيّا و لكن ظاهر القرآن الشريف يقتضي الفرق بين الغنى و الفقير و ان الغني عليه الاستعفاف و للفقير أن يأكل بالمعروف من غير ذكر للأجرة. قال اللّه- تعالى-: «وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ وَ لٰا تَأْكُلُوهٰا إِسْرٰافاً وَ بِدٰاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَ مَنْ كٰانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ، الآية» «1». و الخطاب ظاهرا لأولياء الأطفال فكيف الجمع بين الآية و بين القاعدة الفقهية العقلائية التي تثبتها الفطرة حيث ان كل احد يملك تكوينا لعمله فلا محالة يستحق اجرة عمله اذا اوجده بالأذن؟

لا يخفى ان الأخبار و كذا الفتاوى في المقام و ان كانت متشتتة مختلفة و لكن الأقوى هو ما اشار اليه الشيخ الاعظم من استحقاق العامل اجرة عمله غنيا كان او فقيرا و لذا لم يفصّل في خبر أبي الربيع بينهما.

و يدل عليه أيضا صحيحة هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عمّن تولّى مال اليتيم ماله ان يأكل منه؟ فقال: ينظر الى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك «2».

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 6.

(2)- الوسائل ج 12 الباب 72 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 65

..........

______________________________

و عن مجمع البيان «و الظاهر من روايات أصحابنا ان له اجرة المثل سواء كان قدر الكفاية أو لم يكن» «1».

و مثله أيضا في التبيان و ليس في الصحيحة تفصيل بين الغنى و الفقير

و ترك الاستفصال يفيد العموم، و لازم ذلك حمل قوله- تعالى-: «فَلْيَسْتَعْفِفْ» على حكم ندبي اخلاقي. و الأكل بالمعروف في الآية و ان احتمل فيه كون المراد قدر الحاجة و الكفاية كما في بعض الأخبار و لكن يحتمل فيه أيضا كون المراد اجرة المثل لكونها معروفا عند الناس في اعمالهم و التعبير عن ذلك بالاكل لعله للدلالة على انه لا يتعين الاجتناب عن الاستفادة من عين ما لهم و اخذ الاجرة نقدا بل يجوز الاستفادة منها بعنوان الاجرة اذ يعسر الاجتناب من عين مالهم لمن زاولها و يقوم بامرها.

و قد أفتى بما ذكرنا العلامة في المختلف أيضا فقال: «و الوجه عندي ان له أجرة المثل سواء كان غنيا او فقيرا نعم يستحب للغني تركه».

هذا و اما الشيخ الطوسي- قدس سره- فقال في الخلاف (المسألة 295 من البيوع): «الولي اذا كان فقيرا جاز له أن يأكل من مال اليتيم أقلّ الأمرين من كفايته او اجرة مثله و لا يجب عليه القضاء، و للشافعي فيه و جهان احدهما مثل ما قلناه و الثاني ان عليه القضاء، دليلنا قوله: وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ و لم يوجب القضاء».

و نحو ذلك في مبسوطه و اما في النهاية فافتى اولا «بان له أن يأخذ من اموالهم قدر كفايته و حاجته» و افتى بعد ذلك باسطر «بان المتولي لأموال اليتامى و القيم بامورهم يستحق اجرة مثله من غير زيادة و لا نقصان». و ظاهره عدم الفرق بين الغنى و الفقير.

و ابن ادريس في السرائر حكى كلمات الشيخ ناقدا عليها و قال: «و الذي يقوى في نفسي ان له قدر كفايته لقوله- تعالى- هذا اذا كان القيم بامورهم فقيرا فاما ان

كان غنيا فلا يجوز له اخذ شي ء من اموالهم لا قدر الكفاية و لا اجرة المثل».

هذه بعض الكلمات في المقام و لعل وجه الافتاء باقل الامرين: من الكفاية و اجرة المثل تردد المعروف المذكور في الآية بينهما فيقتضي الاحتياط الاخذ بأقلهما.

و اما وجه قول ابن ادريس فظاهر الآية بضميمة الاخبار المستفيضة الواردة في المسألة و قد جمعها في الوسائل في ابواب ما يكتسب به الباب الثاني و السبعين.

فمنها صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» قال: المعروف هو القوت، و إنما عنى الوصي او القيم في اموالهم و ما يصلحهم.

و منها خبر حنان قال: قال أبو عبد اللّه: سألني عيسى بن موسى عن القيم للأيتام في الابل

______________________________

(1)- الوسائل ج 12 الباب 72 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 66

..........

______________________________

و ما يحل له منها، فقلت له: اذا لاط حوضها و طلب ضالّتها، و هنأ جرباها فله ان يصيب من لبنها في غير نهك لضرع و لا فساد لنسل.

و منها خبر أبي الصباح، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قول اللّه- عز و جل-: «وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» فقال: ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة فلا بأس ان يأكل بالمعروف اذا كان يصلح لهم اموالهم فان كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا.

و منها موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عز و جل-: «وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» قال: من كان يلي شيئا لليتامى و هو محتاج ليس له ما يقيمه فهو يتقاضى اموالهم و يقوم في ضيعتهم فليأكل بقدر و

لا يسرف و ان كانت ضيعتهم لا تشغله عما يعالج بنفسه فلا يرزأن من أموالهم شيئا. الى غير ذلك من الأخبار.

و عن مجمع البيان: «وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» معناه من كان فقيرا فليأخذ من مال اليتيم قدر الحاجة من الكفاية على جهة القرض ثم يردّ عليه ما اخذ اذا وجد و هو المروي عن الباقر- عليه السلام.

و مقتضى هذه الرواية عدم الاجرة اصلا لا للفقير و لا للغني.

و الاخبار من طرق اهل السنة في تفسير الآية أيضا كثيرة مختلفة المضامين و قد جمعها في الدر المنثور في ذيلها.

ففي بعضها عن ابن عباس: «وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قال: يأكل من ماله يقوت على نفسه حتى لا يحتاج الى مال اليتيم».

و في رواية أخرى عنه «فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ، يعني القرض».

و في ثالثة عنه «اذا احتاج والي اليتيم وضع يده فأكل من طعامهم و لا يلبس منه ثوبا و لا عمامة».

و في رابعة عنه: «قال: يأكل الفقير اذا ولي مال اليتيم بقدر قيامه على ماله و منفعته له ما لم يسرف او يبذّر». الى غير ذلك من المضامين.

و الظاهر ان ما دلّ على الاستعفاف محمولة على الاستحباب و ما دلّ على جواز الأكل محمولة على عدم الزيادة على الاجرة و ذكر الأكل فيها كما عرفت للدلالة على جواز ما تعارف من الاستفادة من أعيان مال اليتيم من الالبان و الثمرات و نحوها.

فالاقوى جواز الاستفادة بقدر قيامه على ماله و منفعته له أعني الاجرة المتعارفة لعمله من غير فرق بين الغني و الفقير كما دلّ على ذلك صحيحة هشام بن الحكم و خبر أبي الربيع و الخبر الأخير من ابن عباس.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 67

..........

______________________________

و يحكم بذلك العقلاء و القاعدة الفقهية المسلمة الحاكمة باحترام عمل الانسان و لا سيما المسلم و لتفصيل المسألة مقام آخر.

[لو اتجر بمال الصبي لنفسه]

المسألة الرابعة: لو اتجر بمال الطفل متّجر لنفسه بان نقله الى نفسه بناقل كالقرض و نحوه ففي الارشاد: «ان كان وليا مليا فالربح له و الزكاة المستحبة عليه» بلا خلاف و لا اشكال بعد فرض جواز نقل مال الطفل الى الولي الملّي.

و يدل على الجواز اخبار: منها صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل ولّى مال يتيم أ يستقرض منه؟ فقال: ان علي بن الحسين «ع» قد كان يستقرض من مال ايتام كانوا في حجره فلا بأس بذلك. و نحوها خبر أبي الربيع عنه «ع» «1».

و حكاية فعل علي بن الحسين «ع» لبيان الجواز الذي هو محل حاجة السائل و ترك الاستفصال يفيد العموم من حيث الملاءة و المصلحة و عدمهما.

نعم يستفاد من بعض الاخبار اشتراط الملاءة أيضا. منها خبر منصور الصيقل قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن مال اليتيم يعمل به؟ قال: فقال: اذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن للمال، و ان كان المال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال «2».

و منها خبر ربعي بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه «ع» قال في رجل عنده مال اليتيم فقال: ان كان محتاجا و ليس له مال فلا يمسّ ماله، و ان هو اتجر به فالربح لليتيم و هو ضامن «3».

و الظاهر من الاخبار و الفتاوى اشتراط الملاءة و وجود المال فعلا بل زاد في المسالك كونه فاضلا عن مستثنيات الدين و لكن يمكن ان يقال: لا موضوعية لوجود المال

فعلا بل الملاك كونه قادرا على غرامة مال الطفل على فرض التلف و لو بسبب كونه وجيها يقرضه الناس او قادرا على عمل له اجر كثير يحيط بماله او يكون ممن يحصل له الهدايا و الزكوات او الأخماس كثيرا و نحو ذلك.

و يمكن ان يستأنس لذلك بخبر اسباط بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» فقلت: أخي أمرني ان اسألك عن مال اليتيم في حجره يتّجر به، فقال: ان كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم ان تلف او اصابه شي ء غرمه له، و الا فلا يتعرض لمال اليتيم «4».

فان ذيل الحديث الذي هو بمنزلة التعليل يدل على كون المال للغرامة فورا بدون تأخير فالاعتبار بامكان غرامته كذلك فتأمل.

______________________________

(1)- الوسائل ج 12 الباب 76 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

(3)- الوسائل ج 12 الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

(4)- الوسائل ج 12 الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 68

..........

______________________________

و كيف كان ففي جواز اقتراض مال الطفل يشترط الولاية و الملاءة معا و هل يشترط مع ذلك وجود المصلحة للصبي كما في اقراض غير الولي الذي اتفقوا ظاهرا على انه لا يجوز الا مع المصلحة كما في زكاة الشيخ او يكفي عدم المفسدة؟ و جهان: من اطلاق الاخبار الماضية الواردة في مقام البيان، و من قوله- تعالى-: «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»* «1» و غيره مما استدل به لاشتراط المصلحة و منه دليل الاحتياط اذ الاصل عدم صحة التصرف الا فيما ثبت، الأحوط الثاني و ان كان

الأول لا يخلو من قوة.

هذا و في رهن المبسوط: «من يلي أمر الصغير و المجنون خمسة: الأب و الجد و وصي الأب أو الجد و الامام او من يأمره الامام ... فكل هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم الا على وجه الاحتياط و الحظ للصغير المولّى عليه لأنهم انما نصبوا لذلك فاذا تصرف على وجه لا حظّ له فيه كان باطلا لأنه خالف ما نصب له».

و في باب وجوب الزكاة من السرائر: «و لا يجوز للولي و الوصي ان يتصرف في المال المذكور الا ما يكون فيه صلاح المال و يعود نفعه الى الطفل دون المتصرف فيه، و هذا الذي يقتضيه اصل المذهب».

[اقتراض الاب و الجد من مال الصبي]

المسألة الخامسة: قد مرّ في المسألة الرابعة ان المتجر بمال اليتيم لنفسه ان كان وليا مليّا كان الربح له و الزكاة المستحبة عليه. و عرفت ان مقتضى اطلاق روايات الباب عدم اشتراط وجود المصلحة و لكن مقتضى قوله- تعالى-: «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»* و غيره مما استدل به لاعتبار المصلحة و منه دليل الاحتياط اشتراط وجودها و عرفت أيضا كلامي المبسوط و السرائر في المنع عن التصرف الا بما فيه مصلحة و غبطة بل عن شرح الروضة للفاضل الهندي ان المتقدمين عمموا الحكم باعتبار المصلحة من غير استثناء.

و لكن حكي عن المتأخرين من أصحابنا استثناء الأب و الجد عن ذلك فجوز و الهما الاقتراض من مال الطفل مع الاعسار أيضا لوجود أخبار في الباب و لا يخفى ان المائز بينهما و بين سائر الأولياء وجوب نفقتهما على الطفل مع اعسارهما و لكن الأم و كذا الأولاد أيضا تشترك معهما في وجوب النفقة و مع ذلك ترى أخبارا مستفيضة

يستفاد منها جواز تصرف الأب بل الجد في مال الولد كيف شاء و عدم جواز ذلك للأم و الولد و هذه مسألة مشكلة.

فلنذكر الأخبار حتى يتضح الحال و هي طائفتان:

الأولى: ما يستفاد منها جواز تصرف الأب في مال الولد كيف شاء و باطلاقها تعمّ الطفل أيضا.

______________________________

(1)- سورة الأنعام، الآية 152.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 69

..........

______________________________

الثانية: ما يستفاد منها الجواز بمقدار الضرورة و اللزوم و قد جمعها في الوسائل (ج 12) في أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعين.

اما الأولى: فمنها صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه؟ قال: يأكل منه ما شاء من غير سرف، و قال: في كتاب علي «ع» ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا الا باذنه و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء، و له ان يقع على جارية ابنه اذا لم يكن الابن وقع عليها، و ذكر ان رسول اللّه «ص» قال لرجل: أنت و مالك لأبيك.

و السؤال و ان كان عن صورة الاحتياج التي يكون فيها الاب واجب النفقة على الولد و لكن الجواب يدل على أوسع من ذلك و لا سيما بقرينة الفرق بين الوالد و الولد مع كونه واجب النفقة أيضا و بقرينة جواز وقوعه على جاريته مع عدم كونها من النفقة الواجبة، و بقرينة ما حكي عن رسول اللّه «ص» المتبادر منه كون الولد و ماله بالنسبة الى الوالد مثل العبد و ماله بالنسبة الى مولاه فكما ان مال العبد مع كونه ماله حقيقة يكون ملكا لمولاه أيضا في طول العبد حيث ان مال المال مال فكذلك مال الولد بالنسبة الى والده

فكلاهما مالكان ملكية طولية.

و منها صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج الاب اليه؟ قال: يأكل منه، فاما الام فلا تأكل منه الا قرضا على نفسها. و نحوها خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه «ع».

و منها خبر سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: أ يحجّ الرجل من مال ابنه و هو صغير؟

قال: نعم، قلت: يحج حجة الإسلام و ينفق منه؟ قال: نعم بالمعروف، ثم قال: نعم يحج منه و ينفق منه ان مال الولد للوالد، و ليس للولد ان يأخذ من مال والده الا باذنه.

و قوله: «يُنْفِقُ مِنْهُ» يمكن ان يراد به الانفاق على نفسه و ان يراد به الانفاق في سبيل اللّه.

و في الوسائل «تجويز اخذ نفقة الحج محمول على اخذها قرضا، او تساوي نفقة السفر و الحضر مع وجوب نفقته على الولد و استقرار الحج في ذمته».

و منها خبر محمد بن سنان ان الرضا «ع» كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله: و علة تحليل مال الولد لوالده بغير اذنه و ليس ذلك للولد لان الولد موهوب للوالد في قوله- عز و جل- «يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ». مع انه المأخوذ بمؤونته صغيرا و كبيرا، و المنسوب اليه و المدعوّ له لقوله- عزّ و جل-: «ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ» و لقول النبي «ص»: «أنت و مالك لأبيك» و ليس للوالدة مثل ذلك، لا تأخذ من ماله شيئا الا باذنه او باذن الاب و لان الوالد مأخوذ بنفقة الولد، و لا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها.

و منها خبر علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه موسى بن

جعفر «ع» قال: سألته عن الرجل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 70

..........

______________________________

يكون لولده الجارية أ يطأها؟ قال: ان أحب و ان كان لولده مال و أحبّ ان يأخذ منه فليأخذ، و ان كانت الام حيّة فلا أحب ان تأخذ منه شيئا الا قرضا الى غير ذلك من الاخبار.

و امّا الطائفة الثانية من الاخبار الدالة على المحدودية و الجواز بمقدار الحاجة و الضرورة فمنها ما رواه الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر «ع» ان رسول اللّه «ص» قال لرجل: أنت و مالك لأبيك، ثم قال أبو جعفر «ع»: ما أحبّ (لا نحبّ خ ل) ان يأخذ من مال ابنه الا ما احتاج اليه مما لا بدّ منه ان اللّه لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ.

هكذا سند الرواية في الكافي و التهذيبين و هو عجيب فان أبا حمزة مات في سنة مأئة و خمس او و خمسين كما في بعض نسخ رجال الشيخ و ولادة الحسن بن محبوب في سنة مأئة و تسع و اربعين كما قالوا فلا يمكن روايته عن أبي حمزة بلا واسطة.

و يفهم من الحديث عدم جواز أخذ الاب الزائد على ما احتاج اليه بقرينة استشهاده- عليه السلام- بالآية الشريفة.

و منها صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألته يعني أبا عبد اللّه «ع» ما ذا يحلّ للوالد من مال ولده؟ قال: اما اذا انفق عليه ولده باحسن النفقة فليس له ان يأخذ من ماله شيئا، و ان كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له ان يطأها الا ان يقوّمها قيمة تصير لولده قيمتها عليه، قال: و يعلن ذلك، قال: و سألته عن الوالد أ يرزأ من مال ولده شيئا؟ قال: نعم

و لا يرزأ الولد من مال والده شيئا الا باذنه فان كان للرجل ولد صغار لهم جارية فاحب أن يفتضّها فليقومها على نفسه قيمة ثم ليصنع بها ما شاء إن شاء وطأ و إن شاء باع. فيفهم من الحديث عدم جواز أخذ الزائد على النفقة و ان الاستفادة من جارية الابن لا تجوز الّا مع تقويمها على نفسه.

و منها خبر علي بن جعفر، عن أبي ابراهيم «ع» قال: سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟

قال: لا إلّا أن يضطرّ اليه فيأكل منه بالمعروف، و لا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا إلّا باذن والده.

و منها خبر الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: ما يحل للرجل من مال ولده؟

قال: قوته (قوت خ ل) بغير سرف اذا اضطر اليه، قال: فقلت له: فقول رسول اللّه «ص» للرجل الذي أتاه فقدم اباه فقال له: أنت و مالك لأبيك؟ فقال: إنما جاء بابيه الى النبي «ص» فقال:

يا رسول اللّه هذا أبي و قد ظلمني ميراثي عن أمّي فاخبره الأب انه قد أنفقه عليه و على نفسه، و قال: أنت و مالك لأبيك، و لم يكن عند الرجل شي ء أو كان رسول اللّه «ص» يحبس الأب للابن؟!

و في الوسائل بعد ذكر الطائفتين من الأخبار غير منظمة قال: «ثم ان ما تضمّن جواز أخذ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 71

..........

______________________________

الأب من مال الولد محمول اما على قدر النفقة الواجبة مع الحاجة او على الأخذ على وجه القرض او على الاستحباب بالنسبة الى الولد و ما تضمن منع الولد محمول على عدم الحاجة او على كون الأخذ لغير النفقة الواجبة و كذا ما تضمن منع

الأمّ، ذكر ذلك بعض الأصحاب».

و في زكاة الشيخ بعد ذكر اخبار الجواز: «و يشكل ان ظاهر هذه الأخبار غير مراد اجماعا فيحمل على جواز أخذ النفقة من مال ولده صغيرا كان أو كبيرا اذا لم ينفق الكبير عليه».

أقول: هذا الحمل حسن بل لا بدّ منه بمقتضى الجمع بين الأخبار. و لكن المشكل ان الولد و الام أيضا يجب نفقتهما و يجوز لهما الأخذ مع الحاجة و عدم الانفاق قطعا فلم فرّق في الأخبار بين الوالد و بينهما؟

اللهم إلّا أن يقال: ان الأب عند الحاجة يكون عاجزا في الغالب عن السعي و العمل بخلاف الابن فانه عند الحاجة و البلوغ الى حدّ امكان الاستيذان يكون قادرا في الأغلب على السعي و العمل و الأمّ عند الحاجة تكون واجبة النفقة على زوجها مقدما على الولد كما ان الولد كلّ على أبيه قبلها.

هذا مضافا الى ان احترام مقام الأبوّة يقتضي توسعة الولد بالنسبة الى الوالد بحيث لا تصل النوبة الى الاستيذان بخلاف العكس فيحتاج الى الاستيذان فكأن الحكم حكم أخلاقي استحبابي يقضي بالفرق أخلاقا بين الولد و الوالد في هذه الجهة بلا فرق جوهري بينهما عند الحاجة و تضييق الطرف.

و ما دلّ على جواز وقوعه على جارية ابنه محمول على صورة تقويمها و انتقالها الى نفسه بقرينة صحيحة ابن سنان و غيرها.

و لعلّ محط النظر في خبر الجواز رفع توهم ان تكون مملوكة الابن في حكم معقودته محرّمة على الأب فلا نظر فيه الى سائر الجهات من اشتراط التقويم و وجود المصلحة في الصغير بل و الاحتياج الى الاذن في الكبير قطعا لعدم كونها من سنخ النفقة الواجبة.

و كيف كان فالظاهر عدم الفرق بين الأب و الجد و

غيرهما من الأولياء الّا في وجوب نفقتهما على الابن مع الحاجة فيجوز أخذ مقدارها من الصغير و كذا من الكبير مع عدم انفاقه ففي غير مقدار النفقة لا يجوز التصرف مع وجود المفسدة للصغير بل الأحوط مراعاة المصلحة و الغبطة للآية الشريفة و الاحتياط و الأصل.

و قد مرّ في المسألة الرابعة كلام المبسوط و السرائر حيث حكما باشتراط المصلحة و الغبطة حتى في الأب و الجد و مرّ من الفاضل الهندي أيضا ان المتقدمين عمّموا الحكم باعتبار المصلحة من غير استثناء فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 72

[لو اتجر بمال الطفل غير الولي]

______________________________

المسألة السادسة: لو اتجر بمال الطفل غير الولي الشرعي فالقاعدة تقتضي عدم الجواز و الضمان لكون اليد عادية من غير فرق بين كون التصرف ذا مصلحة و غيره و ربما يتوهم الجواز مع المصلحة و تعذر الاستيذان من الولي. نسبه الشيخ الى الكفاية و بعض آخر لقوله- تعالى-: تعاونوا على البر و التقوى و قوله: «اللّه في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه» «1» و قوله: «كل معروف صدقة» «2» و غير ذلك من عمومات البرّ.

و فيه ان التصرف لو كان ضروريا لا يرضى الشارع بتركه و لا طريق الى الاستيذان من الولي الخاص و لا العام كالحاكم فلا مانع منه لما دلّ على ولاية عدول المؤمنين في هذا السنخ من الأمور و اما صرف وجود المصلحة فلا يكفي في ذلك و إلّا لجاز التصرف في ملك البالغين أيضا مع المصلحة بنفس ما مرّ من الأدلة و الالتزام بذلك مشكل بل يلزم الهرج و المرج، فالحق ما ذكرناه من عدم الجواز و الضمان. و اما حكم الربح و الزكاة فتوضيحه ان المتجر اما أن يتجر

بالعين او بالذمة مع قصد ابرائها بالعين او مطلقا و لكن ابرئها بها فان اشترى بالعين فان اجازه الولي فالربح لليتيم بل مقتضاها خروج العامل عن الضمان أيضا سواء قصد وقوع المعاملة لليتيم او لنفسه مع قصد القرض و بدونه فان أدلة صحة الفضولي بالاجازة اللاحقة تشمل صورة قصد الفضولي نفسه أيضا بل هي مورد صحيحة محمد بن قيس الواردة فيمن باع وليدة أبيه.

فان قلت: يجب أن يكون المنشأ و المجاز واحدا و في الصورة المفروضة المنشأ غير مجاز و المجاز غير منشأ.

قلت: حقيقة البيع مبادلة مال بمال في اضافة الملكية و اما كون الثمن مالا له او لغيره فايجاب البيع ساكت عنه فينتقل المثمن الى من يكون الثمن ملكا له قهرا و بعبارة أخرى حقيقة البيع مبادلة المالين لا المالكين و لا المالكيتين و لكن المبادلة بينهما ليس بحسب المكان بل بحسب المالكية فيكون المنشأ صيرورة المثمن ملكا لمن يكون الثمن ملكا له و بالعكس و المفروض ان المثمن ملك لليتيم فيصير الثمن ملكا له بهذا الانشاء.

فان قلت: لو فرض صحة ما تقول فلا يصح قطعا فيما اذا كان المنشأ تملك الموجب كما اذا قال: ملكت او تملكت فقال الآخر ملّكتك.

قلت: أجاب الشيخ عن ذلك بأن نسبة العاقد الفضولي الملك الى نفسه ليس من حيث هو بل من حيث جعل نفسه مالكا للثمن اعتقادا او عدوانا فالمبادلة الحقيقية لنفسه لا تكون الا بلحاظ كونه مالكا و الثابت للشي ء لحيثية تقييدية ثابت لنفس تلك الحيثية فالمبادلة حقيقة بين

______________________________

(1)- الوسائل ج 11 الباب 29 من أبواب فعل المعروف، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب الصدقة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 73

..........

______________________________

المالكين و هي التي تجاز و بناء الفضولي على كون المالك نفسه لا يضرّ بعد وقوع الانشاء بلحاظ المالكية المنطبقة شرعا و واقعا على اليتيم فتدبر.

هذا اذا أجاز الولي المعاملة و اما ان لم يجزها فمقتضى القاعدة بطلان المعاملة الّا انه قد يقال بان ظاهر كثير من الروايات اطلاق الحكم بكون الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال فيكون المقام مستثنى من الفضولي و كأن الشارع اجاز هذا السنخ من المعاملة بلحاظ مصلحة اليتيم.

و في زكاة الشيخ «و مما يؤيّد عدم ابتناء المسألة على مسألة الفضولي حكم الحلي في السرائر و فخر الإسلام في حاشية الارشاد كون الربح هنا لليتيم مع حكمهما ببطلان معاملة الفضولي».

فلنذكر الأخبار حتى نرى انها شاملة للمقام أم لا.

فمنها خبر سعيد السمّان قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: ليس في مال اليتيم زكاة الّا ان يتجر به فان اتجر به فالربح لليتيم، و ان وضع فعلى الذي يتجر به «1».

فالحكم بالضمان قرينة على عدم ولاية المتجر و الحكم بالزكاة على مال اليتيم دليل على وقوع الشراء له و حمله على صورة اجازة الولي خلاف الظاهر جدّا.

و من الممكن كون هذا اجازة من قبل الشارع الذي هو وليّ الأولياء فلا يحتاج الى اجازة الولي الشرعي.

و بهذا يجاب عما ذكره الشيخ حيث قال: «و تطبيق مسألتي الربح و الخسران على قاعدة الفضولي دونه خرط القتاد».

اذ يرد عليه انه من الممكن تبعيض الاجازة من قبل الشارع فيجيز مع الربح و لا يجيز مع الخسران و هذا الذي تقتضيه مصلحة الصبي.

و منها صحيحة زرارة و بكير، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: ليس على مال اليتيم زكاة الّا أن يتجر به فان اتجر به

ففيه الزكاة، و الربح لليتيم، و على التاجر ضمان المال «2». و الكلام فيها الكلام.

و هل تشمل الروايتان ما اذا اتجر غير الولي بقصد نفسه فتثبت الزكاة فيها أيضا اولا من جهة ان الزكاة انما تثبت على اليتيم اذا اتجر بقصده و الا فلا زكاة لا على الصبي لعدم قصده حين الاتجار و لا على المتجر لعدم تحقق التجارة و الربح له؟ وجهان.

و في رواية سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتجر به أ يضمنه؟ قال: نعم، قلت: فعليه زكاة؟ فقال: لا، لعمري لا أجمع عليه خصلتين: الضمان

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 74

..........

______________________________

و الزكاة «1».

اللهم الّا ان يقال نفي الزكاة على المتجر لا ينافي ثبوتها على الطفل بعد انتقال الربح اليه.

أقول: مقتضى القاعدة بطلان المعاملة بدون اجازة الولي سواء قصد نفسه او اليتيم، و مقتضى اطلاق الروايتين كون الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال مطلقا اجاز المولى أم لا و قصد اليتيم او نفسه فكأن الشارع الذي هو ولي الأولياء اجاز المعاملة مع الربح مطلقا و مقتضى اطلاق قوله:

«ليس في مال اليتيم زكاة الا ان يتجر به» أيضا ثبوت الزكاة مع الاتجار به سواء قصد اليتيم او نفسه، و ظهور ذلك في خصوص ما اذا قصد اليتيم حين الاتجار ممنوع.

فالأقوى ثبوت الزكاة في الصورتين كما حكاه الشيخ عن الشهيدين و المحقق الثاني خلافا لما يظهر من المحقق في الشرائع من عدم الزكاة في ما اذا قصد نفسه و

كأنه لما يتوهم من ان الربح حينئذ لليتيم كأنه مال ثبت له بحكم الشارع تصادفا من دون صدق عنوان مال التجارة عليه فتدبر.

تنبيه: لو قيل بتوقف الصحة على اجازة الولي فهل تجب عليه الاجازة مع وجود المصلحة أم لا؟ من ان الظاهر من قوله- تعالى- «لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»* ان قرب مال اليتيم أعني التصرف فيه لا يجوز الّا بالنحو الأحسن و هذا لا يدل على وجوب القرب و التصرف و الاصل براءة الذمة عنه و من ان ترك الاجازة مع ظهور الربح يعدّ اضرارا به و تضييعا للربح الحاصل بفعل الغير فلا يقاس بترك الاكتساب بل يمكن ان يراد بالقرب في الآية أعم من التصرف و الابقاء فكأنه قال «لا تصمّموا بالنسبة الى مال اليتيم تصرفا او ابقاء له الّا بالتي هي أحسن» فلا يجوز ترك الاكتساب الذي فيه المصلحة أيضا و الأحوط اجازته له مع ظهور الربح و عدم محذور فيها فتدبر.

[لو ابرأ الولي ذمته بمال الطفل]

المسألة السابعة: ما مرّ كان في صورة تجارة غير الولي بعين مال اليتيم و لو اتجر في ذمة نفسه ثم دفع مال اليتيم لإبراء ذمته فالتجارة وقعت لنفسه و الربح له و الخسران عليه.

و اما اذا اتجر به في الذمة و لكن كان حين الانشاء عازما على دفع مال اليتيم عنها فالقاعدة تقتضي أيضا وقوع المعاملة عن نفسه لوقوع الانشاء على الكلي.

و لكن قد يقال كما في زكاة الشيخ: ان ظاهر الأخبار الحاكمة بثبوت الربح لليتيم و الخسارة على العامل يشمل هذه الصورة أيضا فان الاتجار بمال اليتيم و ان كان حقيقة في الاتجار بالعين الّا انه يصدق عرفا على الاتجار بما في الذمة مع قصد دفع

العين الخاصة أيضا فتراهم يطلقون ان فلانا يتجر بما في يده او بمال فلان مع انه قلما يتفق معاملة بالعين الشخصية.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 75

..........

______________________________

و من هنا استجود سيد مشايخنا الحاق هذه الصورة بصورة الشراء بالعين و النسبة بين القاعدة المشار اليها و هذه الأخبار و ان كانت عموما من وجه و لكن تقييد هذه الأخبار بالشراء بالعين تقييد بالفرد النادر المساوق لطرحها فكما خرجنا بهذه الأخبار عن قاعدة الفضولي نخرج بها عن هذه القاعدة مع امكان ان يقال: ان العامل اذا قصد حين الانشاء دفع مال خاص فكأنه اوقع العقد عليه ابتداء فليس قصد هذا المال الخاص خارجا من متن العقد بل هو في متنه.

و من هنا يستقرب اطراد الحكم في غير مال الصغير أيضا و يدل عليه مضافا الى أخبار مال اليتيم بعد الغاء الخصوصية روايات:

منها ما رواه الكليني بسند فيه ارسال عن أبي حمزة، عن أبي جعفر «ع» قال: سألته عن الزكاة يجب عليّ في مواضع لا يمكنني ان أؤدّيها؟ قال: اعزلها، فان اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و ان تويت في حال ما عزلتها من غير ان تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء، فان لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها «1». و الخبر مرسل الّا أن يقال ان قول الكليني في ديباجة الكافي: «بالآثار الصحيحة عن الصادقين» حكم بصحة جميع ما في الكافي و لا يقصر هذا عن توثيقات الكشي و النجاشي فتأمل.

و منها ما رواه ابو سيار قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»:

اني كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه و حلف لي عليه ثم جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته اياه فقال: هذا مالك فخذه و هذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك و اجعلني في حلّ فاخذت المال منه و أبيت أن آخذ الربح و اوقفت المال الذي كنت استودعته و أتيت حتى استطلع رأيك فما ترى؟ قال: فقال: خذ الربح و اعطه النصف و احلّه ان هذا رجل تائب و اللّه يحب التوّابين «2».

و في السند الحسن بن محبوب و هو من أصحاب الاجماع.

و في المختلف (كتاب الأمانات): «مسألة اذا اتجر الودعي بالوديعة من غير اذن المالك كان ضامنا و الربح للمالك بأجمعه، قاله الشيخان و سلّار و أبو الصلاح و ابن البرّاج و غيرهم».

فان حمل هذه الروايات و كلمات الأصحاب على صورة وقوع المعاملات بشخص العين الخارجية حمل على فرد نادر غير متعارف فتحمل لا محالة على هذه و على صورة وقوع المعاملات على الذمة مع توجه العامل الى الشخص الخارجي و قصد ابراء الذمة به و المسألة محل اشكال الا ان ثبوت الربح للعامل لا يخلو عن قوة.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 12 الباب 10 من كتاب الوديعة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 76

..........

______________________________

هذه خلاصة ما افاده الشيخ في المقام بتوضيح ما.

أقول: محصّل استدلال الشيخ- عليه الرحمة- للمسألة يرجع الى ثلاثة أدلّة:

الأول: ان الاتجار بمال فلان مثلا عند العرف يكون أعم من الاتجار بعينه فيشمل الاتجار بالذمة أيضا مع قصد دفع العين الخاصة.

الثاني: ان العامل اذا قصد حين العقد دفع المال الخاص فكأنه أوقع العقد عليه فالانشاء

و ان وقع صورة على الكلي فهو بالحقيقة على الشخص اذ العقد يتقوم بالقصد كما قيل: «العقود تابعة للقصود» فلو كان هنا قصدان: احدهما قصد الكلي و الثاني قصد تطبيقه على الشخص الخاص أمكن ان يقال ان الواقع في متن العقد القصد الأول لا الثاني و الثاني في حاشية العقد و لكن الشخص الذي يريد شراء دار مثلا فيحصّل ثمنا خاصا و يجعله في كيسه و يقول في جواب البائع السائل عن وجود الثمن نقدا: «انه موجود نقد» لو قال هذا الشخص «اشتريت دارك بكذا تومانا» فلا يقصد في إنشائه الّا شخص الثمن الموجود في كيسه و ان لم يشر اليه في لفظه فهي معاملة شخصية بصورة الكلي.

الثالث: ان حمل الأخبار الواردة في الاتجار بمال الغير من اليتيم و غيره على الاتجار بالعين حمل على فرد نادر مساوق لطرح هذه الأخبار.

هذا و لا يخفى عدم تمامية الدليل الأول اذ الاطلاق العرفي المذكور كما يشمل الذمة مع القصد المزبور يشمل الذمة المطلقة أيضا فمن يقول: «فلان اتجر بمال عمرو و استفاد منه كذا و كذا في طول سنوات» لا يكون مطلعا على ذهن العامل و انه كان قاصدا حين الإنشاءات للمال الخاص أم لا فهذا تعبير مسامحي يشمل الذمة المطلقة أيضا من حيث ان ابرائها بالاخرة كان بمال عمرو و ان وجود مال عمرو كان سببا لاستمرار تجارته و استفادته مع ان وقوع التجارة على الذمة المطلقة للعامل بلا اشكال و يفتي به الجميع.

نعم الدليلان الأخيران متينان جدا فالأحوط ان يعامل مع مورد النزاع معاملة الشخص.

و هاهنا كلام و هو ان الشيخ قال: «القاعدة تقتضي احتياج الفضولي الى الاجازة و لكن نلتزم باستثناء باب اليتيم منه

بمقتضى الاخبار اذ ظاهر قوله: «و الربح لليتيم» عدم الاحتياج الى اجازة الولي اذ التقييد بالاجازة خلاف الظاهر».

فنقول في رواية التجارة بالمال الزكوي و بالوديعة و كذا فيما حكاه في المختلف عن الأصحاب أيضا لم تذكر الاجازة مع وضوح الاحتياج اليها اذ لا يلتزم احد بصحة الفضولي مع الربح بلا احتياج الى اجازة بل قهرا على صاحب المال فلا محالة يقال: ان المراد ان لصاحب الوديعة مثلا اخذ الربح باجازة المعاملات الواقعة عليها و لم يتعرض للإجازة لوضوح الاحتياج اليها و لأن

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 77

..........

______________________________

البحث عنها في محل آخر فلم لا يلتزم بذلك في التجارة بمال اليتيم أيضا مع وحدة السياق في جميع الروايات و لم يجعل باب التجارة بماله مستثنى من باب الفضولي!؟

و على هذا فيمكن منع عدم الاحتياج الى الاجازة في مال اليتيم و لعل عدم التعرض للإجازة فيه من جهة انه مع وضوح الربح يجب على الولي الاجازة اذ يعدّ تركها تضييعا لحق اليتيم و وجوب الاجازة امر و عدم الاحتياج اليها أمر آخر فالأحوط تحصيل اجازة الولي و الأحوط له الاجازة فتدبر.

[لو اتجر بمال الطفل اليتيم غير الملى]

المسألة الثامنة: لو اتجر بمال اليتيم الولي غير الملي فلا خلاف و لا اشكال في جواز تجارته للطفل مع المصلحة.

و اما الشراء لنفسه فاما ان يكون بالعين او بالذمة المطلقة او بالذمة مع قصد الأداء من العين و حكم الأخيرين اتضح بما مرّ.

و أما الشراء لنفسه بالعين فواضح انه لا يقع لنفسه لعدم الملاءة و قد مرّ اشتراطها، و الظاهر وقوعه للطفل فالربح له و الخسارة على العامل لفحوى ما مرّ في تجارة غير الولي من كون التجارة بمال اليتيم مستثناة من باب الفضولي مضافا

الى وجود اخبار هنا أيضا و ستأتي.

و اما بناء على عدم اخراجها من باب الفضولي فهل يحتاج هنا أيضا الى الاجازة اللاحقة أم لا؟ من ان المتجر هو الولي المأذون و لا يقدح نية الشراء لنفسه اذ الشراء وقع بعين مال الطفل و البيع مبادلة المال بالمال في اضافة المالكية فينتقل المثمن الى من خرج الثمن عن ملكه و لو أثرت نية نفسه و أضرّت لا ضرّت في مطلق الفضولي و قد مرّ عدم اضرارها، و من ان الانتقال يحتاج الى النية اذ العقود تابعة للقصود و المفروض وقوع الانشاء بقصد نفسه فلا يفيد النقل الى المالك غاية الأمر انه قابل لأن يسلب عنه الخصوصية الملحوظة بالقصد الجديد للمالك و لو كان مجرد كون العين ملكا له كافيا في صرف العقد اليه لم نحتج في الفضولي الى الاجازة أصلا.

اللهم الا ان يقال كما مرّ: ان قصد نفسه ليس بما انه شخص خاص بل بما انه مالك للثمن و لو ادعاء فان المفروض انه قصد البيع، و البيع مبادلة مال بمال في اضافة المالكية فلا يفرض قصده الا مع فرض نفسه مالكا ادعاء فالانشاء وقع مع قصد الانتقال الى المالك فهذا متن العقد نعم فرض نفسه مالكا ادعاء و لكن هذا الفرض لا أثر له لأنه أمر في حاشية العقد فتأمل اذ لو سلم التوجه الى عنوان المالكية فكونه ملحوظا بنحو التقييد لا التعليل ممنوع.

هذا و الذي يسهّل الخطب ما عرفت من خروج باب اليتيم من باب الفضولي لفحوى ما مرّ في تجارة غير الولي مضافا الى ورود اخبار في خصوص المسألة:

فمنها خبر منصور الصيقل قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن مال اليتيم يعمل به؟

قال: فقال:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 78

..........

______________________________

اذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن للمال و ان كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال «1».

و مورد الرواية تجارة الولي فانه الذي يجوز له أن يستقرض مال اليتيم اذا كان مليّا و اما غير الولي فلا يجوز له ذلك سواء كان ذا مال أم لا.

و منها صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع» في مال اليتيم، قال: العامل به ضامن، و لليتيم الربح اذا لم يكن للعامل مال، و قال: ان عطب أدّاه.

و منها صحيحة ربعي بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: في رجل عنده مال اليتيم فقال:

ان كان محتاجا و ليس له مال فلا يمسّ ماله، و ان هو اتجر به فالربح لليتيم و هو ضامن.

و منها ما رواه العياشي عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: مال اليتيم ان عمل به الذي وضع على يديه ضمن و لليتيم ربحه الحديث «2».

فالتفصيل بين ذي مال و غيره في هذه الروايات يدل على كون المورد تجارة الولي بمال اليتيم.

هذا و لكن قد مرّ في المسألة السابقة الإشكال في استثناء باب اليتيم من مسألة الفضولي و في المقام و ان كان المتجر هو الوليّ و لكن المفروض انه قصد نفسه و هذا بنفسه و ان لا يضر مع قصد عنوان المعاملة التي هي مبادلة مال بمال و لكنه قد يشكل فيما اذا قصد الطرف نقل المال الى خصوص العامل بل صرح بأنه لا يرضى بانتقاله الى غيره و انه يرضى بالانتقال اليه بما انه شخص خاص، و

خصوصية المالك و ان لم تكن ركنا في البيع و بهذا يفترق عن النكاح إلّا انه يمكن مدخليتها اذا لاحظها المتبايعان و صرحا باعتبارها.

و يجري هذا الاشكال في الوكيل عن الغير أيضا اذا لاحظ الطرف خصوصية العاقد، و في هذه الصورة يمكن القول بعدم كفاية الاجازة اللاحقة من الولي و الوكيل أيضا بل يحتاج الى اجازة الطرف الآخر فتدبر جيدا.

فهذه ثمانية مسائل ذكرناها في باب التجارة بمال اليتيم و قد مرّ ان في المسألة من حيث تعلق الزكاة ثلاث صور:

الأولى: ان يتجر به الولي لنفسه بنحو يقع له كما في صورة الملاءة و المصلحة فحكمها حكم سائر موارد التجارة فتثبت الزكاة فيها على نحو ثبوتها في غيره من الوجوب او الاستحباب و في الحقيقة لا تكون التجارة في هذه الصورة بمال اليتيم بل بمال المتجر.

الثانية: ان يتجر به لليتيم فتقع له اما لكونه وليّا او لحكم الشارع بكون الربح له فتثبت

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

(2)- الوسائل ج 12 الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2 و 3 و 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 79

[عدم الزكاة في مال الجنين]

و لا يدخل الحمل في غير البالغ فلا يستحب اخراج زكاة غلّاته و مال تجارته (1).

______________________________

الزكاة أيضا للأخبار المستفيضة الواردة في المسألة و منها صحيحة زرارة و بكير، عن أبي جعفر «ع» حيث قال: «... فان اتجر به ففيه الزكاة و الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال» «1».

الثالثة: ان يتجر به المتجر لنفسه مع عدم وقوعه لنفسه بل لليتيم قهرا عليه فهل تثبت فيه الزكاة كما عن الشهيدين و المحقق الثاني و يدل عليه اطلاق الصحيحة أو

لا كما في الشرائع لانصراف أدلة زكاة التجارة الى صورة وقوع التجارة بقصد صاحب المال و الّا فالربح في الحقيقة لم يحصل له بالتجارة بل هو مال ثبت له تصادفا بحسب حكم الشارع قهرا على المتجر؟ وجهان، و الأقوى الثبوت. و قد مرّ تفصيل ذلك في ذيل المسألة السادسة. و قد خرجنا في المقام عن طور الاختصار لكون المسألة مما يبتلى بها كثيرا و قد تعرض الشيخ لها في زكاته أيضا مفصلة فراجع.

(1) في التذكرة: «لا زكاة في المال المنسوب الى الجنين لعدم التكليف و عدم الوثوق بحياته و وجوده و هو أحد وجهي الشافعية. و الثاني يجب كمال الصبي، و الأصل ممنوع».

و في الايضاح: «و اعلم ان اجماع أصحابنا على انه قبل انفصال الحمل لا زكاة في ماله كالميراث لا وجوبا و لا غيره».

و في الجواهر عن شرح اللمعة للأصبهاني: «التحقيق ان لم يثبت الاجماع المنقول في الايضاح تعميم الحكم له ان كان المستند العمومات».

أقول: لا يخفى عدم شمول لفظ «اليتيم» او «الصغار» او «الطفل» للجنين و لا أقل من انصرافها عنه و لكن ان اخترنا عدم وجوب الزكاة في مال اليتيم فلا تجب في مال الجنين قطعا للأولوية القطعية.

و أمّا على القول بوجوبها في غلات اليتيم و مواشيه كما في كلمات القدماء من أصحابنا فنقول:

المحتملات بدوا في مالكية الجنين ثلاثة:

الأول: ان يقال بصيرورته مالكا بصرف موت المورّث و لكن موته قبل التولد يصير موجبا لانتقال الملك عنه.

و الظاهر انه لا يقول بهذا أحد لكونه خلاف ظاهر الروايات مضافا الى اقتضائه انتقال المال منه الى وارث نفسه لا سائر ورثة المورّث.

الثاني: ان يقال بكون ولادته حيا كاشفا عن انتقال المال اليه من حين موت

المورث.

الثالث: ان تكون ولادته حيا ناقلة فقبلها يكون مستعدا للمالكية لا مالكا بالفعل و لعله

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 80

[المتصدي للإخراج هو الولي]

و المتولي لإخراج الزكاة هو الوليّ (1) و مع غيبته يتولاه الحاكم الشرعي (2).

و لو تعدد الوليّ جاز لكل منهم ذلك (3) و من سبق نفذ عمله (4).

______________________________

الظاهر من اخبار اشتراط ولادته حيا.

و على هذا فلا تتعلق به الزكاة لعدم الملك و قد مرّ اشتراطه و على الكشف و ان كان مالكا واقعا و لكنها متزلزلة غير تامة و قد مرّ اشتراط التمامية أيضا فلا وجوب قطعا.

و اما الاستحباب فكان مورده بحسب الروايات غلات اليتيم و مال تجارته و قد عرفت انصراف لفظ اليتيم عن الجنين كما ان عمومات الزكاة مثل قوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» أيضا منصرفة عنه بل عن اليتيم و المجنون أيضا كما لا يخفى و قوله: «فيما سقت السماء العشر» او «في خمس من الإبل شاة» في مقام بيان المقدار لا المورد فلا عموم فيهما بحسبه فلا دليل على ثبوت الزكاة في مال الجنين لا وجوبا و لا استحبابا هذا.

و اما ما ادعاه في الايضاح من الاجماع على العدم فموهون بعدم كون المسألة معنونة في كلمات القدماء من أصحابنا فكيف يدّعى فيها الاجماع؟ و هل نكشف بهذا النحو من الاجماع المنقول عن رأي المعصوم- عليه السلام-؟ فتدبر.

(1) اذ جعل الزكاة يستلزم اجازة الاخراج و لا يجوز للصبي التصرف في ماله لأنه محجور و الولي هو المنصوب للتصرف في ماله و اما غيره فلا يجوز له التصرف لعموم حرمة التصرف في مال الغير.

هذا

على فرض عدم ثبوت الحق في الزكاة المستحبة و الّا فجعل الحق في المال يستلزم اجازة التأدية و الولي هو المتيقن.

هذا مضافا الى قوله- عليه السلام- في موثقة يونس بن يعقوب المتقدمة: «اذا اتجر به فزكّه» «1» و في خبر أبي العطارد «اذا حركته فعليك زكاته» «2».

و نية الاخراج على الولي، و لو أراد الولي الاخراج و منعه الصبي مع التميز فعلى فرض الحق يكون نظر الولي مقدما و اما على فرض الاستحباب التكليفي فقط فيشكل تقديمه لأن ملاك الاستحباب للصبي لا للولي.

(2) لأنه ولي من لا ولي له و الغائب كالمعدوم اذا طالت مدة الغيبة و انقطع عن المال بالكلية.

(3) مع فرض استقلال كل منهما كالأب و الجد او المنصوبين المستقلين.

(4) لأنه مقتضى ولايته المستقلة.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 81

و لو تشاحّوا في الاخراج و عدمه قدّم من يريد الاخراج (1) و لو لم يؤدّ الوليّ الى أن بلغ المولّى عليه فالظاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة اليه (2).

[زكاة مال المجنون]

[مسألة 2]: يستحب للولي الشرعي اخراج زكاة مال التجارة للمجنون دون غيره من النقدين كان أو من غيرهما (3).

______________________________

(1) لإطلاق دليل الاستحباب و الولاية نعم لو رفعا الأمر الى القاضي فهل عليه تقديم مريد الاخراج او تقديم مصلحة اليتيم؟ و جهان.

(2) لو كان الاستحباب للولي كما في عبارة المصنف في صدر المسألة فلا وجه لبقائه بعد بلوغ المولى عليه و زوال الولاية و لكن الظاهر فساد هذا المبنى.

و امّا اذا كان لليتيم لأنه صاحب المال و فيه ملاكه و لا

يرفعه حديث رفع القلم فان المرفوع هو الالزام فهو باق ببقاء صاحب المال و ان لم يبق المال أيضا و اولى بذلك ما لو قيل بأن المجعول في الزكاة المستحبة أيضا نحو حق و مرتبة منه لا يستتبع الّا حكما ندبيا فكما ان المجعول في الزكاة الواجبة ليس التكليف المحض بل نحو حق للمصارف فكذلك في المستحبة الّا ان للحق مراتب فبعضها يستتبع الالزام بالأداء و بعضها يستتبع استحبابه و على فرض تصرف المال ينتقل الى الذمة على نحو ثبوته في المال و قد مرّ في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم: «فاما الغلّات فعليها الصدقة واجبة» «1».

و في صحيحة زرارة و بكير: «فان اتجر به ففيه الزكاة» «2» فالزكاة ثابتة على المال و في المال فليست تكليفا محضا فعلى هذا يكون بقائها الى حال البلوغ أظهر.

و اما ما في المستمسك من انه لا مانع عقلا من ملك الفقير جزء من المال بنحو يستحب دفعه اليه و لا يجب فتصويره مشكل ان أراد بذلك الملكية الاصطلاحية اذ مقتضى الملكية عدم جواز التصرف و وجوب دفعه الى صاحبه فتأمل.

(3) اما ثبوت الزكاة في مال تجارته فلدلالة صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و خبر موسى بن بكر عليه و قد مرّ ذكرهما عند ذكر المصنف اشتراط العقل و اما في الوجوب و الاستحباب فهو بحكم غيره من الناس فكل ما حكمنا به في زكاة مال التجارة من الوجوب و الاستحباب نحكم به في اليتيم و المجنون أيضا.

و أمّا في النقدين فلا وجوب و لا استحباب كما هو المتيقن من مورد الخبرين.

و اما في الغلات و المواشي ففي الخلاف و النهاية و المقنعة و نحوها حكموا بوجوبها فيهما

مثل الصبي

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 82

[حكم الزكاة في مال المغمى عليه و السكران]

[مسألة 3]: الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول، و كذا السكران، فالاغماء و السكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه، و لا ينافيان الوجوب اذا عرضا حال التعلق في الغلّات (1).

______________________________

و قد مرّ الإشكال في ذلك من المحقق في المعتبر و من صاحب الجواهر اذ لا دليل على إلحاق المجنون بالصبي فيهما لا في الوجوب و لا في الاستحباب و مقتضى الصحيحة و الخبر عدم ثبوتها في ماله الّا اذا عمل به فالحق ما ذكره المصنف من عدم الاستحباب في غير مال التجارة و عليك بمراجعة ما حررناه سابقا في المسألة.

(1) في التذكرة: «و تجب الزكاة على النائم و الساهي و المغفّل دون المغمى عليه لأنه تكليف و ليس من أهله».

و في المدارك: «و في الفرق نظر فانه ان أراد ان المغمى عليه ليس أهلا للتكليف في حال الاغماء فمسلّم لكن النائم كذلك و ان أراد كون الاغماء مقتضيا لانقطاع الحول و سقوط الزكاة كما ذكره في ذي الأدوار طولب بدليله».

و ملخص كلام المدارك ان المغمى عليه و النائم يشتركان في عدم التكليف و لكن الزكاة وضع يثبت لهما معا و لا دليل على قطعهما للحول. غاية الأمر ان الأداء يقع في حال اليقظة و الافاقة و بالجملة فالعمومات شاملة و لا دليل على تخصيصها في المقام بخلاف اليتيم و المجنون و حمل المقام على المجنون قياس.

أقول: للعلامة ان يستدل بما ورد من قوله في المغمى عليه:

«ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر».

و قد استفاضت الأخبار بهذا المضمون و أوضحها و أشملها ما رواه في العلل و الخصال عن موسى بن بكر قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يغمى عليه يوما أو يومين أو الثلاثة أو الأربعة أو أكثر من ذلك كم يقضي من صلاته؟ قال: ألا أخبرك بما يجمع لك هذه الأشياء؟

كلما غلب اللّه عليه من أمر فاللّه أعذر لعبده.

قال و زاد فيه غيره ان أبا عبد اللّه «ع» قال: هذا من الأبواب التي يفتح كل باب منها ألف باب «1».

ثم انه لو فرض الاغماء او السبات طال سنة أو سنتين أو أكثر يصير وزانه وزان الغائب عن ماله المنقطع عنه فيقرب جدّا عدم تعلق الزكاة به كمال الغائب اذ الغيبة لا خصوصية لها كما عرفت بل الملاك انقطاع الانسان عن ماله بحيث لا يقدر على قبضه و بسطه و لذا ألحق به

______________________________

(1)- الوسائل ج 5 الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 8 و 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 83

[لا تجب الزكاة على سيد العبد]

[مسألة 4]: كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيده فيما ملكه على المختار من كونه مالكا، و اما على القول بعدم ملكه فيجب عليه مع التمكن العرفي من التصرف فيه (1).

[لو شك في تقدم البلوغ و تأخره]

[مسألة 5]: لو شك حين البلوغ في مجي ء وقت التعلق، من صدق الاسم و عدمه (2) او علم تاريخ البلوغ و شك في سبق زمان التعلق و تأخره

______________________________

الأصحاب المسروق و المجحود و المنذور و نحوها و بذلك أشار في قوله في السؤال في المرسلة «ما له عنه غائب لا يقدر على أخذه».

نعم الاغماء ساعة أو ساعتين لا يضرّ بل عرفت عدم اضرار الجنون المختصر أيضا فراجع ما حررناه في اشتراط العقل.

(1) مرّ في اشتراط الحرّية ان نفس أخبار عدم الزكاة في مال العبد باستفاضتها تدل على صيرورة العبد مالكا و مع ذلك حكمت بعدم الزكاة في ماله فالقول بوجوب زكاته على المولى اجتهاد في مقابل النص نعم لو طرحنا هذه الأخبار و نحوها مما تدل على ملكية العبد و انكرنا ملكيته بأي نحو من الأنحاء و قلنا بأن الملك للمولى من رأس بلا وساطة العبد صار كسائر امواله و تعلقت به الزكاة.

و الحاصل ان المحتملات في الأخبار ثلاثة:

الأول: ان المال للعبد و لا زكاة فيه لا عليه و لا على المولى و هو الظاهر منها جدّا.

الثاني: ان يراد لا زكاة في مال العبد يعني على العبد بل هي على المولى و هو خلاف الظاهر جدّا.

الثالث: ان يراد لا زكاة في مال العبد يعني انه ليس مال العبد بل مال لمولاه و عليه زكاته و هذا أبعد من الثاني و يشبه اللاحجية فراجع أخبار الباب و ما حررناه سابقا.

(2) في المستمسك:

اذا كان المراد الشك حين البلوغ في تحقق او ان التعلق قبل البلوغ فلا اثر لهذا الشك اذ على التقديرين من التحقق و عدمه لا إلزام بالزكاة، و ان كان المراد الشك في تحقق او ان التعلق حين البلوغ فكذلك بناء على ما تقدم منه من اعتبار سبق البلوغ.

أقول: الاشكال وارد على فرض ارادة المصنف الشك البدوي في تحقق وقت البلوغ و لكن الظاهر ان مفروض المسألة صورة العلم بتحقق البلوغ و التعلق معا و الشك في تقدم أحدهما على الآخر، و الفرق بين هذه الصورة و الصورة التالية ان زمان الشك قد يكون زمان معلوم التاريخ و قد يكون ما بعده و لا فرق بينهما في حكم المسألة كما لا يخفى.

و صور المسألة على ما ذكره المصنف عشرون صورة فان كلا من البلوغ و اشتداد الحب مثلا اما

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 84

..........

______________________________

أن يجهل تاريخهما او يعلم تاريخ البلوغ و يجهل الآخر او بالعكس و في الأخيرتين اما أن يكون زمان الشك نفس زمان معلوم التاريخ او بعده و ان كان لا أثر لهذا كما عرفت فهذه خمس صور و في كل من هذه الصور فالترديد اما بين السبق و التقارن او بين السبق و اللحوق او بين التقارن و اللحوق او بين السبق و التقارن و اللحوق.

و على ما ذكره المصنف من اعتبار سبق البلوغ على وقت التعلق تكون جميع الصور موردا للشك في الحكم و اما على ما اخترناه من كفاية التقارن بينهما من جهة ان كليهما شرطان للتعلق في عرض واحد و لا دليل على لزوم تقدم أحد الشرطين على الآخر ففي خمس من الصور يعلم بالتعلق قطعا مثلا

اذا علم بأن البلوغ اما سابق على اشتداد الحب أو مقارن له فهو يعلم بالتعلق في كلا الفرضين بلا إشكال.

و كيف كان فقبل بيان حكم صور المسألة لا بأس باشارة اجمالية الى المسألة الأصولية في المقام.

فنقول: لا فرق في المستصحب بين أن يكون مشكوك الارتفاع في الزمان اللاحق رأسا و بين أن يشك في ارتفاعه في جزء من الزمان اللاحق مع القطع بارتفاعه بعد ذلك، فلو علم بوجود حادث في زمان و شك في وجوده قبل هذا الزمان يستصحب عدمه الى الزمان المتأخر و يلزمه عقلا تأخر حدوثه و يعبر عن ذلك في كلمات الأصحاب بأصالة تأخر الحادث.

ثم ان هذا الحادث المشكوك تقدمه و تأخره قد يلاحظ بحسب أجزاء الزمان و قد يلاحظ بحسب حادث آخر، و الحادثان اما ان يكونا مجهولي التاريخ او يعلم تاريخ احدهما.

ففي مجهولي التاريخ لا يجري استصحاب العدم اصلا بناء على عدم اجرائه في اطراف العلم الإجمالي أو يجري في كليهما و يتعارضان.

و اما في ما علم تاريخ أحدهما فيستصحب عدم مجهول التاريخ الى زمان معلوم التاريخ و تترتب آثار العدم و اما آثار العناوين الوجودية الملازمة لهذا العدم كالحدوث و اللحوق و التقارن فلا تترتب الا بناء على حجية الأصل المثبت او خفاء الواسطة او احراز التلازم بحسب الجعل بين جعل آثار هذا العدم و جعل آثار العنوان الوجودي الملازم له.

و ربما يتوهم جريان الأصل في معلوم التاريخ أيضا بأن يستصحب عدمه الى الزمان الواقعي للآخر.

و أجيب بأن نفس وجوده غير مشكوك فيه في زمان و اما وجوده في زمان الآخر فليس مسبوقا بالعدم.

أقول: لو كان الأثر للوجود المقيد بكونه في زمان الآخر فعدمه بنحو السلب التام له حالة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 85

ففي وجوب الاخراج اشكال (1) لان اصالة التأخر لا تثبت البلوغ حال التعلق (2) و لكن الأحوط الاخراج (3).

______________________________

سابقة و لكنه ليس معارضا لاستصحاب العدم في مجهول التاريخ لعدم التقيد في هذا الطرف فتدبر فان للبحث عن المسألة مقاما آخر.

و في الرسائل بعد اختيار استصحاب العدم في مجهول التاريخ و ترتيب آثار العدم لا التأخر و نحوه من العناوين الوجودية الملازمة قال: «يظهر من الأصحاب هنا قولان آخران: احدهما جريان هذا الأصل في مجهول التاريخ و اثبات تأخره عن معلوم التاريخ بذلك و هو ظاهر المشهور و قد صرّح بالعمل به الشيخ و ابن حمزة و المحقق و العلامة و الشهيدان و غيرهم في بعض الموارد منها مسألة اتفاق الوارثين على اسلام أحدهما في غرة رمضان و اختلافهما في موت المورث قبل الغرة أو بعدها فانهم حكموا بأن القول قول مدّعي تأخّر الموت ...، الثاني عدم العمل بالأصل و إلحاق صورة جهل تاريخ أحدهما بصورة جهل تاريخهما».

و الحق ما ذكره الشيخ من جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ و عدم اثبات وصف التأخر و نحوه و لعلّ التزام المشهور باثباتها كان من جهة ان الاستصحاب كان عندهم من قبيل الامارات الظنية الثابت حجيتها بسيرة العقلاء و عملهم.

(1) أقواه عدم الوجوب الا فيما مرّ من كون الترديد بين تقارن وقت التعلق او تأخره للقطع بالوجوب حينئذ على ما مرّ منّا من كفاية التقارن سواء كان زمان الشك زمان البلوغ المعلوم وقته او بعده.

هذا و لكن الأحوط في جميع صور الشك الفحص ثم اجراء الأصول لانصراف أدلة الأصول عن الشك الذي يزول بأدنى فحص بحيث يصدق ان علمه في كيسه و لذا

نحتاط بوجوب الفحص في من شك في تعلق الزكاة أو الخمس بماله أو حصول الاستطاعة له بماله.

نعم ثبت بمقتضى صحيحة زرارة الثانية و اجماع الأصحاب عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية في باب الطهارة و النجاسة فراجع.

(2) كان المناسب أن يقول: «لا تثبت التعلق وقت البلوغ» فانه المشكوك فيه و مجرى الأصل و المراد بأصالة التأخر هو استصحاب عدم اشتداد الحب مثلا الى زمان البلوغ فانه لا يثبت تأخر الاشتداد عن البلوغ.

(3) رعاية لما عن المشهور من اثبات وصف التأخر بهذا الاستصحاب كما حكاه الشيخ عنهم و قد عرفت ان كلامهم مبتن على حجية الاستصحاب من جهة سيرة العقلاء و كونه من الامارات الظنية و يمكن أن يكون وجه الاحتياط أيضا احتمال حجية الأصل المثبت او كون

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 86

و اما اذا شك حين التعلق في البلوغ و عدمه او علم زمان التعلق و شك في سبق البلوغ و تأخره او جهل التاريخين فالأصل عدم الوجوب (1).

و اما مع الشك في العقل فان كان مسبوقا بالجنون و كان الشك في حدوث العقل قبل التعلق أو بعده فالحال كما ذكرنا في البلوغ من التفصيل (2).

و ان كان مسبوقا بالعقل فمع العلم بزمان التعلق و الشك في زمان حدوث الجنون فالظاهر الوجوب (3) و مع العلم بزمان حدوث الجنون و الشك في سبق التعلق و تأخره فالأصل عدم الوجوب (4) و كذا مع الجهل

______________________________

الواسطة خفية فتدبر.

(1) بل الأصل في غير مجهولي التاريخ عدم البلوغ لتقدم الأصل الموضوعي على الأصل الحكمي تقدم الأصل السببي على المسببي و قد مرّت الاشارة الى القطع بالوجوب هنا اذا كان الترديد بين سبق البلوغ و تقارنه في الصور

الثلاثة لكفاية التقارن على ما اخترناه خلافا للمصنف من اشتراط سبق البلوغ.

و لم يتعرض المصنف هنا للاحتياط كما تعرض له في الفرضين السابقين لأن مورد الاستصحاب هنا عدم البلوغ و لو فرض اثبات لازمه أعني تأخر البلوغ أيضا كان مفاده نفي الوجوب أيضا.

(2) لأن العقل مثل البلوغ شرط يكون مسبوقا بالعدم فيجري فيه ما يجري فيه بلا تفاوت.

و يأتي فيه أيضا ما ذكرنا من القطع بالوجوب في بعض الصور بناء على ما اخترناه من كفاية التقارن.

(3) لاستصحاب بقاء العقل الى وقت التعلق فيثبت الوجوب بثبوت شرطه و لا مانع من احراز أحد الشرطين بالاستصحاب و الآخر بالوجدان.

(4) بل الأصل عدم تحقق اشتداد الحب مثلا الى زمان الجنون فان الأصل الموضوعي مقدم على الحكمي تقدم الأصل السببي على المسببي و على فرض اثباته وصف التأخر أيضا يكون مقتضاه عدم الوجوب أيضا كما لا يخفى و لذا لم يتعرض المصنف للاحتياط.

و قد يتوهم في المقام جريان استصحاب العقل الى زمان انعقاد الحب و مقتضاه وجوب الزكاة و لا يعارض باستصحاب عدم اشتداد الحب الى زمان الجنون فانه لا يثبت كون الاشتداد في زمان الجنون و ما لم يثبت ذلك يجب الاخراج لأن الخارج من عمومات الزكاة كون المال مال المجنون.

و يرد على ذلك ان المفروض كون الجنون معلوم التاريخ فلا شك في العقل بحسب الزمان حتى يستصحب و اما نسبته الى زمان اشتداد الحب فليس لها حالة سابقة حتى تستصحب فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 87

بالتاريخين (1) كما انه مع الجهل بالحالة السابقة و انها الجنون او العقل كذلك (2)

[الخيار لا يمنع من تعلق الزكاة]

[مسألة 6]: ثبوت الخيار للبائع و نحوه لا يمنع من تعلق الزكاة اذا كان في تمام

الحول، و لا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء زمانه بناء على المختار من عدم منع الخيار من التصرف فلو اشترى نصابا من الغنم او الابل مثلا و كان للبائع الخيار جرى في الحول من حين العقد لا من حين انقضائه (3).

______________________________

(1) لأصالة عدم الوجوب و اما الاصلان الموضوعيان فلا يجريان او يسقطان بالمعارضة.

(2) لانتفاء الاصل الموضوعي هنا فتجري اصالة عدم الوجوب و لا أصل لما في بعض الحواشي من اصالة السلامة فتدبر.

(3) بيان حكم المسألة يتوقف على تقديم البحث عن مسألتين نبحث عنهما هنا اجمالا و التفصيل موكول الى كتاب البيع:

الأولى: هل الملكية تحصل بالعقد او بعد الخيار نقلا او كشفا؟

الثانية: على فرض حصولها بالعقد فهل تجوز لغير ذي الخيار التصرفات الناقلة او المتلفة في زمن الخيار أم لا؟

اما الأولى: ففي الخلاف (المسألة 29): «العقد يثبت بنفس الايجاب و القبول فان كان مطلقا فانه يلزم بالافتراق بالأبدان، و ان كان مشروطا يلزم بانقضاء الشرط فان كان الشرط لهما او للبائع فاذا انقضى الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدم، و ان كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد لكنه لم ينتقل الى المشتري حتى ينقضي الخيار فاذا انقضى ملك المشتري بالعقد الأول، و للشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها ينتقل بنفس العقد، و الثاني ينتقل بشرطين: العقد و قطع الخيار، و الثالث مراعى فان تم البيع تبينا ان ملكه انتقل بنفس العقد و ان فسخ تبينا ان ملكه ما زال سواء كان الخيار لهما او للبائع وحده او للمشتري، و خيار الشرط فيه و خيار المجلس سواء، فاما أبو حنيفة فلا يثبت عنده خيار المجلس و يثبت خيار الثلاث بالشرط فان كان البيع

مطلقا انتقل بنفس العقد و ان كان بخيار الشرط فان كان الخيار لهما او للبائع لم ينتقل الملك عن البائع فاذا انقضى الخيار ملك المشتري و كان بعقد متقدم و ان كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بالعقد لكنه لم ينتقل الى المشتري فلا يكون له مالك حتى ينقضي الخيار فاذا انقضى ملكه المشتري الآن ...».

فالمسألة كانت مختلفا فيها بين العامة و الشيخ لا يفرّق بين أن يكون الخيار للبائع او للمشتري او لهما و في الجميع يفتي بدخالة انقضاء الخيار و لكن بنحو الكشف الحقيقي فان حصل الفسخ يكشف عن عدم انتقال الملك من أول الأمر و ان انقضى زمان الخيار انكشف تحقق الملكية بنفس العقد و من حينه كما في اجازة الفضولي على الكشف و تظهر الثمرة في النماء كما لا يخفى.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 88

..........

______________________________

و في الشرائع في باب الزكاة: «و لو اشترى نصابا جرى في الحول من حين العقد لا بعد الثلاثة و لو شرط البائع أو هما خيارا زائدا عن الثلاثة يبنى على القول بانتقال الملك و الوجه انه من حين العقد».

قال في المدارك بعد هذه العبارة ما حاصله: «ربما ظهر من العبارة ان الخلاف في وقت الانتقال انما وقع في خيار البائع او المشترك مع ان الظاهر تحقق الخلاف فيه مطلقا فان الشيخ حكم في الخلاف بأن المبيع لا ينتقل الى المشتري الّا بانقضاء الخيار سواء كان لهما او لأحدهما لكنه قال ان الخيار اذا اختص بالمشتري ينتقل المبيع عن ملك البائع بالعقد و لا يدخل في ملك المشتري الّا بانقضاء الخيار و مقتضى ذلك سقوط زكاته عن البائع و المشتري و هو ضعيف

جدّا».

أقول: إشكاله على المحقق «ره» وارد فان الشيخ لم يفرق بين خيار المشتري و غيره و لكن ظاهر ما نقله عن الشيخ دخالة انقضاء الخيار بنحو النقل مع ان الشيخ أفتى بالكشف في جميع الصور فراجع عبارة الخلاف.

و كيف كان فالأقوى في المسألة ما اختاره مشهور أصحابنا من تحقق النقل بنفس العقد و عدم دخل انقضاء الخيار فيه لا نقلا و لا كشفا.

و يدل عليه ظهور قوله- تعالى-: «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و قوله: «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» و غيرهما مما ظاهره كون العقد علة تامة لجواز التصرف الذي هو من لوازم الملك.

و يدلّ عليه أيضا الأخبار الحاكمة بكون غلّة الدار المشتراة ببيع الخيار للمشتري و خسارتها عليه في مدة الخيار فراجع الوسائل «1».

المسألة الثانية: بعد ما اخترناه من تحقق الانتقال بصرف العقد فهل يجوز للمشتري مثلا التصرف في ما اشتراه في زمن خيار البائع أم لا؟

ففي المكاسب ما حاصله: «من أحكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا يمنع من استرداد العين على قول الشيخ و المحكي عن ابن سعيد و ظاهر جماعة منهم العلامة في القواعد و المحقق و الشهيد الثانيان بل في مفتاح الكرامة ان حق الخيار يمنع المشتري من التصرفات الناقلة عند الأكثر».

و في الدروس: «في تملك المبيع بالعقد او بعد الخيار بمعنى الكشف او النقل خلاف مأخذه ان الناقل، العقد و الغرض بالخيار الاستدراك و هو لا ينافيه او ان غاية الملك التصرف الممتنع في مدة الخيار».

و عن جامع الشرائع: «و ينتقل المبيع بالعقد و انقضاء الخيار و قيل بالعقد و لا ينفذ تصرف

______________________________

(1)- الوسائل ج 12 الباب 8 من أبواب الخيار.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 89

..........

______________________________

المشتري فيه حتى ينقضي خيار البائع».

و ظاهرهما كما ترى تسلّم عدم جواز التصرف على فرض القول بالانتقال بنفس العقد و عدم كونه خلافيا.

و في المسالك في شرح العبارة السابقة من الشرائع: «و يشكل بان الخيار متى كان للبائع أو لهما منع المشتري من التصرفات المنافية للخيار كالبيع و الهبة و الرهن و الاجارة و نحوها و ذلك ينافي تمامية الملك». و نحو ذلك في المدارك أيضا.

و عن فوائد الشرائع: «و لقائل أن يقول: أين تمامية الملك و المشتري ممنوع من كثير من التصرفات» و ظاهرهم تسليم المحقق لهذا المبنى أيضا.

أقول: مبنى أصل المسألة هو ان حقيقة الخيار هل هو ملك حلّ العقد من حينه او من اصله فلا تعلق له بالمال او هو ملك استرداد العين فيكون حقا متعلقا بالمال مانعا من التصرفات المنافية لاسترداده؟

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 89

و في مكاسب الشيخ الأعظم ما حاصله: «حجة القول بالمنع ان الخيار حق يتعلق بالعقد المتعلق بالعوضين من حيث ارجاعهما بحلّ العقد الى ملكهما السابق فالحق بالاخرة يتعلق بالعين فلا يجوز أن يتصرف فيها بما يبطل ذلك الحق باتلافها او نقلها و جواز الفسخ مع التلف بالرجوع الى البدل لا يوجب جواز الاتلاف لأن الحق متعلق بالعين و ان انتقل الى بدلها لو تلفت بنفسها كما في العين المرهونة.

هذا و لكنه لا يخلو عن نظر فان الثابت من خيار الفسخ بعد ملاحظة جواز التفاسخ في حال تلف العينين هي سلطنة ذي الخيار على فسخ العقد المتمكن في حالتي وجود العين و فقدها فالمرجع في المسألة أدلة

سلطنة الناس على اموالهم ألا ترى ان حق الشفيع لا يمنع المشتري من نقل العين فالجواز لا يخلو عن قوة في الخيارات الأصلية، و اما الخيارات المجعولة بالشرط فالظاهر من اشتراطها ارادة ابقاء الملك ليستردّه عند الفسخ».

أقول: الحق في المسألة ما اختاره الشيخ- قدس سره- فان الخيار ان كان للمتصرف فهو لا يوجب تزلزلا في ملكيته بل يؤكدها و ان كان لغيره بالشرع فليس حقيقته كما مرّ إلّا التسلط على العقد فقط و لا نسلّم سرايته منه الى العين، فقول أبي عبد اللّه «ع»: «أيّما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا فاذا افترقا وجب البيع ...» «1» ظاهر في كون متعلق الخيار نفس العقد المعبر عنه في الحديث بالبيع فالذي يثبت بالافتراق وجوب العقد و ثباته فيعلم بذلك ان الثابت قبله تزلزله و عدم ثباته و ليس فيه نظر الى العين، نعم لازم حلّ العقد رجوع العين مع

______________________________

(1)- الوسائل ج 12 الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 90

..........

______________________________

بقائه و مثلها او قيمتها مع تلفه او ما بحكمه، نعم في بيع الخيار كأنه شرط في العقد ابقاء العين مدة الخيار حتى تستردّ فيصير ذو الخيار محقّا بالنسبة الى ابقاء العين فتدبر.

اذا عرفت ما ذكرناه في المسألتين فنقول: لو قيل بأن لانقضاء مدة الخيار دخلا في حصول النقل بنحو النقل فالمبيع لم ينتقل الى المشتري فلا زكاة عليه قطعا لاشتراط الملك فيها فزكاة المبيع على البائع و الثمن على المشتري.

و اما اذا قيل به بنحو الكشف فثبوت الزكاة واقعا على فرض تحقق النقل واقعا مبنيّ على جواز تصرف غير ذي الخيار في مدته مع عدم احراز انتقاله

اليه، و الظاهر عدم جوازه، لعدم احراز كونه ملكا له فتكون الملكية على فرض ثبوتها غير تامة فلا زكاة. و هل يجب على ذي الخيار اعمال الخيار و أداء الزكاة؟ و جهان.

و اما اذا قلنا بحصول النقل بصرف العقد فلو قيل بجواز التصرفات الناقلة و المتلفة في مدة الخيار فلا اشكال في تعلق الزكاة و وجوبها على المالك.

و اما لو قيل بمنعها مطلقا او في مثل بيع الخيار فربما يقال ان المنع من التصرف لا ينافي وجوب الزكاة أيضا اذ يصدق انه مال حال عليه الحول في يد مالكه و عنده و ليس مثل المال الغائب المنقطع عنه المالك.

و لم نجد لعنوان التمكن من التصرف دليلا حتى يستشكل في صدقه في المقام بل يمكن ان يستفاد تعلق الزكاة هنا من صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» الواردة في زكاة القرض و كونها على المقترض لا المقرض. قال- عليه السلام-: لأنه ليس في يده شي ء إنما المال في يد الآخر فمن كان المال في يده زكاه ... يا زرارة أ رأيت وضيعة ذلك المال و ربحه لمن هو؟ و على من؟ قلت:

للمقترض، قال: فله الفضل و عليه النقصان و له ان ينكح و يلبس منه و يأكل منه و لا ينبغي له أن يزكيه؟ بل يزكيه فانه عليه «1».

و كذا من صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاث او ما شاء اللّه على من الزكاة؟ على المقرض او على المستقرض؟

فقال: على المستقرض لأن له نفعه و عليه زكاته «2».

أقول: المراد بكون المال بيده و عنده كون قبضه و بسطه بيده يتصرف فيه

كيف يشاء و هذا لا يلائم كون الانسان ممنوعا من التصرفات المترقبة من الملك، و اذا فرض عدم جواز التصرفات المتلفة و الناقلة بالنسبة الى الملك و لزوم حفظه فهل يصدق انه ينكح و يلبس منه و يأكل منه و ان

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 91

[في ما اذا كانت العين الزكوية مشتركة]

[مسألة 7]: اذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين او ازيد يعتبر بلوغ النصاب في حصة كل واحد (1) فلا تجب في النصاب الواحد اذا كان مشتركا.

______________________________

له وضيعة ذلك المال و ربحه؟ مع ان الوضيعة و الربح يتحققان نوعا في طيّ المعاملات الواقعة عليه و الاستفادات الأكلية و اللبسية و نحوهما تتحقق باشتراء المأكولات و الملبوسات بنقده و المعاوضة عليه فلا يشابه المبيع في المقام لمال القرض.

و في زكاة الشيخ الأعظم: «ان في الفرق بين منذور الصدقة بعينه نذرا مشروطا بما يحتمل الحصول فضلا عما يقطع بحصوله و بين المبيع في أيام الخيار و الحكم بمانعية النذر دون الخيار اشكالا بل تحكّما».

و نعم ما قال، فالحق على فرض المنع من التصرف عدم التعلق و لكن الأقوى كما عرفت جواز التصرف فانه مقتضى سلطنة الناس على اموالهم الثابتة بحكم العقلاء و الشرع فلا يمنع الخيار عن تعلق الزكاة، نعم في بيع الخيار الظاهر عدم جواز التصرفات الناقلة و المتلفة فيشكل التعلق و ان كان الأحوط أدائها من القيمة فتدبر.

(1) بلا خلاف بيننا بل الاجماع بقسميه عليه كما في الجواهر بل هو المشهور بين أهل السنة أيضا و المخالف في ذلك الشافعي في

موارد الخلطة و الخلطة و قد عنون المسألة في الخلاف (المسألة 34 و 36).

و حيث ان الأصحاب و كذا المصنف عنونوا المسألة في باب زكاة الأنعام نحوّل تفصيلها الى هناك و نقول هنا اجمالا ان المسألة واضحة بل اعتبار الملك و النصاب يكفيان لا ثباتها مضافا الى ما رواه في العلل عن زرارة، عن أبي جعفر «ع» في حديث قال: قلت له: مأتي درهم بين خمس أناس أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم أ يجب عليهم زكاتها؟ قال: لا، هي بمنزلة تلك يعني جوابه في الحرث ليس عليهم شي ء حتى يتم لكل انسان منهم مأتا درهم، قلت: و كذلك في الشاة و الابل و البقر و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟ قال: نعم «1».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 92

[حكم الزكاة في نماء الوقف]

[مسألة 8]: لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين ان يكون الوقف عاما او خاصا (1) و لا تجب في نماء الوقف العام (2) و اما في نماء الوقف الخاصّ فتجب على كل من بلغت حصّته حد النصاب.

______________________________

(1) مرّ البحث في ان الوقف ملك للواقف او الموقوف عليه او للّه- تعالى- او يفصّل بين الخاص و العام او انه ليس ملكا لأحد بل فك ملك و عرفت ان الظاهر بقائه على ملك الواقف و لكنه ممنوع عن التصرفات فيه و سنخ العام و الخاص واحد فكلاهما يقعان بلفظ الوقف متعديا بكلمة «على» الدالة على الاستعلاء فكأن الانسان يوقف ملكه على رءوس الموقوف عليهم لتدرّ منافعه عليهم و هو المستفاد من الحديث النبوي: «حبّس الأصل و سبّل

الثمرة».

و يمكن الفرق بين ما ينشأ بلفظ الوقف و ما ينشأ بلفظ الصدقة الجارية فان الظاهر من لفظ الصدقة انتقالها الى المتصدق عليه.

و كيف كان فلا تتعلق الزكاة بالوقف مطلقا اما لعدم الملك او لعدم تماميته فراجع ما ذكرناه سابقا عند تعرض المصنف لاشتراط التمكن من التصرف.

(2) في المبسوط: «اذا وقف على انسان واحد او جماعة ضيعة فدخل منها الغلة و بلغت نصابا فان كان لواحد تجب فيه الزكاة و ان كان لجماعة و بلغ نصيب كل واحد النصاب كان عليهم الزكاة ... و إنما أوجبنا الزكاة لأنهم يملكون الغلة و ان كان الوقف غير مملوك».

و في التذكرة ما حاصله: «مسألة: اذا كان الوقف شجرا فأثمر او أرضا فزرعت و كان الوقف على أقوام بأعيانهم فحصل لبعضهم من الثمرة او الحب نصاب وجبت فيه الزكاة عند علمائنا و به قال مالك و الشافعي و احمد ... و قال طاوس و مكحول لا زكاة فيه لأن الأرض ليست مملوكة لهم ... و اما لو كان الموقوف عليه غير منحصر كالمساكين فلا زكاة عليهم فيما يحصل في أيديهم ...

لأن الوقف على المساكين لا يتعين لواحد منهم لأن كل واحد منهم يجوز حرمانه و الدفع الى غيره و إنما يثبت الملك فيه بالقبض».

أقول: اما في الوقف العام فالظاهر اتفاقهم على عدم تملك الأشخاص لنماء الوقف بل يتوقف تملكهم له على اقباض المتولي و دفعه و لو كان العنوان الموقوف عليه منحصرا في فرد خارجا فالنماء حين يحدث يحدث ملكا للعنوان و قد عرفت من صاحب الجواهر عدم شمول أدلة الزكاة لما ملكه العناوين كالعلماء و الفقراء مثلا و لعل قوله- تعالى- «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» ينصرف عن ملك

العناوين بقرينة قوله: «تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ».

و لكن قد عرفت ان لأحد ان يقول ان الزكاة مالية اسلامية وضعت على كل من يستفيد من امكانات الحكومة و الدولة الاسلامية شخصا كان او عنوانا وجهة كما هو المتداول في الحكومات المتداولة فراجع ما حررناه في بحث اعتبار الملك في الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 93

[اذا تمكن من تخليص المغصوب]

[مسألة 9]: اذا تمكن من تخليص المغصوب او المسروق او المجحود، بالاستعانة بالغير او البينة او نحو ذلك بسهولة فالأحوط اخراج زكاتها (1)،

______________________________

و اما في الوقف الخاص فيستفاد من عبارة العلامة الاجماع على حصول الملك للأشخاص بصرف حدوث النماء، و اثباته مشكل و لأحد ان يخدش فيقول ان سنخ الوقف و حقيقته في العام و الخاص واحد و لعل النماء في الوقف الخاص أيضا يحدث في ملك عنوان الولد الذكور مثلا و إنما ينتقل الى الأشخاص باقباض المتولي فالمسألة تحتاج الى دقة و تتبع أكثر، و لا نسلّم ان الوقف للأولاد مثلا يستلزم استيعابهم في التقسيم بخلاف الوقف العام فانه بنحو المصرف اذ يرد عليه ان كلا من الاستيعاب و المصرفية يستفاد من نحو الجعل و القرائن في كلا القسمين من الوقف.

(1) هذه هي الجهة الثالثة من الجهات الخمس التي أشرنا اليها في مبحث التمكن من التصرف و هي انه لو لم يكن مستوليا بالفعل على المال و لكن كان يقدر على أخذه و الاستيلاء عليه فظاهر أكثر أخبار المسألة اعتبار كون المال بيده و عنده فعلا، و اطلاق حكم الأصحاب بعدم الزكاة في مال الغائب و المسروق و المغصوب و نحوها أيضا يقتضي ذلك.

و لكن ظاهر قوله في مرسلة ابن بكير: «... فان كان يدعه متعمدا

و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين» «1»، كفاية التمكن من الاستيلاء، و قد مرّت حجية المرسلة لكون ابن بكير من أصحاب الاجماع، و حملها على الاستحباب او على باب الدين خلاف الظاهر.

و يشهد لذلك أيضا قوله في حسنة سدير الواردة في المال المدفون: «لأنه كان غائبا عنه و ان كان احتبسه» «2» اذ يستفاد منه ان المانع كون المال محبوسا عن مالكه غير مقدور عليه.

و يدل عليه أيضا خبر دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد- عليهما السلام- انه قال في الدين يكون للرجل على الرجل: «ان كان غير ممنوع منه يأخذه متى شاء بلا خصومة و لا مدافعة فهو كسائر ما في يده من ماله يزكيه، و ان كان الذي عليه يدافعه و لا يصل اليه الّا بخصومة فزكاته على من هو في يديه و كذلك مال الغائب و كذلك مهر المرأة على زوجها» «3».

هذا و الأقوى هو التفصيل فان كانت القوة قريبة من الفعل بحيث لا تتوقف الفعلية على مئونة كثيرة كما اذا استولى الغاصب على ماله و يرتفع استيلائه بصرف الطلب منه بلا خوف و لا منّة و لا مئونة فحكمها حكم الفعلية عرفا فكذلك شرعا، و اما اذا توقف على مئونة او منّة او نحو ذلك فلا، اذ في من سافر و خلف نفقة لعياله أيضا قد يمكن له قطع سفره و الرجوع الى وطنه قبل قضاء حوائجه و لا يجب ذلك قطعا فافهم.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة. الحديث 7.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(3)- المستدرك ج 1 الباب 6

من أبواب من تجب عليه الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 94

و كذا لو مكّنه الغاصب من التصرف فيه (1) مع بقاء يده عليه، او تمكن من أخذه سرقة، بل و كذا لو امكن تخليصه ببعضه (2) مع فرض انحصار طريق التخلص بذلك أبدا و كذا في المرهون (3) ان أمكنه فكّه بسهولة.

[اذا امكنه استيفاء الدين بسهولة]

[مسألة 10]: اذا امكنه استيفاء الدين بسهولة و لم يفعل لم يجب اخراج زكاته (4) بل و ان أراد المديون الوفاء و لم يستوف اختيارا، مسامحة او فرارا من الزكاة، و الفرق بينه و بين ما ذكر من المغصوب و نحوه ان الملكية حاصلة في المغصوب و نحوه بخلاف الدين فانه لا يدخل في ملكه الّا بعد قبضه.

______________________________

(1) حتى من اعطاء الزكاة منه.

(2) عدم الوجوب في هذا الفرض أقوى.

(3) مرّت الأقوال في المسألة عند تعرض المصنف لعدم الزكاة في المرهون فراجع، و الاحوط بل الأقوى ما ذكره المصنف من التفصيل.

(4) قد يتوهم ان موضوع البحث في هذه المسألة أعني الدين أعم مطلقا من موضوع البحث في المسألة التالية أعني القرض بل ربما يستدل لهذه المسألة باخبار تلك المسألة كما في المدارك مع وضوح عدم ارتباط أحدهما بالآخر فان موضوع البحث هنا الدين الثابت في ذمة الغير و لو كان بالقرض و موضوع البحث في المسألة الآتية العين الخارجية المستقرضة اذا فرض بقائها حولا عند المستقرض فبينهما تباين كما لا يخفى.

و كيف كان ففي الخلاف (المسألة 95): «لا زكاة في مال الدين الّا ان يكون تأخره من قبل صاحبه و قال ابو حنيفة و الشافعي في القديم: لا زكاة في الدين و لم يفصّلا، و قال الشافعي في عامة كتبه ان فيه الزكاة،

و قال أصحابه: ان كان الدين حالا فله ثلاثة أحوال اما ان يكون على مليّ باذل او على مليّ جاحد في الظاهر با ذل في الباطن او على جاحد في الظاهر و الباطن فان كان على مليّ با ذل ففيه الزكاة كالوديعة ... و ان كان الدين الى أجل فهل يملكه أم لا؟ على وجهين ...».

و في المقنعة: «و لا زكاة في الدين الا ان يكون تأخيره من جهة مالكه و يكون بحيث يسهل عليه قبضه متى رامه».

و في المبسوط: «لا زكاة في المال الغائب و لا في الدين الّا ان يكون تأخره من جهته».

و في الجمل و العقود: «مال الدين على ضربين: أحدهما ان يكون تأخيره من جهة صاحبه فهذا يلزمه زكاته و الآخر يكون تأخيره من جهة من عليه الدين فزكاته على مؤخره».

و في المختلف و الحدائق نسب هذا التفصيل الى النهاية أيضا و لكن لم اجده فيها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 95

..........

______________________________

و في الشرائع: «و لا الدين حتى يقبضه فان كان تأخره من جهة صاحبه قيل يجب الزكاة على مالكه و قيل: لا و الأول أحوط».

و المشهور بين المتأخرين عدم الزكاة في الدين مطلقا حتى يقبضه و يحول عليه الحول عنده و نسبه في المختلف الى ابن أبي عقيل من قدماء أصحابنا.

و منشأ الاختلاف اختلاف أخبار الباب و هي على طوائف:

فمنها ما دلّ على عدم الزكاة في الدين مطلقا حتى يقبضه و يحول عليه الحول.

و منها ما دلّ على التفصيل بين ان يكون تأخيره من جهة صاحبه و غيره.

و منها ما صرح فيها بعدم الزكاة و ان كان التأخير من جهة صاحبه.

و منها ما دلّ على الزكاة و ان كان مؤجلا.

و

منها ما دلّ على عدم الزكاة الا ان يفرّ به صاحبه.

و منها ما دلّ على عدم الزكاة الّا أن يشاء صاحبه أن يزكّيه الظاهرة في الاستحباب.

فهذه ست طوائف فمن الطائفة الأولى صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك «1».

و موثقة اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي ابراهيم- عليه السلام-: الدين عليه زكاة؟ قال: لا حتى يقبضه. قلت: فاذا قبضه أ يزكّيه؟ قال: لا حتى يحول عليه الحول في يده «2».

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: ليس في الدين زكاة؟ فقال: لا «3» الى غير ذلك من الاخبار و ترك الاستفصال فيها يدل على العموم كما لا يخفى.

و من الطائفة الثانية المفصّلة خبر عبد العزيز قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يكون له الدين أ يزكّيه؟ قال: كل دين يدعه هو اذا أراد أخذه فعليه زكاته و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة «4».

و خبر عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: ليس في الدين زكاة الا ان يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره فاذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه «5».

و خبر الدعائم، عن جعفر بن محمد- عليهما السلام- انه قال في الدين يكون للرجل على الرجل:

ان كان غير ممنوع منه يأخذه متى شاء بلا خصومة و لا مدافعة فهو كسائر ما في يده من ماله يزكّيه

______________________________

(1)- الوسائل 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث

3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 6 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 96

..........

______________________________

و ان كان الذي عليه يدافعه و لا يصل اليه الّا بخصومة فزكاته على من هو في يديه و كذلك مال الغائب و كذلك مهر المرأة على زوجها «1».

و يستأنس من الرواية عدم كون الدين بما هو دين ذا حكم و خصوصية في المقام بل الدين و العين متشابهان حكما فان كان صاحبهما يقدر على اخذهما متى شاء ففيهما الزكاة و الّا فلا.

و يؤيد هذه الطائفة في اصل ثبوت الزكاة في الدين صحيحة ابي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل ينسئ او يعيّن فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟ قال:

يزكّيه و لا يزكّي ما عليه من الدين إنما الزكاة على صاحب المال «2».

و «عيّن التاجر»: باع سلعته بثمن الى أجل ثم اشتراها بأقل من ذلك. و في بعض النقول «يعير» بدل «يعين» فمورد الحديث الدين المؤجل و الزكاة زكاة مال التجارة ظاهرا و لكنه من افراد الدين المطلق و قد حكم فيه بالزكاة.

و كذلك صحيحة عبد الحميد بن سعد قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن رجل باع بيعا الى ثلاث سنين من رجل مليّ بحقه و ماله في ثقة يزكّي ذلك المال في كل سنة تمرّ به أو يزكّيه اذا أخذه؟ فقال: لا بل يزكيه اذا أخذه، قلت له: لكم يزكيه؟ قال: قال: لثلاث سنين «3».

فالصحيحتان تؤيدان ثبوت الزكاة في الدين اجمالا و ان

قيل بلزوم حملهما على الاستحباب لعدم القائل بثبوت الزكاة في الدين المؤجل.

و كذلك خبر اسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» أعلى الدين زكاة؟ قال: لا الّا ان تفرّ به، فاما ان غاب عنك سنة او أقل أو أكثر فلا تزكّه الّا في السنة التي يخرج فيها «4» لعدم القائل فينا بهذا التفصيل.

و كيف كان فالطائفة الأولى تدل بعمومها و اطلاقها على عدم الزكاة في الدين مطلقا و الطائفة الثانية دلت على التفصيل بين ان يكون التأخير من ناحية صاحب الدين و غيره.

و القاعدة تقتضي حمل المطلق و العام على المقيد و المفصل و لازم ذلك عدم الفرق بين العين و الدين لما مرّ من ان القدرة على الأخذ في المال الغائب أيضا تكفي في تعلق الزكاة كما دلت على ذلك مرسلة ابن بكير السابقة «5» فراجع.

و ربما يشعر بعدم الفرق بينهما صحيحة ابراهيم بن أبي محمود قال: قلت لأبي الحسن

______________________________

(1)- المستدرك ج 1 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 8.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 13.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 97

..........

______________________________

الرضا «ع»: الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل اليهما ثم يأخذهما متى يجب عليه الزكاة؟

قال: اذا أخذهما ثم يحول عليه الحول يزكّي «1».

فكأن ذهن الراوي كان مأنوسا بعدم الفرق بين العين و الدين و بثبوت الزكاة في كليهما

طبعا غاية الأمر ان عدم وصول الرجل اليهما كان موجبا لشكّه و سؤاله.

فان قلت: حمل الطائفة الأولى بكثرتها و ظهورها في العموم على الطائفة الثانية ملازم لتأخير البيان عن وقت الحاجة و هو قبيح فيجب الأخذ بعموم الطائفة الأولى و حمل الثانية على الاستحباب كما هو المشهور بين المتأخرين.

قلت: هذا اشكال ذكره العلامة في المختلف و لكن لو فتح هذا الباب لانسدّ باب تخصيص العمومات و تقييد المطلقات بالأدلة المنفصلة في جميع أبواب الفقه مع ان بناء الفقه على تخصيص عموم الكتاب بالسنة و عموم سنة النبي بسنة الأئمة و سنة الامام الأول بالامام الأخير مثلا و لعل العام او المطلق كان محفوفا بقرينة استفاد الراوي منها حاجته او لعل السؤال لم يكن في مورد الحاجة الى العمل بل كان للاستعلام و التفقه مثلا.

فان قلت: الأخبار الحاصرة للزكاة في تسعة تنفي ثبوتها في الدين.

قلت: مضافا الى ما يأتي في تلك الأخبار في محله ان ضم أخبار الباب الى تلك الأخبار يرشدنا الى ان المراد بالتسعة أعم من العين و الدين، فالدين ليس أمرا وراء التسعة بل هي بعينها في ظرف الذمة فظرف التسعة قد يكون هو الخارج و قد يكون هو الذمة.

فان قلت: الأخبار الدالة على اشتراط الحول و ان مالا يحول عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه تنفي وجوب الزكاة في الدين و من تلك الأخبار صحيحة الفضلاء الخمسة عنهما- عليهما السلام-: «... و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فيه فاذا حال عليه الحول وجب عليه» «2».

قلت: بعد ظهور أخبار الباب في وجوب الزكاة في الدين تحمل أخبار الحول كما في الحدائق على ان المراد بالعندية فيها

الكناية عن امكان التصرف و كون قبض المال و بسطه بيده سواء كان بيد نفسه او وكيله او مديونه او مستودعه فيشترط ان يكون المال في جميع الحول بحيث يمكنه أخذه و التصرف فيه.

و بالجملة فالجمع بين أخبار المسألة الى هنا يقتضي عدم وجوب الزكاة في الدين الذي ليس قبضه و بسطه بيد صاحبه لكونه على المعسر او المماطل او الغائب او كونه مؤجلا و وجوب الزكاة

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 98

..........

______________________________

في ما اذا كان التأخير من قبل صاحبه فيكون مثل النقد يقدر على أخذه و صرفه كيف يشاء بل و وجوبها في المؤجل أيضا اذا كان على رجل مليّ باذل و لكن بعد قبضه كما دلت عليه صحيحة عبد الحميد بل و الكناني أيضا.

هذا كله مع قطع النظر عما جعلناه طائفة ثالثة و هي ما رواه في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه قال: سألته عن الدين يكون على القوم المياسير اذا شاء قبضه صاحبه هل عليه زكاة؟ قال: لا حتى يقبضه و يحول عليه الحول. و رواه علي بن جعفر في كتابه «1».

اذ هي صريحة في عدم الوجوب و ان كان الدين على المياسير و كان تأخيره من ناحية صاحبه فيجب بمقتضاها حمل ما دلّ على ثبوت الزكاة في الدين بأجمعها على الاستحباب.

و يدل على ذلك أيضا ما رواه بهذا السند عنه «ع» قال: ليس على الدين زكاة الّا ان يشاء رب الدين ان يزكيه «2».

و ما في الحدائق

من ان الحمل على الاستحباب و ان اشتهر بين الأصحاب في جميع الأبواب الّا انه لا دليل عليه من سنة و لا كتاب و ان الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح كغيره من الوجوب و التحريم و نحوهما و اختلاف الاخبار ليس دليلا على ذلك ففيه انه اذا تعارض النص و الظاهر كان اللازم رفع اليد عن الظهور بسبب النص و اذا رفعنا اليد عن ظهور الأمر في الوجوب صار مقتضاه الاستحباب قهرا.

هذا و لكن عبد اللّه بن الحسن مجهول لم يذكر بمدح و لا بقدح و الخبران غير مذكورين في الكتب الأربعة فرفع اليد بسببهما عن الاخبار المستفيضة المفتى بها في كتب القدماء من أصحابنا مشكل و مخالف للاحتياط، فالاحوط ثبوت الزكاة في الدين الذي هو كالعين في اختيار صاحبه و تحت يده كالموجود في المصارف و البنوك و لا يتوهم كونه وديعة لأن الانسان لا يملك عينا خاصة بل مقدارا خاصا في ذمة البنك فهو من مصاديق الدين و لكنه كالنقد و العين في نظر العرف، فاذا ضم الى ذلك احتمال ان يكون عنوان الذهب و الفضة المسكوكين في عناوين الزكاة مثالا للنقد الرائج الذي يقوّم به جميع الأموال كما نلتزم بذلك في باب المضاربة و الّا لانتفى موضوعها في أعصارنا فيكون موضوع الزكاة النقد الرائج المسكوك و لو كان من قبيل الدولار و الاسكناس و نحوهما صارت النتيجة تعلق الزكاة بما يسمّى عرفا بالودائع البنكية المستعقبة للربح دائما عند البنوك اذا بقيت فيها حولا.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 15.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 14.

كتاب الزكاة

(للمنتظري)، ج 1، ص: 99

..........

______________________________

هذا و لكن محل البحث عن هذه الجهة مقام آخر فانتظر و إنما ذكرناها هنا احتمالا و الاحتمال خفيف المؤونة هذا.

و اما احتمال حمل اخبار الوجوب على التقية فيرد عليه مضافا الى كونه خلاف الأصل لا يصار اليه الا بعد تعذر الجمع الدلالي ان كلا من الوجوب مطلقا و العدم مطلقا و التفصيل مفتى به بين أهل السنة فلا يبقى مجال للتقية اللهم الّا ان يثبت ان عمل الحكام كان على مطالبة زكاة الدين فصدرت اخبار ثبوتها تقية منهم لا من أهل الفتوى فتدبر.

و ينبغي التنبيه على امور: الأول: لو قلنا بعدم الزكاة في الدين فلازمه حسبان الحول من حين قبضه كما صرح بذلك في موثقة اسحاق بن عمار و غيرها، فما دلّ على الزكاة حين القبض يحمل على الاستحباب او يقيد بحولان الحول بعده و ان كان مخالفا للظاهر.

الثاني: في الجواهر: «لو كان الدين حيوانا فأولى بعدم وجوب الزكاة لعدم صدق السّوم».

و في المبسوط: «فاما اذا أصدقها أربعين شاة في الذمة فلا تتعلق بها الزكاة لأن الزكاة لا تجب الّا فيما يكون سائما و ما في الذمة لا يكون سائما».

أقول: نحن نسلّم انصراف السوم الى السوم الخارجي لا الاتصاف به و لكن الأمر كذلك في عنواني الذهب و الفضة و في عنوان المسكوكية المشترطة فيهما أيضا فاذا فرضنا القول بثبوت الزكاة في الدين بمقتضى الاخبار الماضية كان معناه رفع اليد عن هذه الظواهر بتحكيم هذه الاخبار و صار مقتضاه تعلق الزكاة بطبيعة الذهب و الفضة المتصفين بالمسكوكية في الخارج او في الذمة فلما ذا نحكم هذه الاخبار على اخبار النقدين المشروط فيهما السكة و لا نحكمها على اخبار الأنعام المشروط

فيها السوم؟

اللهم الّا أن يلتزم بظهور المال و الدين في النقدين و قد منعناه سابقا فراجع و قد ذكروا في باب السلم في اللحم لزوم التعرض لكون المبيع لحم سائمة او معلوفة مع فرض اختلاف الرغبات فيعم السوم للخارج و الذمة معا فتدبر.

الثالث: حكى في الجواهر عن البيان انه قيّد عدم الزكاة في الدين بما اذا لم يعينه المديون و يمكنه منه في وقته و نحوه عن الكركي و الميسي و القطيفي و عن حواشي الشهيد تقييده بما اذا لم يعيّنه في وقته و يحمله الى الحاكم او يبقيه على حاله بعد عزله في يده مع تعذر الحاكم.

أقول: صرف التعيين و العزل لا يكفي في مالكية الدائن للشخص نعم لو اخذه الحاكم بعد امتناعه منه صار قبضه بمنزلة قبض المالك لأنه ولي الممتنع فتتعلق به الزكاة قهرا بعد حلول الحول عليه، اللهم الّا ان يكون غائبا غير متمكن منه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 100

[زكاة القرض على المقترض بعد قبضه]

[مسألة 11]: زكاة القرض على المقترض بعد قبضه (1) لا المقرض فلو اقترض نصابا من أحد الأعيان الزكوية و بقي عنده سنة وجب عليه الزكاة.

نعم يصح ان يؤدّي المقرض عنه تبرعا (2).

______________________________

(1) بلا خلاف كما عن الخلاف و السرائر و غيرهما بل في التنقيح هو مذهب الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، كذا في الجواهر.

و في الخلاف (في المسألة 128): «لا خلاف بين الطائفة ان زكاة القرض على المستقرض دون القارض».

و وجهه واضح لان القرض بالقبض صار ملكا للمستقرض و انقطعت عنه علاقة المقرض و توهم توقف الملك على التصرف كما عن الشيخ، فاسد لاستلزامه الدور فان التصرف لا يجوز الّا بعد حصول الملكية.

هذا مضافا الى دلالة اخبار مستفيضة على ذلك من

دون معارض لها:

ففي صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاث او ما شاء اللّه على من الزكاة؟ على المقرض او على المستقرض؟ فقال على المستقرض لأن له نفعه و عليه زكاته «1».

و في صحيحة زرارة قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل دفع الى رجل مالا قرضا على من زكاته؟

على المقرض او على المقترض؟ قال: لا، بل زكاتها ان كانت موضوعة عنده حولا على المقترض، قال: قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال: لا يزكى المال من وجهين في عام واحد، و ليس على الدافع شي ء لأنه ليس في يده شي ء انما المال في يد الآخر، فمن كان المال في يده زكّاه، قال: قلت: أ فيزكّي مال غيره من ماله؟ فقال: انه ماله ما دام في يده، و ليس ذلك المال لأحد غيره، ثم قال: يا زرارة أ رأيت وضيعة ذلك المال و ربحه لمن هو؟ و على من؟ قلت: للمقترض، قال: فله الفضل و عليه النقصان، و له أن ينكح و يلبس منه و يأكل منه و لا ينبغي له ان يزكيه؟

بل يزكيه فانه عليه «2» الى غير ذلك من اخبار الباب فراجع.

(2) و الاصل في ذلك صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده؟ قال: ان كان الذي اقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، و ان كان لا يؤدّي أدّى المستقرض «3».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6

الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 101

..........

______________________________

فيستفاد منها اجمالا صحة تبرع الغير بزكاة الانسان بان يؤديها عنه و لا فرق في ذلك بين المقرض و الاجنبي اذ العين المستقرضة بعد صيرورتها ملكا للمستقرض تنقطع منها علاقة المقرض و يصير اجنبيا منها.

و هل تكون الصحيحة في مقام البيان من هذه الجهة أيضا حتى يتمسك باطلاقها على عدم الاحتياج الى اجازة المستقرض او انها في مقام بيان وظيفة المستقرض فقط و انه متى يجب عليه أن يؤدي زكاة القرض و متى لا تجب عليه؟ فبالنسبة الى المقرض يستفاد اجمالا صحة تبرعه بها و اما انه يشترط فيه اذن المستقرض أم لا؟ فليست الصحيحة في مقام بيان ذلك.

قال في المدارك: «و لو تبرع المقرض بالاخراج عن المقترض فالوجه الاجزاء سواء أذن له المقترض في ذلك أم لا و به قطع في المنتهى قال: لأنه بمنزلة أداء الدين و يدل عليه صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم ... و اعتبر الشهيد في الدروس و البيان في الاجزاء اذن المقترض و الرواية مطلقة».

أقول: لا يخفى ان أصل نيابة الانسان عن غيره و صيرورته وجودا تنزيليا عنه و صيرورة عمله عملا للمنوب عنه أمر اعتباري غير واقعي فلا اعتبار بها الّا في مورد يعتبره العقلاء أو الشرع.

و صيرورة الغير مالكا لعمل الانسان إنما يتصور على وجهين:

الأول: ان يستأجره الغير في مدة معلومة لعمل خاص فيصير عمله في هذه المدة للمستأجر.

الثاني: ان يستنيبه الغير بأن يكون فعل النائب النيابة أعني جعل نفسه بدلا عن الغير و وجودا تنزيليا له فيصير نفس العمل الذي يعمله النائب بعد قصد النيابة مستندا

الى المنوب عنه و الظاهر ان النيابة في العبادات لا تصح الّا بهذا الوجه فان الأمر الوجوبي أو الندبي بالصلاة أو الزكاة مثلا توجّه الى المنوب عنه لا النائب فلا يمكن بعثه الى الفعل الّا بعد تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه حتى يمتثل المنوب عنه أمره المتوجه اليه في قالبه التنزيلي ففعل النائب النيابة و فعل المنوب عنه الصلاة مثلا و بهذا الطريق يصحح الاستيجار في العبادات أيضا و يعبر عن هذا المعنى في التعبيرات بلفظة «عن» فيقال: «صلى عنه» أو «تصدق عنه».

و الأصل الأولي كما عرفت و ان كان عدم صحة النيابة و لكن العرف يساعد على صحته في بعض الموارد و منه الصيد و حيازة المباحات و احياء الموات للغير.

و يستفاد من أخبار كثيرة أيضا قبول العبادات الشرعية للنيابة غاية الأمر وجود الاجماع على العدم في الصلوات و الصيام الواجبة بالنسبة الى الاحياء فتبقى موارد الشك تحت عموم هذه الأخبار و قد ذكرها في الوسائل «1».

______________________________

(1)- الوسائل ج 5 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 102

بل يصح تبرّع الأجنبي أيضا (1) و الأحوط الاستيذان من المقترض في التبرع عنه (2) و ان كان الأقوى عدم اعتباره.

و لو شرط في عقد القرض ان يكون زكاته على المقرض فان قصد ان يكون

______________________________

و منها ما رواه عن الكليني، عن محمد بن مروان قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيين و ميتين يصلي عنهما و يتصدق عنهما و يحج عنهما و يصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك فيزيده اللّه- عزّ و جل- ببره و صلته خيرا كثيرا «1».

و بالجملة يستفاد

من هذه الأخبار و من صحيحة منصور بن حازم قبول أداء الزكاة للنيابة فهذا مما لا اشكال فيه و انما الاشكال في جواز التبرع بها بدون اذن المكلف بها مع حياة المكلف و ظاهر هذه الروايات الجواز، و اما الصحيحة فكونها في مقام البيان من هذه الجهة لا يخلو من اشكال كما عرفت.

و لعل تنزيل الانسان نفسه منزلة الغير المعبر عنه بالنيابة عنه نحو تصرف في سلطة الغير فيتوقف على اذنه الّا ان يدل دليل على خلافه بل المعتبر في العبادات الانتساب الى المنوب عنه حتى يكون الفعل بداعي الأمر المتوجه اليه و لا يتحقق انتساب الفعل اليه الا اذا كانت النيابة باذنه.

هذا و اما ما في المنتهى من قياس المقام على باب اداء الدين ففيه انه مع الفارق فان الدين حق مخصوص بمالكه يسقط بابرائه أو استيفائه من أي شخص كان سواء رضي به المديون أم لا بل لا يشترط رضا الدائن أيضا اذا كان المدفوع اليه مصداقا لما يستحقه من الكلي فليس له الامتناع من قبوله لو بذله باذل و لو تبرعا بخلاف الزكاة فانها ليست كليا في الذمة بل في العين بنحو الشياع أو الحق و مالكها ليس شخصا خاصا بل عنوان الفقراء مثلا و قد جعل تطبيقه على المصاديق باختيار المكلف بها فيكون قيام الغير مقامه محتاجا الى دليل خاص.

(1) لما عرفت من عدم الفرق بين المقرض و غيره بعد انقطاع انتسابه الى العين المقترضة فتدبر.

(2) لا يترك لما عرفت من لزوم انتساب الفعل العبادي الى المنوب عنه ليصدر بداعي الأمر المتوجه اليه و لا يتحقق الانتساب الّا بعد اذنه في النيابة.

نعم مقتضى اطلاق الأخبار المشار اليها وقوع الفعل للمنوب عنه

حيا كان أو ميتا بصرف قصد النيابة عنه بلا احتياج الى الاذن فراجع.

و اما الصحيحة فقد عرفت الاشكال في كونها في مقام البيان من هذه الجهة.

______________________________

(1)- الوسائل ج 5 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 103

خطاب الزكاة متوجها اليه لم يصحّ (1) و ان كان المقصود ان يؤدي عنه صحّ (2).

______________________________

(1) في المستمسك: «لكون الشرط مخالفا للكتاب و السنة أعنى اطلاق ما دل على أن الزكاة على المالك في ماله».

أقول: بل لأنه أمر غير مقدور للمشروط عليه لأن الخطاب من قبل الشارع و ليس تحت قدرة الانسان و اما ما في المستمسك فانما يجري فيما هو من أفعال الانسان و لكن شرطه يخالف الكتاب و السنة كأن يشترط في عقد النكاح ان لا يتزوج و لا يتسرى على الزوجة فتدبر.

(2) نسب في الحدائق و الجواهر الى المشهور عدم صحة هذا الشرط، و في زكاة المبسوط و قرض النهاية صحته.

ثم على فرض عدم الصحة ان افسد العقد فالزكاة على المقرض و ان لم يفسده فالزكاة على المستقرض و على فرض الصحة فهل يسقط عن المستقرض بصرف الشرط او لا يسقط عنه الّا بأداء المقرض؟ كل محتمل.

ففي قرض النهاية: «و تسقط الزكاة عن المقرض الّا ان يشترط المستقرض عليه ان يزكّيه فحينئذ تجب الزكاة على المقرض دون المستقرض».

و ظاهر هذه العبارة سقوطها عن المستقرض بصرف الشرط.

و في زكاة المبسوط: «و مال القرض زكاته على المستقرض دون المقرض الّا ان يشرط على المقرض زكاته فانه يلزمه حينئذ بحسب الشرط».

و العلامة في زكاة المختلف أفتى بعدم صحة الشرط و في قرضه أفتى بصحته.

و الأقوى صحة الشرط و لكنها لا تسقط عن المستقرض

الّا بعد أداء المقرض.

استدل للقائل بالفساد بوجوه أربعة:

الأول: ان الزكاة عبادة فيشترط فيها المباشرة و لا تقبل النيابة.

الثاني: انه مخالف للسنة أعني الأخبار الحاكمة بكون زكاة القرض على المستقرض لأنه ملكه.

الثالث: ان عقد القرض جائز فلا يلزم الوفاء به فكيف بشرطه.

الرابع: انه يوجب الربا لقوله- عليه السلام- «جاء الربا من قبل الشروط انما يفسده الشروط» «1».

و يجاب عن الأول بما مرّ من قبولها النيابة و ان كانت عبادة.

______________________________

(1)- الوسائل ج 12 الباب 12 من أبواب الصرف، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 104

..........

______________________________

و عن الثاني بعدم كون الشرط مخالفا للأخبار بل مؤكد لها لأن مرجعه الى أن الزكاة الواجبة عليّ في مالي ادّها عنّي نيابة عني.

و عن الثالث: بان الشرط كما فصل في محله التزام في التزام و مقتضى قوله «المسلمون عند شروطهم» صحته و لزومه مطلقا خرج عنه بالإجماع على فرض التسليم الشرط الابتدائي و بقي الباقي تحته، فالشرط في ضمن العقد الجائز لازم العمل على فرض ثبوت العقد نعم لو فسخ العقد صار كالشرط الابتدائي.

و بعبارة أخرى ان كان لزوم الشرط من قبل لزوم العقد صح ما ذكر و لكنه التزام مستقل في ظرف التزام العقد و لزومه ليس من ناحية العقد بل من ناحية قوله: «المسلمون عند شروطهم».

هذا مضافا الى انّا لا نسلم كون عقد القرض جائزا.

و عن الرابع بانه يوجب الربا اذا كان على المستقرض دون المقرض و اذا لم يكن دليل على فساد الشرط فمقتضى عموم أدلة الشروط صحته و هو الأقوى.

هذا و قد يستشهد للصحة بصحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا و كذا

ألف دينار و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين و انما فعل ذلك لأن هشاما كان هو الوالي «1».

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال فاشترط في بيعه أن يزكّي هذا المال من عنده لستّ سنين «2».

أقول: المشار اليه بقوله «انما فعل ذلك» يمكن أن يكون نفس البيع فيريد ان البيع وقع جبرا لأن هشاما كان واليا و قد أجبر الامام على هذا البيع و يمكن أن يكون الاشتراط فيراد انه لما كان واليا قصّر في أداء زكاة الثمن في السنوات السابقة فاشترط الامام عليه أداء زكاة عشر سنين من السنوات السابقة او انه لما كان واليا و يطالب قهرا بالزكوات في السنين اللاحقة فاشترط عليه الامام عدم مطالبته بها عشر سنين.

و على أي حال فان كان الشرط أداء زكاة السنين اللاحقة واقعا صح الاستدلال بالصحيحتين للمقام. و اما اذا كان الشرط أداء زكاة السنين السابقة المتوجهة الى نفس هشام او سليمان فلا ترتبطان بالمقام كما لا يخفى كما انه لو كان الشرط عدم مطالبته بها لم يجز الاستدلال بهما لكفاية أداء الغير فافهم، و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و لكن نحن لا نحتاج في صحة النيابة و صحة الشرط المتفرع عليها الى الصحيحتين لدلالة

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 105

[اذا نذر التصدق بالعين الزكوية و اعتبارات ماهية النذر]

اشارة

[مسألة 12]: اذا نذر التصدق بالعين الزكوية فان كان مطلقا غير موقت و لا معلقا على شرط لم تجب الزكاة فيها (1)،

______________________________

صحيحة منصور و أخبار

باب النيابة على قبول الزكاة للنيابة و دلالة عموم أدلة الشروط على صحة الشرط كما مرّ بيانهما.

نعم بالشرط يلزم المشروط عليه أداء الزكاة نيابة عن المشروط له و لكن لا يسقط التكليف عنه ما لم يؤدها المشروط عليه كما هو ظاهر صحيحة منصور أيضا حيث علق السقوط عن المستقرض على أداء المقرض اياها فتدبر.

فائدة: في زكاة المختلف: مسألة: قال الشيخ علي بن بابويه: «ان بعت شيئا و قبضت ثمنه و اشترطت على المشتري زكاة سنة او سنتين او أكثر فان ذلك يلزمه دونك»، و في لزوم هذا الشرط نظر.

أقول: الظاهر كون نظره في هذه المسألة الى الصحيحتين و توجد نفس هذه العبارة في فقه الرضا المطبوع (ص 23)، و هذا أيضا من الشواهد على ما نصرّ عليه من كون فقه الرضا هو رسالة علي بن بابويه الذي كان مرجعا للأصحاب عند اعواز النصوص، و قد جمعت موارد نقل الفقيه من رسالة أبيه في جزوة فهي أحد و ثلاثون موردا و قابلت الجميع مع مشابههما في فقه الرضا المطبوع، فتوافقا. و علي بن بابويه هو علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي و لعله كان ينسب الى جده موسى فيقال له: علي بن موسى فتخيل اللاحقون انه علي بن موسى الرضا «ع».

(1) أقول: النذر اما أن يتعلق بالنصاب بعد تعلق الزكاة به أو قبله و على التقديرين فاما أن يتعلق بجميعه أو ببعضه و على التقادير فاما أن يتعلق بالفعل أعني التصدق به أو بالنتيجة أعني كونه صدقة و على التقادير فاما ان يكون منجزا أو مشروطا. ثم فيما تعلق قبل تعلق الزكاة فاما أن يكون المنذور مطلقا أو موقتا بما قبل الحول أو بما

بعده و في المشروط اما ان يعلم بحصول الشرط قبل الحول او بعده او يعلم بعدمه او يشك.

هذا و المسألة ليست من الأصول المتلقاة المأثورة و لم تعنون في الكتب المعدّة لذلك كالمقنعة و النهاية بل هي من المسائل التفريعية المستنبطة فلا يفيد فيها الاجماع فضلا عن الشهرة و قد عنونها الشيخ في الخلاف و المبسوط.

ففي الخلاف (المسألة 126): «اذا ملك مأتين لا يملك غيرها فقال: للّه عليّ ان أتصدق بمائة منها ثم حال الحول لا تجب عليه زكاتها، و للشافعي فيه قولان: أحدهما ان قال: ان الدين يمنع فهاهنا يمنع و الآخر لا يمنع ... و قال محمد بن الحسن: النذر لا يمنع وجوب الزكاة، عليه زكاة مأتين خمسة دراهم ... و عليه ان يتصدق بسبعة و تسعين درهما و نصف دليلنا انه اذا جعل للّه على نفسه من ذلك المال مأئة فقد زال بذلك ملكه».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 106

..........

______________________________

و في المبسوط: «اذا كان معه مائتان فقال للّه عليّ ان أتصدق بمائة منها ثم حال عليها الحول لم تجب عليه الزكاة لأنه زال ملكه عن مأئة و ما يبقى فليس بنصاب». و حكمه في نذر الفعل بخروجه عن الملك ممنوع و ان كان له وجه سيأتي.

و كيف كان فاذا تقدم النذر على تعلق الزكاة فاما ان ينذر الفعل او النتيجة و على التقديرين فاما ان يكون مطلقا او موقتا او مشروطا بشرط فلنبحث أولا في نذر الفعل مع الاطلاق و لنقدم البحث عن ماهية النذر و الاحتمالات فيه أربعة:

[الأول: ان يكون اعتباره تمليك العمل المنذور للّه- سبحانه]

الأول: ان يكون اعتباره تمليك العمل المنذور للّه- سبحانه- ففي قوله: «للّه عليّ أن أتصدق بكذا» اللام للتمليك فيصير اللّه- تعالى- مالكا و

التصدق مملوكا له و عهدة الناذر ظرفا له فان معنى الخبر و الانشاء واحد و انما يختلفان بقصد الحكاية في الخبر و قصد الايجاد في الانشاء فكما انه لو قال المخبر: «لزيد عليّ ان أخيط ثوبه» كان معناه الاخبار عن مالكية زيد عليه لأن يخيط ثوبه و كان اقرارا و اعترافا على نفسه فكذلك لو قاله إنشاء كان معناه إنشاء مالكيته له و اذا صار التصدق بالمال على الفقراء ملكا للّه- سبحانه- صار موضوعه أعني المال موضوع حقّ له- تعالى- و على ما ذكرنا يكون الظرف أعني اللام و مدخوله ظرفا مستقرا خبرا للفعل المنذور و ركنا للكلام.

و الاخبار دلت على عدم تحقق النذر الّا بذلك، ففي صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: اذا قال الرجل: عليّ المشي الى بيت اللّه و هو محرم بحجة أو عليّ هدي كذا و كذا فليس بشي ء حتى يقول: للّه عليّ المشي الى بيته، أو يقول: للّه عليّ أن أحرم بحجة، أو يقول: للّه عليّ هدي كذا و كذا ان لم أفعل كذا و كذا «1».

و في خبر الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل قال: عليّ نذر؟ قال: ليس النذر بشي ء حتى يسمّى للّه صياما او صدقة او هديا او حجا «2».

فقول الناذر: «للّه» قوام النذر و ركن له فلا يمكن ان يقال انه يذكر تبركا او انه كناية عن اعتبار القربة.

و ربما يستشكل على ما ذكرنا من كون اعتبار النذر تمليك العمل للّه بوجهين:

الأول: ان التمليك لا يتعلق الّا بأمر موجود محقق و العمل قبل تحققه ليس شيئا حتى يتعلق به التمليك. نعم نسلّم ان له نحو اعتبار بتبع موضوعه

أعني العامل و لذا نختار ضمان المنافع غير المستوفاة أيضا و لكن صرف هذا الاعتبار لا يكفي لتمليكه مستقلا. و الاجارة ليست تمليك المنفعة و العمل و لذا لا نسلم صحة إنشائها بقول الموجر «ملّكتك عملي» بل هي اضافة متعلقة بنفس

______________________________

(1)- الوسائل ج 16 الباب 1 من كتاب النذر، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 16 الباب 1 من كتاب النذر، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 107

..........

______________________________

العين يترتب عليها قهرا تحقق المنفعة تدريجا في ملك المستأجر.

[الثاني: ان اللّه مالك لجميع نظام الوجود بشراشرها]

الثاني: ان اللّه مالك لجميع نظام الوجود بشراشرها بالملكية الحقيقية التكوينية فلا يعتبر بالنسبة الى ساحته المقدسة المالكية الاعتبارية.

أقول: يرد على الأول ان الملكية ليست وصفا حقيقيا خارجيا حتى تحتاج الى موضوع خارجي بل هي أمر اعتباري يكفي في اعتبارها موضوع ما و لو كان متحققا بتبع أمر آخر و المنفعة و العمل تعتبران موجودا بتبع موضوعهما، و لا نسلم عدم كفاية قول القائل: «ملّكتك عملي» لتمليك العمل و ان لم يسم هذا اجارة اصطلاحا.

و على الثاني ان الاعتبار خفيف المؤونة يعتبر حتى للّه- تعالى- ألا ترى قوله- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ، الآية» «1» حيث جعل له- تعالى- سهم في الخمس مع كونه مالكا لجميع الأشياء بالملكية الحقيقية، فالأقوى ان حقيقة النذر كما هو ظاهر صيغته تمليك المنذور للّه- تعالى- و اذا صار العمل ملكا له صار متعلقه أعني المال الخارجي موضوع حق له- تعالى-.

الثاني: ان يكون اعتبار النذر، التعجيز، فالانسان قبل النذر يقدر على انحاء التصرف في ماله بأن يأكله أو يبيعه أو يهبه أو يتصدق به لمن شاء و لكن بنذر تصدقه على الفقراء يعجّز

نفسه باختياره عن جميع التصرفات الممكنة الّا عن التصدق به عليهم فبذلك يصير المال متعلقا لحق الفقراء اذ الناذر أوجب على نفسه التصدق بهذا المال عليهم و اللّه- تعالى- أوجب الوفاء بذلك بقوله: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» «2» و بقوله «وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» «3» و بقول الصادق- عليه السلام- في خبر السندي بن محمد «... ما جعلته للّه فف به» «4».

بل في زكاة الشيخ ما حاصله: «انه يمكن القول بخروجه عن ملكه بالنذر اذ لو قصد بالتصدق المنذور التمليك بقصد القربة فلا يحصل بصرف النذر بل بالعمل به و اما اذا أريد به الاعطاء بقصد القربة فيمكن ان يستفاد من الامر به من قبل المالك الحقيقي خروج ما امر بدفعه عن ملكية الناذر و لذا استفيد خروج الزكاة و الخمس عن ملك المالك الى الفقراء من الأمر بدفع بعض النصاب اليهم و الّا فلم يرد في أدلة تشريع الزكاة حكم وضعي في تملك الفقراء لحصتهم، و ما ورد من ان اللّه شرّك بين الأغنياء و الفقراء في أموالهم فليس الّا مأخوذا عن الحكم التكليفي لا انه ملّك الفقراء أولا ثم أمر الأغنياء بدفع ملكهم اليهم على حدّ التكليف بأداء الأمانة».

______________________________

(1)- سورة الأنفال، الآية 41.

(2)- سورة الانسان، الآية 7.

(3)- سورة الحج، الآية 29.

(4)- الوسائل ج 16 الباب 8 من كتاب النذر، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 108

..........

______________________________

أقول: كون ماهية النذر عبارة عن التعجيز امر يذكر في مقام الاحتمال و لكن العقود و الايقاعات تابعة للقصود و ليس الناذر متوجها الى مفهوم التعجيز حتى ينشئه و لو سلّم فلا نسلّم ايجابه تعلق حق للفقراء بالمال، و مفهوم التصدق التمليك بقصد القربة لا الاعطاء المطلق و كيف يحكم

بثبوت حق للفقراء او ملك لهم بصرف الانشاء مع عدم قصد الناذر، فاصرار الشيخ الأعظم بحصول الملك لهم بنفس النذر عجيب و ان مرّ في عبارة الخلاف و المبسوط أيضا و أعجب من ذلك التزامه باستفادة الملكية في باب الزكاة و الخمس من صرف الحكم التكليفي مع ان الشركة في باب الخمس تستفاد من اللام في الآية و في باب الزكاة من بعض التعبيرات الواردة في الأخبار كقوله- عليه السلام- في نهج البلاغة لمصدقه: «فان كان له ماشية او إبل فلا تدخلها الّا باذنه فان أكثرها له» «1».

و بالجملة على فرض كون ماهية النذر التعجيز فلا نسلّم ايجابه تعلق حق للفقراء بالمال فضلا عن ملكهم له.

[الثالث: ان يكون اعتبار النذر، المعاهدة مع اللّه- تعالى]

الثالث: ان يكون اعتبار النذر، المعاهدة مع اللّه- تعالى- و المعاقدة معه نظير الشروط المتداولة بين الناس و باعتبار ذلك يطلق على القيام بمقتضاه لفظ الوفاء فانه عبارة عن العمل بما يقتضيه الشرط المعبر عنه في الفارسية ب «قرارداد». و على هذا الوجه أيضا لا يتعلق بالمال الخارجي حق لا للّه و لا للمنذور له. نعم يجب عليه حفظه و صرفه فيما نذره و يرى العقلاء اتلافه للمال خروجا عن الالتزام و المعاهدة. هذا.

و يرد على هذا الوجه انه مفاد العهد الشرعي لا النذر فحقيقة العهد المعاهدة مع اللّه و تتحقق بقولنا «عليّ عهد اللّه ان أفعل كذا» او «عاهدت اللّه ان أفعل كذا» و اما النذر فيتحقق بقولنا «للّه عليّ أن أفعل».

[الرابع: ان يكون النذر عبارة عن الزام الانسان نفسه]

الرابع: ان يكون النذر عبارة عن الزام الانسان نفسه على عمل و ايجابه على نفسه نظير ايجابه على غيره فامضاه الشارع و امر بالوفاء به و مقتضى ذلك أيضا ثبوت حكم تكليفي فقط.

و فيه ان لازم ذلك كون صيغة النذر «عليّ كذا» و تكون كلمة «للّه» غير دخيلة فيه و ظرفا لغوا متعلقا بمثل «التزمت» او «تقربت» و يكون ذكره للتشريف او للدلالة على قصد القربة و هذا خلاف ظاهر الاخبار الدالة على كون الكلمة مقومة للصيغة.

فهذه محتملات أربعة في ماهية النذر و قد عرفت تقوية الأول منها و مقتضاه صيرورة المال متعلقا لحق اللّه- تعالى- في نذر التصدق به فيصير كالعين المرهونة و يكون الحق مانعا من التصرف في موضوعه و اما على المحتملات الأخر فلا يستتبع النذر تملكا للغير و لا حقا له، نعم التكليف

______________________________

(1)- نهج البلاغة من كتبه- عليه السلام- (رقم 25).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 109

و

ان لم تخرج عن ملكه بذلك لعدم التمكن من التصرف فيها (1) سواء تعلق بتمام النصاب او بعضه.

______________________________

بالوفاء به يستتبع وجوب حفظ المال للتصدق به فينصرف عنه دليل الزكاة بعد ما تعيّن من قبل الشارع له قبل تعلقها مصرف خاص و بعبارة أخرى الأمر بالوفاء بالنذر في الحقيقة أمر بابقاء المال ليصرف فيما نذر له فلا يشمله دليل الزكاة المتأخر و ان ابيت فالأقوى التفصيل بين نفوذ التكليف في الناذر و غيره فان نفذ فيه و صار بسببه منقطعا من المال خارجا لم تتعلق الزكاة لما عرفت في بيان اخبار المال الغائب من عدم الاعتبار بنفس عنوان الغيبة بل الملاك صيرورة الانسان منقطعا من ماله بالكلية، و ان لم يصر نافذا فيه بل تصرف فيه بعد النذر من دون أي اعتناء بحكم اللّه- تعالى- و صادف ذلك بقاء مقدار النصاب من المال حولا وجبت زكاته و ان تعيّن أداء القيمة. هذا.

و مقتضى عدم تعلق حق للّه او للفقراء بالمال صحة بيعه و هبته و نحوهما و ان كان محرما نظير البيع وقت النداء.

و لكن في زكاة الشيخ ما حاصله «التحقيق ان نذر الصدقة انما يفيد وجوب التمليك لا حصول التملك نعم الظاهر منع الناذر من التصرف فيه بما ينافي النذر و وقوعه باطلا لا لاقتضاء النهي للفساد بل لعموم الأمر بالوفاء بالنذر الشامل لما بعد التصرف المنافي، و دعوى ان وجوب الوفاء مشروط ببقاء محله و هو بقاء العين في ملك الناذر مدفوع بأن اطلاق وجوب الوفاء بالنذر لما بعد البيع كاشف عن عدم فوات محله، نظير اثبات بطلان العقد الناقل الثاني من البائع بأدلة ايجاب الوفاء بالعقد الأول الحاصل منه، و يؤيد ذلك اتفاقهم

على أن المال المنذور لا يورث فعدم قابليته للملك الاختياري أولى».

أقول: هذا منه- قدس سره- فتح باب جديد في باب المتزاحمين او المتعارضين و هو تقديم المتقدم زمانا. و الالتزام به مشكل اذ في الأول يقدّم الأهم مع وجوده و الّا فيثبت التخيير و في الثاني يتساقطان و يرجع الى الأصل و لا أثر للتقدم الزماني اللهم الّا أن يكون انطباق الأول رافعا لموضوع الثاني فلو صدر من المولى أولا الأمر بإنقاذ العبد و ثانيا الأمر بانقاذ الابن يقدم انقاذ الابن على انقاذ العبد مع التزاحم مطلقا، و بطلان العقد الثاني من البائع ليس لوجوب الوفاء بالعقد الأول بل لانتفاء موضوع البيع الثاني لخروجه عن ملكه بالبيع الأول فتأمل و للكلام في المسألة مقام آخر و كيف كان فوجوب التصدق بشخص المال فعلا يمنع من تعلق الزكاة به و ان لم يثبت بالنذر لا ملك و لا حقّ.

(1) بل لصيرورة المال بالنذر متعلقا لحق اللّه- تعالى- و لا أقل من دعوى انصراف دليل الزكاة عما جعل له الشارع قبل ذلك مصرفا خاصا بمقتضى ايجاب الوفاء بالنذر و اما عدم التمكن

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 110

[حكم منذور التصدق به]

نعم لو كان النذر بعد تعلق الزكاة وجب اخراجها أولا ثم الوفاء بالنذر (1).

و ان كان موقتا بما قبل الحول و و فى بالنذر فكذلك لا تجب الزكاة اذا لم يبق بعد ذلك مقدار النصاب و كذا اذا لم يف به و قلنا بوجوب القضاء بل مطلقا لانقطاع الحول بالعصيان (2).

______________________________

من التصرف فمضافا الى انصرافه الى عدم التمكن الخارجي كما في الغائب و المغصوب و المدفون لم يثبت ما يدل على عنوانه فراجع ما حررناه في الشرط الخامس.

(1)

في البقية اذا كان بنحو تعدد المطلوب كما هو الغالب.

هذا و لكن الأقوى حينئذ وجوب التصدق بالجميع لإمكان أداء الزكاة من غير العين، و المعتبر في النذر ليس الّا رجحان المتعلق و القدرة عليه، و المقدور بالواسطة مقدور فلو نذر التصدق بما هو ملك للغير فعلا و لكن أمكن اشتراؤه منه فان قصد التصدق به بدون الشراء بطل و الّا فلا يبعد وجوب الوفاء به بأن يشتريه ثم يتصدق به نظير ما اذا صرّح في نذره بأن يشتريه و يتصدق به.

و يحتمل أيضا ان تحسب الزكاة من الصدقة المنذورة اذ الزكاة من أوضح مصاديقها اللهم الّا ان ينصرف النذر منها فتدبر.

(2) بل بالنذر المستعقب لوجوب الوفاء، و في زكاة الشيخ ما حاصله «و ان كان النذر منجزا موقتا فان كان الوقت قبل تمام الحول فلا اشكال في سقوط الزكاة سواء و فى بالنذر في وقته او لم يف و سواء قلنا بوجوب القضاء مع فوات الوقت أم لا لرجوع الموقت بعد حضور وقته الى المطلق و في شرح الروضة انه لا شبهة في وجوب الزكاة لو لم يف بالنذر و لم نوجب القضاء، و فيه ان مجرد التكليف بالتصدق يوجب انقطاع الحول من غير توقف على الوفاء».

و استشكل عليه في مصباح الفقيه بما حاصله «كون مجرد التكليف بالتصدق به في وقت معين من غير ان يحدث حق او يجب قضاؤه موجبا لانقطاع الحول لا يخلو من تأمّل فانه ليس الّا كوجوب صرف الدينار المكنوز عنده في أثناء الحول وقتا ما في وفاء دينه او نفقة عياله مع انه لا يكون مثله موجبا لانقطاع الحول و لا مانعا عن تعلق الزكاة بهذا المال».

أقول: نقضه- قدس سره-

غير وارد اذ في وفاء الدين و نفقة العيال ليس الحكم التكليفي الشرعي متعلقا بهذا المال بل بعنوان الوفاء بالدين و الانفاق على العيال و اما في المنذور التصدق به فالتكليف تعلق بهذا المال الشخصي و هو بعينه معيّن المصرف من قبل اللّه فتنصرف عنه أدلة الزكاة.

هذا و لكن يمكن أن يقال فيما اذا كان وقت الوجوب قليلا جدا و لم نوجب القضاء ان تعلق

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 111

نعم اذا مضى عليه الحول من حين العصيان وجبت (1) على القول بعدم وجوب القضاء، و كذا ان كان موقتا بما بعد الحول فان تعلق النذر به مانع عن التصرف فيه (2).

و اما ان كان معلقا على شرط فان حصل المعلق عليه قبل تمام الحول لم تجب (3) و ان حصل بعده وجبت (4).

______________________________

الوجوب وقتا ما ليس بأولى من احتباس المال و الانقطاع منه وقتا ما في أثناء الحول كيوم مثلا و كون مثله مضرا بالحول موجبا لانقطاعه مشكل فلو غصب النصاب غاصب ساعة ثم ردّه فهل يوجب ذلك انقطاع الحول و هل يستفاد ذلك أيضا مما دلّ على عدم الزكاة في مال الغائب؟

فالأحوط في المسألة أداء الزكاة كما عن شرح الروضة اذا كان وقت الوجوب قليلا جدّا.

(1) بلا اشكال لتحقق الشرائط.

(2) سواء قلنا بثبوت حق للّه- تعالى- متعلقا بالمنذور أم لا لما عرفت من ان الأمر بالوفاء بالنذر يقتضي وجوب ابقاء العين الى وقت العمل. و توهم عدم وجوب الموقت الّا بعد حضور وقته و كون الوقت شرطا للوجوب في الواجبات الموقتة مدفوع كما في مصباح الفقيه بأن هذا لو سلّم ففي غير النذر اذ فيه يكون الوجوب حاليا حاصلا بانشاء النذر و

ان كان الواجب استقباليا نظير الواجب المعلق بنظر صاحب الفصول، يشهد بذلك العرف و قصد الناذرين، نعم لو بنى في الموقت على عدم الحق و لا التكليف الّا بعد الوقت صار الموقت مصداقا للواجب المشروط الآتي بحثه آنفا.

(3) اذ المشروط بعد حصول شرطه يصير منجزا و المفروض حصول شرطه قبل الحول فيصير مانعا عن تعلق الزكاة.

(4) اذ قبل الشرط لا وجوب و لا حقّ فتتعلق الزكاة عند الحول بلا مزاحم.

و في مصباح الفقيه: «ان الشرط ان كان متيقن الحصول فحكمه حكم الموقت في جميع ما عرفت».

و فيه وجود التفاوت بينهما اذ في الموقّت كما مرّ منه أيضا الوجوب حالي حاصل قبل الحول و ان كان الواجب استقباليا موقتا بما بعده بخلاف المشروط فان الوجوب اذا كان مشروطا بشرط متقدم فلا محالة لا يحصل الّا بعد شرطه و المفروض ان الشرط بعد الحول فلا وجوب قبله حتى يصير مانعا عن الزكاة.

نعم الأقوى مع ذلك عدم الزكاة و كون النذر مانعا عنها في بعض الصور.

و تفصيل ذلك ان الشرط اما أن يكون فعلا اختيارا للناذر أو لا و في الثاني اما أن يتعلق النذر بالمال مطلقا أو بشرط بقائه الى حين حصول الشرط فهنا ثلاث صور:

فان كان الشرط فعلا اختياريا للناذر مثل ان يقول: ان فعلت كذا في الشهر الكذائي فللّه

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 112

..........

______________________________

عليّ أن أتصدق بهذا المال فهذا لا يصير مانعا عن الزكاة قطعا.

و كذا ان لم يكن اختياريا و لكن شرط معه بقاء المال بأن قال مثلا: ان جاء ابني سالما من السفر و كان هذا المال باقيا حينه فللّه عليّ ان أتصدق به فبالحقيقة يكون الوجوب مشروطا بشرطين و الوجوب

المشروط متأخر عن شرطه فلا يوجبه و الّا لزم الدور.

و اما اذا كان الشرط غير اختياري و كان النذر من ناحية بقاء المال مطلقا بأن قال مثلا: ان جاء ابني من السفر في الشهر الكذائي فللّه عليّ أن أتصدق بهذا المال، ففي هذه الصورة الأقوى وجوب حفظ المال الى حين الوفاء بالنذر و تقريبه بوجهين:

الأول: ما في المستمسك من أن مرجع النذر حينئذ الى نذر ابقاء المال الى زمان الشرط و التصدق به بعده ففي الحقيقة المنذور امران: ابقاء المال الى زمان الشرط و التصدق به بعده فيجب عليه حفظه و عدم تعجيز نفسه، نظير ما اذا وعد زيدا أن يعطيه ثوبه الكذائي هدية و جائزة ان صنع كذا في وقت كذا فالعرف يراه ملتزما بابقاء الثوب الى الوقت الكذائي و اتلافه ينافي التزامه، و النذر تمليك و وعد للّه- تعالى- الزم انجازه.

الثاني ان الوجوب المشروط بعد العلم بتحقق شرطه في محله يقتضي عند العقلاء لزوم التهيؤ لامتثاله و الاتيان بمقدماته ان لم يمكن تحصيلها في وقته، و ما اشتهر بينهم من عدم وجوب المقدمة ما لم يجب ذيها انما هو في الوجوب الشرعي المترشح من وجوب ذيها و نحن نمنع الوجوب الشرعي في المقدمة و انما الموجود فيها اللابدية العقلية و العقلاء يلزمون العبد على تحصيل المقدمات بعد العلم بتحقق وجوب ذيها و لو في المستقبل ففي المقام بعد العلم بتحقق شرط النذر في المستقبل يجب عقلا حفظ المال للوفاء به في محله فيمنع هذا عن تعلق الزكاة به فتأمل. و لا يخفى ان التقريب الأول يجري مع العلم بتحقق الشرط و الشك فيه و اما الثاني فلا يجري في صورة الشك فافهم.

فان قلت:

في الموقت بعد الحول و المشروط بشرط كذلك يمكن الالتزام ببطلان النذر اذا كان المنذور التصدق بجميع المال لعدم رجحانه حين العمل لتعلقه بحق الغير.

قلت: إنما يكون متعلقا بحق الغير اذا فرض اجتماع شرائط وجوب الزكاة و لكن النذر رافع للتمكن من التصرف الذي هو من شرائطه.

فان قلت: نعم هذا صحيح لو قدم دليل النذر و اما لو قدم دليل الزكاة ارتفع شرط النذر أعني رجحان المتعلق.

قلت: الجمع بين الدليلين يقتضي الأخذ بالسابق منهما و يكون هذا واردا على الآخر رافعا لموضوعه فتدبر.

هذا و في المستمسك عبّر عن الورود في المقام بالتخصص.

و فيه انه خلاف الاصطلاح فان التخصص عبارة عن خروج فرد بالذات عن موضوع الحكم

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 113

و ان حصل مقارنا لتمام الحول ففيه اشكال و وجوه ثالثها التخيير (1) بين تقديم أيهما شاء و رابعها القرعة.

______________________________

فلو قال المولى أكرم العلماء يكون زيد الجاهل خارجا بالذات عن العلماء و لا يكون خروجه متوقفا على ورود دليل و حكم فالفرد الجاهل خارج عن عنوان العلماء تخصصا، كان هنا حكم في المقام أم لا. و اما الورود فهو عبارة عن كون احد الدليلين بشموله رافعا لموضوع الدليل الآخر حقيقة كما في المقام فان دليل النذر بعد شموله يرفع التمكن من التصرف الذي هو موضوع الزكاة و كذا العكس فالورود يشترك مع الحكومة في كون رفع الموضوع بعناية الدليل الآخر غاية الأمر ان رفعه في الورود بنحو الحقيقة و في الحكومة بنحو التعبّد فتدبر.

فان قلت: شمول كل من دليلي النذر و الزكاة في المقام دوري فكيف المخلص؟ بيان ذلك ان شمول دليل النذر متوقف على رجحان المتعلق في ظرف العمل، و رجحانه في

المقام متوقف على عدم شمول دليل الزكاة، و عدم شموله متوقف على عدم التمكن من التصرف، و عدم التمكن منه متوقف على شمول دليل النذر، فشمول دليل النذر صار متوقفا على نفسه، و كذلك شمول دليل الزكاة متوقف على التمكن من التصرف، و التمكن متوقف على عدم شمول دليل النذر، و هو متوقف على عدم رجحان المتعلق و هو متوقف في المقام على شمول دليل الزكاة و هذا الدور مقتضى طبع كل دليلين يكون أحدهما رافعا لموضوع الآخر.

قلت: أولا نسلّم ان شمول دليل النذر متوقف على رجحان المتعلق و لكنه حاصل فعلا فان التصدق راجح طبعا نعم دليل الزكاة لو جرى ارتفع الرجحان و لكنه لا يجري بعد ما حصل الأمر النذري قبله و ثانيا و هو حق الجواب ان رجحان المتعلق في المقام حاصل و لو بعد فرض شمول دليل الزكاة لما عرفت من صحة نذر التصدق بالمال الذي هو للغير بعد امكان تحصيله بالشراء و نحوه ثم التصدق به و الزكاة يمكن ادائها بالقيمة فالنذر و ان توقف على رجحان متعلقه و لكنه حاصل فيصير صحيحا و بجريانه يرتفع موضوع الزكاة قهرا.

(1) يعني أحدها وجوب الزكاة و ثانيها عدم وجوبها و وجوب العمل بالنذر في جميع المال.

ثم لو قلنا بعدم وجوب الزكاة فيما اذا حصل الشرط بعد الحول كما اخترناه فالقول بالعدم هنا أولى.

و اما اذا قلنا بالوجوب فيه كما اختاره المصنف ففي المقارن يجري وجوه قالوا: وجه الأول ان عدم التمكن في آخر ازمنة الحول لا يقدح في أمر الزكاة لقلته و عدم الاعتناء به و بعد وجوب الزكاة لا يصح النذر لتعلقه بحق الغير، و وجه الثاني ظهور الأدلة في اعتبار

التمكن في تمام الحول حقيقة و هو غير حاصل، و وجه التخيير اما من جهة تزاحم المقتضيات مع عدم أهمية أحدهما أو من جهة تعارض الدليلين، و وجه القرعة انها لكل مجهول كما في الخبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 114

..........

______________________________

أقول: و هنا وجه خامس و هو الأقوى على فرض التنزل مما سبق و هو صحة النذر و وجوب الزكاة معا اما الزكاة فلحولان الحول و هو متمكن و الآن الآخر غير مضر كما مرّ و اما النذر فلانه كنذر مال الغير فيؤدي الزكاة من القيمة و يعمل بالنذر في جميع المال.

و اما الوجوه المذكورة فيرد على الأول منها أولا وجود التهافت في بيانه اذ مقتضى فرض عدم التمكن في آخر الحول وجود أمر النذر مع انه قال: انه بعد وجوب الزكاة لا يصح النذر و ثانيا ان موضوع الزكاة حولان الحول و تماميته و هو انما يتحقق بعد الآن الآخر ففي صورة مقارنة الأمرين تحقق الحول بتمامه و التمكن أيضا في تمامه.

و يرد على الثاني ما مرّ من عدم امكان الالتزام باعتبار التمكن في جميع آنات الحول بحيث لو عرض عدم التمكن آنا مّا انقطع الحول فلو حال غاصب بينه و بين ماله ساعة فهل يمكن استفادة عدم الزكاة فيه مما دلّ على عدم الزكاة في المال الغائب و المدفون؟

و يرد على الثالث ان المفروض ان جريان أحد الدليلين يرفع موضوع الآخر فلا طريق الى احراز الملاكين ليصير من باب التزاحم و التعارض في المقام بنحو العموم من وجه و أدلة التخيير في المتعارضين على القول به موردها التعارض بنحو التباين.

و يرد على الرابع عدم التزامهم بالقرعة في كل مجهول بل في الموضوعات فقط.

فالحق

في المقام تقديم أمر النذر على ما سبق في الشرط المتأخر عن الحول و على فرض التنزل وجوب الوفاء بالنذر في العين و أداء الزكاة من القيمة كما مرّ وجهه فتدبر. هذا كله في نذر الفعل.

[حكم نذر النتيجة]

و اما نذر النتيجة مثل ان يقول: «للّه عليّ أن يكون هذا المال صدقة» فتارة يبحث عن صحته و أخرى عن مانعيته عن الزكاة.

اما الثاني فواضح اذ مقتضاه على فرض الصحة خروج المال عن ملك الناذر و قد مرّ اعتبار الملكية في وجوب الزكاة.

و في التذكرة «لو جعل هذه الاغنام ضحايا او هذا المال صدقة بنذر و شبهه كان سقوط الزكاة فيه أقوى لانتقال المال عنه الى ما نذره».

و في المدارك هنا «و اولى منه ما لو جعله صدقة بالنذر لخروجه عن ملكه بمجرد النذر فيما قطع به الأصحاب و للنظر فيه مجال».

و اما الأول فحيث ان البحث عن نذر النتيجة و كذا عن شرطها كثير الدوران في المباحث المختلفة لا بأس بالتعرض لهما هنا.

فنقول: ظاهر عبارة المدارك قطع الأصحاب بصحة نذر النتيجة مطلقا او في خصوص الصدقة و قد يدعى في بعض الكلمات الاتفاق او الاجماع على صحة نذر كون الحيوان هديا او اضحية و صيرورته كذلك و خروجه عن الملك بصرف النذر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 115

..........

______________________________

أقول: في الخلاف (- كتاب الضحايا، المسألة 16): «اذا أوجب على نفسه أضحية بالقول او بالنية على ما مضى من الخلاف زال ملكه عنها و انقطع تصرفه فيها و به قال أبو يوسف و أبو ثور و الشافعي و روي ذلك عن عليّ- عليه السلام-، و قال أبو حنيفة و محمد لا يزول ملكه عنها و لا ينقطع تصرفه فيها

و تكون له على ملكه حتى يخرجها الى المساكين و له أن يستبدل بها بالبيع و غير ذلك ...، دليلنا على الأول اجماع الفرقة و اخبارهم».

و الايجاب على النفس ليس صريحا في النذر نعم هو من أوضح مصاديقه و مراده باخبار الفرقة لعله اخبار اشعار الهدي و تقليده في حج القران.

و في المنتهى ان أبا حنيفة استدل على مذهبه بما صنعه النبي «ص» في حجة الوداع من جعل ثلث هديه الذي ساقه و هو مأئة بعير لعلي- عليه السلام- بعد ما ورد عليه من اليمن.

و في الشرائع (- كتاب الصيد و الذباحة، و المسألة الرابعة): «اذا نذر أضحية معينة زال ملكه عنها».

و في الجواهر «بلا خلاف أجده فيه بيننا بل في كشف اللثام اجماعا». ثم استدل له بذلك و بمراسيل عامية منها ان رجلا قال للنبي «ص»: يا رسول اللّه اني أوجبت على نفسي بدنة و هي تطلب مني بنوق فقال: انحرها و لا تبعها و لو طلبت بمائة بعير. و منها عن علي- عليه السلام- «من عيّن اضحية فلا يستبدل بها». و منها عن أبي سعيد الخدري انه قال: «اشتريت كبشا لأضحّي به فعدى الذئب فاخذ منه الألية فسألت رسول اللّه عن ذلك فقال: ضحّ به».

و في الجواهر عن الدروس «و لو كانت في ملكه تعيّنت بقوله: جعلتها اضحية، فيزول ملكه عنها».

و أنت ترى ان محطّ بعض الكلمات مطلق تعيين الحيوان للأضحية لا خصوص النذر فيشمل تعيينه بالاشعار و التقليد أيضا.

نعم في الشرائع ذكر النذر و لكن لم يصرح بكونه بنحو نذر النتيجة و في الجواهر حمله على نذر الفعل و استشكل على المسالك الذي حمله على نذر النتيجة.

و قولهم بالخروج عن الملك لا

يدل على ارادتهم نذر النتيجة فانك رأيت في صدر المسألة ان الشيخ في الخلاف و المبسوط حكم في نذر الفعل أيضا بالخروج عن الملك بل الشيخ الأعظم أيضا قرّب ذلك و استأنس له من باب الزكاة و الخمس حيث يحكم بمالكية الفقير من طريق ايجاب دفع المال اليه، و ان كان فيه ما فيه، كما ان ما ذكره في الجواهر من المراسيل دليلا على الخروج عن الملك أيضا لا تدل على ذلك كما هو واضح.

و كيف كان فليس كلام الأصحاب في مسألة تعيين الهدي و الأضحية صريحا في نذر النتيجة حتى ينسب الى قطعهم او اتفاقهم او اجماعهم صحة نذر النتيجة في باب الهدي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 116

..........

______________________________

و الأضحية فلا تثبت المسألة من طريق الاجماع بل يجب اثباتها من طريق القواعد المقررة.

و البحث تارة في تصوير نذر النتيجة ثبوتا و عقلا و أخرى في اثبات صحته بالأدلة العامة مثل قوله: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» او «ما جعلته للّه فف به» او بروايات خاصة كما سيأتي.

فالنافون لنذر النتيجة قرّروا مرادهم بوجوه:

الأول: ان القائل: «للّه عليّ ان يكون هذا المال صدقة» مثلا أراد به ايجاب ايجاد السبب على نفسه فهو يرجع الى نذر الفعل و ان أراد نفس مضمون الكلام دون التوجه الى السبب ففيه ان الظاهر من أدلة وجوب الوفاء بالنذر كون المنذور فعلا اختياريا للناذر قابلا للبرّ و الحنث حتى نلزمه بالوفاء به أ لا ترى انه لو قال: «للّه عليّ ان يكون ماء البحر رطبا او اجاجا» مثلا عدّ لغوا و لا تشمله أدلة الوفاء. هذا.

و يرد على ذلك أولا ان المقدور بالواسطة مقدور. فالمنذور و ان كان نفس المسبب و لكنه مقدور

بالقدرة على سببه فلم تحكمون ببطلان النذر كذلك؟ بل اللازم الحكم بصحته و وجوب الوفاء به بايجاد السبب اللهم الّا ان يراد بالبطلان عدم تحقق المسبب بصرف النذر، و ثانيا بان الأمر الاختياري في المقام لا ينحصر في ايجاد السبب فان ترتيب آثار المسبب أيضا فعل اختياري فيمكن أن يكون الوفاء في نذر النتيجة بترتيب آثار المسبب من عدم التصرف و البيع و الهبة و نحوها فيه و لازمه بدلالة الاقتضاء تحقق نفس المسبب قهرا نظير ما حكموا في المعاطات على القول بافادتها الاباحة بحصول الملكية آنا ما قبل نقله الى الغير جمعا بين الاباحة و جواز النقل الى الغير و قوله «لا بيع الّا في ملك».

و بالجملة كما ان ايجاد السبب فعل اختياري قابل للبرّ و الحنث فكذلك ترتيب آثار المسبب أيضا أمر اختياري غاية الأمر تأخره عن المسبب فاذا ثبت صحة نذر النتيجة بالعمومات او بالأدلة الخاصة كان مقتضاها وجوب ترتيب آثار النتيجة أعني المسبب.

الثاني: ان المسببات الشرعية لها أسباب خاصة توقيفية فلا يمكن تحققها بدونها كالنذر و الشرط و الى هذا أشار الشيخ في زكاته حيث قال:

«بل التحقيق ان الغايات التي ثبتت بالقواعد توقفها على أسبابها اذا وقعت في حيّز النذر أفاد النذر وجوب ايجاد تلك الأسباب لأن الوفاء بالنذر موقوف على ذلك و لا يفيد تحقق الغاية من دون السبب».

و فيه أولا ان هذا لا يقتضي بطلان نذر النتيجة بل صحته و استتباعه لوجوب ايجاد السبب و ثانيا ان الغايات على قسمين: فبعضها ثبت بمقتضى الأدلة عدم تحققها الّا عن سبب خاص كالزوجية و الطلاق و نحوهما و بعضها ليس كذلك كالملكية و الوكالة و الحرية و نحوها و الدليل لا

يجري في القسم الثاني.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 117

..........

______________________________

الثالث: ما في المستمسك و حاصله «ان اللام في صيغة النذر للتمليك و كما ان تمليك الأعيان لا يصحّ إلّا اذا كانت خارجية أو كليا معتبرا في ذمة خاصة فكذلك المنفعة و العمل فتمليك العمل بنحو الاطلاق لا اعتبار له إلّا بعد اعتباره في ذمة خاصة و لذا يذكر في الصيغة كلمة «عليّ» و ما يمكن أن يعتبر في الذمة هو العمل الصادر عن صاحب الذمة فالنذر لا يصحّ إلّا في نذر الفعل».

و فيه ما عرفت في جواب الوجه الأول من ان الأمر الاختياري الذي يصح اعتباره في الذمة أعم من المقدور بلا واسطة و بالواسطة و من ايجاد السبب المتقدم على المسبب و ترتيب الآثار المتأخرة عنه.

الرابع: ما في المستمسك أيضا و حاصله «انك عرفت ان قول الناذر: «للّه» ركن للنذر و الظرف مستقر خبر للمتأخر فمفاد قول الناذر «للّه عليّ كون هذا صدقة» تمليك اللّه كون هذا صدقة بالجعل التأليفى فلا تعرض فيه لجعل الصدقة بالجعل البسيط فيحتاج الى جعل آخر اذ الجملة الواحدة لا تصلح لجعل المنسوب و جعل النسبة معا فان الأول مفاد الكون التام و الثانى مفاد الكون الناقص فاذا ملك اللّه- تعالى- كون هذا صدقة وجب عليه تحصيلها بجعل مستقل غير النذر.

و اما بناء على كون اللام متعلقا ب «التزمت» المحذوف و الظرف لغوا فالمجعول بالنذر الالتزام بالأمر المنذور و أدلة الوفاء تدل على نفوذ هذا الالتزام فان كان المنذور من الأمور العقدية المتقومة بالطرفين لم يترتب الأثر الّا مع قبول الآخر فيكون النذر بمنزلة الايجاب و ان كان من الايقاعات صحّ و كفى إنشائه بناء على كفاية إنشاء الالتزام

و عدم اعتبار صيغة خاصة».

أقول: ما ذكره عمدة الاشكال ثبوتا في باب نذر النتيجة و يمكن ان يناقش أولا بان الصيغة على الفرض الأول و ان تعرضت لانشاء واحد و هو جعل المنذور للّه بجعل تأليفي و لكنها تدل بالملازمة على تحقق المنسوب اليه بسيطا اذ بها يعرف رضا الشخص بتحقق الصدقة بسيطا و بكونها للّه تأليفا و في باب العقود و الايقاعات و ان لم يكف الرضا القلبي ما لم يظهر و لكن يمكن أن يكفي الرضا المبرز و لو بالالتزام فحيث ان إنشاء النسبة بالمطابقة يستفاد منه بالالتزام الرضا بالمنسوب اليه يكفي ذلك في تحققه من غير احتياج الى إنشاء مستقل بعد قيام الدليل على صحة نذر النتيجة بسبب العمومات و الاخبار الخاصة كما يأتي فتأمل.

و ثانيا: لا شك ان الوفاء لا يتصور الّا بلحاظ الفعل و العمل و لكن العمل لا ينحصر في ايجاد الأسباب و ان أو همت ذلك كلماتهم في المقام بل كما ان ايجاد الاسباب المتقدم على المسبب عمل فكذلك ترتيب آثار المسبب و النتيجة أيضا عمل غاية الأمر تأخرها عنه فلو دلّ دليل على صحة نذر النتيجة اثباتا كان مفاده وجوب ترتيب آثار المسبب و النتيجة و هذا يدل بالملازمة على تحقق

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 118

..........

______________________________

المسبب قهرا بحكم الشارع و بالجملة مفاد قول الناذر: «للّه عليّ كون هذا المال صدقة» يرجع الى قوله «للّه عليّ ترتيب آثار الصدقة على هذا المال» فاذا حكم الشارع بوجوب الوفاء بذلك كان مقتضى حكمه تحقق الصدقة قهرا بحكمه فتدبر.

هذا و لا يخفى ان ما ذكره «قدس سره» من الاشكال في باب النذر لا يجي ء في باب شرط النتيجة، فان

الشرط في باب شروط العقد كما حقق في محله ليس قيدا للعقد المنشأ و الّا لزم انتفاء مضمون العقد بانتفائه بل هو التزام في ضمن التزام فاذا يكون شرط النتيجة من قبيل نذر النتيجة بناء على كون الظرف لغوا متعلقا ب «التزمت» المحذوف فيكون صحيحا بمقتضى أدلة الشروط الّا فيما لا يكفي في تحققه صرف إنشاء الالتزام به و محل المسألة باب الشروط فراجع.

هذا كله فيما يتعلق بنذر النتيجة ثبوتا و اما في مقام الاثبات فيكفي في صحته بعد تصويره ثبوتا العمومات كقوله- تعالى- «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» و قوله «وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» و قوله في الحديث «...

ما جعلته للّه فف به» «1».

و بعض الأخبار الخاصة الظاهرة فيه كموثقة اسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

قلت له: رجل كان عليه حجة الإسلام فأراد ان يحج فقيل له: تزوّج ثم حجّ فقال: ان تزوّجت قبل ان أحج فغلامي حرّ فتزوج قبل ان يحجّ، فقال: اعتق غلامه، فقلت: لم يرد بعتقه وجه اللّه، فقال: انه نذر في طاعة اللّه و الحج أحق من التزويج و أوجب عليه من التزويج، قلت: فان الحج تطوّع؟ قال: و ان كان تطوّعا فهي طاعة للّه قد اعتق غلامه «2» فان الظاهر من قوله أخيرا:

«قد اعتق غلامه» حصول العتق بصرف النذر فيكون من نذر النتيجة.

و كمرسلة ابن أبي عمير، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل تكون له الجارية فتؤذيه امرأته و تغار عليه فيقول هي عليك صدقة، قال: ان جعلها للّه و ذكر اللّه فليس له ان يقربها، و ان لم يكن ذكر اللّه فهي جاريته يصنع بها ما شاء «3» و مراسيل ابن أبي عمير

بحكم المسانيد و لا سيما هذه و مفهوم قوله: «ان لم يكن ذكر اللّه فهي جاريته» انه ان ذكر اللّه فليست هي جاريته فيكون النذر بنحو النتيجة.

و يمكن ان يستدل أيضا بقوله- تعالى- «إِذْ قٰالَتِ امْرَأَتُ عِمْرٰانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مٰا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي» «4» اذ ظاهره صيرورة ما في البطن محررا بصرف ولادته من دون احتياج الى

______________________________

(1)- الوسائل ج 16 الباب 8 من كتاب النذر، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 16 الباب 7 من كتاب النذر، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 16 الباب 17 من كتاب النذر، الحديث 9.

(4)- سورة آل عمران، الآية 35.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 119

[لو استطاع الحج بالنصاب]

[مسألة 13]: لو استطاع الحج بالنصاب، فان تمّ الحول قبل سير القافلة و التمكن من الذهاب وجبت الزكاة أولا فان بقيت الاستطاعة بعد اخراجها وجب و الّا فلا (1).

______________________________

إنشاء تحريره و لذا استدعى قبوله بصرف النذر و المحرّر و ان كان اسم مفعول فيتوقف تحققه على تحرير و محرّر و لكن التحرير وقع بنفس النذر نظير ما مرّ في موثقة اسحاق بن عمار من قوله: «قد اعتق غلامه» الظاهر في حصول الاعتاق بنفس النذر كما عرفت.

و قد يستدل أيضا بخبر علي بن جعفر، عن أخيه قال: سألته عن الصدقة يجعلها الرجل للّه مبتوتة هل له ان يرجع فيها؟ قال: اذا جعلها للّه فهي للمساكين و ابن السبيل فليس له ان يرجع فيها «1».

و في المستدرك عن الدعائم، عن أبي عبد اللّه «ع» انه سئل عن الصدقة يجعلها الرجل للّه مبتولة نحوه «2».

و لكن الشيخ حمل الرواية على باب الوقف فلا ترتبط بالمقام.

و قد تلخص مما ذكرنا تصوير شرط النتيجة و نذرها ثبوتا

و عمدة الاشكال كان ما ذكره أخيرا في المستمسك و قد عرفت عدم جريانه في باب الشرط بل مساغ شرط النتيجة مساغ أكثر الجعالات فلو قال أحد: «من وجد بعيري فله عبائي» يصير مالكا للعباء بصرف وجدان البعير و لا يصير منتظرا لتمليك العباء له بصيغة الهبة و نحوها و العرف أيضا يساعد على ذلك فاذا تصورنا شرط النتيجة و نذرها ثبوتا فأدلة الشروط و الوفاء بالنذر كافية لصحتها اثباتا مضافا الى ما مرّ من الروايات الخاصة في النذر.

نعم فيما ثبت شرعا احتياجها الى إنشاء جديد بلفظ خاص كالنكاح و الطلاق نرفع اليد عن هذه الأدلة فتدبر.

و الحمد للّه، 17 شعبان المعظم 1402، المطابق ل 20/ 3/ 61.

(1) أقول: محل البحث في المقام مسألة تزاحم الحج مع الزكاة او الخمس، و قبل الشروع فيها نشير الى مسألة مربوطة بباب الحج و هو ان الحج واجب مشروط شرط وجوبه الاستطاعة فالوجوب متأخر رتبة عن شرطه تأخر الحكم عن موضوعه فان الشرط بمنزلة الموضوع او هو هو و لذا قيل كل شرط موضوع و كل موضوع شرط فلا يتصور الزام من قبل هذا الوجوب بالنسبة الى احداث شرطه او ابقائه.

______________________________

(1)- الوسائل ج 13 الباب 5 من كتاب الهبات، الحديث 5. (و البحار كتاب الاحتجاج).

(2)- المستدرك ج 2 الباب 6 من كتاب الوقوف.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 120

..........

______________________________

فالوجوب دائر مدار وجود شرطه حدوثا و بقاء بلا الزام بالنسبة اليه و لا نسلّم صيرورة الواجب المشروط مطلقا بعد حصول شرطه بل هو مشروط و لو بعد حصول شرطه فكما ان وجوب القصر مشروط بالسفر حدوثا و بقاء و لا الزام من ناحيته بالنسبة الى احداث السفر او ابقائه

فكذلك وجوب الحج بالنسبة الى الاستطاعة و مقتضى هذه القاعدة عدم وجوب حفظ الاستطاعة و لو بعد حصولها بجميع شئونها.

هذا و لكن ثبت اجماعا استقرار وجوب الحج اجمالا في بعض الموارد و ان اخرج الانسان نفسه عن الاستطاعة و لعلّ العرف يفرق بين قوله: المستطيع يجب عليه الحج و بين قوله: يجب الحج ان استطاع بأن الظاهر من الثاني كفاية حدوث الاستطاعة في ايجاب الحج ظهور الفعل في الحدث فتأمل.

و كيف كان ففي بعض الموارد يستقر الحج بحدوث الاستطاعة فيمكن ان يقال ان غير الاستطاعة المالية من صحة البدن و تخلية السرب و غيرهما من الامكانات و زانها و زان القدرة التي هي من الشرائط العامة حيث ان المعتبر منها القدرة حين العمل لا حين الامر فلو علم بحصولها وقت العمل و قبيله كفى في الوجوب فيجب حفظ المال لأجله بل مع الاحتمال أيضا بناء على وجوب الاحتياط عند الشك في القدرة حتى يظهر العجز.

و قال المصنف في كتاب الحج (مسألة 23): «اذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحجّ يجوز له قبل ان يتمكن من المسير ان يتصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة و اما بعد التمكن منه فلا يجوز و ان كان قبل خروج الرفقة».

و لكن يظهر من عبارته هنا كون التمكن من المسير عبارة أخرى عن سير القافلة فتأمل.

و في حاشية الاستاذ- دام ظله- على الحج: «اذا كان عدم التمكن لأجل عدم الصحة في البدن او عدم تخلية السرب فالأقوى جواز التصرف و اما اذا كان لأجل عدم تهيئة الأسباب او فقدان الرفقة فلا يجوز مع احتمال الحصول فضلا عن العلم به».

و في بعض حواشي العروة أضاف الى التمكن من المسير ان يكون

قبل اشهر الحج فبعد دخولها لا يجوز اذهاب الاستطاعة و ان لم يتمكن من المسير و لم تخرج الرفقة.

و المذكور في كلام بعض الأصحاب ان المدار حضور وقت السفر، ففي التذكرة «لو كان له مال فباعه نسية عند قرب وقت الخروج الى أجل يتأخر عنه سقط الفور في تلك السنة عنه لأن المال انما يعتبر وقت خروج الناس و قد يتوسّل المحتال بهذا الى دفع الحج». و نحو ذلك أيضا عن المنتهى و محل تحقيق المسألة كتاب الحج.

و كيف كان فلو اخترنا في تلك المسألة ما اختاره المصنف من كون المدار التمكن من المسير فيجوز اذهاب الاستطاعة المالية قبله اختيارا فكيف بأداء الزكاة اذا حال الحول قبله و اما اذا

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 121

و ان كان مضى الحول متأخرا عن سير القافلة وجب الحج و سقط وجوب الزكاة (1).

نعم لو عصى و لم يحج وجبت بعد تمام الحول (2).

______________________________

منعنا ذلك و قلنا بأن الملاك في غير الاستطاعة المالية حصوله حين العمل اذا علم بحصوله حينه بل و مع الاحتمال أيضا فيصير حكم هذه الصورة حكم الصورة التالية كما لا يخفى اذ يجب حينئذ تهيئة المقدمات و حفظ المال الذي يتوقف عليه الحج و لو قبل التمكن من المسير اذا علم بحصوله بعد ذلك فتدبر.

(1) في وقت سير القافلة و التمكن من المسير و ان استقر الحج و وجب و لكن صرف هذا لا يوجب عدم وجوب الزكاة الّا اذا صرف النصاب او بعضه قبل الحول او توقف اتيان الحج على صرف هذا المال بعينه بتمامه و بعبارة أخرى صار هذا المال بتمامه مقدمة وجودية للحج بحيث وجب حفظه مقدمة للحج فيصير نظير

منذور التصدق الممنوع عن التصرف فيه فلا زكاة فيه لعدم التمكن من التصرف فيه شرعا و لا مجال لمنع وجوب الحج باذهاب الاستطاعة عليه من جهة وجوب دفع الزكاة اذ المقتضيان الشرعيان اذا كان كل منهما رافعا لشرط الآخر يعمل باسبقهما فكما ان وجوب الزكاة في الصورة الأولى كان دافعا لوجوب الحج برفع الاستطاعة يكون وجوب الحج في هذه الصورة دافعا لوجوب الزكاة برفع التمكن من التصرف. هذا.

و اما اذا لم يتوقف الحج على صرف عين هذا المال بأجمعه فيه بل أمكن الحج ببعضه او بالقرض او بنحو التسكع او الخدمة و نحو ذلك فلا تكون العين ممنوعا من التصرف فيها فتتعلق بها الزكاة قهرا و لا يسقط الحج أيضا و ان فرض فوات الاستطاعة بسبب الزكاة اذا امكن له تبديل النصاب لدفع الزكاة فيكون فوات الاستطاعة بتقصير منه فليس من قبيل تلف المال المسقط للاستطاعة و الوجوب قهرا.

و بالجملة كلام المصنف بسقوط الزكاة انما هو في صورة صيرورة هذا المال بعينه و بتمامه مقدمة وجودية منحصرة للحج و لعله فرض نادر و لذا قال في القواعد: «لو استطاع بالنصاب و وجب الحج ثم مضى الحول على النصاب فالأقرب عدم منع الحج من الزكاة».

و في التذكرة «لو استطاع بالنصاب و وجب الحج ثم مضى الحول على النصاب فالأقرب عدم منع الحج من الزكاة لتعلق الزكاة بالعين بخلاف الحج».

فيظهر من تعليله عدم تزاحم الزكاة و الحج لاختلاف موضوعهما فموضوع الزكاة هي العين و موضوع الحج الذمة و لا محالة يريد صورة عدم ترشح الأمر المقدمي من ناحية الحج الى خصوص العين كما هو الغالب فتدبر.

(2) هذا يخالف ما ذكره في منذور التصدق به اذا لم يف

بالنذر حيث قال: «و كذا اذا

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 122

و لو تقارن خروج القافلة مع تمام الحول وجبت الزكاة أولا لتعلقها بالعين بخلاف الحج (1).

[لو مضت سنتان او أزيد على ما لم يتمكن من التصرف فيه]

[مسألة 14]: لو مضت سنتان او أزيد على ما لم يتمكن من التصرف فيه، بأن كان مدفونا و لم يعرف مكانه أو غائبا أو نحو ذلك ثمّ تمكن منه استحب زكاته لسنة (2) بل يقوى استحبابها بمضي سنة واحدة أيضا.

______________________________

لم يف به و قلنا بوجوب القضاء بل مطلقا، لانقطاع الحول بالعصيان».

و لا يمكن التفريق بين المقامين بعد تعلق الحج بالعين بعد فرض كون محل البحث صورة توقف الحج على صرف خصوص العين الخارجية بصيرورتها مقدمة وجودية منحصرة اذ في غير هذه الصورة لا تسقط الزكاة سواء حج او عصى كما عرفت بل المقام أولى ببقاء سقوط الزكاة بعد العصيان اذ في باب النذر على فرض عدم وجوب القضاء بعد العصيان يمكن ان يقال بأن فعلية وجوب النذر اذا قلّ وقتها لا تقطع حول الزكاة فانه ليس بأولى من الانقطاع الخارجي عن المال و كون الانقطاع منه وقتا ما موجبا لانقطاع الحول محل تأمل كما عرفت.

و هذا البيان لا يجري في المقام اذ الحج بتركه في هذه السنة لا يسقط قطعا فيجب حفظ المال لأجله.

اللهم الّا ان يكون حين العصيان عازما على ترك الحج الى الأبد و قلنا في باب المقدمة بعدم وجوب المقدمة غير الموصلة فتدبر.

(1) قد عرفت ان مجرد عدم تعلق الحج بالعين غير كاف في وجوب الزكاة بعد فرض توقف الحج على خصوص العين الخارجية و صيرورتها مقدمة وجودية منحصرة.

نعم لو لم يتوقف الحج على صرفها بخصوصها و قلنا بأن المنع من التصرف في جزء

ما من الحول و لا سيما جزء آخره لا يمنع من وجوب الزكاة وجبت الزكاة و سقط الحج قهرا لعدم الاستطاعة.

(2) في التذكرة: «و قال مالك: اذا قبضه زكاه لحول واحد و هو على الاستحباب عندنا».

و في المنتهى: «اذا عاد المغصوب او الضال الى ربه استحب له أن يزكيه لسنة واحدة ذهب اليه علماؤنا و قال مالك: يجب». و ظاهره دعوى اجماع أصحابنا على الاستحباب.

و في النهاية: «فان لم يكن متمكنا و غاب منه سنين ثم حصل عنده يخرج منه زكاة سنة واحدة»، و ليس فيه تصريح بالاستحباب.

و في الشرائع: «فان مضى عليه سنون و عاد زكاه لسنة استحبابا».

أقول: قد مرّ منا عدم وجوب الزكاة في المال الغائب و المفقود و نحوهما مما لا يتمكن من التصرف فيه و به قال ابو حنيفة و ابو يوسف و محمد و الشافعي في القديم و قال في الجديد بوجوب تزكيته لجميع ما مضى و قال مالك بوجوب تزكيته لسنة واحدة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 123

..........

______________________________

و يدل على عدم الوجوب الاخبار المستفيضة التي مرّت و ذكرها في الوسائل في الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة و قد صرح في بعضها بعدم الوجوب و لو لسنة واحدة كموثقتي اسحاق بن عمار و صحيحة ابراهيم بن أبي محمود المذكورة في الباب 6.

ففي الموثقة الأولى: «قلت: فاذا هو جاء أ يزكّيه؟ فقال: لا حتى يحول عليه الحول في يده»، فلا وجه لما عن بعض متأخري المتأخرين من الوجوب لسنة واحدة كما في الجواهر و ان قال به مالك من العامة و يجب حمل عبارة النهاية أيضا على الاستحباب.

و اما الاستحباب لسنة فاستدل له بالإجماع المدّعى في التذكرة و

المنتهى و بقول أبي جعفر- عليه السلام- في حسنة سدير الواردة في المال الغائب ثلاث سنين: «يزكيه لسنة واحدة لأنه كان غائبا عنه» و بصحيحة رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثم يأتيه فلا يرد رأس المال كم يزكّيه؟ قال: لسنة واحدة و بمرسلة ابن بكير عمن رواه (عن زرارة خ) عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال: فلا زكاة عليه حتى يخرج فاذا خرج زكاه لعام واحد «1».

فتحمل على الاستحباب جمعا بينها و بين ما دلّ على عدم الوجوب اصلا هذا.

و المذكور في حسنة سدير ثلاث سنين و في الصحيحة خمس سنين و لكن المرسلة تشمل السنتين أيضا كعبارة المنتهى و ما عن المبسوط و المدارك أيضا و في الجواهر عن صريح البيان و محكى جامع المقاصد و المفاتيح أيضا كفاية السنتين و لا بأس بذلك لا طلاق المرسلة بل في الجواهر: «قد يقال بدلالته على كفاية الغيبة عاما فصاعدا نعم تلفيق العام من الضلال و الوجدان لا دليل على الاستحباب فيه».

أقول: لو قلنا بالاستحباب في الغائب تمام السنة كان الاستحباب في الغائب بعض السنة أولى كما لا يخفى.

هذا و مورد الروايات المال الغائب و المفقود، و في المنتهى: المغصوب و الضال، و لكن المصنف عمّم الاستحباب في كل ما لم يتمكن من التصرف فيه و لعله بسبب الفحوى و الغاء الخصوصية.

هذا كله بناء على تسليم الاستحباب في المسألة و لكن ناقش فيه من اصله السيد الاستاذ- مد ظله- في حاشيته و لعله لما احتملناه سابقا من عدم ارادة تزكية المال لسنة واحدة بلا فصل بل

بعد استجماعه لشرائط وجوب الزكاة من النصاب و حلول الحول و نحوهما.

و بالجملة محط النظر في الروايات دفع توهم ان المال بعد عوده الى صاحبه و استجماعه للشرائط تثبت فيه زكاة جميع السنين كما أفتى به الشافعي فالمراد كون السنين السابقة كالعدم

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1 و 4 و 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 124

[اذا عرض عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة]

[مسألة 15]: اذا عرض عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة أو بعد مضيّ الحول متمكنا فقد استقر الوجوب (1) فيجب الأداء اذا تمكن بعد

______________________________

فتثبت فيه زكاة سنة واحدة بعد ما حصلت الشرائط التي منها حلول الحول عنده و في يده.

و يؤيد ذلك التعليل في حسنة سدير بقوله: «لأنه كان غائبا عنه» اذ الغيبة كما تدفع زكاة السنين تدفع زكاة السنة أيضا فالمراد زكاة السنة بعد الغيبة.

و قد مرّ نظير هذا الاحتمال في صحيحة أبي بصير الواردة في مال اليتيم حيث قال: «... فاذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة و كان عليه مثل ما على غيره من الناس» «1».

فان الظاهر من قوله: «كانت عليه زكاة واحدة» نفى وجوب الزكاة لما مضى فتثبت زكاة واحدة بشروطها من النصاب و حلول الحول و نحوهما و يؤيد ذلك قوله: «و كان عليه مثل ما على غيره من الناس» الذي هو بمنزلة التفسير لما قبله.

و بالجملة مع ورود هذا الاحتمال في أخبار الباب لا يبقى دليل على الاستحباب الّا الاجماع المدّعى المحتمل كون مدركهم هذه الأخبار فيشكل الافتاء بالاستحباب الّا من باب التسامح في أدلة السنن فتدبر.

(1) في الشرائع: «و امكان أداء الواجب معتبر في الضمان لا في الوجوب».

و في المنتهى: «و ليس

التمكن من الأداء شرطا في الوجوب ذهب اليه علماؤنا أجمع و به قال أبو حنيفة، و قال مالك التمكن شرط فيه و للشافعي قولان، لنا قوله: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول فجعله غاية للوجوب ... احتجّ المخالف بأن الزكاة عبادة مشترط في وجوبها امكان أدائها كالصلاة و الصوم و الحج».

أقول: و ملخّص الكلام ان المجعول في باب الزكاة ان كان صرف الوجوب أعني الحكم التكليفي كما في الصلاة و نحوها أمكن ان يقال ان القدرة و التمكن شرط فيه لكونها من الشرائط العامة للتكاليف و هو محصّل دليل المخالف.

و لكن المجعول في باب الزكاة و الخمس حكم وضعي مقتضاه شركة الفقراء او ثبوت حق لهم كما يأتي فلا مانع من أن تتعلق الزكاة بالمال و ان لم يتمكن المكلف من أدائها غاية الأمر عدم ضمانه لها ان لم يتمكن فعلا و فائدته وجوب الأداء مهما تمكن، و اطلاقات أدلة الزكاة تقتضي التعلق مع حصول الشرائط من النصاب و الحول و التمكن من التصرف في الحول و نحو ذلك و لا دليل على اشتراط التمكن من الأداء في التعلق و مراد المحقق و العلامة و المصنف من لفظ الوجوب هنا هو التعلق لا الوجوب التكليفي كما لا يخفى.

و كان على المصنف أن يعنون المسألة كما في الشرائع و المنتهى فان عدم امكان الأداء أعم من

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 125

ذلك، و الّا فان كان مقصرا يكون ضامنا (1) و الّا فلا.

[الكافر تجب عليه الزكاة]

اشارة

[مسألة 16]: الكافر تجب عليه الزكاة (2).

______________________________

عدم التمكن من التصرف لشموله لما اذا لم يمكن الأداء من

جهة عدم وجود المستحق او كان هنا جابر أجاز جميع التصرفات و لكن منع من أداء الزكاة فقط.

(1) في التذكرة: «لو تلف المال بعد الحول و امكان الأداء وجبت الزكاة عند علمائنا أجمع و به قال الشافعي و احمد ... لأنها زكاة واجبة مقدور على أدائها فاذا تلفت ضمنها».

و في المنتهى: «امكان الأداء شرط في الضمان و هو فتوى علمائنا و عن أحمد روايتان، لنا ان الزكاة تجب في العين فاذا تلف الواجب قبل امكان أدائه لم يجب على المالك العوض لأنه كالأمانة نعم لو فرّط او أتلف ضمن بلا خلاف». فترى ادعاء العلامة الاجماع و عدم الخلاف على الضمان مع التفريط و عدمه مع العدم، و يدل على شقّي المسألة عموم قوله: على اليد ما قبضت حتى تؤديه بضميمة الاجماع على استثناء اليد الأمينة بناء على وجوب أداء الزكاة فورا و اما بناء على السعة كما يستفاد من بعض الأخبار فيشكل القول بالضمان بصرف التأخير.

اللهم إلا أن يستدل له باطلاق اجماع التذكرة و بالأخبار الخاصة كصحيحة زرارة قال:

سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل بعث اليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال: ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان قلت: فانه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت أ يضمنها؟ قال: لا، و لكن اذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها.

و صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ فقال: اذا وجد لها موضعا فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى يدفعها؟ و ان لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الى أهلها فليس

عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده و كذلك الوصي الذي يوصى اليه يكون ضامنا لما دفع اليه اذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه اليه، فان لم يجد فليس عليه ضمان «1». اذ يستفاد من الصحيحين الضمان بصرف التأخير و ان لم يكن مقصّرا و مفرّطا من جهة جواز التأخير شرعا فتأمل.

(2) هنا مسائل خمس: الأولى: هل الكفار مكلفون بالفروع أم لا؟ الثانية: هل تصح منهم في حال الكفر؟ الثالثة: هل للإمام او نائبه أخذ الزكاة منه قهرا؟ الرابعة: هل يضمنها اذا أتلفها؟ الخامسة: هل تسقط منه بالاسلام؟ و قد تعرض المصنف لأربع منها في هذه المسألة و للخامسة في المسألة التالية.

[هل الكفار مكلفون بالفروع أم لا؟]

اما المسألة الأولى فنقول: المشهور بيننا ان الكفار مكلفون بالفروع كما انهم مكلفون بالاصول

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 39 من أبواب المستحقين، الحديث 2 و 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 126

..........

______________________________

بل ادعى عليه الاجماع في الكتب الاصولية و الفقهية، و اما أهل الخلاف ففيهم الخلاف في المسألة.

قال في التذكرة: «اما الكافر فان الزكاة و ان وجبت عليه عندنا لأنه مخاطب بالفروع و به قال الشافعي خلافا لأحمد و أبي حنيفة الّا انه لا يصح منه أدائها حال كفره فاذا أسلم سقطت عنه و ان كان النصاب موجودا لأنها عبادة فسقطت باسلامه لقوله «ع»: الإسلام يجبّ ما قبله و يستأنف الحول حين الإسلام».

و في المعتبر: «تجب الزكاة على الكافر و ان لم يصح منه أدائها اما الوجوب فلعموم الأمر و اما عدم صحة الأداء فلأن ذلك مشروط بنية القربة و لا تصح منه و لا قضاء عليه لو أسلم لقوله- عليه السلام-: الإسلام يجبّ ما قبله و يستأنف لماله الحول عند اسلامه».

و

في الشرائع: «و الكافر تجب عليه الزكاة لكن لا يصح منه أداؤها».

و في الخلاف (المسألة 97): «اذا ارتد الانسان ثم حال عليه الحول ... و أيضا جميع الآيات المتناولة لوجوب الزكاة تتناول الكافر و المسلم فمن خصّها فعليه الدلالة».

و تعرض للمسألة في النهاية و المبسوط أيضا هذا.

و في الفقه على المذاهب الأربعة: «من شروطها الإسلام فلا تجب على الكافر، سواء كان أصليا او مرتدا و اذا أسلم المرتدّ فلا يجب عليه اخراجها زمن ردته عند الحنفية و الحنابلة. المالكية قالوا الإسلام شرط للصحة لا للوجوب فتجب على الكافر و ان كانت لا تصح الّا بالاسلام و اذا أسلم فقد سقطت بالاسلام لقوله- تعالى- «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ» و لا فرق بين الكافر الأصلي و المرتد. الشافعية قالوا: تجب الزكاة على المرتد وجوبا موقوفا على عوده الى الإسلام فان عاد اليه تبين انها واجبة عليه لبقاء ملكه ...».

و بالجملة المشهور بيننا بل المجمع عليه بين قدماء أصحابنا كون الكفار مكلفين بالفروع و استدل له بوجوه:

الأول: الاجماع فان مخالفة بعض المتأخرين لا يضر.

الثاني: آيات من الكتاب العزيز كقوله- تعالى- في سورة فصّلت: «وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كٰافِرُونَ (7)».

و في سورة المدّثر: «مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَ كُنّٰا نَخُوضُ مَعَ الْخٰائِضِينَ (45) وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)».

و في سورة الحجر: «فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمّٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ (93) فَاصْدَعْ بِمٰا تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)».

و في سورة القيامة: «فَلٰا صَدَّقَ وَ لٰا صَلّٰى (31) وَ لٰكِنْ كَذَّبَ وَ

تَوَلّٰى (32)».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 127

..........

______________________________

الثالث: اطلاقات و عمومات أدلة الأحكام مثل قوله- تعالى- في سورة آل عمران: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (97) مثلا.

الرابع: ان الأحكام التي يدرك العقل حسنها أو قبحها كوجوب رد الوديعة و حرمة الظلم فالعقل يحكم بعمومها اذ لا تخصيص في الأحكام العقلية و كذلك الواجبات التوصلية لكون المقصود من الطلب فيها صرف حصول متعلقاتها في الخارج.

و اما الواجبات الضرورية فيستفاد عمومها لكافة العباد من أخبار مستفيضة كخبر علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سمعته يسأل أبا عبد اللّه «ع» عن الدين الذي افترض اللّه على العباد ما لا يسعهم جهله و لا يقبل منهم غيره ما هو؟ فقال: شهادة أن لا إله إلّا اللّه و ان محمدا رسول الله «ص» و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة و حج البيت من استطاع اليه سبيلا و صوم شهر رمضان و الولاية.

و خبر سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: أخبرني عن الفرائض التي افترض اللّه على العباد ما هي؟ فقال: شهادة أن لا إله الّا اللّه و ان محمدا رسول اللّه و اقام الصلاة الخمس و ايتاء الزكاة و حج البيت و صيام شهر رمضان و الولاية ...» «1». فيقال بالعموم في ساير الأحكام أيضا بعدم الفصل فتدبر.

الخامس: صحيحة البزنطي و خبره عن الرضا «ع» ففي الأولى: «و ما أخذ بالسيف فذلك الى الامام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه «ص» بخيبر قبّل أرضها و نخلها ... و قد قبّل رسول اللّه «ص» خيبر و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر».

و في الثاني: «و ما أخذ بالسيف فذلك

الى الامام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه «ص» بخيبر قبّل سوادها و بياضها ... و قد قبّل رسول اللّه «ص» خيبر قال: و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم» «2».

و من المحتمل جدّا اتحاد الخبرين فيشكل صحة الأول. و ظهور العشر و نصف العشر في الزكاة و كونها غير قبالة الأرض واضح و أهل خيبر كانوا من اليهود و أهل ما يؤخذ بالسيف أيضا من الكفار فيظهر من الخبرين ثبوت الزكاة على الكفار، فتشكيك البعض فيهما بأن العشر و نصف العشر جزء من قبالة الأرض المجعولة من قبل الامام لا من باب الزكاة مخالف للظاهر و لا سيما في الثاني هذا.

فالمسألة بحمد اللّه واضحة و كانت عندنا مفروغا عنها الى ان ناقش فيها المحدثان الأسترآبادي

______________________________

(1)- الوسائل ج 1 الباب 1 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 12 و 17.

(2)- الوسائل ج 11 الباب 72 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2 و 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 128

..........

______________________________

و الكاشاني و وافقهما في الحدائق و قد ذكر في الحدائق وجوها للنظر فيها:

الأول: عدم الدليل و هو دليل العدم.

و فيه كفاية ما ذكرنا من الأدلة الخمسة.

الثاني: الأخبار الدالة على توقف التكليف على الاقرار و التصديق بالشهادتين فمنها صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر «ع» أخبرني عن معرفة الامام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال:

ان اللّه- عزّ و جلّ- بعث محمدا «ص» الى الناس أجمعين رسولا و حجة للّه على جميع خلقه في أرضه فمن آمن باللّه و بمحمد رسول اللّه «ص» و اتبعه و صدّقه فان معرفة الامام منا واجبة عليه و من لم يؤمن باللّه و برسوله و لم

يتبعه و لم يصدقه و يعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الامام و هو لا يؤمن باللّه و رسوله و يعرف حقهما ... «1».

فانه متى لم تجب معرفة الامام قبل الايمان باللّه و رسوله فبطريق الأولى معرفة الفروع المتلقاة من الامام.

و في الوافي بعد نقل الصحيحة: «و في هذا الحديث دلالة على أن الكفار ليسوا مكلفين بشرائع الإسلام كما هو الحق خلافا لما اشتهر بين متأخري أصحابنا».

و منها ما رواه القمي في تفسير قوله- تعالى-: «وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ» عن أبان بن تغلب قال: قال لي أبو عبد اللّه «ع»: يا أبان أ ترى ان اللّه- عزّ و جلّ- طلب من المشركين زكاة أموالهم و هم يشركون به حيث يقول: ويل للمشركين الذين لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كٰافِرُونَ؟ قلت له: كيف ذاك جعلت فداك فسّره لي، فقال: ويل للمشركين الذين أشركوا بالامام الأول و هم بالأئمة الآخرين كافرون يا أبان انما دعا اللّه العباد الى الايمان به فاذا آمنوا باللّه و برسوله افترض عليهم الفرائض «2».

و منها ما رواه في الاحتجاج في احتجاج أمير المؤمنين- عليه السلام- على زنديق: «و اما قوله:

انما أعظكم بواحدة فان اللّه- عز و جلّ- نزّل عزائم الشرائع و آيات الفرائض في أوقات مختلفة كما خلق السماوات و الأرض في ستة أيام و لو شاء لخلقها في أقل من لمح البصر و لكنه جعل الاناة و المداراة امثالا لأمنائه و ايجابا للحجة على خلقه فكان أول ما قيدهم به الاقرار بالوحدانية و الربوبية و الشهادة بان لا إله الّا اللّه فلما أقروا بذلك تلاه بالاقرار لنبيه بالنبوة و الشهادة له بالرسالة فلما انقادوا لذلك فرض

عليهم الصلاة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم الزكاة ثم الصدقات و ما يجري مجراها من مال الفي ء» «3».

______________________________

(1)- أصول الكافي ج 1 ص 180 باب معرفة الامام، الحديث 3.

(2)- تفسير القمي ج 2، ص 262.

(3)- الاحتجاج، طبع النجف الأشرف (دار النعمان) ص 379.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 129

..........

______________________________

أقول: اما الخبر الأخير فلا ربط له بمسألتنا فانه في مقام بيان التدرج في نزول الأحكام في صدر الإسلام و هو أمر لا ينكر و انما البحث في ان الأحكام بعد نزولها بالوحي تخص المسلمين أو تعم الكافرين أيضا.

و امّا الآخران فأجاب عنهما الشيخ- طاب ثراه- في مبحث غسل الجنابة من الطهارة بما حاصله بتوضيح و اضافة منا: أنا لا نقول بكون الكفار مخاطبين بالفروع تفصيلا كيف و هم جاهلون بها غافلون عنها و على تقدير الالتفات يستهجن خطاب من أنكر الرسول بالايمان بخليفته و أخذ الأحكام منه بل المراد ان الرسول أرسل الى كافة الناس و ان المنكر له أيضا مأمور بالايمان به و الايتمار بأوامره و الانتهاء عن نواهيه فان آمن و حصل ذلك كله كان مطيعا و ان لم يؤمن ففعل المحرمات و ترك الواجبات عوقب عليها كما يعاقب على ترك الايمان لمخاطبته بها اجمالا و ان لم يخاطب بفعل الصلاة و ترك الزنا مثلا فما هو المدّعى تكليفهم اجمالا و ما هو المنفي في الخبرين تكليفهم تفصيلا بخصوص عناوين الفرائض و ليس موضوع التكليف عنوان الكافر او المسلم او اشخاصهما بل الأحكام تجعل بنحو القضية الحقيقية على العناوين الكلية الشاملة لهما كعنوان المستطيع او البالغ العاقل او نحو ذلك و لا يؤخذ في الموضوعات بنحو القيدية الّا ما هو دخيل في

المصالح و المفاسد التي هي ملاكات الأحكام و ليست القضية الكلية المحصورة الحقيقية عبارة أخرى عن مجموع قضايا جزئية او شخصية بل هي قضية واحدة بملاك واحد و له صدق واحد و كذب واحد و نقيضها سلب هذه الكلية أعني السالبة الجزئية فليس الكافر بعنوانه مخاطبا او موضوعا للحكم الشرعي حتى يحكم باستهجان خطابه بل الناس بما هم بالغون عاقلون، مكلفون اجمالا بالايمان باللّه و بالرسول و بجميع ما جاء به من اللّه- تعالى- و يشترك فيها الكافر و المسلم و العالم و الجاهل بمعنى كونها حجة على الجميع غاية الأمر تنجزها على العالم و الجاهل المقصر دون القاصر فتدبر.

الثالث من الوجوه التي ذكرها صاحب الحدائق: لزوم تكليف ما لا يطاق اذ تكليف الجاهل بما هو جاهل به تصورا و تصديقا عين تكليف ما لا يطاق.

و فيه ان العلم او التمكن منه شرط للتنجز لا لنفس التكليف لاشتراك العالم و الجاهل بقسميه في أصل التكليف كما عرفت آنفا كيف و جعل العلم بالتكليف مأخوذا في موضوعه يستلزم الدور كما حرر في محله.

الرابع: الأخبار الدالة على وجوب طلب العلم كقوله: طلب العلم فريضة على كل مسلم، فان موردها خصوص المسلم دون مجرد البالغ العاقل.

و فيه ما لا يخفى.

الخامس: اختصاص الخطاب القرآني بالذين آمنوا في بعض الأحكام فيحمل عليه ما ورد

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 130

..........

______________________________

بقوله: يا أيها الناس، حمل المطلق على المقيد.

و فيه أيضا ما لا يخفى.

فهذه الوجوه الخمسة التي ذكرها في الحدائق. و يضاف الى ذلك و جهان آخران:

الأول: استهجان خطاب الكافر باللّه و برسوله بالفروع الجزئية.

و فيه ما عرفت آنفا من عدم كون الخطاب متوجها الى خصوص الكافر او المسلم بل الأحكام

مجعولة بنحو القضية الحقيقية على العناوين الكلية الواجدة للمصالح او المفاسد المقتضية لها.

الثاني: انه تكليف بغير المقدور و القدرة من الشرائط العامة للتكاليف. بيان ذلك انه ستجي ء فتواهم بعدم صحة الزكاة و نحوها من العبادات من الكافر و سقوطها منه بعد اسلامه فتكليفه بالزكاة تكليف بما لا يقدر على امتثاله لا في حال كفره و لا بعد اسلامه.

و فيه ان كفره وقع بسوء اختياره فلو لم يختر الكفر اولا كان قادرا على اتيان الزكاة و نحوها و الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار و لا يرفع العقوبة و لذا نقول بوقوع الحركات الخروجية في الدار المغصوبة مبغوضة و معاقبا عليها و ان اضطر اليها.

نعم يقبح البعث و الزجر الفعلي و لكن ملاك الحكم و آثاره من العقوبة و نحوها باقية بعد ما كان قادرا عليه من أول الأمر و القدرة المشترطة في التكليف و ان كانت هي القدرة حين العمل و لكن يجب تحصيلها و لو قبل العمل.

هذا مضافا الى صحة جعل الحكم الوضعي من الجنابة و الطهارة و شركة الفقراء في المال فيكون المجعول في المقام تعلق الزكاة و فائدته جواز أخذ الامام او نائبه قهرا عليه.

و كيف كان فالأقوى في المسألة هو ما اختاره المشهور من عموم الأحكام للكفار أيضا بمعنى عدم أخذ قيد الإسلام في موضوعاتها لعموم ملاكاتها المقتضية لها و ان كان اجرائها خارجا و العمل بها متوقفا على الإسلام فالاسلام شرط للواجب لا الوجوب على اشكال في ذلك أيضا كما سيأتي آنفا.

تتمة: أجاب في الحدائق عن الآيات التي ذكرناها بحمل قوله: «لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ» على المخالفين لا الكفار فيكون المعنى لم نك من اتباع الأئمة كما في تفسير علي بن

ابراهيم فيكون المصلي بمعنى الذي يلي السابق و هكذا الكلام في قوله: «فَلٰا صَدَّقَ وَ لٰا صَلّٰى» و اما قوله: «وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ» فمرّ خبر علي بن ابراهيم في تفسيره.

أقول: هذه التفسيرات من قبيل الجري و التطبيق و بيان بطن من بطون القرآن، و ليس لنا رفع اليد عن ظواهر القرآن بسببها، فانه حجة من قبل اللّه- تعالى- و قد امرنا بالاخذ به و عرض اخبار الائمة- عليهم السلام- عليه، فراجع.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 131

[هل تصح منهم في حال الكفر؟]

لكن لا تصحّ منه اذا أدّاها (1)

[هل للإمام او نائبه أخذ الزكاة منه قهرا؟]

نعم للإمام «ع» أو نائبه أخذها منه قهرا (2).

______________________________

(1) بلا اشكال فيه كما في المدارك للإجماع، و لاشتراطها بالقربة و عدم تمكن الكافر منها كما في المعتبر، و لقوله- تعالى- في سورة التوبة: «وَ مٰا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقٰاتُهُمْ إِلّٰا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّٰهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ لٰا يَأْتُونَ الصَّلٰاةَ إِلّٰا وَ هُمْ كُسٰالىٰ وَ لٰا يُنْفِقُونَ إِلّٰا وَ هُمْ كٰارِهُونَ»، و للأخبار المستفيضة المتضمنة لاشتراط الايمان و بطلان عبادة المخالف و لا سيما الزكاة فضلا عن الكافر فراجع. «1» و للإجماع على ان الكافر لا يدخل الجنة و لو صحت عبادته لأثيب عليها.

أقول: تحقق الاجماع المعتبر غير واضح، و القربة و ان لا تحصل من منكر الصانع و لكن يمكن حصولها من الفرق المنتحلين بالاسلام كالنواصب و الغلاة بل من أهل الكتاب و غيرهم من المقرّين باللّه و بالشرائع أيضا،

و الآية تنفي القبول لا الصحة و لا سيما ان موردها المنافقون لا الكفار لقوله و لا يأتون الصلاة الّا و هم كسالى فيكون المراد بالكفر فيها مرتبة منها لا تنافي القربة و الصحة،

و الأخبار المتضمنة لاشتراط الايمان بعضها يدل على اشتراطه في القبول فلا ينافي الصحة بدونه و بعضها يدل على وجوب الرجوع الى الأئمة ليكون العمل بدلالتهم فيكون المفاد عدم الاطمينان بصحة العمل و وجدانه للشرائط بدون الرجوع اليهم لأنهم أبواب علم اللّه و علم النبي «ص» لا ان نفس الاقرار بولايتهم شرط لصحة العمل، هذا و لتحقيق هذه المسألة محل آخر سيأتي و اما الاجماع على عدم دخول الكافر الجنة فلا ينافي صحة أعماله و الثواب عليها في الدنيا فتدبر.

(2) في المنتهى: «لو أخذ الامام

الزكاة ثم أسلم سقطت عنه لأنه واجب أخرج على وجهه فلا يتعقب القضاء».

و في المسالك: «تظهر فائدة التلف فيما لو أراد الامام او الساعي أخذ الزكاة منه قهرا فانه يشترط فيه بقاء النصاب فلو وجده قد أتلفه لم يضمّنه الزكاة و ان كان بتفريطه ... و ان وجده تاما أخذها كما يؤخذ من المسلم الممتنع من أدائها».

و مفروض بحث المسالك الكافر الأصلي و لكن عبارة المنتهى مرددة بين الأصلي و المرتد فراجع.

و كيف كان فيظهر منهما جواز أخذ الامام و الساعي الزكاة من الكافر قهرا عليه.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 131

و استدل لذلك بقوله- تعالى-: «وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ»، و بما تقدم من أخذ النبي «ص» الزكاة من يهود خيبر كما دلّ عليه صحيحة البزنطي و خبره «2» و بان في الزكاة حيثيتان: حيثية العبادية و حيثية حق الناس، و الحاكم الشرعي بولايته على الفقراء له استيفاء أموالهم و حقوقهم و مجرد عدم صحة الايتاء من الكافر و عدم مقربيته له لا يوجب تعذر استيفاء

______________________________

(1)- الوسائل ج 1 الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات.

(2)- الوسائل ج 11 الباب 72 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2 و 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 132

..........

______________________________

حقوق الناس منه كما في المسلم الممتنع فيكون الحاكم وليا عليه في التعيين و الأخذ لا نائبا عنه في العمل العبادي فبعد الأخذ يسقط الوجوب بانتفاء موضوعه لا بامتثال النائب هذا.

و لكن الآية مساقها مساق قوله- تعالى-: «لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ» مع وضوح عدم صحة الصلاة منه و لا

الصلاة عنه، و أخذ النبي «ص» من يهود خيبر كان بجعلها على عهدتهم في عقد الجزية و جزء منها و مورد البحث أعم. و مقتضى اشتراط القربة و الايمان في الزكاة عدم صحتها و عدم وقوعها بدونهما فكيف تؤخذ منه بعنوان الزكاة و لذا قال في مصباح الفقيه بعد البحث عن ضمان الكافر للزكاة: «و لكن البحث عنه كالبحث عن وجوب اصل الزكاة على الكافر بعد الالتزام بسقوطها عنه بالاسلام قليل الفائدة. و ما يقال من ان ثمرة وجوبها تظهر لجواز القهر عليه كما في غيره من الممتنعين من أداء الزكاة، فهو لا يخلو من اشكال اما بالنسبة الى الذمّي و المعاهد فان كان أخذ الزكاة منهم داخلا فيما شرط عليهم فلا كلام فيه و الّا فالزامهم بدفعها أو أخذها منهم بمحض ثبوتها في شرع الإسلام مشكل لأنه ينافي تقريرهم على ما هم عليه لأن قضية ذلك عدم مزاحمتهم فيما يرونه ملكا لهم بسبب او نسب او معاملة فاسدة بل ترتيب أثر الملكية الصحيحة على ما يرونه في مذهبهم كما في ثمن الخمر و الخنزير و ميراث العصبة و الّا لكان وجوب اخراج الزكاة من أموالهم لدى انتقالها الى مسلم بهبة او بيع او ارث و نحوه من أظهر الثمرات و لكن الظاهر عدم التزام أحد بها و اما بالنسبة الى الحربي فانه و ان جاز أخذ أمواله جميعها منه قهرا و لكن الزامه بدفع الزكاة أو أخذ شي ء منه بهذا العنوان بحيث يترتب عليه أثره بأن يتعين صرفه الى مصرفها المعين فلا يخلو من اشكال فليتأمّل».

أقول: بعد اللتيا و التي لو قيل باشتراك الكفار للمسلمين في الفروع و تعلق الزكاة بأموالهم فالظاهر جواز تعيين

الامام إياها و أخذها من ماله بالنسبة الى الكافر الحربي نظير المسلم الممتنع و هذا لا ينافي جواز استنقاذ جميع ماله فان الزكاة لها مصرف خاص و الحاكم وليّ الممتنع بل يجب أخذها لوجوب حفظ حقوق المجتمع على الحكّام بل لو فرض عدم وجود الحاكم او عدم قدرته على تصدي الحكومة و شئونها وجب على عدول المؤمنين بل على فسّاقهم أيضا مع عدمهم فان الحكومة و شئونها من أوضح مصاديق الحسبة و هل يمكن الالتزام بعدم جواز تعطل التصرف في أموال اليتامى و القصر و الغيّب و جواز تعطل الحكومة و شئونها مع استلزامه الهرج و المرج و ضياع حقوق الأمة الاسلامية هذا بالنسبة الى الحربي.

و اما الذمي فالظاهر فيه هو التفصيل فان جعل الزكاة في عقد الذمة أخذت منه كما صنع رسول اللّه «ص» بأهل خيبر بل ربما تضاعف عليهم كما صنع بنصارى تغلب و الظاهر انها المراد أيضا من الخمس الذي يؤخذ من الذمّي المشتري لأرض المسلم فليس المراد منه الخمس المصطلح و لا خمس الرقبة بل تضعيف الزكاة المأخوذة من الأراضي العشرية فراجع ما حررناه في كتاب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 133

..........

______________________________

الخمس «1». و اما اذا لم تجعل الزكاة شرطا في عقد الجزية فلا يؤخذ غير الجزية المجعولة على ما نطقت به الأخبار المستفيضة و أفتى به القدماء من أصحابنا بحيث يظهر ان المسألة كانت واضحة عندهم فراجع أخبار المسألة.

ففي صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: أ رأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس من أرض الجزية و يأخذ من الدهاقين جزية رءوسهم أما عليهم في ذلك شي ء موظّف؟ فقال: كان عليهم ما اجازوا على

أنفسهم، و ليس للإمام أكثر من الجزية ان شاء الامام وضع ذلك على رءوسهم، و ليس على أموالهم شي ء، و ان شاء فعلى أموالهم و ليس على رءوسهم شي ء، فقلت: فهذا الخمس؟ فقال: انما هذا شي ء كان صالحهم عليه رسول اللّه «ص» «2».

و الظاهر ان المراد بالخمس في الحديث هو ما أشرنا اليه من تضعيف العشر فهو زكاة حقيقة و لكنها جعلت بعنوان الجزية و يشهد لذلك ما رواه الصدوق قال: قال الرضا- عليه السلام-: ان بني تغلب أنفوا من الجزية و سألوا عمر ان يعفيهم فخشى ان يلحقوا بالروم فصالحهم على ان صرف ذلك عن رءوسهم و ضاعف عليهم الصدقة فعليهم ما صالحوا عليه و رضوا به الى أن يظهر الحق «3».

و كيف كان فالصحيحة تدل على أن ليس للإمام اكثر من الجزية فليس له ان يأخذ منهم الزكاة اذا لم تذكر في عقد الذمة.

و نحوها صحيحته الأخرى قال: سألته عن أهل الذمة ما ذا عليهم مما يحقنون به دمائهم و أموالهم؟ قال: الخراج، و ان أخذ من رءوسهم الجزية فلا سبيل على ارضهم، و ان أخذ من ارضهم فلا سبيل على رءوسهم «4».

فالامام- عليه السلام- حصر حقن دمائهم و أموالهم في أخذ الجزية و صرّح بأنها ان أخذت من رءوسهم فلا سبيل على ارضهم و مقتضى ذلك عدم جواز مطالبة الزكاة منهم.

و أظهر من ذلك صحيحته الثالثة عن أبي جعفر «ع» في أهل الجزية يؤخذ من أموالهم و مواشيهم شي ء سوى الجزية؟ قال: لا «5». اذ الظاهر ان المسؤول عنه هو أخذ الزكاة زائدا على الجزية.

و نحوها خبره عنه- عليه السلام- المروي عن المقنعة قال: اذا أخذت الجزية من أهل الكتاب

______________________________

(1)- كتاب

الخمس و الأنفال (المطبوع) ص 135.

(2)- الوسائل ج 11 الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 11 الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 6.

(4)- الوسائل ج 11 الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3.

(5)- الوسائل ج 11 الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 134

..........

______________________________

فليس على أموالهم و مواشيهم شي ء بعدها «1».

فهذه أربعة أخبار من محمد بن مسلم ثلاثة منها صحاح تدل على عدم جواز مطالبة ما سوى الجزية من أهل الذمة.

و يشهد لذلك أيضا ما دلّ على سيرة النبي «ص» و أمير المؤمنين بالنسبة اليهم حيث لا يوجد فيها تعرض لمطالبة الزكاة منهم سوى الجزية.

فعن أبي الفتوح في تفسيره في قصة المباهلة: «فامر رسول اللّه «ص» ان يكتب لهم كتاب الصلح بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي رسول اللّه لنجران و حاشيتها في كل صفراء و بيضاء و ثمرة و رقيق لا يؤخذ منهم غير ألفي حلّة».

و ظاهر ان المراد بالصفراء و البيضاء الذهب و الفضة و الثمرة تشمل التمر و العنب.

و عن مصعب بن يزيد الانصاري قال: استعملني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «ع» على أربعة رساتيق المدائن: البهقباذات، و نهر سير (شير خ ل) و نهر جوير، و نهر الملك، و أمرني ان اضع على كل جريب زرع غليظ درهما و نصفا، و على كل جريب وسط درهما، و على كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم، و على كل جريب كرم عشرة دراهم، و على كل جريب نخل عشرة دراهم، و على كل جريب البساتين التي تجمع النخل و الشجر عشرة دراهم ... «2». بل لا تجد

في كتب علي- عليه السلام- الى عمّاله و في شرائط الذمة المذكورة في الأخبار و الفتاوى اسما من أخذ الزكاة منهم فهذه هي أخبار المسألة فلنذكر بعض الفتاوى.

ففي المقنعة: «ففرض اللّه سبحانه على نبيه أخذ الجزية من كفار أهل الكتاب و فرض ذلك على الأئمة من بعده اذ كانوا هم القائمين بالحدود مقامه و المخاطبين في الأحكام بما خوطب به و جعلها حقنا لدمائهم و منعا من استرقاقهم و وقاية لما عداها من أموالهم».

و في باب الجزية من النهاية: «و من وجبت عليه الجزية فالامام مخير بين أن يضعها على رءوسهم او على ارضيهم فان وضعها على رءوسهم فليس له أن يأخذ من ارضيهم شيئا و ان وضعها على ارضيهم فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا». و نحوه ذلك في السرائر أيضا.

و في باب أحكام الارضين من النهاية: «الضرب الثالث من الارضين كل ارض صالح أهلها عليها و هي أرض الجزية يلزمهم ما يصالحهم الامام عليه من النصف او الثلث او الربع و ليس عليهم غير ذلك». و نحو ذلك في المبسوط و السرائر أيضا.

و في زكاة الغلات من المبسوط: «اذا باع الثمرة قبل بدوّ صلاحها من ذمّي سقط زكاتها فاذا

______________________________

(1)- الوسائل ج 11 الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 7.

(2)- الوسائل ج 11 الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 135

[هل يضمنها اذا أتلفها؟]

و لو كان قد أتلفها فله أخذ عوضها منه (1).

______________________________

بدا صلاحها في ملك الذمّي لا يؤخذ منه الزكاة لأنه ليس ممن يؤخذ من ماله الزكاة فان اشتراها من الذمّي بعد ذلك لم يجب عليه الزكاة لأنه دخل وقت وجوب الزكاة و هو في ملك

غيره».

و في كتاب الجزايا من المبسوط، أواخر فصل حكم البيع و الكنائس «و اما نصارى تغلب و هم تنوخ و نهر و تغلب ... و ينبغي ان تؤخذ منهم الجزية و لا تؤخذ منهم الزكاة لأن الزكاة لا تؤخذ الّا من مسلم».

و في أم الشافعي: «و لو أقام (المرتد) في ردّته زمانا كان كما وصفت ان رجع الى الإسلام أخذت منه صدقة ماله و ليس كالذمّي الممنوع المال بالجزية و لا المحارب و لا المشرك غير الذمّي الذي لم تجب في ماله زكاة قط «1».

و قد أطلنا المسألة ليظهر لك ان عدم جواز مطالبة غير الجزية كان أمرا واضحا بحسب الأخبار و الفتاوى و العمل و السيرة.

لا يقال: ان الأخبار بصدد بيان انه لا يجوز أخذ الزائد على المجعول جزية بعنوان الجزية فلا تنافي أخذ الزكاة منه ألا ترى انه لو قتل أحدا أو أتلف ماله أو جنى جناية يؤخذ منه الدية و البدل قطعا.

فانه يقال: ما ذكرت خلاف ظاهر الأخبار و صريح بعض الفتاوى و النقض غير وارد فان الديات و أروش الجنايات ليست مما أسّسها الشرع بل هي حقوق عقلائية ثابتة على كل أحد دان بدين أم لا بخلاف الزكوات و الأخماس.

فتلخص مما ذكرنا بعد الجزم بثبوت الزكاة في مال الكفار على ما تقدم جواز استنقاذ الامام او السّاعي بل و عدول المؤمنين أيضا إياها من مال الحربي بعنوان الزكاة و كذا من مال الذمي بجعلها من شرائط الذمة و جزءا من الجزية و أما بعد جعل الجزية و عدم ذكرها في عقدها فلا تؤخذ منه.

و بما ذكرنا يظهر الاشكال في تعميم المصباح للمناقشة بالنسبة الى الحربي أيضا و كذا فيما يرى في

بعض الكلمات من عدم كون ما جعله النبي «ص» على يهود خيبر من باب الزكاة مع ظهور لفظ العشر و نصف العشر في خصوص الزكاة و لا سيما بعد ذكرهما في عرض قبالة الأرض كما في خبر البزنطي حيث قال: «و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم». اللهم الّا ان ينكر ارتباط هذه الجملة بعمل رسول اللّه «ص» في خيبر كما هو المحتمل فراجع.

(1) لقاعدة الضمان بالاتلاف لكن المحكى عن جماعة عدم الضمان بل نسب الى

______________________________

(1)- أم الشافعي ج 2 باب من تجب عليه الصدقة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 136

..........

______________________________

المشهور. فالاولى نقل بعض الكلمات:

ففي النهاية: «قسم منهم اذا لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزكاة كان ثابتا في ذمّتهم و هم جميع من كان على ظاهر الإسلام و الباقون هم الذين متى لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزكاة لم يلزمهم قضائه و هم جميع من خالف الإسلام فان الزكاة و ان كانت واجبة عليهم بشرط الإسلام و لم يخرجوها لكفر هم فمتى اسلموا لم يلزمهم اعادتها».

و في المبسوط: «فاما شرائط الضمان فاثنان: الإسلام و امكان الأداء لأن الكافر و ان وجبت عليه الزكاة لكونه مخاطبا بالعبادات فلا يلزمه ضمانها اذا أسلم».

و في الشرائع بعد ذكر وجوب الزكاة على الكافر: «فاذا تلفت لا يجب عليه ضمانها و ان أهمل». و فصّل في المسلم بين المفرّط و غيره.

و في القواعد: «و لو هلكت بتفريطه حال كفره فلا ضمان».

و في الارشاد: «و شرط الضمان الإسلام و امكان الأداء فلو تلفت بعد الوجوب و امكان الأداء ضمن المسلم لا الكافر».

و قد مرّ في عبارة المسالك في الفرع السابق: «فلو وجده قد

اتلفه لم يضمّنه الزكاة و ان كان بتفريطه».

أقول: قد ذكر في محله ان أسباب الضمان ثلاثة: الاتلاف بالمباشرة و الاتلاف بالتسبيب و اليد اذا لم تكن أمينة.

و الأصل يقتضي عدم الفرق في الضمان بين الكافر و المسلم لعموم قاعدة الاتلاف و قاعدة اليد.

و لكنّك ترى الأعلام انهم فرّقوا بين المسلم و الكافر في المقام.

و استدل على عدم ضمان الكافر بأنه غير متمكن من الأداء و لا يكون التلف مع عدم التمكن مقتضيا للضمان.

و فيه مع عدم جريانه في الاتلاف ان عدم تمكنه من الأداء مسبّب عن سوء اختياره الكفر و البقاء عليه و كما لا يمنع الكفر عن تكليفه لا يمنع عن ضمانه فوجب الحكم بضمانه في الاتلاف و كذا في التلف مع التأخير كما في المسلم نعم لو أسلم سقطت عنه لقاعدة الجبّ الآتية، فالفارق بين المسلم و الكافر ان أراد الفرق بين المسلم و بين الكافر بعد ما أسلم كما هو صريح عبارتي النهاية و المبسوط سلّمنا ذلك و هو في الحقيقة بيان مسألة الجبّ الآتية. و ان أراد الفرق بينهما مع بقائه على الكفر منعناه و فائدة ضمانه جواز مطالبة الامام البدل مع الاتلاف او التلف ان قلنا بجواز مطالبته كما أفتى به المصنف.

و بذلك يظهر الاشكال على المسالك بل على الشرائع و القواعد و الارشاد أيضا ان أرادوا بعدم

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 137

[هل تسقط منه بالاسلام؟]

[مسألة 17]: لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه (1) و ان كانت العين موجودة، فان الإسلام يجبّ ما قبله.

______________________________

ضمانه عدم الضمان في حال الكفر و كذا على المصنف حيث يظهر منه التفصيل بين الاتلاف و التلف اذ خصّ الضمان بالاتلاف فقط

مع عدم الفرق بين الاتلاف و التلف لا في حال الكفر و لا بعد الإسلام كما بيّنّاه فتدبر جيدا.

(1) على المشهور كما قيل بل في الجواهر: «لم نجد فيه خلافا و لا توقفا قبل الأردبيلي و الخراساني و سيد المدارك».

و في شرح الارشاد للأردبيلي: «كأنه للإجماع و النص مثل الإسلام يجبّ ما قبله».

و في مفتاح الكرامة «نصّ عليه المفيد في كتاب الاشراف و الشيخ و ابن ادريس و كذا ابن حمزة و سائر المتأخرين و ما وجدنا من خالف او توقف قبل صاحب المدارك و صاحب الذخيرة ...

بل في المعتبر و التذكرة و كشف الالتباس و المسالك انها تسقط عنه بالاسلام و ان كان النصاب موجودا».

و استدل على المسألة بوجوه: الأول: الاجماع المدّعى.

الثاني: قوله- تعالى- في سورة الانفال: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ».

الثالث: ما في الجواهر من امكان القطع به بملاحظة معلومية عدم أمر النبي «ص» لأحد ممن تجدّد اسلامه من أهل البادية و غيرهم بزكاة إبلهم في السنين الماضية، بل ربما كان ذلك منفّرا لهم عن الإسلام كما انه لو كان شي ء منه لذاع و شاع، كيف و الشائع عند الخواص فضلا عن العوام خلافه.

الرابع: حديث الجبّ المشهور.

أقول: اما الاجماع فيرد عليه مضافا الى عدم كون المسألة من المسائل الأصلية المتلقاة عن المعصومين و لذا لم تذكر في المقنعة و المقنع و الهداية و نحوها بل هي من المسائل التفريعية و ليس الاجماع حجة في مثلها، عدم حجيته مع احتمال كون مدرك المجمعين الآية الشريفة و حديث الجبّ.

و اما ما في الجواهر ففيه ان أكثر الوفود المقبلة الى الإسلام اقبلوا اليه في أوائل الهجرة و اواسطها و آية الزكاة

نزلت في السنين الأخيرة من عمر النبي «ص» و لو سلّم فطلبها كان في السنة الأخيرة، اللهم الّا أن يضمّ الى كلامه عدم مطالبتها ممن تجدد اسلامه في عصر الخلفاء و عصر أمير المؤمنين- عليه السلام- أيضا فتأمّل فتبقى الآية و الحديث. و اللازم أولا البحث عن سند الحديث ثم عن دلالته و مفاده.

فنقول: في النهاية في لغة جبب «و منه الحديث: ان الإسلام يجبّ ما قبله و التوبة تجبّ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 138

..........

______________________________

ما قبلها أي يقطعان و يمحوان ما كان قبلهما من الكفر و المعاصي و الذنوب».

و مثله في لسان العرب في لغة جبب و قوله: «من الكفر و المعاصي» بنحو اللف و النشر المرتب كما لا يخفى.

و في مجمع البحرين في لغة جبب «في الحديث: الإسلام يجب ما قبله و التوبة تجبّ ما قبلها من الكفر و المعاصي و الذنوب».

و الظاهر ان قوله: «من الكفر ...» ليس من الحديث بل هو تفسير منه مأخوذ من تفسير النهاية كما لا يخفى على أهل الفنّ اذ لا تجد هذا الذيل في نقل سوى ما في تفسير النهاية و اللسان.

و في تفسير علي بن ابراهيم في ذيل قوله- تعالى- في سورة بني اسرائيل: (وَ قٰالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) ما حاصله: «انها نزلت في عبد اللّه بن أبي امية أخي أم سلمة و ذلك انه قال هذا لرسول اللّه «ص» فلما فتح مكة استقبل ابن أبي امية فسلّم على رسول اللّه «ص» فأعرض عنه فدخل الى أم سلمة و قال ان رسول اللّه قبل الإسلام الناس و ردّ اسلامي فذكرت أم سلمة ذلك لرسول اللّه فقال: ان أخاك

كذّبني تكذيبا لم يكذبني أحد من الناس هو الذي قال لي: لن نؤمن لك الآيات، فقالت يا رسول اللّه أ لم تقل: ان الإسلام يجبّ ما كان قبله قال نعم فقبل رسول اللّه اسلامه» «1».

و في أواخر شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة عن أبي الفرج الاصفهاني ذكر قصة اسلام المغيرة بن شعبة و انه وفد مع جماعة من بني مالك على المقوقس ملك مصر فلما رجعوا جعلهم المغيرة سكارى ثم قتلهم و أخذ أموالهم و فرّ الى المدينة مسلما و عرض خمس أموالهم على النبي «ص» فلم يقبله و قال هذا غدر و الغدر لا خير فيه فخاف المغيرة على نفسه فقال «ص»: «الإسلام يجبّ ما قبله».

و في صلاة القضاء من المستمسك: «في السيرة الحلبية: ان عثمان شفع في أخيه ابن أبي سرح قال «ص»: اما بايعته و آمنته؟ قال: بلى و لكن يذكر ما جرى منه معك من القبيح و يستحي، قال «ص»: الإسلام يجبّ ما قبله و في تاريخ الخميس و السيرة الحلبية و الاصابة لابن حجر في اسلام هبار قال: يا هبار الإسلام يجبّ ما قبله و نحوه في الجامع الصغير للسيوطي في حرف الألف، و في كنوز الحقائق للمناوي عن الطبراني في حرف الألف: الإسلام يجبّ ما قبله و الهجرة تجبّ ما قبلها».

و في حاشية المستمسك: «في السيرة الحلبية في آخر غزوة وادي القرى: ان خالد بن الوليد و عمر و بن العاص و عثمان بن طلحة جاؤوا الى النبي «ص» مسلمين و طلبوا منه أن يغفر اللّه لهم

______________________________

(1)- تفسير القمي ج 2 ص 26.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 139

..........

______________________________

فقال لهم «ص»: ان الإسلام يجبّ ما كان قبله».

أقول:

و نحو ذلك في الجزء الرابع من طبقات ابن سعد في شرح حال خالد بن الوليد. و روى هذه الجملة أيضا في أسد الغابة في اسلام هبار و في كنز العمال «الإسلام يجبّ ما كان قبله (ابن سعد عن الزبير و عن جبير بن مطعم) و فيه أيضا عن الطبراني عن ابن عمر: «ان الإسلام يجبّ ما كان قبله و الهجرة تجبّ ما كان قبلها» «1».

هذا و لكن في صحيح مسلم عن عمر و بن العاص قال: «فلما جعل اللّه الإسلام في قلبي أتيت النبي «ص» فقلت: أبسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه قال: فقبضت يدي قال: مالك يا عمرو قال: فقلت: أردت ان اشترط قال: تشترط بما ذا؟ قلت ان يغفر لي قال: اما علمت ان الإسلام يهدم ما كان قبله و ان الهجرة تهدم ما كان قبلها و ان الحج يهدم ما كان قبله» «2».

و في الدر المنثور: «اخرج ابن احمد و مسلم عن عمرو بن العاص» و ذكر نحو ذلك «3».

و في كنز العمال عن مسلم عن عمرو بن العاص: «اما علمت ان الإسلام يهدم ما كان قبله و ان الهجرة تهدم ما كان قبلها و ان الحج يهدم ما كان قبله» «4».

و في المستمسك عن مناقب ابن اشوب آشوب، في من طلق زوجته في الشرك تطليقة و في الإسلام تطليقتين: «قال علي- عليه السلام-: هدم الإسلام ما كان قبله، هي عندك على واحدة».

فهذا ما عثرت عليه عاجلا من مواضع ذكر الحديث و الظاهر انه متواتر اجمالا بمعنى انه يحصل العلم اجمالا بصدور هذا المضمون عن النبي «ص» و لو في ضمن قصة من تلك القصص الكثيرة.

و انه ليس جميع هذه القصص كاذبة بأن

تواطئ الأشخاص على جعل هذا المضمون في ضمن القصص المختلفة.

و يظهر من بعض رواياتنا أيضا وضوح هذا المضمون في عصر الأئمة- عليهم السلام- و امضائهم له فروى الشيخ بسند صحيح عن جعفر بن رزق اللّه قال: قدم الى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة و أراد أن يقيم عليه الحد فأسلم فقال يحيى بن اكثم: قد هدم ايمانه شركه و فعله و قال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود و قال بعضهم: يفعل به كذا و كذا فأمر المتوكل بالكتاب الى أبي الحسن الثالث- عليه السلام- و سؤاله عن ذلك فلما قدم الكتاب كتب أبو الحسن «ع»: يضرب حتى يموت فانكر يحيى بن اكثم و انكر فقهاء العسكر ذلك و قالوا يا أمير المؤمنين سله عن هذا فانه شي ء لم ينطق به كتاب و لم تجى ء به السنة فكتب ان فقهاء

______________________________

(1)- كنز العمال ج 1، الحديث 243 و 297.

(2)- صحيح مسلم ج 1، باب ان الإسلام يهدم ما قبله.

(3)- الدر المنثور ج 3 في ذيل قوله تعالى «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ...».

(4)- كنز العمال ج 1، الحديث 247.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 140

..........

______________________________

المسلمين قد انكروا هذا و قالوا: لم تجى ء به سنة و لم ينطق به كتاب فبيّن لنا بما اوجبت عليه الضرب حتى يموت فكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم فَلَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا قٰالُوا آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنٰا بِمٰا كُنّٰا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمٰانُهُمْ لَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا سُنَّتَ اللّٰهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبٰادِهِ وَ خَسِرَ هُنٰالِكَ الْكٰافِرُونَ. قال: فأمر به المتوكل فضرب حتى مات «1».

و جعفر بن رزق اللّه لم يذكر بمدح و لا بقدح الّا ان يورث نقل محمد بن أحمد

بن يحيى عنه نحو اعتماد عليه.

فيظهر من الحديث ان هدم الإسلام لما قبله كان بحدّ من الوضوح يعرفه النصراني أيضا و لذا أسلم بقصد الفرار من الحد و الامام- عليه السلام- أيضا لم ينف هذا المعنى بل كأنه أمضى أصله كما أثبته الفقهاء و إنّما أشار الى نكتة دقيقة مستنبطة من كلام اللّه العزيز و هو ان الايمان المفيد الهادم لما قبله هو الايمان الصحيح لا ما حصل بقصد الفرار عن البأس فانه غير نافع.

و روى الكليني بسند صحيح عن ضريس الكناسي عن أبي جعفر «ع» في نصراني قتل مسلما فلما أخذ أسلم، قال: أقتله به الحديث «2» و يظهر الاستدلال به مما سبق.

و في الدعائم في صلاة الجمعة: روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عن علي «ع» ان رسول اللّه «ص» قال: أربعة يستأنفون العمل: المريض اذا برئ و المشرك اذا أسلم و المنصرف من الجمعة ايمانا و احتسابا و الحاج اذا قضى حجه «3».

و بالجملة فالتشكيك في اصل صدور مضمون الحديث بل في اصل الحكم كما في المدارك بلا وجه.

قال فيها: «و قد نص المصنف في المعتبر و العلامة في جملة من كتبه على ان الزكاة تسقط عن الكافر بالاسلام و ان كان النصاب موجودا لقوله «ص»: الإسلام يجبّ ما قبله. و يجب التوقف في هذا الحكم لضعف الرواية المتضمنة للسقوط سندا و متنا و لما روي في عدة أخبار صحيحة من أن المخالف اذا استبصر لا يجب عليه اعادة شي ء من العبادات التي اوقعها في حال ضلالته سوى الزكاة فانه لا بدّ ان يؤديها و مع ثبوت هذا الفرق في المخالف فيمكن اجرائه في الكافر، و بالجملة فالوجوب على

الكافر متحقق فيجب بقاؤه تحت العهدة الى أن يحصل الامتثال او يقوم على السقوط بالاسلام دليل يعتدّ به، على أنه ربما لزم من هذا الحكم عدم وجوب الزكاة على الكافر كما في قضاء العبادات لامتناع أدائها في حال الكفر و سقوطها بالاسلام الّا ان يقال ان متعلق

______________________________

(1)- الوسائل ج 18 الباب 36 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 19 الباب 49 من أبواب القصاص، الحديث 1.

(3)- الدعائم ج 1، صلاة الجمعة ص 179.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 141

..........

______________________________

الوجوب ايصالها الى الساعي و ما في معناه في حال الكفر و ينبغي تأمل في ذلك».

أقول: فيه مضافا الى ما مرّ من العلم بصدور الحديث اجمالا ان الحديث هو مضمون قوله- تعالى-: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ» فالواجب هو البحث عن الدلالة و عن مقدارها.

و ما في المستمسك من التشكيك في الدلالة على فرض كون المتن ما في مجمع البحرين اذ مفاده حينئذ رفع نفس الكفر و المعاصي و الذنوب.

فيرد عليه أولا ما أشرنا اليه من أن الظاهر عدم كون الذيل جزءا من الحديث بل هو تفسير منه مأخوذ من تفسير النهاية و اللسان مذكور بنحو اللف و النشر فقوله من الكفر متعلق بالجملة الأولى و قوله من المعاصي و الذنوب متعلق بالجملة الثانية.

و ثانيا ان جبّ الإسلام لنفس الكفر و رفعه له أمر واضح لا يتصدى المعصوم لبيانه فلا محالة يراد رفع ما ثبت حال الكفر باعتبار آثاره فلا يضر الذيل بالاستدلال.

و ملخص الكلام ان المحتملات في الحديث ثلاثة:

الأول: ان يراد به ان الإسلام يرفع الكفر.

الثاني: ان يراد ان الإسلام يرفع آثار الكفر و أحكامه أي الأحكام الشرعية

التي موضوعها عنوان الكفر كنجاسة البدن و مهدورية الدم و المال مثلا.

الثالث: ان يراد به رفع ما تحقق في حال الكفر من ترك الواجبات و فعل المحرمات باعتبار الآثار و التبعات المتفرعة عليهما كترك الصلاة المستتبع للقضاء و شرب الخمر المستتبع للحد مثلا فيراد بالحديث ان الخطيئة الكبيرة أعني الكفر لما كانت منشأ لسائر الخطايا من ترك الواجبات و فعل المحرمات خارجا اذا ارتفعت هذه الخطيئة بسبب الإسلام صار الإسلام كفارة لسائر الخطايا المتحققة بسببها فترتفع تبعاتها أيضا كقضاء الصلاة و حدّ شرب الخمر مثلا فهو بوجه نظير قول الامام الصادق- عليه السلام- لسليمان بن خالد حينما قال سليمان: اني منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي. قال «ع»: «لا تفعل فان الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة». قال الشهيد: يعني ما تركت من شرائطها و أفعالها «1».

هذا و لا يخفى بطلان الاحتمال الأول لأنه يساوق توضيح الواضحات بل و كذا الثاني لوضوح ارتفاع الأحكام بارتفاع موضوعاتها مضافا الى عدم تناسب ذلك لموارد صدور الحديث من قصص المغيرة و خالد و ابن العاص و ابن أبي سرح و غيرهم فيتعين الثالث و مقتضاه ان اسلام الكافر يصير

______________________________

(1)- الوسائل ج 1 الباب 31 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 142

..........

______________________________

كفارة لما صدر عنه في حال كفره و بسبب كفره من ترك الواجبات و فعل المحرمات و يصير هو كأنه لم يصدر عنه ذلك فلا تترتب آثار ذلك و تبعاته فهذا اجمالا مما لا ريب فيه.

و لكن استشكل عليه كما في المستمسك بوجوه:

الأول: انه وارد مورد الامتنان المنافي لشموله

للمقام لأنه خلاف الامتنان بالنسبة الى الفقراء.

الثاني: ان ظاهر الحديث جبّ حال الكفر عن حال الإسلام فيختص بما لو كان ثابتا حال الإسلام لاستند الى ما ثبت حال الكفر كالتكليف بقضاء العبادات حال الإسلام فانه لو ثبت كان مستندا الى الفوت حال الكفر فلا يجري في مثل الزكاة لأن حول الحول مثلا على العين الزكوية يوجب حدوث حق للفقراء و اذا حدث يبقى باستعداد ذاته فاذا أسلم يجب عليه الزكاة للحق الباقي فعلا لا للحادث قبلا نظير ما اذا أجنب أو تنجس بدنه فان الجنابة و النجاسة أمران باقيان باستعداد ذاتهما و بعد الإسلام يؤمر بالغسل و الغسل للجنابة و النجاسة الفعليّتين لا لما قبل الإسلام و كذا اذا أسلم بعد الزوال مع بقاء الوقت فانه يؤمر بالصلاة للوقت الباقي لا للزوال السابق. و دعوى ان حق الفقراء ناشئ من الأمر التكليفي بأداء الزكاة المستند الى حولان الحول حال الكفر فبالحديث ينفى الأمر المذكور فينتفي الحق أيضا بانتفاء منشأه، ممنوعة جدّا اذ الأمر بالعكس و ان الأمر بالايتاء متفرع على ثبوت الحق في الرتبة السابقة فالامر بايتاء الزكاة نظير ادفع مال زيد اليه لا من قبيل ادفع مالك الى زيد كيف و الأمر بايتاء الانسان ماله الى غيره لا يقتضي بوجه ثبوت حق للغير في ماله و التعبير بأموالهم في قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» من جهة ان أصلها من أموالهم او لأنها قبل الدفع لم تتعين زكاة.

الثالث: ان البناء على عموم الحديث يوجب تخصيص الأكثر اذ لا ريب في بقاء عقوده و ايقاعاته و ما عليه من الديون و نحوها.

هذا و أجاب في المستمسك عن الأول بأن الامتنان بالنسبة الى المسلم نفسه فلا

مانع من كونه خلاف الامتنان بالاضافة الى غيره.

و الأولى أن يجاب بأن الامتنان في الحديث على فرض اعتباره أخذ حكمة لا علة فالحكم عامّ مضافا الى أن الزكاة ليست ملكا للفقراء و انما هي مالية مجعولة في الإسلام و الفقراء من مصارفها.

و أجاب عن الثاني بأن الملكية لما كانت من الأمور الاعتبارية المحضة كان بقائها أيضا مستندا الى ملاحظة منشأ الاعتبار كحدوثها فما لم يلحظ منشأ الاعتبار في كل آن لا يصح اعتبارها و لذا كان الفسخ واردا على العقد و موجبا لارتفاع الأثر لا انه وارد على نفس الأثر فوزان الملكية و حولان الحول وزان وجوب القضاء و الفوت و مقتضى ذلك عدم تأثير حولان الحول الحاصل قبل الإسلام في ملكية الفقراء بعده.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 143

..........

______________________________

نعم يتم الاشكال في مثل النجاسة و الحدث فانهما و ان كانتا اعتباريتين و لكن منشأ اعتبارهما نفس الأثر الخارجي الباقي باستعداد ذاته الى ما بعد الإسلام.

و عن الثالث بانصراف الحديث الى ما كان وقوعه قبل الإسلام مستندا الى عدم الإسلام كترك الواجب و الحرام فيصير الإسلام كفارة له فلا يشمل مثل العقود و الايقاعات التي يشترك فيها المسلم و غيره. هذا.

و التحقيق ان يقال ان الأحكام الشرعية على خمسة أقسام:

الأول: الأحكام العقلائية الثابتة عند الناس بما هم عقلاء و ان لم يلتزموا بشريعة غاية الأمر امضاء الشارع لها و تحديدها و ردعه عن بعض مصاديقها كالعقود و الايقاعات و الضمانات.

الثاني: الأحكام التكليفية التي أتى بها الإسلام و تكون أحكاما تكليفية محضة غير مستعقبة لأثر شرعي كوجوب ردّ السلام و حرمة الكذب مثلا.

الثالث: الأحكام التكليفية المستعقبة لآثار شرعية كوجوب الصلاة المستعقب للقضاء و حرمة الخمر المستعقب

للحد الشرعي.

الرابع: الأحكام الوضعية الاعتبارية المحضة المستعقبة للآثار الشرعية كملكية الفقراء للزكاة المستعقبة لوجوب الأداء و الضمان مع الاتلاف او التلف في بعض الموارد.

الخامس: الأحكام الوضعية الكاشفة عن نحو ثبوت خاصية خارجية كالنجاسة و الجنابة الكاشفتين عن ثبوت نحو قذارة خارجية جسمية او روحية مثلا مع كونها مستعقبة لآثار شرعية كوجوب الغسل او الغسل او حرمة دخول المسجد او عدم صحة الصلاة و نحو ذلك.

اما القسم الأول فربما ينسبق الى الذهن عدم جبّ الإسلام لها اذ الظاهر من الحديث جبّ الإسلام للتخلّفات المستندة الى الكفر و عدم الاعتقاد بالاسلام و الأحكام العقلائية الدارجة بين الناس لا ربط لها بالكفر و الإسلام.

و لكن ربما يخطر بالبال الاشكال في ذلك بالنقض بموارد ذكر الحديث فان المغيرة قتل ثلاث عشرة نسمة و أخذ أموالهم و خالد بن الوليد قتل عدّة من المسلمين في الحروب كغزوة أحد مثلا.

و القصاص او الدية و كذا تضمين الأموال من الأحكام العقلائية و مورد نقل المناقب من طلق زوجته تطليقة في الشرك و تطليقتين في الإسلام و فيه قال علي- عليه السلام- «هدم الإسلام ما كان قبله هي عندك على واحدة» مع ان النكاح و الطلاق من الأمور الدارجة بين العقلاء بما هم عقلاء.

اللهم الّا ان يقال ان من قتلهم المغيرة كانوا مهدوري الدم و المال بكفرهم فلذا لم يضمّنه النبي «ص» و قتل خالد للمسلمين كان في القتال و الدفاع عن عقيدته و كيانه بحسب وضعه و لم يكن مثل هذا باطلا موجبا للضمان عند الناس بل بحسب موازين الإسلام فيشمله حديث

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 144

..........

______________________________

الجبّ قهرا و كذا الطلاق و ان كان دارجا عند الناس و لكن ايجابه

للحرمة الأبدية في المرتبة الثالثة لعله كان مما شرّعه الإسلام فتأمّل.

و الذي يسهّل الخطب عدم ثبوت كل مورد من موارد الحديث بنحو يكون حجة شرعية و انما الذي ادعيناه هو التواتر الإجمالي بمعنى العلم بعدم كذب الجميع و انه ثبت واحد منها اجمالا.

و القسم الثاني من الأحكام مشمول للحديث جزما و كذا القسم الثالث بلحاظ الآثار المترتبة عليه فلا يثبت بعد الإسلام القضاء و لا الحدّ لترك الصلاة و شرب الخمر في حال الكفر كما لا يشمل القسم الخامس قطعا بعد فرض خارجية النجاسة و الجنابة و بقائهما الى حال الإسلام و لكن الفرض قابل للمنع.

و اما القسم الرابع كملكية الفقراء للزكاة فمع اتلافها او تلفها في حال الكفر يرفع الحديث ضمانها بلا اشكال و اما مع بقاء النصاب و العين ففيه شائبة اشكال من أن الملكية بعد ثبوتها باقية باستعدادها الذاتي فوجوب الأداء بعد الإسلام اثر للملكية الباقية الفعلية و من ان الملكية من آثار حولان الحول في حال الكفر و الإسلام يقطع حال الإسلام عن حال الكفر فكأن حولان الحول لم يقع من أصله و كأنه صار بعد الإسلام مالكا لهذا المال و لذا قال في المعتبر «و يستأنف لماله الحول عند اسلامه». و في القواعد: «و يستأنف الحول حين الإسلام» و مثله في التذكرة.

نعم في الجواهر عن نهاية الاحكام: «لو أسلم قبل الحول بلحظة وجبت الزكاة و لو كان الإسلام بعد الحول و لو بلحظة فلا زكاة» و الظاهر هو سقوط ما تعلق سابقا.

قال في مصباح الفقيه: «فان مثل الزكاة و الخمس و الكفارات و أشباهها من الحقوق الثابتة في الإسلام بمنزلة القدر المتيقن منها كما يؤيد ذلك بل يدل على أصل

المدعى قضاء الضرورة بجريان سيرة النبي و الأئمة القائمين مقامه على عدم مؤاخذة من دخل في الإسلام بشي ء من هذه الحقوق بالنسبة الى الأزمنة السابقة».

و اما استيناف الحول و عدم احتساب الشهور السابقة ففيه اشكال فان الملكية للنصاب متحققة و انقضاء الشهور على النصاب أمر تكويني متحقق فلم لا تتعلق الزكاة بعد ما حال الحول حين الإسلام؟ فالظاهر صحة ما في نهاية الأحكام فتدبّر.

هذا و قد عرفت ان جبّ الإسلام لما قبله كان أمرا متسالما عليه الى عصر صاحب المدارك فأنكره هو و صاحبا الذخيرة و المستند.

و ما ذكره صاحب المدارك وجها لعدم سقوط الزكاة بعد تضعيف الحديث سندا و متنا يرجع الى وجوه ثلاث:

الأول: قياس الكافر على المخالف اذا استبصر حيث وردت الأخبار بصحة أعماله الّا الزكاة. الثاني: الاستصحاب. الثالث: انه يلزم من الحكم بالسقوط عدم صحة تكليفة لامتناع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 145

[اذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب]

مسألة 18: اذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب بعد تعلّق الزكاة وجب عليه اخراجها (1).

______________________________

امتثاله حال الكفر و سقوطه بالاسلام.

هذا و قد عرفت امكان ان يدعى تواتر الحديث اجمالا و كذا مفاده و دلالته، و القياس باطل و الأولوية ممنوعة، و الاستصحاب لا يجري مع الدليل، و الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار و المدار في صحة التكليف تمكن المكلف و لو بترتيب مقدماته من قبل و الكافر كان متمكنا حال بلوغه من الإسلام و اتيان ما جاء به النبي و منه الزكاة. و عدم امكان العبث او الزجر الفعلي لا ينافي وقوع الترك او الفعل مبغوضا عليه كما في الحركات الخروجية في الدار المغصوبة لمن توسطها بسوء اختياره.

بقي هنا شي ء و هو ان يقال ان جبّ الإسلام

لما قبله وقع في سياق جبّ التوبة لما قبلها و هدم الحج لما قبله و نحو ذلك و واضح ان الحج او التوبة لا تجب مثل الزكاة و نحوها من الحقوق الواجبة.

و فيه ان عدم الأخذ بظاهر الدليل في بعض الموارد بدليل لا يوجب رفع اليد عن ظاهر غيره فاللازم الحكم بجبّ الإسلام لجميع التخلفات المتحققة حال الكفر الّا لما ثبت بالدليل عدم جبّه له فتدبر.

و قد طال البحث عن المسألة فأرجو العفو من القرّاء الكرام و ألتمس منهم الدعاء

التقييد بتمام النصاب وقع على ما اختاره المصنف في باب تعلق الزكاة من كونه من قبيل الكلي في المعين و الّا فعلى الاشاعة لا فرق بين اشتراء تمام النصاب و بعضه. و الظاهر عدم الفرق بين جميع أقسام الانتقال من البيع و الصلح و الهبة و الارث و غير ذلك.

و يستدل على الحكم مضافا الى كونه على طبق القاعدة بعد شركة الفقراء في العين او كونها متعلقا لحقهم بصحيحة عبد الرحمن البصري قال قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل لم يزك إبله او شاته عامين فباعها على من اشتراها ان يزكّيها لما مضى؟ قال: نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع او يؤدي زكاتها البائع «1».

هذا و لكن المسألة محل تأمل اذ لم يكن بناء النبي «ص» و الأئمة- عليهم السلام- و لا الخلفاء اخراج الزكاة من غنائم الكفار بعد جمعها بل بنائهم و بناء المسلمين في جميع الأعصار كان على ترتيب حكم الملكية على ما ينتقل اليهم من الكفار و الزامهم بما الزموا به أنفسهم و التزموا به و قد ورد الحكم بجواز أخذ ما ملكوه في مقابل الخمر و الخنزير بعنوان الجزية.

ففي

صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن صدقات أهل الذمة و ما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم و خنازيرهم و ميتتهم. قال: عليهم الجزية في أموالهم تؤخذ من ثمن

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 146

..........

______________________________

لحم الخنزير او خمر فكل ما أخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك عليهم و ثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم. و نحوها خبره المروي عن المقنعة «1».

فيظهر من ذلك ان البناء كان على الحكم بملكيتهم لما يعتقدون مالكيتهم له على حسب ضوابطهم كيف و الّا عسر الأمر على المسلمين في معاملاتهم الدارجة مع الكفار و التوارث بينهم.

و دعوى عدم حصول العلم غالبا بتعلق الزكاة بأموالهم واضحة الفساد.

و ما دلّ على تحليل الخمس للشيعة فيما ينتقل اليهم ممن لا يعتقد الخمس توسعة لهم يستفاد منه بالملاك تحليل الزكاة أيضا و قد قال- عليه السلام- في خبر يونس بن ظبيان او المعلّى بن خنيس:

«... و ان وليّنا لفي أوسع فيما بين ذه الى ذه يعني ما بين السماء و الأرض ...» «2».

فراجع أخبار تحليل المناكح و المساكن و المتاجر تستأنس منها صحة ما ذكرناه و قد مرّ في أواخر المسألة السادسة عشرة عبارة المبسوط حيث قال: «فان اشتراها من الذمي بعد ذلك لم يجب عليه الزكاة لأنه دخل وقت وجوب الزكاة و هو في ملك غيره» فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل ج 11 الباب 70 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1 و 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 17.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 147

[1- فصل في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة]

اشارة

فصل في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة

[تجب الزكاة في تسعة أشياء]

تجب الزكاة في تسعة أشياء (1): الأنعام الثلاثة- و هي الإبل و البقر و الغنم- و النقدين- و هما الذهب و الفضة- و الغلات الأربع- و هي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب- و لا تجب فيما عدا ذلك على الأصح (2).

______________________________

(1) بلا خلاف أجده فيه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين بل هو من ضروريات الفقه ان لم يكن من ضروريات الدين، و النصوص به مع ذلك متواترة كتواترها في أنه لا تجب فيما عدا ذلك، كذا في الجواهر.

و في التذكرة: «قد أجمع المسلمون على ايجاب الزكاة في تسعة أشياء: الإبل و البقر و الغنم و الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و اختلفوا فيما زاد على ذلك».

و يأتي باقي العبارات في الحاشية التالية.

(2) في بداية المجتهد لابن رشد ما حاصله: «اما ما تجب فيه الزكاة من الأموال فانهم اتفقوا منها على أشياء و اختلفوا في أشياء، اما ما اتفقوا عليه فصنفان من المعدن: الذهب و الفضة اللتين ليستا بحليّ، و ثلاثة أصناف من الحيوان: الإبل و البقر و الغنم، و صنفان من الحبوب: الحنطة و الشعير، و صنفان من الثمر: التمر و الزبيب و في الزيت خلاف شاذّ. و اختلفوا اما من الذهب ففي الحليّ فقط و ذلك انه ذهب فقهاء الحجاز: مالك و الليث و الشافعي الى انه لا زكاة فيه اذا أريد للزينة و اللباس، و قال أبو حنيفة و أصحابه: فيه الزكاة ...، و اما ما اختلفوا فيه من الحيوان فمنه ما اختلفوا في نوعه و ما اختلفوا في صنفه، اما ما اختلفوا في نوعه فالخيل و ذلك

ان الجمهور على ان لا زكاة في الخيل، و ذهب أبو حنيفة الى انها اذا كانت سائمة و قصد بها النسل ان فيها الزكاة أعني اذا كانت ذكرانا و اناثا ...، و اما ما اختلفوا في صنفه فهي السائمة من الابل و البقر و الغنم من غير السائمة منها فان قوما اوجبوا الزكاة في هذه الأصناف الثلاثة سائمة كانت او غير سائمة و به قال الليث و مالك، و قال سائر فقهاء الأمصار: لا زكاة في غير السائمة من هذه الثلاثة الأنواع ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 148

..........

______________________________

و أجمعوا على أنه ليس فيما يخرج من الحيوان زكاة الّا العسل فانهم اختلفوا فيه فالجمهور على أنه لا زكاة فيه و قال قوم: فيه الزكاة ...، و اما ما اختلفوا فيه من النبات بعد اتفاقهم على الأصناف الأربعة التي ذكرناها فهو جنس النبات التي تجب فيه الزكاة فمنهم من لم ير الزكاة الّا في تلك الأربع فقط و به قال ابن أبي ليلى و سفيان الثوري و ابن المبارك و منهم من قال: الزكاة في جميع المدخر المقتات من النبات و هو قول مالك و الشافعي و منهم من قال: الزكاة في كل ما تخرجه الأرض ما عدا الحشيش و الحطب و القصب و هو أبو حنيفة ... و اتفقوا على أن لا زكاة في العروض التي لم يقصد بها التجارة و اختلفوا في ايجاب الزكاة فيما اتخذ منها للتجارة فذهب فقهاء الأمصار الى وجوب ذلك و منع ذلك أهل الظاهر».

و في الفقه على المذاهب الأربعة: «الأنواع التي تجب فيها الزكاة خمسة أشياء: الأول: النعم و هي الابل و البقر و الغنم ... و لا زكاة

في غير ما بينّاه من الحيوان فلا زكاة في الخيل و البغال و الحمير و الفهد و الكلب المعلّم و نحوها الّا اذا كانت للتجارة.

الثاني: الذهب و الفضة و لو غير مضروبين.

الثالث: عروض التجارة.

الرابع: المعدن و الركاز.

الخامس: الزروع و الثمار و لا زكاة فيما عدا هذه الأنواع الخمسة»، هذا.

و في المقنع: «اعلم ان الزكاة على تسعة أشياء: على الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و الذهب و الفضة و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك».

و في الانتصار: «و مما ظن انفراد الامامية به القول بأن الزكاة لا تجب الّا في تسعة أصناف:

الدنانير و الدراهم و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و لا زكاة فيما عدا ذلك و باقي الفقهاء يخالفونهم في ذلك ... و الذي يدلّ على صحة مذهبنا مضافا الى الاجماع ان الأصل براءة الذمة».

و في النهاية: «الذي يجب فيه الزكاة فرضا لازما تسعة أشياء: الذهب و الفضة ... و كل ما عدا هذه التسعة الأشياء فانه لا يجب فيه الزكاة».

و في الغنية: «فزكاة الأموال تجب في تسعة أشياء: الذهب ... بلا خلاف و لا تجب فيما عدا ما ذكرناه بدليل الاجماع».

و الظاهر منه ان الوجوب في التسعة لا خلاف فيه بين المسلمين و عدم الوجوب في غيرها باجماع الامامية.

و في المقنعة ما حاصله: «الزكاة تجب في تسعة أشياء خصّها رسول اللّه «ص» بفريضتها فيها و هي الذهب ... و عفا رسول اللّه سوى ذلك رواه حريز، عن زرارة و محمد بن مسلم و أبو بصير

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 149

..........

______________________________

و بريد و الفضيل، عن الباقر-

عليه السلام- و رواه عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بكر الحضرمي و صفوان بن يحيى، عن ابن بكير، عن محمد بن الطيار، عن أبي عبد اللّه «ع».

و قد نقل ما في المقنعة صاحب الوسائل بتقديم و تأخير و جعله الرواية السادسة عشرة من الباب الثامن مع وضوح عدم كون المفيد بصدد نقل الحديث بل نقل مضمون الأحاديث المتكثرة بعنوان الفتوى.

و في المعتبر: «تجب في الأنعام: الابل و البقر و الغنم، و في الحجرين: الذهب و الفضة و في الغلات الأربع: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و لا يجب في غير ذلك و هو مذهب علمائنا عدا ابن الجنيد و به قال الحسن و ابن سيرين و الحسن بن صالح بن حيّ و ابن أبي ليلى واحدى الروايتين عن أحمد».

و في المنتهى: «تجب الزكاة في تسعة أصناف هي أنعام و اثمان و اثمار ... و قد اتفق علماء الإسلام على وجوب الزكاة في هذه الأصناف و لا تجب في غيرها ذهب اليه علماؤنا أجمع و به قال ابن عمر و موسى بن طلحة و الحسن البصري و ابن سيرين و الشعبي و الحسن بن صالح بن حيّ و ابن أبي ليلى و ابن المبارك و أبو عبيدة و أحمد في احدى الروايتين».

و قد مرّت عبارة التذكرة أيضا فراجع.

و في المختلف: «قال ابن الجنيد تؤخذ الزكاة في أرض العشر من كل ما دخله القفيز من حنطة و شعير و سمسم و ارز و دخن و ذرة و عدس و سلت و ساير الحبوب و من التمر و الزبيب».

و فيه أيضا: «أوجب ابن الجنيد الزكاة في الزيتون و الزيت اذا كانا في الأرض العشرية و

الحق خلاف ذلك و انما هو مذهب أبي حنيفة و مالك و الشافعي في أحد قوليه».

و فيه أيضا: «أوجب ابن الجنيد الزكاة في العسل المأخوذ في أرض العشر و ليس بجيّد و إنما ذلك مذهب أبي حنيفة».

و فيه أيضا: «اختلف علماؤنا في مال التجارة على قولين فالأكثر قالوا بالاستحباب و آخرون قالوا بالوجوب».

و قد أطلنا الكلام في نقل الأقوال لكون المسألة من المسائل الأساسية فأردنا أنس ذهن القراء حين الرجوع الى الأخبار بخلاصة من أقوال الفريقين فيما يتعلق به الزكاة.

[الاشارة الى نكتة في تشريع الزكاة]

و قبل ذكر اخبار المسألة نوجّه نظر القارئ الى نكتة و هي انه ربما يختلج بالبال ان الزكاة لما كانت مالية دينية شرّعت في جميع الأديان و منها دين الإسلام لتأمين الشؤون الاقتصادية و سدّ الخلّات الحادثة للحكومة الدينية و متّبعيها في جميع الأزمنة و الأمكنة و كان دين الإسلام دينا شاملا لكافة الناس و جميع الأعصار الى يوم القيامة و كانت الأموال العامة و منابع الثروة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 150

..........

______________________________

تختلف و تتطور بحسب الأزمنة و الأمكنة و القارّات فلا محالة كان المناسب ان يكون اصل حكم الزكاة و تشريعها مذكورا في القرآن الكريم الذي هو بمنزلة القانون الأساسي للإسلام و يكون ما فيه الزكاة متبدلا بحسب الأمكنة و الأزمنة و محولا تعيينه الى المتصدي للحكومة الاسلامية فيعيّنه بحسب منابع ثروة الناس و بحسب الاحتياج للمصارف اللازمة.

فهذا الذي ربما يسبق الى الذهن و أنت ترى ان القرآن الكريم أكّد في آيات كثيرة وجوب إيتاء الزكاة و قرنها بالصلاة و قال أيضا: «... أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» «1».

و الظاهر ان المراد بالنفقة الزكاة بدلالة قوله- تعالى-:

«وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ» «2» و خاطب اللّه النبي «ص» فقال: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» «3» و بيّن مصرفها بقوله: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ ...» «4» و لم يعيّن ما فيه الزكاة و إنما عيّنه النبي «ص» كما يأتي في خلال الأخبار الآتية انه لما نزل قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة و عفا عما سواها فلعله يتبادر الى الذهن من هذه الأخبار ان رسول اللّه «ص» بما انه رسول من ربّه بيّن لهم حكم اللّه من وجوب الزكاة و لزوم أخذها و بما انه كان حاكم المسلمين و سائسهم في عصره وضع الزكاة في تسعة و عفا عما سواها مع وجود المقتضي فيه و شمول قوله: «أَمْوٰالِهِمْ» له اذ التسعة كانت عمد ثروة العرب في الحجاز في عصره- صلى اللّه عليه و آله- فيكون لحاكم المسلمين في كل مكان و عصر ملاحظة ثروة رعيته و احتياج الحكومة و المرتزقة من قبلها فيضع الزكاة على طبق ما يرفع الاحتياج و يراه صلاحا.

و قد ورد في أخبار كثيرة مستفيضة ان اللّه فرض للفقراء في اموال الأغنياء ما يكتفون به و لو علم ان الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم، و لا محالة أراد بالفقراء الفقراء و ساير المصارف الثمانية الى يوم القيامة.

فهذا أمر ربما يختلج بالبال ذكرناه ايرادا لا اعتقادا.

فلنرجع الى أخبار الباب فان المستفاد منها بعد الجمع بينها و ضمّ بعضها الى بعض هو المحكّم.

[اخبار المسألة اربع طوائف]

فنقول: اخبار المسألة تنقسم الى أربع طوائف:

الأولى: ما تتضمن ان رسول اللّه «ص» وضع الزكاة على تسعة و عفا عمّا سواها فهي بصدد بيان

أمر تاريخي صدر عن رسول اللّه «ص» في عصره و هذا هو مدلوله المطابقي و ان كان ربما

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 267.

(2)- سورة التوبة، الآية 34.

(3)- سورة التوبة، الآية 103.

(4)- سورة التوبة، الآية 60.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 151

..........

______________________________

يستشعر منها كون بيان ذلك للأخذ به في عصر الامام الحاكي له أيضا.

الثانية: ما اشتملت على بيان هذا الأمر التاريخي مع التصريح او الظهور بكون الحكم الفعلي في عصر الامام الحاكي له أيضا ذلك و ان الغرض من نقل فعله «ص» هو الأخذ به في العصر الحاضر أيضا و يلحق بهذه الطائفة ما دلّ على وجوب الزكاة في تسعة بلا تعرض لوضع النبي و كذا ما دلّ على عدم الزكاة في غير الأربعة من الغلات.

الثالثة: ما دلت صريحا على ثبوت الزكاة في غير التسعة أيضا.

الرابعة: ما اشتملت على المضمون الثاني و الثالث معا فيستفاد منها صدور كلتا الطائفتين.

و لا يخفى ان الطائفتين الأخيرتين تعارضان الطائفة الثانية بالصراحة دون الطائفة الأولى اذ مفاد الأخيرتين صريحا ثبوت الزكاة في غير التسعة و مفاد الأولى ان رسول اللّه وضعها في تسعة و عفا عما سواها و لا منافاة بين عفو الرسول عن غير التسعة في عصره بما انه كان حاكم عصره و عدم العفو عنها في الأعصار المتأخرة فتدبر.

و كيف كان فمن الطائفة الأولى ما رواه الكليني و الصدوق بسند صحيح لا ريب فيه، ففي الفقيه روى الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: لما نزلت آية الزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» في شهر رمضان فأمر رسول اللّه «ص» مناديه فنادى في الناس ان اللّه- تبارك و

تعالى- قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض اللّه عليكم من الذهب و الفضة و الابل و البقر و الغنم و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان و عفا لهم عما سوى ذلك قال ثم لم يتعرض لشي ء من اموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا فأمر «ص» مناديه فنادى في المسلمين: أيها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم قال: ثم وجّه عمّال الصدقة و عمّال الطسوق «1».

و سند الصدوق الى الحسن بن محبوب: محمد بن موسى بن المتوكل، عن عبد اللّه بن جعفر الحميري و سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب.

و لا يخفى ان حكم الزكاة ذكر في آيات كثيرة و منها آيات مكية نزلت قبل ذلك و ان الذي نزل في أواخر حياة النبي «ص» بقوله «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» هو مطالبة الزكاة و أخذها منهم بتوجيه عمّال الصدقة.

و منها أيضا ما رواه الكليني، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد بن معاوية العجلي و الفضيل بن يسار كلهم، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السلام- قالا فرض اللّه- عزّ و جلّ- الزكاة مع الصلاة في الأموال و سنها

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 152

..........

______________________________

رسول اللّه «ص» في تسعة أشياء و عفا رسول اللّه عما سواهنّ: في الذهب و الفضة و الابل و البقر و الغنم و الحنطة و الشعير و التمر

و الزبيب و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك «1». و السند صحيح بلا اشكال.

و منها أيضا ما رواه الكليني، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن اسماعيل بن مرّار، عن يونس، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضة و الابل و البقر و الغنم و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك. قال يونس: معنى قوله: ان الزكاة في تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك انما كان ذلك في أول النبوة كما كانت الصلاة ركعتين ثم زاد رسول اللّه «ص» فيها سبع ركعات و كذلك الزكاة وضعها و سنّها في أول نبوته على تسعة أشياء ثم وضعها على جميع الحبوب «2» و السند لا بأس به و ان لم يوثق اسماعيل بن مرّار صريحا.

و لا يخفى ان الكليني عقد بابا بهذا العنوان: «باب ما وضع رسول اللّه «ص» الزكاة عليه» و ذكر فيه هذين الخبرين ثم عقد بابا آخر بعنوان: «باب ما يزكّى من الحبوب» و ذكر فيه ما دل على ثبوت الزكاة في غير الأربعة أيضا فراجع.

و منها أيضا ما رواه الشيخ، عن علي بن الحسن بن فضّال، عن العباس بن عامر، عن ابان بن عثمان، عن أبي بصير و الحسن بن شهاب، عن أبي عبد اللّه «ص» قال: وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك: على الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم «3».

و السند لا بأس

به فان ابان و ان كان ناووسيا و لكنه ممن اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و علي بن الحسن بن فضال و ان كان فطحيا و لكن قال الشيخ في الفهرست انه ثقة كوفي كثير العلم واسع الرواية و الاخبار جيّد التصانيف غير معاند ...

فهذه أربع روايات صحيحة او موثقة تعرضت لنقل ما صنعه رسول اللّه «ص» من الوضع و العفو، و نقل فعل النبي و ان كان يستشعر منه كونه للأخذ به و لكن من المحتمل أيضا وقوع الخلاف فيما صنعه النبي في عصره فأراد الامام بيان ما هو الحق في صنعه «ص» من دون قصد الى وجوب الأخذ به في عصر الامام- عليه السلام- لتبدّل ما تتعلق به الماليات في الأعصار المختلفة.

و اما الطائفة الثانية: فهي أيضا أخبار كثيرة فالأولى: ما رواه الشيخ، عن على بن الحسن بن

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 5.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 10.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 153

..........

______________________________

فضّال، عن محمد بن عبيد اللّه بن علي الحلبي و العباس بن عامر جميعا، عن عبد اللّه بن بكير، عن محمد (بن جعفر) الطيار قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عما تجب فيه الزكاة فقال: في تسعة أشياء:

الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك، فقلت: أصلحك اللّه فان عندنا حبّا كثيرا قال: فقال: و ما هو؟ قلت: الارز، قال:

نعم ما

اكثره، فقلت: أ فيه الزكاة؟ فزبرني، قال: ثم قال: أقول لك: ان رسول اللّه «ص» عفا عما سوى ذلك و تقول: ان عندنا حبّا كثيرا أ فيه الزكاة «1».

و محمد بن عبيد اللّه مجهول الحال. و محمد الطيار أيضا مجهول فان بقاء محمد بن جعفر بن أبي طالب الى عصر الصادق- عليه السلام- مشكل.

الثانية: ما رواه أيضا عن علي بن الحسن، عن جعفر بن محمد بن حكيم، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سمعته يقول: وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء، و عفا عما سوى ذلك: على الفضة و الذهب و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم، فقال له الطيّار و أنا حاضر: ان عندنا حبّا كثيرا يقال له الارز فقال له أبو عبد اللّه «ع»: و عندنا حبّ كثير، قال: فعليه شي ء؟ قال: لا، قد اعلمتك ان رسول اللّه «ص» عفا عما سوى ذلك «2».

و جعفر بن محمد بن حكيم لم يذكر بمدح و ان توهم ادراجه في الحسان.

و قوله «ع» في خبر الطيار: «أقول لك ان رسول اللّه «ص» عفا ...» يحتمل فيه أمران:

الأول: و هو الأظهر ان يريد ان بعد عفو الرسول «ص» عن غير التسعة لا وجه لسؤالك عن ثبوت الزكاة في الارز.

الثاني: ان يريد ان ما وقع مني هو نقل عمل النبي «ص» و عفوه عن غير التسعة و هذا لا ينافي ثبوت الزكاة في غيرها بعد ذلك فيكون سؤالك بلا وجه.

و لكن هذا خلاف الظاهر مضافا الى أن ظاهر السؤال في صدر الخبر هو السؤال عن الحكم الفعلي لا عمّا صنعه رسول اللّه «ص». ثم ان

خبر جميل يرفع الاحتمال الثاني لقوله- عليه السلام-: «لا» في جواب قول السائل: «فعليه شي ء». اللهم الّا ان يقال لا يثبت لنا كون جواب الامام كذلك بعد كون الخبرين حاكيين لقضية واحدة و عدم ذكر كلمة «لا» في الخبر الأول فتأمل.

الثالثة: ما رواه الصدوق في معاني الأخبار، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن موسى بن عمر، عن محمد بن سنان، عن أبي سعيد القمّاط، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه «ع»

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 12.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 13.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 154

..........

______________________________

انه سئل عن الزكاة فقال: وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة و عفا عما سوى ذلك: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضة و البقر و الغنم و الابل فقال السائل: و الذرة، فغضب- عليه السلام- ثم قال: كان و اللّه على عهد رسول اللّه «ص» السماسم و الذرة و الدخن و جميع ذلك فقال: انهم يقولون: انه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه «ص» و إنما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك فغضب و قال: كذبوا فهل يكون العفو الّا عن شي ء قد كان، و لا و اللّه ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر. و رواه في الخصال عن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى أيضا «1».

و الحديث مرسل مضافا الى ان عدم ذكره في الكتب الأربعة ربما يوهنه و لكن كونه سؤالا و جوابا بصدد بيان الحكم

الفعلي لا حكاية عمل النبي «ص» فقط واضح.

الرابعة: ما رواه في العيون، عن حمزة بن محمد العلوي، عن قنبر بن علي بن شاذان، عن أبيه، عن الفضل بن شاذان، عن الرضا «ع» (في حديث) قال: و الزكاة على تسعة أشياء: على الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و الذهب و الفضة «2».

و قنبر بن علي كما قيل إمامي مجهول فالخبر ضعيف كسابقه.

الخامسة: ما رواه الشيخ عن علي بن الحسن بن فضال، عن هارون بن مسلم، عن القاسم بن عروة، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة، عن أحدهما «ع» قال: الزكاة على تسعة أشياء: على الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك «3».

و في السند شي ء و ان وثق رجاله و ظاهر الخبر كونه بصدد بيان الحكم الفعلي و ان حكي في آخره عفو الرسول- صلى اللّه عليه و آله.

السادسة: ما رواه الشيخ أيضا، عن علي بن الحسن، عن علي بن اسباط، عن محمد بن زياد، عن عمر بن اذينة، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر «ع» عن صدقات الأموال، فقال: في تسعة أشياء ليس في غيرها شي ء: في الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم السائمة و هي الراعية و ليس في شي ء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي ء، و كل شي ء كان من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شي ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج «4».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه

الزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 155

..........

______________________________

و ظاهر الخبر أيضا سؤالا و جوابا كونه بصدد بيان الحكم الفعلي في عصر أبي جعفر «ع» و الظاهر كونه موثقة و كون المراد بمحمد بن زياد محمد بن أبي عمير.

السابعة: ما رواه أيضا عنه، عن محمد بن عبد اللّه بن زرارة، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبيد اللّه بن علي الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سئل عن الزكاة فقال:

الزكاة على تسعة أشياء: على الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك «1».

و دلالتها كسابقتها و كذا سندها.

الثامنة: ما رواه علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه موسى بن جعفر «ع» قال: سألته عن الصدقة فيما هي؟ قال: قال رسول اللّه «ص»: في تسعة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضة و الابل و البقر و الغنم و عفا عما سوى ذلك «2».

و هذه الأخبار مضافا الى ظهورها في الحكم الفعلي تدل أيضا على أن نقل صنع النبي «ص» كان للأخذ به لا لصرف حكاية واقعة تاريخية.

التاسعة: ما رواه الشيخ باسناده عن سعد، عن احمد بن محمد، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال: ما انبتت

الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ... و ليس فيما انبتت الأرض شي ء الّا في هذه الأربعة أشياء «3».

العاشرة: ما رواه باسناده عن علي بن الحسن، عن محمد بن اسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن اذينة، عن زرارة و بكير ابني أعين، عن أبي جعفر «ع» قال: ليس في شي ء انبتت الأرض من الارز و الذرة و الدخن و الحمص و العدس و سائر الحبوب و الفواكه غير هذه الأربعة الأصناف و ان كثر ثمنه زكاة الّا ان يصير مالا يباع بذهب او فضة تكنزه ثم يحول عليه الحول ... «4».

و سند الخبرين لا بأس به فالأولى صحيحة و الثانية موثقة و كلاهما يصرحان بعدم وجوب زكاة الزرع في غير الأربعة.

و هذه عشرة كاملة للطائفة الثانية و ان ضعف بعضها سندا بالارسال او بجهل الراوي.

الطائفة الثالثة: ما دلت على ثبوت الزكاة في غير التسعة و ان شئت قلت في غير الأربعة من

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 11.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 17.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 156

..........

______________________________

الحبوب و ظاهرها الوجوب و ان حملها الأصحاب على الاستحباب او التقية و قد ذكرها في الوسائل في الباب التاسع من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

فالأولى منها: ما رواه الكليني، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن محمد بن اسماعيل قال: قلت لأبي الحسن «ع»: ان لنا رطبة

و أرزا فما الذي علينا فيها؟ فقال «ع»: اما الرطبة فليس عليك فيها شي ء، و اما الارز فما سقت السماء العشر، و ما سقي بالدلو فنصف العشر من كل ما كلت بالصاع او قال: وكيل بالمكيال «1».

و السند صحيح و الدلالة على الوجوب ظاهرة و الحمل على التقية ينافيه تعرّض الامام في آخر الرواية لبيان الميزان الكلي لما فيه الزكاة، اذ التقية ضرورة و الضرورات تتقدّر بقدرها و السائل إنما سأل عن الارز فقط فأي داع للإمام الى أن يذكر الزكاة في كل ما كيل اذا فرض كونه حكما على خلاف الواقع.

اللهم الّا ان يقال ان التقية قد تكون للإمام و قد تكون للسائل و قد تكون للسائل و قد تكون لسائر الشيعة و هنا من قبيل الثالث حيث ان الشيعة كانت مبتلاة بحكّام الجور و هم كانوا يطلبون الزكاة من كل ما كيل فأراد الامام- عليه السلام- أدائهم للزكاة اليهم و عدم مقاومتهم في قبالهم حفظا لهم من تعرضاتهم و هذا البيان يجري في كثير من أخبار هذه الطائفة الثالثة.

الثانية: ما رواه الكليني، عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عمن ذكره، عن ابان، عن أبي مريم، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الحرث ما يزكّي منه؟ فقال: البر و الشعير و الذرة و الارز و السلت و العدس، كل هذا مما يزكّى، و قال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة «2». و في السند ارسال كما ترى.

الثالثة: ما رواه عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز بن عبد اللّه، عن محمد بن مسلم قال: سألته عن الحبوب ما يزكّى منها؟ قال- عليه السلام-: البر و الشعير

و الذرة و الدخن و الارز و السلت و العدس و السمسم كل هذا يزكى و اشباهه «3».

و السند صحيح و السؤال يحتمل أمرين: الأول: ان يكون السؤال عما يزكّى خارجا في عصره بحسب مطالبة الحكام. الثاني: ان يكون السؤال عن الحكم الشرعي. و الأول خلاف الظاهر جدّا، و الثاني ظاهره الوجوب بل قيل في محله ان ظهور الجملة الخبرية الواردة في مقام الأمر آكد في الوجوب من نفس الأمر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 157

..........

______________________________

الرابعة: ما رواه أيضا بالاسناد عن حريز، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» مثله و قال كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة و قال: جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كل شي ء انبتت الأرض الّا ما كان في الخضر و البقول، و كل شي ء يفسد من يومه. و رواه الشيخ أيضا الا انه قال: فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه الزكاة «1».

و السند صحيح و الظهور في الوجوب واضح و لو كان الامام في مقام التقية فأيّ داع له الى التطويل في الجواب و ذكر الميزان الكلي ثم النسبة الى النبي «ص» و الحكاية عنه لما لا يراد به الواقع مع ما عرفت من ان الضرورات تتقدر بقدرها فتأمل.

الخامسة: ما رواه الشيخ عن علي بن الحسن، عن ابراهيم بن هاشم، عن حماد، عن حريز، عن زرارة أيضا قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: في الذرة شي ء؟

فقال لي: الذرة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة «2».

و الرواية موثقة بابن فضّال و لا وجه لما قد يرى في بعض المنشورات من اتهام ابن فضال بأنه الذي روى أخبار الحصر في التسعة لما رأيت من نقل غيره لها أيضا و لما تراه هنا من نقله أخبار عدم الحصر في التسعة أيضا. و ظهور الخبر في الوجوب واضح و السائل سأل عن الذرة فقط فلو كان الامام في مقام التقية فلم ذكر غيرها أيضا مع عدم اضطراره الى ذكره؟

السادسة: ما رواه الشيخ أيضا بالاسناد عن حريز، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» هل في الأرز شي ء؟ فقال: نعم. ثم قال: ان المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه و لكنه قد جعل فيه، و كيف لا يكون فيه و عامّة خراج العراق منه «3».

و الرواية أيضا موثقة و ظاهرة في الوجوب و لو كان الامام في مقام التقية فأيّ داع له الى أن ينسب الى النبي «ص» أمرا خلاف الواقع و كانت الضرورة ترتفع بقوله «نعم» فقط.

الطائفة الرابعة: ما اشتملت على مضمون الثانية و الثالثة معا و يستفاد منها صدور كلتيهما و هي ما رواه الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمد الى أبي الحسن «ع»: جعلت فداك روي عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال: وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة و الشعير و التمر

و الزبيب و الذهب و الفضة و الغنم و البقر و الابل و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك فقال

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6 و 7.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 10.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 158

..........

______________________________

له القائل: عندنا شي ء كثير يكون أضعاف ذلك فقال: و ما هو؟ فقال له: الارز، فقال أبو عبد اللّه «ع» أقول لك: ان رسول اللّه «ص» وضع الزكاة على تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك و تقول: عندنا أرز و عندنا ذرة و قد كانت الذرة على عهد رسول اللّه «ص» فوقّع- عليه السلام-:

كذلك هو، و الزكاة على كل ما كيل بالصاع. و كتب عبد اللّه: و روى غير هذا الرجل عن أبي عبد اللّه «ع» انه سأله عن الحبوب فقال: و ما هي؟ فقال: السمسم و الارز و الدخن و كل هذا غلّة كالحنطة و الشعير فقال أبو عبد اللّه «ع»: في الحبوب كلها زكاة. و روى أيضا عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال: كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب قال:

فاخبرني- جعلت فداك- هل على هذا الأرز و ما أشبهه من الحبوب: الحمص و العدس زكاة؟

فوقّع- عليه السلام-: صدقوا الزكاة في كل شي ء كيل «1».

و السند صحيح و ان لم نعرف عبد اللّه بن محمد لعدم كونه راويا. و الامام- عليه السلام- صدّق مضمون الطائفة الثانية الحاكمة بانحصار الزكاة في تسعة و الثالثة الحاكمة بعدم الانحصار

ثم حكم بنفسه أيضا بثبوت الزكاة في كل ما كيل و ظاهره الوجوب.

[وجوه الجمع بين الاخبار]

فهذه هي عمد أخبار المسألة و قد قسمناها أربع طوائف و قد عرفت ان المفاد المطابقي للطائفة الأولى هي وضع رسول اللّه «ص» للزكاة على تسعة و عفوه عما سواها أعني قضية تاريخية فلا منافاة بين هذا و بين كون ما فيه الزكاة في عصر الصادقين- عليهما السلام- أزيد من تسعة لاحتمال كون المصلحة في عصر النبي وضعها في التسعة لكونها عمدة ثروة عرب الحجاز في عصره و المصلحة في عصرهما- عليهما السلام- وضعها في الأزيد و كون التشخيص في ذلك بيد من يتصدّى للحكومة الحقة فانه العالم باحتياجات الحكومة و بمنابع الثروة في حيطة حكومته.

و بالجملة لا تنافي بين الطائفة الأولى و بين الأخيرتين إلّا بالنظر البدوى.

و امّا الطائفة الثانية الظاهرة في بيان الوظيفة الفعلية في عصر الصادقين مع حصر الزكاة في تسعة فتنافي الأخيرتين الظاهرتين في ثبوتها في غيرها أيضا و ما ذكر أو يمكن أن يذكر في رفع التنافي وجوه:

الأول: ما في الكافي عن يونس ففيه بعد نقل خبر يونس عن ابن مسكان عن الحضرمي «2»:

«قال يونس: معنى قوله: ان الزكاة في تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك انما كان ذلك في أول النبوة كما كانت الصلاة ركعتين ثم زاد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فيها سبع ركعات و كذلك الزكاة وضعها و سنّها في أول نبوته على تسعة أشياء ثم وضعها على جميع الحبوب».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6 و الباب 9 منها، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث

5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 159

..........

______________________________

و لعل الظاهر من الكليني أيضا اختيار ذلك و ان الزكاة في جميع الحبوب فانه عنون ثلاثة أبواب متوالية: الأول: باب ما وضع رسول اللّه «ص» الزكاة عليه، و ذكر صحيحة الفضلاء و خبر الحضرمي ثم كلام يونس «1». الثاني: باب ما يزكّى من الحبوب، و ذكر أخبار ثبوت الزكاة في سائر الحبوب و ظاهر عنوانه الوجوب. الثالث: باب ما لا تجب فيه الزكاة مما تنبت الأرض من الخضر و غيرها.

و لعل يونس أراد الجمع بين ما دلّ على وضع رسول اللّه «ص» الزكاة في تسعة و بين ما دلّ على وضعه في غيرها أيضا كما في صحيحة زرارة حيث قال: جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كل شي ء انبتت الأرض الّا ما كان في الخضر و البقول و كل شي ء يفسد من يومه «2».

و لكن كلامه لا يفيد في الجمع بين جميع الأخبار اذ المستفاد من أخبار الطائفة الثانية حصر الزكاة في التسعة بعد النبي «ص» أيضا فضلا عن عصره.

الثاني: حمل ما دلّ على الزكاة في غير التسعة على الاستحباب. اختاره المفيد في المقنعة و تلميذه الشيخ الطوسي- قدس سرهما- في التهذيبين.

ففي المقنعة ما حاصله: «و يزكّى ساير الحبوب ... سنّة مؤكدة دون فريضة واجبة و ذلك انه قد ورد في زكاة ساير الحبوب آثار عن الصادقين «ع» مع ما ورد في حصرها في التسعة و قد ثبت ان أخبارهم لا تتناقض فلم يكن لنا طريق الى الجمع بينها الّا اثبات الفرض فيما أجمعوا على وجوبه فيه و حمل ما اختلفوا فيه مع عدم ورود التأكيد في الأمر به على السنّة المؤكدة ...».

و في التهذيب: «انها محمولة على

الندب و الاستحباب دون الفرض و الايجاب و إنما قلنا ذلك لئلا تتناقض الأخبار ...». و نحو ذلك في الاستبصار.

و مرجع كلامهما بتوضيح منا أن أخبار الطائفة الثانية نص على عدم الزكاة في غير التسعة و الطائفتان الأخيرتان ظاهرتان في ثبوتها في ما عدا التسعة أيضا. فترفع اليد عن الظهور بقرينة النص فيحمل ما دلّ على الزكاة في غير التسعة على الاستحباب عملا بالدليلين و رفعا لتناقض الأخبار، و الجمع مهما أمكن أولى من الطرح.

أقول: الجمع العرفي بين الدليلين مما يقبله العرف و الوجدان كما في حمل المطلق على المقيد و تخصيص العام بالمخصص، و اما الجمع التبرعي بين الدليلين المتناقضين بحسب الظاهر باعمال الدقة العقلية فاعتباره بحيث يصير أساسا للفتوى كما في المقام محل اشكال و الاستحباب كسائر الأحكام يحتاج الى دليل شرعي يدل عليه و ليس في أخبار الباب اسم منه فكيف نفتي به

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4 و 5.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 160

..........

______________________________

بصرف الجمع التبرّعي المنقدح في الذهن لرفع تناقض الأخبار؟

و بالجملة فالحمل على الاستحباب في المقام مما ذكره المفيد و تبعه الشيخ ثم اشتهر بين المتأخرين و أساسه كلام المفيد في المقنعة.

الوجه الثالث: حمل ما دلّ على الزكاة في غير التسعة على التقية. ذكره في الانتصار و تبعه في الحدائق و قرّبه في مصباح الفقيه و ان ناقضه بنفسه في أثناء كلامه.

فالسيد المرتضى مع كونه من أكابر تلامذة المفيد لم يرتض بجمع المفيد بل قال في الانتصار بعد ما ادعى اجماع الامامية على ان الزكاة لا

تجب الّا في تسعة ما حاصله: «فان قيل: كيف تدّعون اجماع الامامية و ابن الجنيد يخالف في ذلك و يذهب الى ان الزكاة واجبة في جميع الحبوب و روى في ذلك أخبارا كثيرة عن أئمتنا و ذكر ان يونس كان يذهب الى ذلك. قلنا: لا اعتبار بشذوذ ابن الجنيد و لا يونس. و الظاهر من مذهب الامامية ما حكيناه و قد تقدم اجماع الامامية و تأخر عن ابن الجنيد و يونس. و الأخبار التي تعلق ابن الجنيد بها الواردة من طريق الشيعة الامامية معارضة بأظهر و أكثر و أقوى منها و يمكن حملها بعد ذلك على انها خرجت مخرج التقية فان الأكثر من مخالفي الامامية يذهبون الى ان الزكاة واجبة في الاصناف كلها».

و في الحدائق، ما حاصله: «و الاصحاب قد جمعوا بين الأخبار بحمل هذه الأخبار الأخيرة على الاستحباب كما هي قاعدتهم و عادتهم في جميع الأبواب، و الأظهر عندي حمل هذه الأخبار على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بليّة، فان القول بوجوب الزكاة في هذه الأشياء مذهب الشافعي و أبي حنيفة و مالك و أبي يوسف و محمد كما نقله في المنتهى و يدل على ذلك ما رواه الصدوق (و ذكر رواية أبي سعيد القماط «1» ثم قال:) و مما يستأنس به لذلك صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة حيث انه أقرّ السائل على ما نقله عن أبي عبد اللّه «ع» من تخصيص الوجوب بالتسعة و انكاره على السائل لما راجعه في الارز و مع هذا قال له: الزكاة في كل ما كيل بالصاع فلو لم يحمل كلامه على التقية للزم التناقض بين الكلامين و لو كان الاستحباب مرادا لما خفي

على أصحاب الأئمة المعاصرين لهم و لما احتاجوا الى عرض هذه الأخبار على الامام «ع» و لو سلّم الخفاء عليهم كان الأظهر في الجواب أن يقال ان المراد مما ظاهره الوجوب الاستحباب لا انه يقرّ السائل على الحصر على التسعة و مع هذا يوجب عليه اخراج الزكاة فيما عداها».

و في مصباح الفقيه بعد الاشارة الى الوجوه الثلاثة للجمع: «و ملخص الكلام ان الجمع بين الخبرين المتعارضين بحمل أحدهما على الاستحباب و ان كان في حدّ ذاته أقرب من الحمل على التقية الذي هو في الحقيقة بحكم الطرح و لكنه في غير مثل المقام الذي يكون احتمال التقية فيه

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 161

..........

______________________________

أقوى فان الحمل على التقية حينئذ أقرب الى الواقع من الحمل على الاستحباب. و لكن يتوجه على هذا الكلام انه لا أثر لأقوائية احتمال التقية و لا لكون المورد مما لا محيص للإمام- عليه السلام- عن اظهار مخالفة الواقع في باب التراجيح بناء على ما هو الحق المحقق في محله من عدم اشتراط حجية ظواهر الألفاظ بافادة الظن بالمراد بل و لا بعدم الظن بالخلاف».

ثم قال أخيرا ما حاصله: «فالانصاف ان حمل الأخبار المثبتة للزكاة في سائر الأجناس بأسرها على التقية أشبه. اللهم الّا أن يقال ان رجحان الصدقة بالذات و امكان ارادة استحبابها بعنوان الزكاة و لو على سبيل التورية مع اعتضاده بفهم الأصحاب و فتواهم كاف في اثبات استحبابها من باب المسامحة بل الروايات الواردة في من بلغه ثواب على عمل غير قاصرة عن شمول مثل هذه الأخبار».

أقول: ربّما يؤيد الحمل على التقية القرائن الداخلية و

الخارجية:

اما الخارجية فاشتهار الفتوى بوجوب الزكاة فيما عدا التسعة بين أهل الخلاف و قد مرّت أقوالهم في صدر المسألة.

و اما الداخلية فكثير من أخبار الباب. ففي مرسلة القماط: «فقال السائل: و الذرة، فغضب- عليه السلام- ثم قال: كان و اللّه على عهد رسول اللّه «ص» السماسم و الذرة و الدخن و جميع ذلك فقال: انهم يقولون: انه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه «ص» و إنما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك، فغضب و قال: كذبوا فهل يكون العفو الّا عن شي ء قد كان و لا و اللّه ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر» «1».

و في صحيحة ابن مهزيار: «فقال له أبو عبد اللّه «ع»: أقول لك: ان رسول اللّه «ص» وضع الزكاة على تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك و تقول عندنا أرز و عندنا ذرة و قد كانت الذرة على عهد رسول اللّه «ص» فوقّع «ع» كذلك هو و الزكاة على كل ما كيل بالصاع» «2».

و في رواية زرارة «سألت أبا جعفر «ع» عن صدقات الأموال فقال: في تسعة أشياء ليس في غيرها شي ء» «3».

و في رواية الطيّار: «فقلت:- أصلحك اللّه- فان عندنا حبّا كثيرا؟ قال: فقال: و ما هو؟

قلت: الأرز، قال: نعم ما اكثره، فقلت: أ فيه الزكاة؟ فزبرني، قال: ثم قال: أقول لك: ان

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص:

162

..........

______________________________

رسول اللّه «ص» عفا عما سوى ذلك و تقول: ان عندنا حبّا كثيرا أ فيه الزكاة» «1».

و في رواية جميل: «فقال له الطيّار و أنا حاضر ان عندنا حبّا كثيرا يقال له الارز فقال له أبو عبد اللّه «ع» و عندنا حبّ كثير، قال: فعليه شي ء؟ قال: لا، قد أعلمتك ان رسول اللّه «ص» عفا عما سوى ذلك» «2».

و في صحيحة زرارة: «و ليس فيما انبتت الأرض شي ء الّا في هذه الأربعة أشياء» «3».

و في موثقة أبي بصير: «ان المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه، و لكنه قد جعل فيه، و كيف لا يكون فيه و عامة خراج العراق منه» «4».

الى غير ذلك من الأخبار مضافا الى تأكيد الأئمة- عليهم السلام- في أخبار كثيرة بأن رسول اللّه «ص» عفا عما سوى ذلك فان جميع ذلك مما يستشعر منه جدا وجود خلاف في المسألة و ان الأئمة- عليهم السلام- كانوا بصدد ردّ ذلك.

هذا و لكن يرد على ذلك اولا: ان ما يتوهم من كون الأئمة- عليهم السلام- ضعفاء مستوحشين يقلّبون الحق و يكتمونه بأدنى خوف من الناس أمر يعسر علينا قبوله. كيف و ان بنائهم- عليهم السلام- كان على بيان الحق و رفع الباطل في كل مورد انحرف الناس عن مسير الحق الا تريهم كيف أنكروا العول و التعصيب في المواريث و الجماعة في صلاة التراويح و أمثال ذلك مما استقر عليه فقه أهل الخلاف. و وظيفة الامام الحق الدفاع عنه و مجابهة الباطل بأي نحو كان. قال اللّه- تعالى- «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مٰا أَنْزَلْنٰا مِنَ الْبَيِّنٰاتِ وَ الْهُدىٰ مِنْ بَعْدِ مٰا بَيَّنّٰاهُ لِلنّٰاسِ فِي الْكِتٰابِ أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰاعِنُونَ» «5».

و

ثانيا: قد أشرنا سابقا الى أن التقية ضرورة و الضرورات تتقدر بقدرها فاذا فرض صدور هذه الأخبار الكثيرة الصحيحة او الموثقة الدالة على ثبوت الزكاة فيما عدا التسعة تقية فلم لم يقنع الامام- عليه السلام- بمقدار الضرورة بل ربما أطال الكلام و ربما نسب الى النبي «ص» أيضا مع عدم الاحتياج الى ذلك؟

ففي موثقة أبي بصير «قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: هل في الارز شي ء؟ فقال: نعم» «6».

فبهذا الجواب ارتفعت الضرورة فأي داع دعا الامام- عليه السلام- ان يقول بعد ذلك: «ان

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 12.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 13.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 11.

(5)- سورة البقرة، الآية 159.

(6)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 163

..........

______________________________

المدينة لم تكن يومئذ أرض ارز فيقال فيه و لكنه قد جعل فيه و كيف لا يكون فيه و عامّة خراج العراق منه».

و في صحيحة زرارة المماثلة لصحيحة محمد بن مسلم سئل أبو عبد اللّه- عليه السلام- عن الحبوب ما يزكّى منها فعدّ الامام- عليه السلام- الحبوب. فأي داع دعاه الى ان يعقب ذلك بقوله:

«كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة» ثم ينسب الى النبي «ص» أمرا على خلاف الواقع فيقول: «جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كل شي ء أنبتت الأرض الّا ما كان في الخضر و البقول و كل شي ء يفسد من يومه» «1». الى

غير ذلك مما أشرنا اليه في نقل الطائفة الرابعة من الأخبار فراجع.

و ثالثا: الانحصار في التسعة ليس من خصائص الشيعة بل أفتى به بعض أهل السنة أيضا و وردت به الروايات من طرقهم فلا يبقى مجال للتقية و قد حكينا بعضا من أقوالهم في صدر المسألة و نتمّم ذلك هنا بنقل عبارة عن المغني لابن قدامة ملخّصة: و قال مالك و الشافعي: لا زكاة في ثمر الّا التمر و الزبيب و لا في حبّ الّا ما كان قوتا و حكي عن أحمد الّا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و هذا قول ابن عمر و موسى بن طلحة و الحسن و ابن سيرين و الشعبي و الحسن بن صالح و ابن أبي ليلى و ابن المبارك و أبي عبيد ... و قد روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرو انه قال: انما سنّ رسول اللّه «ص» الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. و في رواية عن أبيه، عن جدّه، عن النبي «ص» انه قال: و العشر في التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير، و عن موسى بن طلحة، عن عمر انه قال: إنما سنّ رسول اللّه «ص» الزكاة في هذه الأربعة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و عن أبي بردة، عن أبي موسى و معاذ ان رسول اللّه «ص» بعثهما الى اليمن يعلّمان الناس أمر دينهم فأمرهم ان لا يأخذوا الصدقة الّا من هذه الأربعة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، رواهن كلهن الدار قطني «2».

فانظر الى الروايات من طرقهم و كذا الفتاوى حيث حصروا زكاة الغلات في الأربع، و انحصار المفتين

في الأئمة الأربعة منهم إنما ثبت في القرن الرابع ففي عصر الصادقين- عليهما السلام- لم يكن فرق بينهم و بين غيرهم من فقهائهم، فمع وجود الأخبار و كذا الفتاوى منهم بعدم الزكاة في سائر الحبوب لا يبقى مجال للتقية لأئمتنا.

اللهم الّا ان يقال كما أشرنا اليه ان التقية لم تكن لحفظ الامام- عليه السلام- و لا من الفقهاء و المفتين بل لحفظ الشيعة من شرّ السلاطين و الحكام الجباة للزكوات بعنف و شدّة فانها كانت

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2)- المغني ج 2، ص 550.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 164

..........

______________________________

أساس اقتصادهم فأراد الأئمة- عليهم السلام- تقيّد الشيعة بأداء الزكاة اليهم في كل ما يطلبونه دفعا لشرّهم و تخلّصا من مكائدهم فتأمّل.

[بحث في حجية الظواهر]

بقي الكلام فيما ذكره في المصباح من عدم اشتراط حجية الظواهر بالظن بالمراد و لا بعدم الظن بالخلاف، و نحوه ما في الكفاية حيث انه بعد التمسك لحجيتها باستقرار طريقة العقلاء على اتباع الظهورات قال: «و الظاهر ان سيرتهم على اتباعها من غير تقييد بافادتها الظن فعلا و لا بعدم الظن كذلك على خلافها قطعا ضرورة انه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها بعدم أفادتها للظن بالوفاق و لا بوجود الظن بالخلاف».

و قرّب هذا بعضهم بأنه لو كانت الحجية مشروطة بالظن الشخصي أو بعدمه على الخلاف لانسدّ باب الاحتجاج على العبيد لأن الظن أمر وجداني فلهم أن يدّعوا انه لم يحصل لهم ظن بالوفاق او حصل على الخلاف، و ردّه بعض آخر بنقض ذلك بالعلم اذ لا ريب في عدم حجيتها مع العلم بالخلاف.

أقول: يخطر ببالي من قديم الأيام اشكال في المقام و كذا

في خبر الثقة و قول المفتي و حاصله انه بعد ما علمنا اجمالا بتوجه خطابات من اللّه- تعالى- إلينا و كوننا مكلفين اجمالا بتكاليف في أبواب العبادات و المعاملات و السياسات و نحوها فالعقل يحكم بالاحتياط في أطراف العلم الإجمالي، و اما الامارات فان دلّ دليل شرعي على حجيتها أخذنا بمفاد دليل الحجية و اطلاقه كما نحكم بحجية البينة بموثقة مسعدة بن صدقة حيث جعلتها قسيما للعلم فهي حجة حتى مع الظن بالخلاف لإطلاق الدليل و كذلك قول الثقة و المفتي ان ثبت حجيتهما بالآيات او الروايات، و اما اذا كان الدليل على حجية هذه الأمور سيرة العقلاء و قلنا ان مفاد الآيات و الروايات أيضا ليس الّا امضاء سيرتهم لا جعل الحجية شرعا كما هو مذاق الأصحاب في هذه الأبواب فالظاهر ان العقلاء لا تعبّد فيهم و لا تقليد لهم من غيرهم في ذلك بل هذه الأمور في الحقيقة طرق علمهم و وثوقهم و سكون نفسهم فكأنهم لا يعتنون الّا بالعلم.

نعم العلم لا ينحصر عندهم في اليقين الجازم بنحو المائة في المائة بل يكتفون بالوثوق و الاطمينان اذا كان احتمال الخلاف ضعيفا جدّا، و العقلاء غالبا يحصل لهم الوثوق بقول الثقة أو أهل الخبرة او نحو ذلك و لذلك يرتّبون عليه الأثر.

و اما مع عدم حصوله لهم فلا يعتنون بها اللهم الّا في ما لا يهمّ او فيما اذا كان مطابقا للاحتياط و اما في الأمور المهمّة فيحتاطون و لا يرتّبون الأثر على هذه الأمور اذا لم تطابق الاحتياط فاذا أراد بيع ملك له فرجع الى المقوّم و بعد تشخيصه حصل له الظن باشتباهه و كان مقدار الاشتباه عنده كثيرا فهل يرتب الأثر على

تقويمه تعبّدا او يحتاط و يرجع الى مقوّم آخر او هيئة تقويم؟ و لو ابتلي بمرض شديد ذو خطر فرجع الى طبيب و فرض انه ظنّ باشتباه الطبيب و كان أمره دائرا بين

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 165

..........

______________________________

الحياة و الموت و قدر على الرجوع الى طبيب آخر او هيئة طبّية فهل يعمل بقول الطبيب الأول مع احتمال الخطر الجدّي في العمل بقوله؟!

و مقتضى ما ذكرنا عدم ثبوت التقليد بمعنى الأخذ بقول الغير تعبدا عند العقلاء و إنما يعملون بوثوقهم و علمهم و قول أهل الخبرة طريق علم لهم.

فان قلت: سيرة العقلاء في مقام احراز الواقعيات في الأمور الشخصية و ان كانت كذلك و لكن بنائهم في الأمور المربوطة بالموالي و العبيد و الاحتجاجات الدائرة بينهم على العمل بظواهر الألفاظ و قول الثقة و أهل الخبرة و نحو ذلك بما انها ظنون نوعية و لا يسمع في مقام الاحتجاج اعتذار العبد المخالف لقول أهل الخبرة مثلا اذا اعتذر بأنه لم يحصل له الوثوق بقوله، ففي الأمور المربوطة بالموالي و العبيد اذا عمل العبد بما ذكر لم يكن للمولى حجة عليه و لو خالف كان له حجة عليه.

قلت: نعم لو لم يتمكن العبد من الاحتياط و لم يكن له طريق آخر او كان الاحتياط موافقا للطريق الذي قام له و الّا فلو فرض ان العبد علم بحصول وظائف له من قبل المولى و لم يحصل له الوثوق بسبب قول أهل الخبرة مثلا و كان متمكنا من الاحتياط او الرجوع الى طريق آخر يطمئن به فلم يرجع اليه و لم يحتط بل عمل بقول الأول و اتفق مخالفته للواقع و كان الأمر من الأمور المهمة فهل

ليس للمولى عتابه و لومه و هل يكون معذورا عند وجدانه؟! فاذا فرض احالة المولى امور ولده العزيز لديه الى عبده فمرض الولد مرضا شديدا مهما دار أمره بين الحياة و الموت فأتى به العبد الى طبيب و اتفق انه حصل في خاطره الظن باشتباه الطبيب او شك في صحة تشخيصه و كان قادرا على الرجوع الى طبيب آخر او هيئة طبية فلم يفعل و اتفق موت الولد بسبب علاج الطبيب الأول فاذا علم المولى بذلك فهل ليس له مؤاخذة العبد و هل يسمع اعتذاره بأنه رجع الى أهل الخبرة و عمل بقوله؟!

و لا يخفى ان المسائل الدينية كلها مهمة و نظائر لولد المولى. و الشرع أحالها إلينا فيجب علينا امتثالها بالعلم او العلمي فاذا نصب من قبله طريق لنا فلا محالة نأخذ بمفاد دليله و اطلاقه حجة قهرا و اما اذا لم ينصب لنا طريقا بل كانت الطرق هي الطرق العقلائية كظواهر الألفاظ و قول الثقة او المفتي على مذاق الأصحاب ففي غير صورة حصول الوثوق الشخصي يشكل الأخذ بها كما بيّناه. و السرّ في ذلك وجود العلم الإجمالي بالتكاليف من قبل الشارع من طرف و عدم وجود التعبد و التقليد من الغير تعبدا بدون الوثوق الشخصي عند العقلاء من طرف آخر فتدبر جيّدا.

و لا يخفى ان ما يتلقاه بعض بألسنتهم من ان «هذا ما أفتى به المفتي و كل ما أفتى به المفتي فهو حكم اللّه في حقّي» أمر تلقوه بلا توجّه من المصوّبة القائلين بحجية الآراء و كونها أحكاما واقعية في حق المجتهدين و مقلّديهم و نحن بريئون من ذلك و لتفصيل الكلام مقام آخر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 166

..........

______________________________

و يعجبني

هنا نقل كلام ابن زهرة في الغنية ملخصا. قال فيها ما حاصله: «فصل لا يجوز للمستفتي تقليد المفتي لأن التقليد قبيح و لأن الطائفة مجمعة على أنه لا يجوز العمل الّا بعلم و ليس لأحد أن يقول: اجماع الطائفة على وجوب رجوع العامي الى المفتي و العمل بقوله مع جواز الخطأ عليه يؤمنه من الاقدام على قبيح. لأنا لا نسلّم اجماعها على العمل بقوله مع جواز الخطأ عليه بل إنما أمروا برجوع العامي الى المفتي فقط فاما ليعمل بقوله تقليدا فلا.

فان قيل: فما الفائدة في رجوعه اليه؟

قلنا: الفائدة في ذلك ان يصير له بفتياه و فتيا غيره من علماء الامامية سبيل الى العلم باجماعهم فيعمل بالحكم على يقين. يتبين صحة ذلك انهم أجمعوا على أنه لا يجوز الاستفتاء إلّا من إمامي المذهب فلو كان ايجابهم الاستفتاء لتقليده لم يكن فرق بينه و بين مخالفه الذي لا تؤمن فتياه بغير الحق».

و مراده بالتقليد القبيح الأخذ بقول الغير تعبدا من دون حصول الوثوق بمطابقة قوله للواقع كما لا يخفى فتدبر.

[بحث في تشريع الزكاة و خمس الارباح]

الوجه الرابع من الوجوه المحتملة لرفع التهافت بين أخبار ما فيه الزكاة: ان يقال كما أشرنا اليه في صدر المسألة: ان أصل ثبوت الزكاة من القوانين الأساسية للإسلام بل لجميع الأديان الإلهية و جعلت في آيات الكتاب العزيز عدلا للصلاة التي هي عمود الدين و تكررت كثيرا فانها أساس اقتصاد الحكومة الاسلامية و في سورة مريم حكاية عن قول عيسى «ع» «وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ مٰا دُمْتُ حَيًّا» «1». و عن اسماعيل صادق الوعد «وَ كٰانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ» «2». و في سورة الأنبياء في ابراهيم و لوط و اسحاق و يعقوب: «وَ أَوْحَيْنٰا

إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرٰاتِ وَ إِقٰامَ الصَّلٰاةِ وَ إِيتٰاءَ الزَّكٰاةِ» «3».

فهي أمر ثابت في جميع الأديان الإلهية، و حيث ان ثروات الناس و منابع أموالهم تختلف بحسب الأزمنة و الأمكنة و دين الإسلام شرّع لجميع الناس و لجميع الأعصار كما نطق بهما الكتاب و السنة كقوله- تعالى- «وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلّٰا كَافَّةً لِلنّٰاسِ» «4» و قوله- تعالى- «خٰاتَمَ النَّبِيِّينَ» «5» و قوله «ص»: «حلالي حلال الى يوم القيامة و حرامي حرام الى يوم القيامة» «6».

فلا محالة ذكر في الكتاب أصل ثبوت الزكاة و خوطب النبي «ص» بقوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ

______________________________

(1)- سورة مريم، الآية 31.

(2)- سورة مريم، الآية 55.

(3)- سورة الأنبياء، الآية 73.

(4)- سورة سبأ، الآية 28.

(5)- سورة الأحزاب، الآية 40.

(6)- الوسائل ج 18 الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 47.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 167

..........

______________________________

صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ» «1» و لم يذكر ما فيه الزكاة بل ذكر عمومات فقط كقوله: «أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» «2» و قوله: «وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ»* «3» و المقصود بالانفاق الزكاة بدلالة قوله- تعالى-: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ «4».

و إنما أحيل بيان ما فيه الزكاة الى حكام الحقّ و قد وضع رسول اللّه «ص» بما أنه كان حاكما للمسلمين في عصره الزكاة في تسعة لما كانت هي عمدة ثروة العرب في عصره و عفا عما سوى ذلك و لعله جعلها في آخر عمره في أكثر من ذلك. و الأئمة- عليهم السلام- ربما جعلوها في وقت في أكثر من التسعة كما تدل عليه روايات كثيرة و ربما شاهدوا في وقت آخر ان الزكاة المأخوذة

تصرف في تقوية دول الضلال و الجور و رأوا ان الجباة لها يستندون في تعميمها لمال التجارة و سائر الحبوب الى النقل عن النبي «ص» فأرادوا قصمهم و تضعيف دولتهم بسدّ منابع اقتصادهم فنقلوا ان الزكاة التي وضعها النبي كانت في تسعة ليرتدع الناس عن دفع الزكاة الى حكام الجور.

و بالجملة فتعيين ما فيه الزكاة أحيل الى حكّام الحق لتطوّر ثروات الناس بحسب الأزمنة و الأمكنة و تطور خلّاتهم و احتياجاتهم.

و يؤيد ذلك ما ورد من جعل أمير المؤمنين- عليه السلام- الزكاة في الخيل الإناث و ظاهر ذلك جعلها بنحو الوجوب لا الندب.

ففي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عنهما- عليهما السلام- جميعا قالا: وضع أمير المؤمنين- عليه السلام- على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين و جعل على البرازين دينارا «5». و المراد بها الزكاة لا الخراج لتسمية ذلك صدقة في صحيحة زرارة «6». فراجع.

و حمل الزكاة هنا على الاستحباب خلاف الظاهر جدا.

هذا و كيف نلتزم في مثل أعصارنا بحصر الزكاة في تسعة فقط مع ان النقدين و كذا الأنعام الثلاثة السائمة منتفية موضوعا و الغلّات الأربع بالنسبة الى منابع ثروة الناس قليلة جدّا و مصارف الزكاة ثمانية تجمعها عمد خلّات الناس و احتياجاتهم و قد اشتملت أخبار كثيرة على أن اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به و لو علم ان الذي فرض لهم لا يكفيهم

______________________________

(1)- سورة التوبة، الآية 103.

(2)- سورة البقرة، الآية 267.

(3)- سورة البقرة، الآية 3.

(4)- سورة التوبة، الآية 34.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(6)- الوسائل ج 6 الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة،

الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 168

..........

______________________________

لزادهم «1».

و لا محالة أريد بالفقراء: الفقراء و سائر المصارف الثمانية.

و لو فرض ان اللّه- تعالى- جعل الزكاة في تسعة للمصارف الثمانية و جعل الخمس في سبعة منها المعادن بسعتها و منها أرباح المكاسب بشعبها جعله للإمام و لفقراء الهاشميين فقط بحيث يكون عشر كل المستفادات للهاشميين فقط لزم منه- نعوذ باللّه- عدم احاطة اللّه باعداد الناس و ارقامهم مع ان زكاة الهاشميين تكفي لأنفسهم اذا لوحظوا بالنسبة الى سائر الناس و الزكاة المفروضة لهم و لا يكفي في ذلك ما ورد من ان الزائد من الهاشميين للإمام بعد عدم كون المجعولين في البابين متعادلين بالنسبة في مقام الجعل.

اللهم الّا ان يقال- كما احتملناه في كتاب الخمس «2»- ان الخمس الذي يقسم قسمين على القول به خمس غنائم الحرب و لا أقلّ خمس غير الأرباح و اما خمس الأرباح فللإمام فقط بما انه امام و حاكم أي لعنوان الامامة و الحكومة كما هو الظاهر من بعض أخبار خمس الأرباح كقوله في رواية ابن شجاع النيسابوري: «لي منه الخمس مما يفضل من مئونته» و التعبير عنه بحقّك في رواية أبي علي بن راشد «قلت له أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك» «3».

بل التعبير عن مطلق الخمس بوجه الامارة في خبر رسالة المحكم و المتشابه «4».

و قد بيّنّا في محله ان الظاهر عدم وجود خمس الأرباح في عصر النبي و الأعصار الاولى بعده و إنما جعله الأئمة المتوسطون كالصادقين- عليهما السلام- و من بعدهما بحسب ضرورة العصر فلعلهم- عليهم السلام- رأوا عدم انطباق الزكاة التي وضعها النبي «ص» على الأزمنة و الأمكنة مضافا الى انحرافها عن مسيرها الصحيح بحسب المصرف

فجعلوا خمس الأرباح مكانها و هو منطبق على جميع الثروات بحسب جميع الأزمنة و الأمكنة فهو كأنه زكاة وضعها الأئمة- عليهم السلام- و زمام اختيارها بأيديهم و لعلّ ما وضعه النبي «ص» من التسعة أيضا باق و لكن جعل خمس الأرباح متمما لها. كل هذا محتمل و الجزم محتاج الى تتبع و تدقيق.

و كيف كان فقد ذكرنا الى هنا أربعة وجوه للجمع بين الأخبار في المقام و حيث ان الجمع التبرعي كما عرفت لا يكفي في الافتاء بالاستحباب و الحمل على التقية أيضا غير خال عن الإشكال و القول بحصر الزكاة في تسعة أيضا أشكل فالمسألة عندنا باقية بحدّ الاجمال فالأحوط

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(2)- كتاب الخمس، ص 270.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 و 3.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 169

[ما يستحب فيه الزكاة]

نعم يستحب اخراجها من أربعة أنواع أخر:

أحدها: الحبوب مما يكال أو يوزن كالأرز و الحمص و الماش و العدس و نحوها (1).

______________________________

ثبوت الزكاة في غير التسعة أيضا مما ساعدته الأخبار فان الاحتياط طريق للنجاة و مفرّ عن الافتاء بما لا يعلم. و لا أدري نصف العلم. ربّ زدني علما و ألحقني بالصالحين.

و قد طال البحث في المسألة و لكن لم يكن عنه محيص لأن الزكاة أساس اقتصاد الإسلام- صانه اللّه عن الحدثان.

(1) كما أفتى به الشيخان و أكثر من تأخر عنهما خلافا ليونس بن عبد الرحمن و ابن الجنيد فقالا بالوجوب بل استظهرناه أيضا من الكليني و جعلناه أحوط و خلافا للسيد المرتضى و

صاحب الحدائق و صاحب الوافي حيث حملوا أخبار المسألة على التقية فلا وجوب عندهم و لا استحباب.

و قد مرّ تفصيل المسألة و كذا أخبارها أعني أخبار الطائفة الثالثة و الرابعة فراجع.

نعم يقع الاشكال في موضوع المسألة، هل هي الحبوب او ما يقدر بالكيل او باضافة الوزن أيضا او ما أنبتت الأرض الّا ما استثني من الخضر و البقول و ما يفسد من يومه؟

ففي مكاتبة عبد اللّه بن محمد: «الزكاة على كل ما كيل بالصاع».

و في صحيحة محمد بن اسماعيل: «من كل ما كلت بالصاع او قال: و كيل بالمكيال».

و في رواية أبي مريم «كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق» و نحوها موثقة زرارة نعم فيها ذكر الحبوب أيضا و لعلها أخص مما كيل بالصاع.

و في صحيحة محمد بن مسلم سألته عن الحبوب ما يزكّى منها قال «ع»: البر و الشعير و الذرة و الدخن و الارز و السلت و العدس و السمسم كل هذا يزكّى و أشباهه.

و في صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه «ع» مثله، و قال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة و قال: جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كل شي ء أنبتت الأرض الّا ما كان في الخضر و البقول و كل شي ء يفسد من يومه «1».

ففي الحقيقة جمع في صحيحة زرارة بين الحبوب و ما كيل و ما انبتت الأرض الّا ما استثني و الأول أخص من الأخيرين و بين الأخيرين عموم من وجه و القاعدة في المثبتات و لا سيما في المستحبات و ان كان عدم حمل المطلق على المقيد لعدم احراز وحدة الحكم فلا تنافي بينها و لكن الظاهر في المقام ان السائل و ان سأل عن

الحبوب و لكن الامام «ع» بعد الجواب عنها قال: «كل ما كيل بالصاع ...» لبيان ما هو موضوع الحكم حقيقة ثم قال: «جعل رسول اللّه «ص» ...»

لبيان علة الحكم و ما هو الموضوع في لسان رسول اللّه «ص» فيعلم من ذلك ان المراد بما كيل،

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1، 2، 3، 10، 4 و 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 170

و كذا الثمار كالتفّاح و المشمش و نحوهما (1)

______________________________

ما كيل من النباتات لا مطلقا فترجع الموضوعات الثلاثة الى موضوع واحد و هو ما ذكره رسول اللّه «ص» من «كل شي ء انبتت الأرض الّا ما كان في الخضر و البقول و كل شي ء يفسد من يومه» هذا.

و اما الوزن فلا دليل على اعتباره في المقام و ان ذكره المصنف، اللهم الّا ان يستشهد له بالغاء الخصوصية بل بالأولوية لأنه الأصل في اعتبار الأشياء و الكيل فرع عليه او يستدل له بخبر زيد الزراد عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال: كل شي ء يدخل فيه القفزان و الميزان ففيه الزكاة اذا حال عليه الحول الّا ما انفسد الى الحول و لم يمكن حبسه ... «1».

و لكن الأولوية القطعية ممنوعة و الظنية غير مفيدة، و عدم اعتبار الخصوصية أيضا ممنوع بل لعل ذكر الكيل لاستثناء الخضر و البقول و ما يفسد لاعتبار أكثرها بالوزن دون الكيل، و خبر زيد مربوط بزكاة مال التجارة بقرينة قوله: «اذا حال عليه الحول» فتدبر.

(1) نسب الى المشهور لدخولها فيما يكال بالصاع و فيما أنبتت الأرض اذ مثل المشمش و نحوه يمكن تجفيفه و ابقاؤه مثل الزبيب فليس مما يفسد من يومه.

و لكن

في الجواهر عن موضع من كشف الغطاء عدم الاستحباب فيها، و عن الدروس و الروضة أيضا نسبته الى الرواية، و لعله مقتضى الجمع بين الأخبار فان عنوان المكيل بالصاع و كذا ما أنبتت الأرض و ان شملها و لكن هنا روايات مخصصة لهذين العنوانين:

ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (أ) و أبي عبد اللّه- عليهما السلام- في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان مالا هل فيه الصدقة؟ قال: لا «2».

و في صحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: ما في الخضر؟ قال: و ما هي؟ قلت:

القضب و البطّيخ و مثله من الخضر، قال: ليس عليه شي ء الّا أن يباع مثله بمال فيحول عليه الحول ففيه الصدقة، و عن الغضاة من الفرسك و أشباهه فيه زكاة؟ قال: لا، قلت: فثمنه؟ قال:

ما حال عليه الحول من ثمنه فزكّه «3».

و الغضاة جمع غضّ بمعنى الطريّ و في الوافي: «العضاه: جمع عضهة كل شجر له شوك» و الفرسك كزبرج الخوخ او نوع منه.

فالواجب تخصيص العنوانين بهاتين الصحيحتين، و حملهما على نفي الوجوب فلا ينافي الاستحباب بعيد و لا سيما في صحيحة الحلبي لوقوع الفرسك و نحوه في سياق القضب و البطيخ

______________________________

(1)- المستدرك ج 1 الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 171

دون الخضر و البقول كالقتّ و الباذنجان و الخيار و البطيخ و نحوها (1).

______________________________

و لا استحباب فيهما هذا.

و في مصباح الفقيه: «لا يبعد دعوى خروج ثمر الأشجار عن

منصرف اطلاق ما تنبته الأرض».

و كأنه لانصراف هذا العنوان الى خصوص النباتات المنبسطة على الأرض او القريبة منها و اذا سلّمنا انصراف هذا العنوان عن ثمار الأشجار أمكن القول بعدم شمول عنوان المكيل أيضا لها اذ لعله عنوان مشير الى ما كان مكيلا في عصر الروايات و لعل ثمار الأشجار كانت موزونة لا مكيلة فلا يشملها دليل الاستحباب أصلا.

هذا و لعل نظر الماتن في القول بالاستحباب الى عدم اعمال قواعد العموم و الخصوص و الاطلاق و التقييد في باب المستحبات لعدم احراز وحدة الحكم و التعارض فيها و احتمال كون الاستحباب ذا مراتب فتدبر.

(1) كما يدل على ذلك أخبار مستفيضة كصحيحة الحلبي التي مضت آنفا و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر «ع» انه سئل عن الخضر فيها زكاة و ان بيعت بالمال العظيم؟ فقال:

لا حتى يحول عليه الحول «1».

و المراد حولان الحول على المال الذي بيعت به و هل يراد بالمال خصوص النقدين الواجب فيهما الزكاة أو الأعمّ منهما فيستحب لو كان غيرهما؟ وجهان.

و في صحيحة زرارة: «و جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كل شي ء أنبتت الأرض الّا ما كان في الخضر و البقول و كل شي ء يفسد من يومه».

و في صحيحة محمد بن اسماعيل «قال: قلت لأبي الحسن «ع»: ان لنا رطبة و ارزا فما الذي علينا فيهما؟ فقال اما الرطبة فليس عليك فيها شي ء».

و في موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «ليس على البقول و لا على البطيخ و أشباهه زكاة الّا ما اجتمع عندك من غلّته فبقى عندك سنة» و نحوها رواية أبي بصير و يحتمل اتحادهما و سقوط أبي بصير من سند رواية سماعة فان سماعة

من رواة أبي بصير.

و في صحيحة زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» انهما قالا: عفا رسول اللّه «ص» عن الخضر قلت: و ما الخضر؟ قالا: كل شي ء لا يكون له بقاء: البقل و البطيخ و الفواكه و شبه ذلك مما يكون سريع الفساد، قال زرارة: قلت: لأبي عبد اللّه «ع» هل في القضب شي ء؟ قال: لا «2».

و في جميع هذه الروايات يأتي ما أشرنا اليه من احتمال ان يراد بالمال او الغلة أعم من

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4، 5، 7، 10 و 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 172

الثاني: مال التجارة على الأصح (1).

الثالث: الخيل الاناث دون الذكور و دون البغال و الحمير و الرقيق.

الرابع: الأملاك و العقارات (2) التي يراد منها الاستنماء كالبستان و الخان و الدكان و نحوها.

[لو تولد حيوان بين حيوانين]

[مسألة 1]: لو تولد حيوان بين حيوانين يلاحظ فيه الاسم (3) في تحقق الزكاة و عدمها، سواء كانا زكويين أو غير زكويين أو مختلفين، بل سواء كانا

______________________________

النقدين و ان قيل بكون المراد بهما خصوص النقدين و يكون المراد ثبوتها فيهما وجوبا و ربما يستأنس لذلك مضافا الى كونهما النقد الرائج في تلك الأعصار موثقة زرارة و بكير عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: ليس في شي ء أنبتت الأرض من الأرز و الذرة و الدخن و الحمص و العدس و سائر الحبوب و الفواكه غير هذه الأربعة الأصناف و ان كثر ثمنه زكاة الّا أن يصير مالا يباع بذهب او فضّة تكنزه ثم يحول عليه الحول و قد صار ذهبا

او فضة ... «1».

هذا و لكن يبقى في الذهن شي ء و هو انه كيف يمكن الالتزام بانتفاء موضوع الزكاة في عصرنا بصرف انتفاء الذهب و الفضة و رواج الأوراق البنكية بدلهما مع بقاء حكمة الزكاة و مصارفها بسعتها، ثم على فرض انحصار الوجوب في التسعة فأي مانع من القول بالاستحباب في أثمان الخضر و البقول و ان لم تكن من النقدين؟

و هل توجب الموثقة الأخيرة التصرف في جميع تلك الروايات المستفيضة الحاكمة بالزكاة في ما اجتمع من غلّة البستان و الأرض؟ و ربما نعود الى البحث عن ذلك في فرصة أخرى فتدبر.

(1) المشهور بين أهل السنة وجوب الزكاة في مال التجارة، و المشهور بيننا الاستحباب فيه و ظاهر ابني بابويه الوجوب و الأخبار في المسألة كثيرة متعارضة. و صاحب الحدائق و الوافي حملا ما دلّ على الزكاة فيه على التقية فلا استحباب فيه أيضا عندهما.

فالأقوال فيه ثلاثة و حيث ان المصنف يتعرض للمسألة بعد ذلك مفصّلة فنحن أيضا نحيل البحث عنها الى ذلك الموضع فانتظر و كذلك عن الثالث و الرابع.

(2) أي في حاصلها على ما قيل و ان كان محل نظر و هل يعتبر فيه النصاب و الحول أم لا؟

يأتي البحث عنه و ان أفتى في التذكرة بعدم اعتبارهما فيه بل يخرج منه ربع العشر بمجرد حصوله.

(3) اذ الأحكام تدور مدار الأسماء لكونها حاكية عن المفاهيم المأخوذة موضوعا للأحكام حتى النجاسة و الطهارة أيضا فلو فرض تولد غنم من كلب و خنزير حكم بطهارته لذلك.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 173

محلّلين او محرمين أو مختلفين مع فرض تحقق الاسم حقيقة لا

ان يكون بمجرد الصورة، و لا يبعد ذلك فان اللّه قادر على كل شي ء.

______________________________

و لكن في المبسوط: «المتولّد بين الظباء و الغنم ان كانت الأمهات ظباء لا خلاف انه ليس فيه زكاة و ان كانت الأمّهات غنما فالأولى أن يجب فيها الزكاة لأن اسم الغنم يتناوله فانها تسمّى بذلك و ان قلنا: لا يجب عليه شي ء لأنه لا دليل عليه و الأصل براءة الذمة كان قويا و الأول أحوط».

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 173

و وجهه غير ظاهر، و ادعاء عدم الخلاف مع عدم كون المسألة من المسائل الأصلية المأثورة غريب. و الحمد للّه و الصلاة على رسوله و على آله الطاهرين.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 174

[2- فصل في زكاة الأنعام]

اشارة

فصل في زكاة الأنعام

[يشترط لوجوب الزكاة في الأنعام أمور]

اشارة

و يشترط في وجوب الزكاة فيها، مضافا الى ما مرّ من الشرائط العامة أمور:

[الشرط الأول: النصاب]

اشارة

الأول: النصاب (1)

[في نصاب الابل]

و هو في الإبل اثنا عشر نصابا:

الأول: الخمس، و فيها شاة. الثاني: العشر، و فيها شاتان. الثالث: خمسة عشر، و فيها ثلاث شياه. الرابع: العشرون، و فيها أربع شياه. الخامس: خمس و عشرون، و فيها خمس شياه. السادس: ستّ و عشرون، و فيها بنت مخاض و هي الداخلة في السنة الثانية. السابع: ستّ و ثلاثون، و فيها بنت لبون و هي الداخلة في السنة الثالثة. الثامن: ست و اربعون، و فيها حقّة و هي الداخلة في السنة الرابعة. التاسع: إحدى و ستون، و فيها جذعة و هي التي دخلت في السنة الخامسة. العاشر: ست و سبعون و فيها بنتا لبون. الحادي عشر: إحدى و تسعون، و فيها حقّتان. الثاني عشر: مأئة واحدى و عشرون، و فيها في كل خمسين

______________________________

(1) اذ لا تجب الزكاة قبله اجماعا من المسلمين بل ضرورة من المذهب بل من الدين و تدل عليه الأخبار الآتية.

و في صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل كنّ عنده أربع أينق و تسعة و ثلاثون شاة و تسع و عشرون بقرة أ يزكّيهن؟ قال: لا يزكّي شيئا منهن لأنه ليس شي ء منهن تاما فليس تجب فيه الزكاة «1».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 175

حقّة و في كل أربعين بنت لبون (1)

______________________________

(1) في المدارك: «هذه النصب مجمع عليها بين علماء الإسلام كما نقله جماعة منهم المصنف في المعتبر سوى النصاب السادس فان ابن أبي عقيل و ابن الجنيد أسقطاه و أوجبا بنت المخاض في خمس و عشرين الى ست و ثلاثين و هو قول الجمهور».

و في المختلف: «المشهور ان في

خمس و عشرين من الإبل خمس شياه فاذا زادت واحدة وجبت بنت المخاض او ابن لبون ذكر ذهب اليه الشيخان و السيد المرتضى و ابن ادريس و ابنا بابويه و سلّار و أبو الصلاح و ابن البراج و باقي علمائنا الّا ابن أبي عقيل و ابن الجنيد فانهما أوجبا في خمس و عشرين بنت مخاض. قال ابن أبي عقيل: فاذا بلغت خمسا و عشرين ففيها بنت مخاض الى خمس و ثلاثين فاذا زادت واحدة ففيها بنت لبون. و قال ابن الجنيد: ثم ليس في زيادتها شي ء حتى تبلغ خمسا و عشرين فاذا بلغتها ففيها بنت مخاض أنثى فان لم تكن في الإبل فابن لبون ذكر فان لم يكن فخمس شياه. فان زاد على الخمس و العشرين واحدة ففيها ابنة مخاض فان لم يوجد فابن لبون ذكر الى خمس و ثلاثين».

فلاحظ ان ابن الجنيد لم يسقط النصاب السادس بل اثبته و أثبت فيه ما أثبته المشهور و إنما خالفهم في فريضة النصاب الخامس. هذا.

و في الخلاف (المسألة 2): «في خمس و عشرين من الإبل خمس شياه و في ست و عشرين بنت مخاض و به قال أمير المؤمنين «ع»، و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا: في خمس و عشرين بنت مخاض و اما ما زاد على ذلك فليس في النصب خلاف الى عشرين و مأئة، دليلنا اجماع الفرقة و أخبارهم و أيضا روى عاصم بن ضمرة عن علي «ع» قال: أظنه عن رسول اللّه و ذكر مثل ما قلناه و قد روي مثل ذلك عن عمرو بن حزام عن رسول اللّه «ص» ...».

فهذا ما خالفوه في النصاب الخامس و السادس ثم لا خلاف الى

النصاب العاشر فعن الصدوقين خلاف ذلك.

ففي الهداية «الى أن تبلغ ستين فاذا زادت واحدة ففيها جذعة الى ثمانين فاذا زادت واحدة ففيها ثني الى تسعين».

و في فقه الرضا كذلك الى قوله «ففيها ثني». و لعله رسالة علي بن بابويه كما ذكرناه سابقا فراجع. و لم يوافق الصدوقين في ذلك أحد. هذا.

و للسيد المرتضى في الانتصار بالنسبة الى النصاب الثاني عشر كلام خالف فيه الجميع حتى نفسه في الناصريات و العجب عدّه ذلك من منفردات الامامية مع انه لم يقل به أحد منهم.

ففي الانتصار: «و مما انفردت به الامامية و قد وافقها غيرها من الفقهاء فيه قولهم: ان الإبل اذا بلغت مأئة و عشرين ثم زادت فلا شي ء عليهم في زيادتها حتى تبلغ مأئة و ثلاثين و اذا بلغتها ففيها

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 176

..........

______________________________

حقة واحدة و بنتا لبون و انه لا شي ء في الزائد بين العشرين و الثلاثين و هذا مذهب مالك بعينه، و الشافعي يذهب الى انها اذا زادت واحدة على مأئة و عشرين كان فيها ثلاث بنات لبون ...

و الذي يدل على صحة ما ذهبنا بعد الاجماع المتردد ان الأصل هو براءة الذمة ...».

و في الناصريات: «الذي نذهب اليه ان الابل اذا كثرت و زادت على مأئة و عشرين أخرج من كل خمسين حقة و من كل اربعين بنت لبون و وافقنا عليه الشافعي، و قال مالك: اذا زادت على احدى و تسعين فلا شي ء فيها حتى تبلغ مأئة و ثلاثين ثم تجب في كل أربعين بنت لبون و في كل خمسين حقة».

فلاحظ كيف تناقض في كلاميه و كيف نسب في الانتصار الى الاجماع و منفردات الامامية ما لم يقل به

أحد منهم حتى نفسه في كتابه الناصريات.

فهذه هي أقوال المسألة فلنذكر أخبارها.

فنقول يدل على النصب الاثنا عشر المشهورة صحيحة زرارة التي رواها الصدوق و الشيخ ففي الوسائل عن الصدوق في الفقيه باسناده عن عمر بن اذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال:

ليس فيما دون الخمس من الابل شي ء فاذا كانت خمسا ففيها شاة الى عشرة فاذا كانت عشرا ففيها شاتان، فاذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم، فاذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم، فاذا بلغت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم، فاذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض الى خمس و ثلاثين، فان لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فان زادت على خمس و ثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون الى خمس و اربعين فان زادت واحدة ففيها حقّة- و إنما سمّيت حقّة لأنها استحقت أن يركب ظهرها- الى ستين، فان زادت واحدة ففيها جذعة الى خمس و سبعين، فان زادت واحدة ففيها ابنتا لبون الى تسعين، فان زادت واحدة فحقّتان الى عشرين و مأئة فان زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين ابنة لبون. و عن الشيخ بسند موثق عن زرارة نحوه «1».

و نحو ذلك صحيحة أبي بصير و كذا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- الى قوله: «حقتان الى عشرين و مأئة» ثم قال: فاذا كثرت الابل ففي كل خمسين حقة «2».

نعم في صحيحة عبد الرحمن بعد النصاب السادس: «و قال عبد الرحمن: هذا فرق بيننا و بين الناس».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2

من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2 و 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 177

..........

______________________________

ثم انه في صحيحة زرارة كما ترى و كذا في صحيحة الفضلاء الآتية ذكر للنصاب الأخير عنوان زيادة الواحدة على العشرين و المائة و في فريضته: «في كل خمسين حقة و في كل أربعين ابنة لبون».

و في صحيحتي أبي بصير و عبد الرحمن ذكر للنصاب الأخير عنوان كثرة الابل و للفريضة «في كل خمسين حقة» فقط.

هذا و استدل لابن أبي عقيل و ابن الجنيد بصحيحة الفضلاء: زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد و الفضيل كلهم، عن أبي جعفر «ع» و أبي عبد اللّه «ع» قالا: في صدقة الابل في كل خمس شاة الى ان تبلغ خمسا و عشرين، فاذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا و ثلاثين فاذا بلغت خمسا و ثلاثين ففيها ابنة لبون، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا و أربعين، فاذا بلغت خمسا و أربعين ففيها حقّة طروقة الفحل، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ ستين، فاذا بلغت ستّين ففيها جذعة، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا و سبعين، فاذا بلغت خمسا و سبعين ففيها ابنتا لبون، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ تسعين، فاذا بلغت تسعين ففيها حقّتان طروقتا الفحل، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين و مأئة فاذا بلغت عشرين و مأئة ففيها حقّتان طروقتا الفحل، فاذا زادت واحدة على عشرين و مأئة ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين ابنة لبون. ثم ترجع الابل على اسنانها، و ليس على النيف شي ء، و لا على الكسور شي ء الحديث «1».

قال في التهذيب ما حاصله:

«ثم قوله- عليه السلام- فاذا بلغت خمسا و عشرين ففيها ابنة مخاض يحتمل ان يكون أراد: «و زادت واحدة» و إنما لم يذكر في اللفظ لعلمه بفهم المخاطب و لو لم يحتمل ما ذكرناه لجاز أن نحمل هذه الرواية على ضرب من التقية لأنها موافقة لمذاهب العامة».

و في الانتصار ما حاصله: «قلنا اجماع الامامية قد تقدم ابن الجنيد و تأخر عنه و إنما عوّل ابن الجنيد في هذا المذهب على بعض الأخبار و يمكن أن يحمل على ان ذلك على سبيل القيمة لما هو الواجب من خمس شياه»

و في الوسائل ما حاصله: «ان الصدوق روى هذه الرواية في كتاب المعاني عن حماد بن عيسى و في بعض النسخ الصحيحة من المعاني «فاذا بلغت خمسا و عشرين فاذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض» و كذا في سائر الفقرات.

أقول: على نقل صاحب الوسائل هذه الصحيحة من النسخة الصحيحة لا يبقى اشكال و اما

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 178

بمعنى انه يجوز أن يحسب أربعين أربعين و في كل منها بنت لبون أو خمسين خمسين و في كل منها حقة (1) و يتخير بينهما مع المطابقة لكل منهما أو مع عدم المطابقة لشي ء منهما.

______________________________

الحمل على القيمة او التقية فلا يرفعان الاشكال فان الاشكال لا ينحصر في النصاب الخامس و السادس اذ جملة: «فان زادت واحدة» حذفت مما بعدهما أيضا مع انه لا خلاف من أهل السنة في النصب الأخر. فالظاهر لزوم الالتزام بالحذف. و الذي يسهّل الخطب ان نقل الفضلاء الخمسة هذه الصحيحة بطولها من الامامين الهمامين لعله يشهد بعدم صدور الألفاظ بعينها من الامام

اذ يبعد جدّا حضور الخمسة عند الامام الباقر «ع» و سماع عين هذه الألفاظ و ضبطها ثم حضور هذا الجمع عند الامام الصادق «ع» و سماعها منه بعينها أيضا فاذا وصلت النوبة الى النقل بالمعنى فلعل السهو و السقط في مقام النقل بالمعنى حصل منهم او من بعض الرواة عن هذا الجمع و النقل بالمعنى يلازم هذا النحو من الفلتات غالبا. فتأمل.

و كيف كان فلا تساوق هذه الصحيحة للصحاح الأخر لكثرتها و اشتهارها بين الأصحاب فيعمل بقوله- عليه السلام-: «خذ بما اشتهر بين أصحابك و دع الشاذ النادر فان المجمع عليه لا ريب فيه».

ثم ان قوله في ذيل الصحيحة: «ثم ترجع الابل على اسنانها» لعل المراد به ان الفريضة بعد ذلك تنحصر في اسنان الابل من الحقة و ابن اللبون ردا على أبي حنيفة و أصحابه القائلين باستيناف الفريضة و الرجوع الى الغنم بعد النصاب الأخير فيكون في الخمس شاة و في العشر شاتان و هكذا. و يدل على ردّه أيضا قوله «و ليس على النيف شي ء».

و قد صرح بذلك في آخر خبر شرائع الدين المروي في الخصال عن الأعمش، عن جعفر بن محمد «ع» حيث قال بعد النصاب الأخير: «و يسقط الغنم بعد ذلك و يرجع الى اسنان الابل» «1».

و اما ما ذكره الصدوقان في النصاب العاشر فيدل عليه مضافا الى عبارة فقه الرضا التي مرّت، خبر الأعمش المروي في الخصال عن جعفر بن محمد «ع» حيث قال: «فاذا بلغت ستين و زادت واحدة ففيها جذعة الى ثمانين، فان زادت واحدة ففيها ثني الى تسعين ...».

و لكنه لشذوذه و مخالفته للأخبار الصحيحة و الاجماعات المنقولة و فتاوى الأصحاب متروك.

و يمكن حمل الفريضة المذكورة في

الخبر على القيمة و ان كان بعيدا فتدبر.

(1) اذا تجاوز عدد الابل عن المائة و عشرين فهل يتخير المالك مطلقا بين أن يحسب و يعدّ خمسين خمسين و يعطي لكل خمسين حقة او اربعين اربعين و يعطي لكل أربعين بنت لبون، او

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 179

..........

______________________________

يتعين عليه أن يحسب و يعدّ بنحو يستوعب المال و لا يبقى عفو الّا من الواحد الى التسع فقد يتعين الخمسون و قد يتعين الأربعون و قد يجب العدّ بهما و قد يتخير؟ في المسألة قولان. المحكى عن فوائد القواعد و مجمع البرهان و المدارك و غيرها الأول، و عن الخلاف و المبسوط و السرائر و الوسيلة و التذكرة و المسالك و غيرها الثاني.

ففي الخلاف (المسألة 3): «اذا بلغت الابل مأئة و عشرين ففيها حقّتان بلا خلاف فاذا زادت واحدة فالذي يقتضيه المذهب ان يكون فيها ثلاث بنات لبون الى مأئة و ثلاثين ففيها حقة و بنتا لبون الى مأئة و اربعين ففيها حقتان و بنت لبون الى مأئة و خمسين ففيها ثلاث حقاق الى مأئة و ستين ففيها أربع بنات لبون الى مأئة و سبعين ففيها حقة و ثلاث بنات لبون الى مأئة و ثمانين ففيها حقتان و بنتا لبون الى مأئة و تسعين ففيها ثلاث حقاق و بنت لبون الى مأتين ففيها أربع حقاق او خمس بنات لبون ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغ و به قال الشافعي و أبو ثور و ابن عمر، و قال أبو حنيفة و أصحابه اذا بلغت مأئة واحدى و عشرين استونفت الفريضة في كل خمس

شاة الى مأئة و أربعين ففيها حقتان و أربع شياه الى مأئة و خمس و اربعين ففيها حقتان و بنت مخاض ...».

و في المسالك في شرح قول المصنف: «فاربعون او خمسون او منهما» قال: «أشار بذلك الى ان النصاب بعد بلوغها ذلك يصير أمرا كليا لا ينحصر في فرد و ان التقدير بالاربعين و الخمسين ليس على وجه التخيير مطلقا بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب فان أمكن بهما تخيّر و ان لم يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحق الفقراء و لو لم يمكن الّا بهما وجب الجمع فعلى هذا يجب تقدير أول هذا النصاب و هو المائة واحدى و عشرون بالأربعين، و المائة و الخمسون بالخمسين، و المائة و سبعون بهما و يتخير في المائتين، و في الأربعمائة يتخير بين اعتباره بهما و بكل واحد منهما».

و في المدارك بعد نقل ما في المسالك: «و ما ذكره أحوط الّا ان الظاهر التخيير في التقدير بكل من العددين مطلقا كما اختاره- قدس سره- في فوائد القواعد و نسبه الى ظاهر الأصحاب لإطلاق قوله «ع» في صحيحة زرارة: فان زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين ابنة لبون. و يدل عليه صريحا اعتبار التقدير بالخمسين خاصة في روايتي عبد الرحمن و أبي بصير المتقدمتين».

أقول: اما صحيحة زرارة فحملها على التخيير مطلقا خلاف الظاهر جدّا اذ الظاهر منها ان كل ما يفرض فيها مصداقا للخمسين فهو سبب لحقة و كل ما يفرض مصداقا للأربعين موجب لبنت اللبون و لكن لا على سبيل الاجتماع بل على سبيل التبادل اذ المال الواحد لا يزكّى مرتين فهو مخير بينهما اذا استوعب

كل منهما لجميع المال و كان عادّا له كما في المائتين و الّا تعين عليه الأخذ بما يحصل معه الاستيعاب حتى لا يبقى فرد من الخمسين و لا من الأربعين بلا عدّ له مستقلا او في ضمن الآخر فاذا كان المال مأئة واحدى و عشرين مثلا فكل ما يفرض فيه من الأربعين

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 180

..........

______________________________

أوجب ابنة لبون فلا يجوز عدّه بالخمسين قهرا لعدم شموله للأربعينات الثلاث و اذا كان مأئة و خمسين مثلا فكل واحد من الخمسينات الثلاث فيه أوجب حقة فلا يجوز عدّه بالأربعين لعدم شموله للخمسينات الثلاث بخلاف المائتين اذ كل منهما فيه عادّ لأفراد الآخر.

لا يقال: ان طرح أحد الدليلين إنما يلزم لو كان قد حصل مصداق تام للآخر و لم يعمل بدليله كما في المائة و أربعين مثلا لو أخذ بالخمسين فقط و اما في المائة و ثلاثين مثلا فلو أخذ بخمسينين فليس الثلاثون مصداقا تاما للأربعين.

فانه يقال: ليست الاربعينات و الخمسينات في النصاب الموجود منحازة مستقلة بل كل واحد من العقود يستعد لأن يصير جزءا من الأربعين او الخمسين فلا يجوز الغاء شي ء من العقود اذ يلزم منه الغاء مصداق من الأربعينات او الخمسينات المتصورة.

فمقتضى رعاية العددين و عدّ النصاب بهما عدم العفو الّا للنيّفات الفواصل بين العقود.

و لعله لذا قال قال في ذيل صحيحة الفضلاء: «ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين بنت لبون ثم ترجع الابل على اسنانها و ليس على النيف شي ء».

فلم يذكر العفو الّا للنيف المراد به الفاصل بين العقدين و في غيره يرجع الى اسنان الابل بحيث يستوفي العقود و يستوعبها. هذا.

و اما صحيحتا عبد الرحمن و أبي بصير فالتصرف

فيهما لازم على كل حال اذ الظاهر منهما تعيّن العدّ بالخمسين و لم يقل به أحد منّا لجواز العدّ بالأربعين اما تخييرا او بنحو التعيين اذا توقف الاستيعاب عليه فتكون الصحيحتان من هذه الجهة في مقام الاجمال فيرفع اجمالهما بظهور صحيحتي زرارة و الفضلاء في لزوم الاستيعاب.

فان قلت: النصاب الأخير أعني المائة واحدى و عشرين مورد للأربعين فقط فيلزم في صحيحتي عبد الرحمن و أبي بصير المذكور فيهما الخمسون فقط على فرض لزوم الاستيعاب تخصيص المورد.

قلت: أجاب في المستمسك عن هذا الاشكال بأن الحكم ليس لخصوص المائة و احدى و عشرين حتى يلزم تخصيص المورد و إنما هو حكم لما زاد على المائة و عشرين مطلقا و الواحدة مأخوذة فيه لا بشرط فيكون الموضوع كليا صادقا على المرتبة المذكورة و غيرها من المراتب.

و لكن الحق في الجواب ان المذكور في صحيحة زرارة: «فان زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كل خمسين حقة و في كل اربعين ابنة لبون» و نحو ذلك في صحيحة الفضلاء فالمورد فيهما المائة واحدى و عشرون.

و اما في صحيحتي عبد الرحمن و أبي بصير فالمذكور فيهما بعد العشرين و المائة قوله: «فاذا كثرت

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 181

و مع المطابقة لأحدهما الأحوط مراعاتها (1) بل الأحوط مراعاة الأقل عفوا، ففي المائتين يتخير بينهما لتحقق المطابقة لكل منهما، و في المائة و خمسين الأحوط اختيار الخمسين، و في المائتين و الأربعين الأحوط اختيار الأربعين (2) و في المائتين و ستين يكون الخمسون أقل عفوا، و في المائة و أربعين يكون الأربعون أقل عفوا.

______________________________

الابل ففي كل خمسين حقة» فليس المورد فيهما المائة واحدى و عشرين بل كثرة الابل و لم

يقل:

«فاذا زادت» حتى يشمل زيادة الواحدة أيضا و يبعد جدا صدق كثرة الابل على ما اذا زادت واحدة فيعلم من ذلك ارادة بيان حكم الابل الكثيرة اجمالا حيث ان بعض مصاديق الكثير مما يستوعبه الخمسون.

و يؤيد ما ذكرناه من لزوم الاستيعاب ما تراه في صحيحة الفضلاء من بيان الاستيعاب في نصابي البقر فراجع.

و بما ذكرناه يظهر ما في كلام المصنف في بيان المسألة حيث غفل عن انه مع تعين العدّ بنحو الاستيعاب لا يبقى عفو الّا للفواصل و النيّفات و لا يتصور في العفو أقل و أكثر فتدبر.

(1) بل الأقوى كما مرّ وجوب مراعاة المطابقة و لو حصلت بالتركيب منهما و يتخير مع حصولها بكل منهما كالمائتين و حينئذ فلا يبقى عفو الّا للفواصل بين العقود و لا مجال للأقل عفوا.

(2) بل يتخير فيه بين الحساب بأربعين و بين ان يحسب باربعين واحد و اربع خمسينات، و في المائتين و ستين يتعين الأخذ بخمسينين و أربع أربعينات، و في المائة و أربعين بخمسينين و أربعين واحد.

تنبيه: في الكافي: «باب اسنان الابل: من أول يوم تطرحه أمّه الى تمام السنة حوار، فاذا دخل في الثانية سمي ابن مخاض لأن أمّه قد حملت، فاذا دخل في السنة الثالثة يسمى ابن لبون و ذلك ان أمّه قد وضعت و صار لها لبن، فاذا دخل في السنة الرابعة يسمى الذكر حقّا و الأنثى حقّة لأنه قد استحق أن يحمل عليه، فاذا دخل في السنة الخامسة يسمى جذعا، فاذا دخل في السادسة يسمى ثنيّا لأنه قد ألقى ثنيّته، فاذا دخل في السابعة ألقى رباعيته و سمي رباعيا، فاذا دخل في الثامنة ألقى السنّ الذي بعد الرباعية و سمي سديسا، فاذا

دخل في التاسعة و طرح نابه سمي بازلا، فاذا دخل في العاشرة فهو مخلف و ليس له بعد هذا اسم، و الأسنان التي تؤخذ منها في الصدقة من بنت مخاض الى الجذع». و نحو ذلك في الفقيه أيضا فراجع.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 182

[مسألة 1]: في النصاب السادس اذا لم يكن عنده بنت مخاض يجزي عنها ابن اللبون (1) بل لا يبعد اجزاؤه عنها اختيارا أيضا (2). و اذا لم يكونا معا عنده تخيّر في شراء أيّهما شاء.

______________________________

(1) بلا خلاف و لا اشكال و يشهد له قوله في صحيحة زرارة: «فان لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر» و نحو ذلك في صحيحة أبي بصير «1».

(2) الشقوق المتصورة أربعة: الأول: ان يوجد عنده المبدل منه و البدل معا فهل يجزي دفع البدل؟ قولان.

ففي الجواهر عن القواعد و غيرها الاجتزاء به اختيارا و قواه بنفسه قال: «لقيام علوّ السن مقام الأنوثة و لذا لم يكن فيه جبران اجماعا كما عن التذكرة و لانسباق عدم ارادة الشرط حقيقة من عبارة النص و الّا لاقتضى عدم اجزائها عنه اذا لم تكن موجودة حال الوجوب و ان وجدت بعده بناء على ان الشرط عدم كونها عنده حينه لا حال الأداء».

أقول: ظاهر النص كون البدل مجزيا عند عدم المبدل منه فيكون بدلا اضطراريا مشروطا بعدم القدرة على المبدل منه كالتيمم بالنسبة الى الوضوء و الاعتبار بالوجود و العدم حين الأداء لا حين الوجوب كسائر موارد الاضطرار فتدبر.

الثاني: لو كان عنده البدل فقط فاجزائه واضح كما مرّ و هل يجوز تحصيل المبدل منه بالشراء و نحوه و يجزي أم لا؟ الظاهر الاجزاء اذ المستفاد من الصحيحتين ان البدل من

باب الارفاق فيجوز تحصيل المبدل منه بل يتعين بعد تحصيله.

الثالث: ان يكون عنده المبدل منه و حكمه واضح.

الرابع: ان يفقد المبدل منه و البدل معا فهل يتعين عليه تحصيل المبدل منه او البدل او يتخير؟ وجوه.

وجه الأول ان الظاهر من دليل البدل بدليته عند وجوده فان فقده وجب عليه تحصيل أصل الفريضة.

و وجه الثاني ان شرط الانتقال الى البدل فقدان المبدل منه عنده و المفروض ان الشرط حاصل فيتعين تحصيل البدل لانتقال الفرض اليه.

و وجه الثالث ان البدل كما عرفت من باب الارفاق فيجزي المبدل منه بعد تحصيله قطعا و يجوز تحصيل البدل أيضا و يجزي لتحقق شرطه و هو فقدان المبدل منه.

لا يقال: بدلية البدل مقيد بكونه عنده.

فانه يقال: لو سلّم فبعد التحصيل يصدق كونه عنده.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 183

[في نصاب البقر]

و أمّا في البقر فنصابان: الأول: ثلاثون و فيها تبيع او تبيعة و هو ما دخل في السنة الثانية.

الثاني: أربعون و فيها مسنّة و هي الداخلة في السنة الثالثة (1).

______________________________

و الأقوى هو الوجه الثالث و ان كان الأحوط تحصيل المبدل منه.

(1) في الخلاف (المسألة 14): «لا شي ء في البقر حتى تبلغ ثلاثين فاذا بلغتها ففيها تبيع او تبيعة و هو مذهب جميع الفقهاء، و قال سعيد بن المسيب و الزهري: فريضتها في الابتداء كفريضة الابل في كل خمس شاة الى ثلاثين فاذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع، دليلنا اجماع الفرقة ... و أيضا روى الحكم، عن طاوس، عن ابن عباس قال: لما بعث رسول اللّه «ص» معاذا الى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا او تبيعة

و جذعا أو جذعة و من كل أربعين بقرة بقرة مسنّة».

و دليل سعيد و الزهري قياس البقر بالابل لأجزائهما في الهدي و الأضحية.

و يردّه اجزاء الغنم أيضا فيهما و قد مرّ صحيحة زرارة الصريحة في عدم الوجوب في تسع و عشرين بقرة.

و يدل على ذلك أيضا و على النصابين صحيحة الفضلاء الخمسة زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد و الفضيل عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه قالا: في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي، و ليس في أقل من ذلك شي ء، و في أربعين ففيها بقرة مسنّة، و ليس فيما بين الثلاثين الى الأربعين شي ء حتى تبلغ أربعين، فاذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة، و ليس فيما بين الأربعين الى الستين شي ء، فاذا بلغت ستين ففيها تبيعان الى السبعين، فاذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنّة الى الثمانين، فاذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنّة الى تسعين، فاذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات، فاذا بلغت عشرين و مأئة ففي كل أربعين مسنّة ثم ترجع البقر على اسنانها، و ليس على النيف شي ء و لا على الكسور شي ء الحديث «1».

و في خبر الأعمش، عن جعفر بن محمد «ع»: «و تجب على البقر الزكاة اذا بلغت ثلاثين بقرة تبيعة حولية فيكون فيها تبيع حولي الى أن تبلغ أربعين بقرة، ثم يكون فيها مسنّة الى ستين، (فاذا بلغت ستين ففيها تبيعتان الى سبعين ثم فيها تبيعة و مسنة الى ثمانين و اذا بلغت ثمانين- نسخة الخصال) فتكون فيها مسنّتان الى تسعين ثم يكون فيها تبايع ثم بعد ذلك يكون في كل ثلاثين بقرة تبيع و في كل أربعين مسنة «2».

______________________________

(1)- الوسائل

ج 6 الباب 4 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 184

..........

______________________________

و ظاهر الخبرين عدم العفو بعد الستين الّا لفواصل العقود كما قويناه في الابل أيضا و حذف المائة و المائة و العشرة في الصحيحة لا يضر بهذا الاستظهار لكونه معمولا في المكالمات العادية و لا سيما بملاحظة ما أشرنا اليه في باب الابل من ظهور كون الصحيحة منقولة بالمعنى، لاستبعاد صدور عين هذه الألفاظ بكثرتها من الامامين الهمامين لهذه الخمسة من الأصحاب و ضبطهم لها بعينها فراجع.

و على أي حال فلا اشكال من هذه الجهة.

نعم يبقى الاشكال في ان المذكور في الصحيحة و كذا خبر الأعمش التبيع و لكن المصنف عطف عليه التبيعة و ظاهره التخيير.

و في المعتبر: «و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة و محمد بن مسلم و أبو بصير و الفضيل و بريد، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» قالا: في البقرة في كل ثلاثين تبيع او تبيعة و ليس في أقل من ذلك شي ء ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ أربعين ففيها مسنّة ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان او تبيعتان ثم في سبعين تبيع او تبيعة و مسنة و في ثمانين مسنّتان و في تسعين ثلاث تبايع، و هو قول العلماء خلا رواية عن أبي حنيفة».

فتراه نقل الصحيحة بنحو تدل على التخيير بين التبيع و التبيعة و يظهر منه اتفاق العلماء على ذلك.

و قد مرّت عبارة الخلاف أيضا حيث ذكرت فيها التبيعة أيضا ثم قال «و هو مذهب الفقهاء» الى أن قال «دليلنا اجماع الفرقة».

و في المنتهى:

«أجمع المسلمون على وجوب التبيع او التبيعة في الثلاثين و وجوب المسنّة في الأربعين و أجمعوا على أن هذين الشيئين هي المفروضة في زكاة البقر».

و فيه أيضا «الفريضة المأخوذة في الابل و البقر إنّما هي الاناث خاصة الّا ابن اللبون و ليس اصلا بل هو بدل و التبيع في البقر خاصة و لا خلاف. و في الأخرى (الأحرى ظ) التبيعة عن الثلاثين للأحاديث و لأنها أفضل بالدرّ و النسل».

و في الغنية: «ففي كل ثلاثين منها تبيع حولي او تبيعة» الى ان قال: «بدليل الاجماع الماضي ذكره».

و بالجملة يستدل على اجزاء التبيعة بصحيحة الفضلاء بنقل المعتبر و بالإجماعات المنقولة و بالشهرة المحكية في المختلف حيث قال: «المشهور ان في ثلاثين من البقر تبيعا او تبيعة» و بالأولوية و كونها أفضل بالدرّ و النسل كما في المنتهى مضافا الى ان ما في الصحيحة بنقل الكافي من قوله: «ثلاث تبايع حوليات» يدل على كفاية التبيعة اذ جمع فعيل فعال، و فعائل جمع لفعيلة مع ان تذكير لفظ العدد يدل على أنوثة المعدود.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 185

و فيما زاد يتخيّر بين عدّ ثلاثين ثلاثين و يعطي تبيعا أو تبيعة، و أربعين أربعين و يعطي مسنّة (1).

[في نصاب الغنم]

و أمّا في الغنم فخمسة نصب: الأول: أربعون، و فيها شاة. الثاني: مأئة واحدى و عشرون، و فيها شاتان. الثالث: مائتان و واحدة، و فيها ثلاث شياه.

الرابع: ثلاثمائة و واحدة، و فيها أربع شياه. الخامس: أربعمائة فما زاد، ففي كل مأئة شاة (2).

______________________________

هذا و لكن صحة نقل المعتبر مع معارضته بنقل الكليني و الشيخ محل اشكال و لعله كان واضحا عنده اجزاء التبيعة فخلّط في مقام النقل و كأنه كان عنده

نحوا من النقل بالمعنى. و كون معقد الاجماعات المذكورة كفاية التبيعة أيضا محل اشكال. و الشهرة الفتوائية المفيدة غير ثابتة و الأولوية القطعية أيضا غير ثابتة و لعل الذكور من البقر أفيد من اناثه لكثرة الابتلاء به في الحرث و نقل الكافي يعارضه نقل غيره و لذا خدش في الاجتزاء بالتبيعة في الحدائق بل استظهر عدمه و تعجب من الشيخ الحرّ انه مع تصلبه في الاخبارية كيف تبع المشهور في بدايته فقال فيه بالتخيير. و كيف كان فالأحوط متابعة النص.

ثم ان التبيع كما ذكر المصنف هو ما دخل في السنة الثانية.

و في الشرائع «هو الذي تمّ له حول». و لعله المشهور.

و لكن في المدارك: «ذكر الجوهري و غيره ان التبيع ولد البقر في السنة الأولى، و إنما اعتبر فيه تمام الحول لقوله في حسنة الفضلاء: في كل ثلاثين بقرة تبيع حوليّ».

و في المبسوط: «قال أبو عبيد: تبيع لا يدل على سنّ و قال غيره: إنما سمي تبيعا لأنه يتبع أمّه في الرعي و فيهم من قال: ان قرنه يتبع اذنه حتى صارا سواء فاذا لم تدل اللغة على معنى التبيع و التبيعة فالرجوع فيه الى الشرع ...».

و على أي حال فالحول معتبر شرعا للتصريح به في صحيحة الفضلاء و خبر الأعمش و القيد على أحد الوجهين توضيحي و على الآخر احترازي، و حمل النسبة على كون المراد بها كونه في الحول خلاف الظاهر جدا.

(1) هذا غير ظاهر الوجه لكونه خلاف الصحيح المتقدم و كذا خبر الأعمش فالظاهر وجوب العد بنحو الاستيعاب بحيث لا يقع العفو الّا على الفواصل بين العقود.

نعم يتخير لو كان الاستيعاب حاصلا بكل منهما كالمائة و العشرين مثلا، و الاقتصار فيه على

الثلاث مسنات في صحيحة الفضلاء لعله لكونها احدى فردي التخيير.

(2) في نصاب الغنم اختلافان: الأول في ان النصاب الأول أربعون او واحدة و أربعون، الثاني ان النصب أربعة أو خمسة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 186

..........

______________________________

اما الأول ففي الفقيه: «و ليس على الغنم شي ء حتى تبلغ أربعين شاة فاذا بلغت أربعين و زادت واحدة ففيها شاة».

و مثله في المقنع و الهداية و نحوه في فقه الرضا و قد احتملنا كونه رسالة علي بن بابويه.

و في المختلف: «المشهور عند علمائنا أجمع ان أول نصب الغنم أربعون. ذهب اليه الشيخان و ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و السيد المرتضى و سلّار و ابن البرّاج و ابن حمزة و قال ابنا بابويه «ره»: ليس على الغنم شي ء حتى يبلغ أربعين فاذا بلغت أربعين و زادت واحدة ففيها شاة».

و يستدل لهذا القول مضافا الى فقه الرضا بناء على كونه كتاب حديث بخبر الأعمش، عن جعفر بن محمد «ع» و فيه: «و تجب على الغنم الزكاة اذا بلغت أربعين شاة و تزيد واحدة فتكون فيها شاة» «1».

و يردّه انه خلاف اجماع المسلمين من الشيعة و غيرهم و خلاف الصحيحين الآتيين. فخبر الأعمش مضافا الى عدم صحة سنده من الشاذ النادر الذي يجب أن يترك.

و اما الثاني أعني كون النصب أربعة او خمسة فعند الجمهور أربعة و عندنا المسألة ذات قولين و فيها روايتان أيضا.

ففي الخلاف (المسألة 17): «زكاة الغنم في كل أربعين شاة الى مأئة و عشرين فاذا زادت واحدة ففيها شاتان الى مأتين، و اذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه الى ثلاثمائة، فاذا زادت واحدة ففيها أربع شياه الى أربعة مأئة فاذا بلغت ذلك ففي كل مأئة شاة،

و بهذا التفصيل قال النخعي و الحسن بن صالح بن حيّ، و قال جميع الفقهاء: أبو حنيفة و مالك و الشافعي و غيرهم مثل ذلك الّا انهم لم يجعلوا بعد المائتين و واحدة أكثر من ثلاث الى أربعمائة و لم يجعلوا في الثلاثمائة و واحدة أربعا كما جعلناه، و في أصحابنا من ذهب الى هذا على رواية شاذة و قد بيّنا الوجه فيها و هو اختيار المرتضى، دليلنا اجماع الفرقة و روى حريز ...».

و في المختلف: «ذهب الشيخان الى ان النصاب الرابع للغنم ثلاثمائة و واحدة و ان فيه أربع شياه الى أربعمائة فيؤخذ من كل مأئة شاة بالغا ما بلغ. قال الشيخ في الخلاف ... و الذي اختاره الشيخ هو مذهب أبي علي بن الجنيد و أبي الصلاح و ابن البرّاج، و مذهب السيد المرتضى هو اختيار ابن أبي عقيل و ابن بابويه و سلّار و ابن حمزة و ابن ادريس. و المعتمد اختيار الشيخ، لنا الاحتياط ...».

و أنت ترى ان كلا من القولين قائله منا كثير فلا يصح نسبة الشيخ القول الآخر الى رواية

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 187

..........

______________________________

شاذة.

و كيف كان فيدل على ما اختاره الشيخ صحيحة الفضلاء: زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد و الفضيل، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» (في الشاة) في كل أربعين شاة شاة، و ليس في ما دون الأربعين شي ء ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين و مأئة فاذا بلغت عشرين و مأئة ففيها مثل ذلك شاة واحدة فاذا زادت على مأئة و عشرين ففيها

شاتان و ليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مأتين فاذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك فاذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ثم ليس فيها شي ء أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة فاذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فاذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة، فاذا تمّت أربعمائة كان على كل مأئة شاة و سقط الأمر الأول و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شي ء و ليس في النيف شي ء، و قالا: كل ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فاذا حال عليه الحول وجب عليه «1».

و يدل على القول الآخر صحيحة محمد بن قيس، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي ء فاذا كانت أربعين ففيها شاة الى عشرين و مأئة، فاذا زادت واحدة ففيها شاتان الى المائتين فاذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم الى ثلاثمائة، فاذا كثرت الغنم ففي كل مأئة شاة الحديث «2».

و في خبر الأعمش، عن جعفر بن محمد: و تجب على الغنم الزكاة اذا بلغت أربعين شاة و تزيد واحدة فتكون فيها شاة الى عشرين و مأئة فان زادت واحدة ففيها شاتان الى مأتين فان زادت واحدة ففيها ثلاث شياه (الى ثلاثمائة، و بعد ذلك يكون في كل مأئة شاة شاة، في نسخة الخصال، طبع مكتبة الصدوق) «3».

قال في الوسائل: بعد ذكر الصحيحتين «حكم الثلاثمائة و واحدة غير مذكور هنا صريحا فلا ينافي الحديث الأول، و لو كان صريحا في وجوب ثلاث شياه لا غير تعين حمله على التقية. ذكره جماعة من علمائنا».

و في المدارك: «المسألة قوية الاشكال لأن الروايتين معتبرتا الاسناد و

الجمع بينهما مشكل جدا و من ثم أوردهما المصنف في المعتبر من غير ترجيح و اقتصر في عبارة الكتاب على حكاية القولين و نسبة القول الثاني الى الشهرة ... و لو كانتا (الروايتين) متكافئتين في السند و المتن لأمكن حمل الرواية الأولى (صحيحة محمد بن قيس) على التقية لموافقتها لمذهب العامة او حمل الكثرة الواقعة فيها على بلوغ الأربعمائة و يكون حكم الثلاثمائة و واحدة مهملا في الرواية».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 188

..........

______________________________

أقول: في صحيحة محمد بن قيس بعد ذكر الثلاثمائة و ان فيها ثلاث شياه لم يقل: «فاذا زادت الغنم» حتى يشمل الثلاثمائة و واحدة فما فوقها بل قال: «فاذا كثرت الغنم» و يبعد جدّا عدم كون الثلاثمائة كثيرة فاذا زادت واحدة صارت كثيرة فالظاهر من هذه الجملة ارادة العقود الكبيرة مثل الأربعمائة فما فوقها فيكون ظاهر الحديث وجوب ثلاث شياه في المائتين و واحدة الى ثلاثمائة بنحو يدخل الغاية في المغيّى ثم من أربعمائة فما فوقها تجب في كل مأئة شاة فالصحيحتان بحسب الظاهر متعارضتان و تكون النصب الأربعة في صحيحة محمد بن قيس متباينة بخلاف الخمسة في صحيحة الفضلاء لتداخل النصاب الرابع و الخامس فيها حيث تتحد الفريضة فيهما كما لا يخفى.

و كيف كان فالجمع الدلالي مشكل فتصل النوبة الى الجهتي.

فان قلت: صحيحة الفضلاء نص في وجوب أربع شياه في الثلاثمائة و واحدة و صحيحة محمد بن قيس ظاهرة في وجوب ثلاث شياه فيها فيحمل الظاهر

على النص او يحكم باهمال حكم الثلاثمائة و واحدة في صحيحة محمد بن قيس كما في الوسائل و المدارك.

قلت: ظاهر كلتا الصحيحتين كونهما في مقام استقصاء النصب و لا نحكم بالجمع الدلالي الّا في صورة كونه عرفيا متبادرا من اللفظين بعد لحاظهما معا و ليس المقام كذلك فالمقام مقام الأخذ بقولهم- عليهم السلام-: «يؤخذ بما خالف العامة ففيه الرشاد»، و الاحتياط أيضا يقتضي الأخذ بصحيحة الفضلاء و الحكم بوجوب أربع شياه في الثلاثمائة و واحدة.

نعم هنا شي ء في الذهن بالنسبة الى صحيحة الفضلاء و هو ما أشرنا اليه في نصابي الابل و البقر من استبعاد سماع الفضلاء الخمسة هذه الألفاظ بعينها بطولها تارة من الامام الباقر و أخرى من الامام الصادق «ع» فيكون الخبر منقولا بالمعنى و بذلك وجّهنا التشويش الموجود فيه تارة في نصاب الابل من حذف قوله: «فاذا زادت واحدة» من الجملات و تارة في نصاب البقر من التعرض لحكم السبعين و الثمانين و التسعين ثم حذف المائة و المائة و العشرة ثم التعرض لحكم العشرين و المائة. فالاعتماد على هذه الصحيحة بهذا الوصف مشكل و لكن الاحتياط يقتضي الأخذ بها.

[ينبغي التنبيه على أمور]
اشارة

و ينبغي التنبيه على أمور:

[الأول: هل الواحدة الزائدة شرط او جزء]

الأول: هل الواحدة الزائدة على المائة و العشرين في النصاب الأخير للإبل و النصاب الثاني للغنم و كذا الزائدة على المائتين او الثلاثمائة في نصابي الغنم شرط في وجوب الفريضة او جزء من النصاب؟ وجهان: من ظهور قوله «ع» «في كل اربعين ابنة لبون» مثلا في ان مورد الحق ثلاث اربعينات فالواحدة خارجة منها و من ان هذا الكلام مسوق لبيان ما يجب اخراجه و الّا فمتعلق الحق هو مجموع النصاب لا خصوص الأربعينات. و تظهر الثمرة في احتساب جزء من الفريضة على الفقير لو تلفت الواحدة بعد السنة بلا تفريط فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 189

[الثاني: انحاء تعلق الزكاة]

______________________________

الثاني: هل الثابت في باب الزكاة وجوب او ندب تكليفي محض، او تكون أمرا ثابتا في ذمة المكلف كالديون، او تكون حقا ثابتا في المال كما في حق الرهانة، او حق الجناية في العبد الجاني، او حق الزوجة في العقارات، او حق الغرماء في التركة، او حق الفقراء في منذور التصدق به، او تكون ثابتة في المال بنحو الملكية للفقراء بنحو الاشاعة او بنحو الكلي في المعين؟ وجوه ذكروها في محلها و سيأتي تفصيل ذلك عند تعرض المصنف له.

و الذي نريد الاشارة اليه هنا اجمالا هو ان المصنف و من حذا حذوه و ان توهّموا ان الكلي في المعين أمر خارجي و ان تعلق الزكاة أو الخمس بهذا النحو أيضا مثل الاشاعة نحو شركة في العين الخارجية و لكن الظاهر ان الشركة في العين الخارجية تنحصر في الاشاعة فقط و ان الكلي ليس أمرا خارجيا وراء الأشخاص و الأفراد.

و الشيخ الاعظم «ره» ذكر في المكاسب ما حاصله: «ان بيع البعض من جملة متساوية الأجزاء كصاع من صبرة

يتصور على وجوه: الأول: ان يريد بذلك البعض كسرا واقعيا من الجملة مقدرا بذلك العنوان.

الثاني: ان يراد به بعض مردد نظير تردد الفرد المنتشر بين الأفراد.

الثالث: ان يكون المبيع طبيعة كلية منحصرة المصاديق في الأفراد المتصورة في تلك الجملة.

و الفرق بين هذا الوجه و الوجه الثاني ان المبيع هناك واحد من الصيعان المتميزة المتشخصة غير معين و في هذا الوجه أمر كلي غير متشخص و لا متميز بنفسه و يتقوم بكل واحد من صيعان الصبرة و يوجد به (الى أن قال): و حاصله ان المبيع مع الترديد جزئي حقيقي فيمتاز عن المبيع الكلي الصادق على الأفراد المتصورة في تلك الجملة».

الى آخر ما ذكره مما يظهر منه وجود الفرد المنتشر في الخارج دون الكلي في المعين.

فكلامه- قدس سره- في عدّ الفرد المنتشر أمرا خارجيا و ان كان خلاف التحقيق و لكن كلامه في عدم وجود الكلي الّا بوجود الأفراد كلام صحيح. فكما ان المبيع اذا كان كليا مطلقا كمنّ من حنطة لا يكون بنفسه موجودا في الخارج بل في ذمة البائع غاية الأمر قابلية كل منّ خارجي من تطبيق المبيع عليه فكذلك اذا كان كليا مقيدا كمنّ من حنطة اصفهان او صاع من هذه الصبرة، فجميع تشخصات الصيعان باقية على ملك مالكها و لم ينتقل منها شي ء الى المشتري.

غاية الأمر انه ليس للبائع اتلاف جميعها لوجوب حفظ القدرة على الأداء و لكن قبل الأداء يكون جميع مصاديق الصاع و أشخاصه للبائع و لذا لا يجب على البائع تحصيل رضا المشتري في مقام التصرف بخلاف ما اذا كان المبيع السهم المشاع.

نعم يمكن ان يقال ان الكلي المطلق ظرفه ذمّة البائع و لكن الكلي المقيد في المقام ظرفه

الصبرة الخارجية فكأن ذمة الصبرة الخارجية مشغولة بهذا الصاع المبيع، و لكن هذا لا يلازم شركة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 190

..........

______________________________

المشتري في الصبرة و انتقال شي ء منها اليه فتأمل، فان الظاهر عدم الفرق بين منّ من حنطة اصفهان و صاع من هذه الصبرة، فكما ان خارجية اصفهان لا توجب اشتغال ذمة هذه البلدة فكذلك خارجية الصبرة لا توجب اشتغال ذمتها فيكون ظرف الكلي المقيد أيضا مثل الكلي المطلق ذمّة البائع.

[التنبيه الثالث: معنى العفو عما بين النصب]

التنبيه الثالث: هل العفو عما بين النصب بمعنى عدم وقوعه متعلقا لحق الفقراء أصلا و كون المتعلق مقدار النصاب، او بمعنى عدم ثبوت شي ء زائد على ما ثبت بالنصاب الذي قبله و ان كان الحق متعلقا بالمجموع، مثلا اذا كان له تسع من النوق فهل يكون المتعلق للزكاة مجموع التسع او الخمس منها؟ وجهان.

ربما يتوهم ان معنى كون الأربعة في المثال عفوا عدم كونها متعلقة لحق الفقراء و ان المتعلق له خصوص الخمس الموجود في ضمن التسع.

و لكن الظاهر من الروايات خلاف ذلك، ففي صحيحة زرارة: «فاذا كانت خمسا ففيها شاة الى عشرة» و كذا: «فاذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض الى خمس و ثلاثين»، «فان زادت واحدة ففيها جذعة الى خمس و سبعين» «1». الى غير ذلك من الجمل التي ذكرت فيها كلمة «الى»، فان ظاهرها كون ما بين النصابين أيضا متعلقا للفريضة المذكورة.

و أوضح من ذلك ما في صحيحة الفضلاء في نصاب الغنم حيث قال: في كل أربعين شاة شاة، و ليس فيما دون الأربعين شي ء، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين و مأئة فاذا بلغت عشرين و مأئة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فاذا زادت على مأئة و عشرين

ففيها شاتان، و ليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مأتين فاذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ... «2».

فانظر كيف صرح بثبوت الشاة في عشرين و مأئة و الشاتين في مأتين و الظاهر كون الشاة مثلا لمجموع العشرين و المائة لا لخصوص الأربعين في ضمنه. و على هذا فيراد بقوله في الفقرة الأولى: «ثم ليس فيها شي ء» عدم شي ء أزيد من شاة كما يدل عليه قوله في الفقرة الثانية: «و ليس فيها أكثر من شاتين».

و على هذا فيكون معنى العفو عدم ثبوت شي ء زائد فيه على ما وجب بالنصاب الأول، فلا ينافي كون المجموع متعلقا للحق، و هو المراد أيضا من قوله: «و ليس على النيف شي ء» أي شي ء زائد على ما على العقود.

هذا كله في مقام الاثبات و الاستظهار من الروايات و الّا فعلى القول بثبوت الشركة

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 191

..........

______________________________

و الاشاعة في باب الزكاة لا محيص عن القول بتعلق الزكاة بالمجموع لأن هذا مقتضى كون حق الفقراء ثابتا بنحو الاشاعة في المال الخارجي.

فان قلت: لعل الزكاة ثابتة بنحو الاشاعة في خصوص مقدار النصاب لا المجموع منه و من مقدار العفو.

قلت: ليس مقدار النصاب موجودا مستقلا منحازا عن المجموع نعم هو موجود فيه بالقوة و بنحو الكلي في المعين و حيث عرفت في التنبيه السابق عدم خارجية الكلي في المعين و عدم تحققه بالفعل يظهر لك ان القول باشاعة حق الفقراء فيه يقتضي عدم ثبوت حقهم في الخارج. هف.

فان قلت: أ ليس اذا وجد المائة مثلا في الخارج وجد

في ضمنه الأربعون في الخارج أيضا.

قلت: لا نسلم وجود الأربعين بالفعل في ضمن المائة فان مراتب الأعداد بأسرها متباينة، فالأربعون بحدّه غير موجود في المائة بل يوجد فيها بالقوة و بنحو الكلي في المعيّن.

فتلخص من ذلك ان مقتضى القول بالشركة الخارجية هو القول بتعلق الزكاة بمجموع المال من مقدار النصاب و العفو فتدبر.

و سنعود في آخر التنبيه الخامس ثانيا الى هذا البحث فانتظر.

[التنبيه الرابع: حكم ما بين النصابين]

التنبيه الرابع: في صحيحة الفضلاء بعد نصب الابل و كذا بعد نصب البقر و الغنم: «ليس على النيّف شي ء».

و في نهاية ابن الأثير: «كل ما زاد على عقد فهو نيّف بالتشديد و قد يخفف حتى يبلغ العقد الثاني».

و في المنجد: «النيّف و النيف: الزيادة يقال: عشرة و نيّف او و نيف و كل ما زاد على العقد فنيف الى أن يبلغ العقد الثاني و لا تستعمل لفظة نيّف الّا بعد عقد فيقال: عشرة و نيف و مأئة و نيف و ألف و نيف و لكن لا يقال: خمسة عشر و نيف».

فعلى ذلك يكون قوله: «و ليس على النيف شي ء» مرتبطا بالنصاب الأخير من الثلاثة فان الاعتبار في النصاب الأخير من الابل باربعين و خمسين و في البقر بثلاثين و اربعين و في الغنم بمائة فيراد بذلك عدم الاعتبار بما بين العقود و اما في النصب الآخر فليس الاعتبار بالعقود الّا في البقر خاصة فلا مجال فيها لقوله: «ليس على النيف شي ء»، و حمل النيّف على ما بين النصابين حمل للّفظ على غير ما يستعمل فيه اصطلاحا و قد عرفت ان معنى الجملة عدم شي ء في النيّف زائدا على ما في قبله من النصاب فلا ينافي كون الفريضة بازاء النصاب و العفو معا

فتدبر.

[التنبيه الخامس: اشكال مشهور في باب نصب الغنم]

التنبيه الخامس: في باب نصب الغنم اشكال مشهور يقال انه مما طرحه المحقق- قدس سره- في درسه و هو انه اذا وجب أربع شياه عند بلوغ الغنم ثلاثمائة و واحدة و لم تتغيّر الفريضة حتى تبلغ خمسمائة فأيّ فائدة في جعل الأربعمائة نصابا و كذلك الكلام على كون النصب أربعة فانه اذا

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 192

..........

______________________________

وجب في المائتين و واحدة ثلاث شياه و كذلك في الثلاثمائة و واحدة فأيّ فائدة في جعل الثاني نصابا مع تداخل النصابين في الفريضة.

أقول: لا يخفى ان الاشكال وارد على صحيحة الفضلاء و كذلك على تقرير الأصحاب للنصب الخمسة او الأربعة و اما على ما بيناه في صحيحة محمد بن قيس فلا يرد الاشكال اذ ليس فيها اسم من الثلاثمائة و واحدة بل ذكر فيها بعد الثلاثمائة قوله: «فاذا كثرت الغنم ففي كل مأئة شاة» و ليس معنى «كثرت»: «زادت» حتى يقال بشموله لثلاثمائة و واحدة فما فوقها بل ذكر هذه الجملة بعد الثلاثمائة ثم جعل الاعتبار بالمائة يستظهر منها كون النظر الى أربعمائة فما فوقها فلا تداخل للنصابين أصلا كما لا يخفى.

و في الحقيقة الاشكال متوجه الى الأصحاب و هو انه على فرض كون النصب في الغنم أربعة لم جعلوا النصاب الرابع ثلاثمائة و واحدة مع عدم ذكرها في الصحيحة و عدم تغير الفريضة فيها الى الأربعمائة؟

و كيف كان فقد أجاب في الجواهر عن الاشكال بأنه يمكن أن يكون الوجه في ذلك متابعة النص او ان الاتحاد في الفريضة مع فرض كون النصاب الثاني كليّا ذا أفراد متعددة ينفرد عن الأول في غالب أفراده غير قادح.

و ردّ عليه في مصباح الفقيه بما حاصله ان الجواب

الأول اسكاتي و الثاني غير حاسم لمادة السؤال اذ ما ذكره بيان لمعقولية جعل النصاب الثاني كليّا و ان اتحد مقتضاه لما قبله في بعض الأفراد و المقصود بالسؤال الاستفهام عن ثمرة جعل الأربعمائة نصابا كليا مع انه لو جعل الخمسمائة نصابا كليا لم يتداخل النصابان أصلا هذا.

و أجاب المحقق بنفسه عن الاشكال بقوله في الشرائع: «و تظهر الفائدة في الوجوب و في الضمان».

بيان ذلك انه اذا كانت أربعمائة فمحل الوجوب مجموعها اذ المجموع نصاب و محل الوجوب النصاب و لو نقصت عن الأربعمائة و لو واحدة فمحل الوجوب الثلاثمائة و واحدة و الزائد عفو، و يتفرع على ذلك جواز تصرف المالك في الزائد قبل اخراج الزكاة هذا بالنسبة الى الوجوب.

و اما الضمان فهو أيضا متفرع على محل الوجوب فلو تلف من أربعمائة واحدة بعد الحول بغير تفريط سقط من الزكاة جزء من مأئة جزء من الشاة و لو كانت ناقصة من أربعمائة و تلف منها شي ء لم يسقط من الفريضة شي ء ما دامت الثلاثمائة و واحدة باقية و كذلك الكلام على القول بالنصب الأربعة.

و ناقش في ذلك صاحب المدارك فقال ما لفظه: «لكن يمكن المناقشة في عدم سقوط شي ء من الفريضة في صورة النقص عن الأربعمائة لأن مقتضى الاشاعة توزيع التالف على الحقّين و ان

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 193

..........

______________________________

كان الزائد عن النصاب عفوا اذ لا منافاة بينهما كما لا يخفى على المتأمّل».

و حاصل اشكاله يرجع الى الاشكال في محل الوجوب و في الضمان معا اذ حاصله ان الزكاة مشاعة في جميع المال فجميعه محل للوجوب و يتبعه عدم الضمان قهرا مع تلف الواحدة لا عن تفريط.

و أجاب في الحدائق عن هذه

المناقشة بما حاصله: «انه ان أريد كون الزكاة حقا شايعا في مجموع المال من النصاب و العفو فهو ممنوع و ان أريد كونها حقا شايعا في مقدار النصاب فقط فهو مسلّم و مقتضاه ما ذكره المحقق. غاية الأمر ان مقدار النصاب غير متميز بل هو مخلوط بالعفو و لكن لا يستلزم هذا تقسيط التالف على العفو لأن النصاب محل الوجوب، و نقصان الفريضة إنما يدور مدار نقصانه و النصاب الآن موجود كملا».

و قرر هذا الكلام في مصباح الفقيه بما حاصله: «ان اشاعة حق الفقير في النصاب لا تتوقف على تميز النصاب بل على تحققه في الواقع فلو باع زيدا مثلا صاعا من صبرة و شرط عليه أن يكون ربعه لعمرو فقد جعل لعمرو في هذه الصبرة ربعا مشاعا من صاع كلي مملوك لزيد متصادق على أي صاع فرض من هذه الصبرة فبقاء ملك عمرو تابع لبقاء ملك زيد الذي هو صاع من هذه الصبرة على سبيل الكلية بحيث لا يرد عليه نقص بتلف شي ء من الصبرة ما دام بقاء صاع منها.

فان أردت مثالا لما نحن فيه فهو فيما لو نذر ان رزقه اللّه عشرين شاة لا بشرط عدم الزيادة و بقيت عنده سنة فنصفها صدقة فرزقه اللّه ثلاثين و بقيت سنة فقد تحقق موضوع نذره و صار نصف العشرين الموجود في الثلاثين صدقة و ان لم يتشخص العشرون فلو تلف بعض الثلاثين قبل السنة او بعدها لم يرد نقص على الصدقة ما بقيت العشرون».

أقول: عمدة الاشكال هو ان الموجود في الخارج هو المتشخصات المتميزات و ان الشي ء ما لم يتشخص لم يوجد و الكلي الطبيعي و ان كان يوجد بوجود أفراده بل هو في الخارج

عين أفراده و لكن المقصود بالكلي في المعين هنا كالصاع من الصبرة ليس هو الصيعان الخارجية الموجودة بعين الصبرة اذ لا شك ان الخارج بخارجيته باق على ملك البائع في بيع صاع من الصبرة و ما لم يشخّص الصاع المبيع في صاع خارجي ليس للمشتري التصرف في الصيعان و الصبرة فكأن المبيع صاع كلي في ذمة هذه الصبرة نظير الصاع الكلي المطلق الثابت في ذمة البائع و ان شئت قلت: المبيع صاع كلي مقيد بالصبرة ثابت في ذمة البائع فليس خارجيا ثابتا في الواقع و اذا لم يكن هو ثابتا في الخارج فعدم خارجية المشاع فيه بطريق أولى، فلو قيل بشركة أرباب الخمس او الزكاة في المال الخارجي و ثبوت حق لهم في الخارج فلا محالة ينحصر ذلك في الاشاعة في ما هو الثابت في الخارج و هو مجموع المال الخارجي دون النصاب المفروض بنحو الكلي في المعين. فلعل هذا ما أراده صاحب المدارك في مناقشته.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 194

و ما بين النصابين في الجميع عفو (1) فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق (2).

[البقر و الجاموس واحد و كذا الضأن و الماعز]

[مسألة 2]: البقر و الجاموس جنس واحد (3) كما انه لا فرق في الابل بين العراب و البخاتي (4) و في الغنم بين المعز و الشاة و الضأن. كذا لا فرق بين الذكر و الأنثى في الكل (5).

______________________________

اللهم الّا ان يقال: ان الشي ء اما ان يوجد في الخارج بنفسه او بمنشإ انتزاعه كجميع المفاهيم الانتزاعية فان وجودها بوجود منشأ انتزاعها، و السهم المشاع أيضا من هذا القبيل فان الموجود في الخارج بنفسه هو ذات المقسوم بوحدته لا الاقسام و السهام، نعم لما كان المقسوم قابلا للقسمة يكون

وجود القابل بنفسه نحو وجود للمقبول. فالموجود بالفعل ذات المقسوم، و الأقسام موجودات بالقوة و يعتبر وجود المقسوم نحو وجود لها و هذا يكفي في الحكم عرفا بوجود الشي ء و اذا اكتفى بهذا النحو من الوجود فنقول نظيره متحقق في الكلي في المعين فان الصاع الكلي موجود بوجود الصبرة عرفا و ان لم يكن متميزا و موجودا بنفسه و لذا لو باع مالك الصبرة صيعانا بمقدارها يحكم عرفا بكونه واجدا لما باعه و لو باع أزيد من ذلك يحكم بعدم واجديته لما باعه.

و بالجملة الحكم بعدم وجود الكلي في المعين ينقض بعدم وجود السهم المشاع أيضا و الحلّ كفاية الوجود التقديري و الوجود بالقوة في كليهما فتدبر، فان للبحث عن هذه المسائل محلا آخر.

(1) قد جرت عادة الفقهاء بتسمية الزائد عن النصاب من الابل «شنقا» محركة و من البقر «و قصا» محركة و من الغنم «عفوا»، و المعنى واحد و المصنف سمى الجميع عفوا.

(2) مرّ الخلاف في ان المراد بالعفو ما لا يتعلق به الزكاة أصلا او مالا يتعلق به أزيد مما وجب بالنصاب الذي قبله فلا ينافي كون المتعلق المجموع من النصاب و العفو، و لعل عبارة المصنف هنا ظاهرة في الثاني.

(3) ففي صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع» قلت له: في الجواميس شي ء؟ قال: مثل ما في البقر «1».

(4) للإطلاق و لصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر «ع» و أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت: فما في البخت السائمة شي ء؟ قال: مثل ما في الابل العربية «2».

(5) كل ذلك لإطلاق الأدلة، و لفظ الشاة يطلق على الضأن و المعز معا، و كذا الذكر و الأنثى. و اشترط في المراسم في الأنعام الثلاثة الأنوثة. و

اجماع المسلمين و اطلاق الأدلة يدفعان قوله فتدبر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 195

[في حكم المال المشترك و المال المتفرق]

[مسألة 3]: في المال المشترك اذا بلغ نصيب كل منهم النصاب وجبت عليهم، و ان بلغ نصيب بعضهم وجبت عليه فقط. و ان كان المجموع نصابا و كان نصيب كل منهم أقل لم يجب على واحد منهم.

[اذا كان مال المالك الواحد متفرقا]

[مسألة 4]: اذا كان مال المالك الواحد متفرقا و لو متباعدا يلاحظ المجموع فاذا كان بقدر النصاب وجبت، و لا يلاحظ كل واحد على حدة (1).

______________________________

(1) أقول: هاتان المسألتان متعانقتان، و ملخّص الكلام فيهما ان فقهاءنا متفقون على ان الاعتبار بوحدة المالك و تعدّده، و انه لا أثر لوحدة مكان المال و تعدّده اصلا. فمال المالك الواحد اذا بلغ النصاب تعلقت به الزكاة سواء كان المال في مكان واحد أو أمكنة متعددة، قريبة او متباعدة و سواء اختلط بمال غيره أم لا.

و يوافقنا في ذلك أبو حنيفة أيضا و لكن الشافعية و الحنابلة قائلون بان الاعتبار بوحدة المال و تعدده بحسب المكان سواء كان المالك واحدا او متعددا. فلو كان أربعون من الغنم لأربعين شخصا بالشركة بينهم تعلقت به الزكاة، و لو كان ثمانون لشخص واحد في موضعين أخذت منه شاتان، و يعنونون المسألة بصدقة الخلطاء سواء كانت «الخلطة» بالضم بمعنى الشركة او «الخلطة» بالكسر بمعنى العشرة بأن يتحد الغنم مثلا في المسرح و المراح و المشرب و الحالب و المحلب و الفحل و نحو ذلك و ان امتاز مال كل مالك بنفسه.

فلنذكر بعض الكلمات و العبارات ثم نذكر الاستدلال لما هو الحق.

ففي نهاية الشيخ: «و لو ان انسانا ملك من المواشي ما يجب فيه الزكاة فان كانت في مواضع متفرقة وجب عليه فيها الزكاة. و ان وجد في موضع واحد من المواشي ما يجب فيه الزكاة لملّاك

جماعة لم يكن عليهم فيها شي ء على حال».

و في زيادات الزكاة من المقنعة: «روى اسماعيل بن مهاجر، عن رجل من ثقيف قال:

استعملني علي بن أبي طالب «ع» على بانقيا و سواد من الكوفة فقال لي: ... و لا تجمع بين متفرق و لا تفرق بين مجتمع، يعني في الملك على ما قدمناه، و المعنى في ذلك انه لا يؤخذ من الشريكين صدقة اذا بلغ ملكهما جميعا مقدار ما يجب فيه الزكاة و لا تسقط الزكاة عن المالك و ان كان ملكه في الأماكن على الافتراق».

و في الشرائع: «و لا يضم مال انسان الى غيره و ان اجتمعت شرائط الخلطة و كانا في مكان واحد بل يعتبر في مال كل واحد بلوغ النصاب، و لا يفرّق بين مالي المالك الواحد و لو تباعد مكانهما».

و في الجواهر بعد العبارة الأولى: «بأن اتحد المسرح و المراح و المشرب و الفحل و الحالب و المحلب، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا بل الاجماع بقسميه عليه، كما ان النصوص

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 196

..........

______________________________

واضحة الدلالة عليه». و بعد الجملة الأخيرة: «بل الاجماع بقسميه عليه و النصوص واضحة الشمول له».

و في الخلاف عنون ثلاث مسائل متواليات:

(المسألة 34): «لا تأثير للخلطة في الزكاة سواء كان خلطة أعيان او خلطة أوصاف و إنما يزكى كل واحد منهما زكاة الانفراد فينظر الى ملكه فان كان فيه الزكاة على الانفراد ففيه الزكاة في الخلطة و ان لم يكن فيه الزكاة على الانفراد فلا زكاة فيه مع الخلطة ... و به قال أبو حنيفة و أصحابه، و قال الشافعي و أصحابه انهما يزكيان زكاة الرجل الواحد فان كان بينهما اربعون شاة كان

فيها شاة كما لو كانت لواحد ...، دليلنا اجماع الفرقة فانهم لا يختلفون فيما قلناه».

(المسألة 35): «اذا كان لرجل واحد ثمانون شاة في موضعين او مأئة و عشرون في ثلاثة مواضع لا يجب عليه أكثر من شاة واحدة و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي: لا يجمع بين ذلك بل يؤخذ منه في كل موضع اذا بلغ النصاب ما يجب فيه، دليلنا اجماع الفرقة».

(المسألة 36): «لا يجب الزكاة في النصاب الواحد اذا كان بين شريكين من الدراهم و الدنانير و أموال التجارات و الغلّات و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي في القديم و قال في الجديد تضم الخلطة في ذلك و تجب فيه الزكاة، دليلنا انه اذا ثبت ان الشركة و الخلطة في المواشي لا يجب فيها الزكاة فلا تجب أيضا في هذه الأموال لأن أحدا لا يفرق بين المسألتين».

و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة: «و ان اختلط جماعة في خمس من الابل او ثلاثين من البقر او أربعين من الغنم و كان مرعاهم و مسرحهم و مبيتهم و محلهم و فحلهم واحدا أخذت منهم الصدقة».

و في المغني في شرح العبارة: «نصّ عليه أحمد و هذا قول عطا و الأوزاعي و الشافعي و الليث و اسحاق، لنا ما روى البخاري في حديث أنس: لا يجمع بين متفرق و لا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة».

هذه بعض العبارات المرتبطة بالمسألتين.

اذا عرفت هذا فنقول يمكن أن يستدل على ما اختاره أصحابنا من كون الاعتبار بوحدة المالك و تعدده بوجوه:

الأول: الاجماع المدعى في الجواهر و غيره و ان كان تحصيله لا يخلو من اشكال لعدم عنوان المسألة في كثير من كتب القدماء.

الثاني: ظواهر الآيات

و الأخبار الحاكمة بوجوب الزكاة مع ما دلّ منها على اعتبار النصاب،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 197

..........

______________________________

فان الظاهر منها ان كل شخص مكلف بتزكية ماله بعد بلوغ النصاب أي بلوغ ماله و الّا فمجموع أموال الناس بحد النصاب دائما.

و بالجملة فتعدد المالك يوجب تعدد التكليف و الموضوع و الشرائط و هذا واضح لا غبار عليه بعد تتبع الآيات و الروايات في الأبواب المختلفة.

الثالث: خبر العلل عن زرارة، عن أبي جعفر «ع» قلت له: مأتي درهم بين خمس أناس أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم أ يجب عليهم زكاتها؟ قال: لا هي بمنزلة تلك، يعني جوابه في الحرث ليس عليهم شي ء حتى يتم لكل انسان منهم مأتا درهم، قلت: و كذلك في الشاة و الابل و البقر و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟ قال: نعم «1».

الرابع: قول النبي «ص» في كتابه لوائل بن حجر الحضرمي و لقومه: «... لا خلاط و لا وراط ...» «2».

و ظاهر الخبر عدم الأثر للخلطة او الخلطة، و الوراط: الخديعة و الغش.

قال الصدوق في المعاني: «و يقال: ان قوله: لا خلاط و لا وراط كقوله: لا يجمع بين متفرق و لا يفرّق بين مجتمع».

الخامس: ما ورد من الطريقين من قوله «ع»: «لا يجمع بين متفرق و لا يفرق بين مجتمع».

ففي صحيحة محمد بن قيس التي مضت في نصب الغنم، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «و لا يفرق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرق».

و في خبر محمد بن خالد انه سأل أبا عبد اللّه عن الصدقة فقال: «مر مصدّقك ان لا يحشر من ماء الى ماء و لا يجمع بين المتفرق و لا يفرق بين المجتمع

الحديث» «3» و قد مرّ نقل الحديث عن البخاري أيضا.

أقول: في معنى الحديث احتمالات:

الأول: ان يراد الاجتماع و التفرق بحسب المكان كما فهمه الشافعي و أصحابه، فيكون المعنى ان المال الواحد المجتمع اذا كان بحد النصاب تعلق به الزكاة و ان كان لملّاك متعددة فلا يفرّق بحسب الملّاك و المال المتعدد المتفرق يراعى كل من أفراده و يؤخذ منه الزكاة و لا يحسب الجميع مالا واحدا بحسب وحدة المالك.

الثاني: ان يراد الاجتماع و التفرق بحسب الملّاك فيكون المعنى ان مال المالك الواحد اذا كان

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 4.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 198

..........

______________________________

بحد النصاب تعلق به الزكاة و ان كان في أمكنة متفرقة فلا يفرّق لذلك و المال المتفرق بحسب المالك لا يجمع بسبب الخلطة او الخلطة بل يحسب مال كل شخص بنفسه. هكذا حمل الحديث أصحابنا.

الثالث: ان يكون مرتبطا بآداب المصدّق فيكون في الحقيقة تفسيرا لقوله: «مر مصدقك ان لا يحشر من ماء الى ماء» اذ لعل المصدق قد يجبر صاحبي الأموال ان يجمعوا أموالهم في مكان واحد ليسهل له جباية زكواتها و قد يجبرهم على تفريقها لذلك فنهاهم الامام عن ذلك.

هذا و لكن يؤيد أحد الأولين قوله في حديث أنس: «خشية الصدقة».

و قال في الدعائم ما لفظه: «و عنهم- عليهم السلام- عن رسول اللّه «ص» انه نهى ان يجمع في الصدقة بين مفترق او يفرّق بين مجتمع.

و ذلك ان لا يجمع أهل المواشي مواشيهم للمصدق اذا أظلّهم ليأخذ

من كل مأئة شاة، و لكن يحسب ما عند كل رجل منهم و يؤخذ منه منفردا ما يجب عليه، لأنه لو كان ثلاثة نفر لكل واحد منهم أربعون شاة فجمعوها لم يجب للمصدق منها الّا شاة واحدة و هي اذا كانت كذلك في أيديهم وجب فيها ثلاث شياه، على كل واحد شاة.

و تفريق المجتمع ان يكون للرجل أربعون شاة فاذا أظلّه المصدق فرّقها فرقتين لئلا تجب فيها الزكاة فهذا ما يظلم فيه أرباب الأنعام.

فاما ما يظلم فيه المصدق فان يجمع مال رجلين لا تجب على كل واحد منهما الزكاة كأن كان لواحد منهما عشرون شاة فاذا جمعها صارت فريضة، و كذلك يفرق بين مال الرجل الواحد يكون له مأئة و عشرون شاة فيجب فيها واحدة فيفرّقها أربعين أربعين ليأخذ منها ثلاثا، فهذا لا يجب و لا ينبغي لأرباب الأموال و لا للسعاة ان يفرقوا بين مجتمع و لا يجمعوا بين مفترق.

و عن جعفر بن محمد «ع» انه قال: و الخلطاء اذا جمعوا مواشيهم و كان الراعي واحدا و الفحل واحدا لم تجمع أموالهم للصدقة و أخذ من مال كل امرئ منهم ما يلزمه، فان كانا شريكين أخذت الصدقة من جميع المال و تراجعا بينهما بالحصص على قدر مال كل واحد منهما من رأس المال» «1».

هذا و الظاهر اجمال الحديث و عدم امكان الاستدلال به.

ففي مصباح الفقيه: «الحق ان هذه العبارة بنفسها مجملة قابلة لمعان عديدة لا تنهض بنفسها شهادة لشي ء من المذهبين، و لعل الحكمة في اجمالها التقية».

و كيف كان فالمسألتان بحسب موازين فقهنا واضحتان لا اشكال فيهما فتدبر.

______________________________

(1)- كتاب الدعائم ج 1، ص 255.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 199

[الواجب من الضأن الجذع و من المعز الثنى]

[مسألة 5]: أقل أسنان

الشاة التي تؤخذ في الغنم و الابل من الضأن الجذع و من المعز الثني (1).

______________________________

(1) القائل به الشيخ، و بنو حمزة و زهرة و ادريس، و الفاضل، و الشهيدان، و العليان، و المقداد، و القطيفي على ما حكي عن بعضهم، بل هو المشهور نقلا على لسان جماعة و تحصيلا، بل في الرياض ليس فيه مخالف يعرف، بل في الخلاف و الغنية الاجماع عليه كذا في الجواهر.

و قيل يجزي ما تسمى شاة، قال في الحدائق: «و هو الأصح و اليه ذهب جملة من أفاضل متأخري المتأخرين عملا باطلاق الأخبار المتقدمة». و في الجواهر: «ربما كان في المحكي عن المنتهى و التحرير نوع ميل اليه».

و في المستمسك: «مال اليه الأردبيلي و المدارك و الخراساني على ما حكي عنهم».

فلنذكر بعض عبارات الأصحاب:

ففي الشرائع: «و الشاة التي تؤخذ في الزكاة قيل: أقله الجذع من الضأن او الثني من المعز، و قيل ما سمي شاة و الأول أظهر».

و في الخلاف (المسألة 20): «المأخوذ من الغنم الجذع من الضأن و الثني من المعز فلا يؤخذ منه دون الجذعة و لا يلزمه أكثر من الثنية و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: لا يؤخذ الّا الثنية فيهما، و قال مالك: الواجب الجذعة فيهما، دليلنا اجماع الفرقة و أيضا روى سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق رسول اللّه «ص» فقال: نهينا أن نأخذ من المراضع و أمرنا أن نأخذ الجذعة و الثنية».

و في الغنية: «و المأخوذ من الضأن الجذع و من المعز الثني و لا يلزم فوق الثني بدليل الاجماع المشار اليه».

و كيف كان يستدل على اعتبار الجذعة و الثنية بالشهرة و بالإجماع المنقول في الخلاف و الغنية، و برواية سويد بن

غفلة المذكورة في الخلاف و غيره، و بمرسلة العوالي المحكية في الجواهر عن النبي «ص» انه أمر عامله أن يأخذ الجذع من الضأن و الثني من المعز، قال: و وجد ذلك في كتاب علي- عليه السلام.

أقول: لو كانت المسألة من المسائل الأصلية المأثورة عن الأئمة المعصومين- سلام اللّه عليهم أجمعين- لكانت مذكورة في الكتب المعدّة لنقل هذه المسائل كالمقنعة و النهاية و المقنع و الهداية، مع انها غير مذكورة فيها، نعم ذكرها الشيخ في خلافه، و مبسوطه الذي هو كتاب تفريعي.

فكشف الشهرة المدعاة و الاجماع المدعى عن كون المسألة متلقاة عن المعصومين «ع» مشكل.

و اما خبر سويد بن غفلة فقد يورد عليه أولا بأنه من الأخبار العامية.

و ثانيا بعدم وجدانه في كتب أهل السنة أيضا، نعم في كتاب الزكاة من سنن أبي داود في خبر مسلم بن شعبة عن رسولي رسول اللّه «ص»: «قد نهانا رسول اللّه ان نأخذ شافعا قلت: فأي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 200

..........

______________________________

شي ء تأخذان؟ قالا عناقا جذعة او ثنية». و لكنه يغاير مضمون خبر سويد.

و ثالثا يحتمل فيه ان يكون: «نهينا و أمرنا» مجهولين فلا يعلم الآمر و الناهي.

و رابعا بأنه لم يذكر فيه كون الجذعة من الضأن و الثنية من المعز، فلعله بالعكس او يكون المقصود التخيير بين الجذعة و الثنية في كليهما. هذا.

و أجيب عن الأول بأن استناد الأصحاب اليه جابر لضعفه فهو و ان لم يكن مرويا في كتب أخبار الامامية و لكن تدوينه في كتبهم الاستدلالية على وجه الاستناد اليه بمنزلة تدوينه في كتب أخبارهم بل أبلغ في الدلالة على الوثوق و الاعتماد عليه.

و نجيب عن الثاني بعدم اضراره بعد نقل الأعاظم له، و في

المغني لابن قدامة- في ذيل قول المصنف: «و يؤخذ من المعز الثني و من الضأن الجذع»-: «لنا ما روى مالك عن سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق رسول اللّه «ص» و قال: أمرنا أن نأخذ الجذعة من الضأن و الثنية من المعز»، و فيه أيضا: «لقول النبي: انما حقنا في الجذعة و الثنية». و هم أبصر بأخبارهم و مواضعها.

و عن الثالث بأن الظاهر كون الآمر و الناهي هو النبي «ص» لعدم كون غيره في عصره ممن يطاع في هذا السنخ من المسائل، مضافا الى ما في التذكرة في مقام نقل الحديث: «لقول سويد بن غفلة أتانا مصدق رسول اللّه «ص» و قال: نهانا رسول اللّه «ص» ان نأخذ المراضع و أمرنا بالجذعة و الثنية». فنسب النهي و الأمر اليه «ص».

و عن الرابع أولا بأن الشيخ في الخلاف (المسألة 12) نقل الحديث و فيه «و أمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن و الثني من المعز».

و ثانيا بأن عدم التعرض لخصوصية الضأن و المعز يوجب اجمال المقيد فيوجب اجمال المطلقات و عدم امكان التمسك بها.

و ثالثا بامكان رفع الاجمال بما ورد في باب الهدى، ففي صحيحة ابن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: يجزي من الضأن الجذع و لا يجزي من المعز الّا الثني.

و في صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما انه سأل عن الأضحية فقال ... و الجذع من الضأن يجزي و الثني من المعز.

و في صحيحة حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» أدنى ما يجزي من أسنان الغنم في الهدي فقال: الجذع من الضأن، قلت: فالمعز؟ قال: لا يجوز الجذع من المعز، قلت: و لم؟ قال:

لأن الجذع من الضأن يلقح

و الجذع من المعز لا يلقح «1».

هذا مضافا الى عدم وجود هذا الاجمال في مرسلة العوالي فتدبر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 10 الباب 11 من أبواب الذبح، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 201

[معنى الجذع و الثنى]

و الأول ما كمل له سنة واحدة و دخل في الثانية (1).

______________________________

هذا و لكن بعد اللتيا و التي يشكل الاعتماد في مقام الافتاء بالإجماع المنقول و المرسلتين، و اطلاق الشاة في قوله: «في خمس من الابل شاة»، و قوله: «في أربعين شاة شاة» مع كونه في مقام البيان يقتضي كفاية ما يسمى شاة، و انصرافها عن مثل الصغار و السخال لا يقتضي عدم صدقها على من بقي من سنته يوم أو يومان مثلا.

و لكن مخالفة المشهور المفتى به بعد اعتضاده بما هو المسلّم فتوى و رواية في باب الهدي من اعتبار الجذع في الضأن و الثني في المعز، و استظهار كون البابين بملاك واحد من جهة ما يستفاد من صحيحة حماد و غيرها من كون الملاك بلوغ الحيوان و كونه بحيث يستعد للّقاح أشكل، فان المستفاد من الصحيحة و كلمات الأصحاب و أهل اللغة ان الحيوان يلقح في هذا السنّ و ما لم يلقح لم يبلغ فيكون سخلا فينصرف عنه اطلاق الشاة.

و بالجملة يمكن الاستشهاد لهذا الباب بباب الهدي بعد استظهار وحدة الملاك فيهما، فاشتراط كون الضأن جذعة و المعز ثنية ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط و يشكل مخالفته.

(1) نسب الى الصدوقين و الشيخين و السيد في الجمل و سلّار و ابني حمزة و زهرة و الفاضلين، و هو الموافق لقول كثير من أهل اللغة و للاحتياط.

و في القواعد و عن المبسوط و التذكرة و المنتهى و التحرير

و الدروس و البيان و غيرها ما كمل له سبعة أشهر.

قال في الصحاح: «الجذع قبل الثني ... تقول منه لولد الشاة في السنة الثانية و لولد البقرة و الحافر في السنة الثالثة و للإبل في السنة الخامسة أجذع و الجذع اسم له في زمن و ليس بسن تنبت و لا تسقط و قد قيل في ولد النعجة انه يجذع في ستة اشهر او تسعة أشهر و ذلك جائز في الأضحية».

و في نهاية ابن الأثير: «و أصل الجذع من أسنان الدواب و هو ما كان منها شابّا فتيا فهو من الابل ما دخل في السنة الخامسة و من البقر و المعز ما دخل في السنة الثانية، و قيل البقر في الثالثة و من الضأن ما تمت له سنة، و قيل: أقل منها و منهم من يخالف بعض هذا في التقدير».

و في مجمع البحرين: «و في الحديث تكرر ذكر الجذع بفتحتين و هو من الابل ما دخل في السنة الخامسة و من البقر و المعز ما دخل في الثانية، و في المغرب: الجذع من المعز لسنة و من الضأن لثمانية أشهر، و في حياة الحيوان: الجذع من الضأن ماله سنة تامة. هذا هو الصحيح عند أصحابنا و هو الأشهر عند أهل اللغة و غيرهم، و قيل: ما له ستة أشهر، و قيل سبعة، و قيل ثمانية، و قيل ابن عشر حكاه القاضي عياض». انتهى ما في المجمع.

و في المغني لابن قدامة: «الجذع من الضأن و هو ما له ستة أشهر و الثني من المعز و هو ماله سنة».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 202

و الثاني ما كمل له سنتان و دخل في الثالثة (1)

______________________________

و في زكاة المبسوط:

«فاذا دخلت (المعز) في الثانية فهي جذعة و الذكر جذع فاذا دخلت في الثالثة فهي الثنية و الذكر الثني ...، و اما الضأن ... فاذا بلغت سبعة أشهر قال ابن الأعرابي ان كان بين شابّين فهو جذع و ان كان بين هرمين فلا يقال جذع حتى يستكمل ثمانية أشهر و هو جذع أبدا حتى يستكمل سنة فاذا دخل في الثانية فهو ثني و ثنية ... و إنما قيل جذع في الضأن اذا بلغ سبعة أشهر و أجزأ في الأضحية لأنه اذا بلغ سبعة أشهر فان له في هذا الوقت نزو و ضراب و المعز لا ينز و حتى يدخل في السنة الثانية». و نحو ذلك في زكاة التذكرة أيضا.

و في ما ذكر أخيرا من العلة اشارة الى ما مرّ آنفا في صحيحة حماد بن عثمان. و يعلم من ذلك ان الاعتبار ببلوغ الحيوان و خروجه من الصغر و هو يحصل بالنزو و اللقاح.

و في مفتاح الكرامة عن المصباح المنير: «أجذع ولد الشاة في السنة الثانية ثم قال: قال ابن الأعرابي: العناق تجذع لستة أشهر و ربما أجذعت قبل تمامها للخصب فتسمن فيسرع أجذاعها و من الضأن اذا كان بين شابين يجذع لستة أشهر الى سبعة و اذا كان من هرمين اجذع من ثمانية الى عشرة».

و فيه أيضا عن القاموس: «انه يقال لولد الشاة في السنة الثانية» و عن الأزهري: «الجذع من المعز لسنة و من الضأن لثمانية».

و يستفاد مما نقله عن ابن الأعرابي ان الجذع من أوصاف الحيوان لا من أسنانه فهو عبارة عن رشده و بلوغه و لا دخل للسن فيه.

فهذه بعض كلمات اللغويين و الفقهاء في معنى الجذع. و يظهر منها اختلافهم في

الضأن.

و أقل ما قيل فيه ستة أشهر و أكثره سنة. و لعل الأشهر هو سبعة أشهر.

و يأتي بعض الكلمات أيضا عند تفسير الثني.

(1) هل الثني من المعز ما كمل له سنة او سنتان؟ فيه قولان.

ففي الصحاح: «و الثني الذي يلقى ثنيته و يكون ذلك في الظلف و الحافر في السنة الثالثة و في الخف في السنة السادسة».

و في النهاية: «الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة و من البقر كذلك و من الابل في السادسة و الذكر ثني و على مذهب أحمد بن حنبل ما دخل من المعز في الثانية و من البقر في الثالثة».

و في مجمع البحرين: «و الثني الذي ألقى ثنيّته و هو من ذوات الظلف و الحافر في السنة الثالثة و من ذوات الخف في السنة السادسة ... و على ما ذكرناه من معرفة الثني الجمع من أهل اللغة، و قيل: الثني من الخيل ما دخل في الرابعة و من المعز ما له سنة و دخل في الثانية و قد جاء في

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 203

..........

______________________________

الحديث: و الثني من البقر و المعز هو الذي تمّ له سنة».

و لعل مراده بالحديث عبارة الفقيه الآتية.

و قد مرّ في عبارة المبسوط و التذكرة ان المعز اذا دخلت في الثالثة فهي الثنية، و في عبارة المغني ان الثني من المعز ما له سنة.

فهذه بعض كلمات اللغويين و الفقهاء مع اختلافها.

و لكن هنا نكتة يجب أن ينبّه اليها و هي ان الجذع و الثني في باب الزكاة كما عرفت لم يذكرا في الكتب الأصلية الموضوعة لنقل المسائل الأصلية المأثورة عن الأئمة- عليهم السلام- كالمقنعة و النهاية و المقنع و الهداية، و إنما تعرض

لهما الشيخ في خلافه و مبسوطه ثم تعرض لهما المتأخرون و لكن في باب الهدي من الحج تعرض لهما الكتب الأصلية و التفريعية معا و اتفق فيما رأيت من الكتب كلماتهم على كون الثني من المعز ما دخل في الثانية، حتى ان العلامة في التذكرة ذكر في الزكاة منها ان المعز اذا دخلت في الثالثة فهي الثنية، و في الحج منها ان ثني البقر و المعز ما له سنة و دخل في الثانية، و الشيخ ذكر في زكاة المبسوط ان المعز اذا دخلت في الثالثة فهي الثنية و كذا قال في البقر و لكن قال في الهدي من المبسوط ان ثني البقر هو الذي تمت له سنة و دخل في الثانية، نعم قال في كتاب الضحايا منه ان الثني من البقر و المعز ما استكمل سنتين و دخل في الثالثة فكيف التوفيق بين هذه العبارات؟!

و الذي يهمّنا اتفاقهم في باب الهدي في كون الثني من المعز ما دخل في الثانية، كما اتفقوا على أن الثني من الابل ما دخل في السادسة و قد ذكروا ذلك في الكتب الأصلية و التفريعية معا فلنذكر بعض كلماتهم في الحج:

ففي المقنعة: «و اعلم انه لا يجوز في الأضاحي من البدن الّا الثني و هو الذي قد تم له خمس سنين و دخل في السادسة، و لا يجوز من البقر و المعز الّا الثني و هو الذي قد تمّت له سنة و دخل في الثانية، و يجزي من الضأن الجذع لسنة».

و نحوه أيضا في نهاية الشيخ و هداية الصدوق و مراسم سلّار.

و نحوه أيضا عبارة الفقيه في باب الحج و لكن صاحب الوسائل ذكرها بعنوان الرواية فقال:

«قال (الصدوق): و روى

انه لا يجزي في الأضاحي من البدن الّا الثني و هو الذي تم له خمس سنين و دخل في السادسة، و يجزي من المعز و البقر الثني و هو الذي له سنة و دخل في الثانية، و يجزي من الضأن الجذع لسنة» «1».

و لعلها أيضا الحديث الذي ذكره في مجمع البحرين في عبارته السابقة و لكن المراجع الى

______________________________

(1)- الوسائل ج 10 الباب 11 من أبواب الذبح، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 204

..........

______________________________

الفقيه يرى انه لم تذكر كلمة «روي» هنا بل فيه: «و روي ان الجزور يجزي عن عشرة نفر متفرقين و اذا عزّت الأضاحي أجزأت شاة عن سبعين، و لا يجوز في الأضاحي من البدن ...».

و من المحتمل جدّا عدم كون قوله: «و لا يجوز ...» من الرواية بل من كلامه المزدوج مع الرواية كما هو دأبه كثيرا في الفقيه. و لكن لا يخفى ان فتاوى مثل الصدوق و أبيه مأخوذة من الروايات و مما وصل اليهما من شيوخهما.

و في المقنع: «و قال والدي في رسالته إليّ: يا بني اعلم انه لا يجوز في الأضاحي من البدن الّا الثني و هو الذي تمّ له سنة و دخل في الثانية، و يجزي من المعز و البقر الثني و هو الذي تم له خمس سنين و دخل في السادسة، و يجزي من الضأن الجذع لسنة».

و لا يخفى ان مقايسة عبارة المقنع لسائر الكتب التي قدّمنا يوجب الجزم بوقوع الغلط و الاشتباه فيه فذكر البدن بدل المعز و البقر و بالعكس.

و نحوه عبارة فقه الرضا الذي احتملنا كونه رسالة أبيه، ففيه أيضا: «و لا يجوز في الأضاحي من البدن الّا الثني و هو الذي تمّ

له سنة و دخل في الثانية، و من الضأن الجذع لسنة». فذكر فيه البدن بدل المعز و حذف المعز و لعله سقط من العبارة.

و في المستدرك عن بعض نسخ فقه الرضا: «ثم اهرق الدم مما معك الجذع من الضأن و هو ابن سبعة أشهر فصاعدا و الثني من المعز و هو لا ثنى عشر شهرا فصاعدا و من الابل ما كمل خمس سنين و دخل في الستة و الثني من البقر اذا استكمل ثلاث سنين و اول يوم من السنة الرابعة» «1».

و في الغنية: «و أفضل الهدي و الأضاحي من الابل الذي قد تمت له خمس سنين و دخل في السادسة، و من البقر و المعز الذي قد تمت له سنة و دخل في الثانية، و يجزي من الضأن الجذع و هو الذي لم يدخل في السنة الثانية».

و في حج التذكرة: «و لا يجزي في الهدي الّا الجذع من الضأن و الثني من غيره، و الجذع من الضأن هو الذي له ستة أشهر، و ثني المعز و البقر ماله سنة و دخل في الثانية، و ثني الابل ماله خمس سنين و دخل في السادسة».

فهذا بعض ما رأينا من كلماتهم، و أنت ترى توافق كلماتهم في كتاب الحج في كون الثني من المعز ما دخل في الثانية كما توافقوا في كون الثني من الابل ما دخل في السادسة و حيث ان اكثر هذه الكتب موضوعة لبيان الأصول المتلقاة عن الأئمة- عليهم السلام- فيمكن حصول القطع للفقيه بتلقيهم هذا منهم- عليهم السلام.

و يؤيد ذلك ان المستفاد من صحيحة حماد السابقة و كذا كلمات الأصحاب ان الملاك بلوغ

______________________________

(1)- المستدرك ج 2 كتاب الحج الباب 9 من أبواب

الذبح، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 205

..........

______________________________

الضأن و المعز حدّ النزو و اللقاح و هذا لا يتوقف خارجا على مضي السنتين في المعز و حيث ان الجذوعة تحصل قبل الثنية قطعا فمن المحتمل جدا ان يكون كلمة «لسنة» في جذع الضأن مصحف «لستة» و المراد ستة أشهر كما في عبارة التذكرة.

و في المستمسك في ذيل عبارة الفقيه او روايته انه «بقرينة المقابلة يراد منه ما كان في سنة».

و ربما يؤيده عبارة الغنية.

و كيف كان فقد ظهر لك بما نقلناه من كلماتهم ان المشهور بين الأصحاب في كتاب الحج كون الثني من المعز ما دخل في الثانية.

و بذلك يظهر ضعف ما في المستمسك حيث قال: «و قيل ما دخل في الثانية ... و يوافقه مرسل الفقيه المشار اليه آنفا لكن يشكل الاعتماد عليه لضعفه و عدم الجابر له».

و قد عرفت احتمال كون ما في الفقيه من فتاوى الصدوق لا من الرواية و لكن على فرض كونه رواية فأي جابر ينتظر أقوى من الشهرة المحققة من الأصحاب في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة؟ و كأنه- قدس سرّه- لم يراجع كلماتهم في باب الحج.

[ينبغى التنبيه على أمرين:]
اشارة

و ينبغى التنبيه على أمرين:

[الجمع بين تعلق الزكاة بالعين و اعتبار الحول في النصاب]

الأول: قد يقال ان الظاهر مما ورد في زكاة الغنم من ان في كل أربعين شاة شاة ارادة واحدة من النصاب كما هو مقتضى تعلق الزكاة بالعين و حيث ان الحول معتبر في النصاب فلا محالة تكون الفريضة مما حال عليه الحول فيعلم بذلك ان الجذع لا يكون أقل من سنة.

و قد يقرر هذا ببيان آخر فيقال ان الجمع بين تعلق الزكاة بالعين و اعتبار الحول في النصاب و بين تفسير الجذع بماله سبعة أشهر او ثمانية أشهر جمع بين المتهافتين، اللهم الّا ان يخصّ الجذعة و الثنية بالشاة المفروضة في الابل دون الغنم كما عن ظاهر البيان اختياره.

أقول: ما دلّ على اعتبار الجذعة و الثنية من الاجماع و خبر سويد و مرسلة العوالي مطلق يعمّ باب الابل و الغنم فالتفصيل بلا وجه.

و اما ما ذكر من الاشكال ففيه اولا ما في المستمسك من ان مجرد التعلق بالعين لا يقتضي وجوب كون المدفوع جزءا اذ لو كان التعلق بها من قبيل تعلق حق الرهانة لم يقتض ذلك فان العين و ان كانت رهنا على الدين و لكن لا يجب أداؤه منها.

و ثانيا ان تفسير الجذع بما استكمل سنة لا يجدي في التفصي عن الاشكال اذ لا خلاف في كفاية ما تمّ له سنة و ان كان جميع الأربعين من الثنية فما فوقها فما هو الوجه في الاجتزاء بما له سنة عن زكاة الأربعين التي جميعها ثنية او رباعية فما فوق هو الوجه في الاجتزاء بالجذع و ان فسّر بما له سبعة أشهر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 206

..........

______________________________

و ثالثا بالحل و هو ان مقتضى تعلق الزكاة بالعين ليس كون الفريضة

من أفراد النصاب اما في قوله «في خمس من الابل شاة» فواضح و اما في قوله «في ست و عشرين من الابل بنت مخاض» مثلا فلأن اطلاق الرواية يشمل صورة عدم وجود بنت المخاض في النصاب أصلا و كون الجميع حقة او جذعة مثلا و كذا وجوب تبيع في ثلاثين بقرة او مسنة في اربعين منها يشمل باطلاقه صورة عدم وجود الفريضة في النصاب أصلا و هكذا وجوب الجذعة او الثنية في أربعين شاة يعمّ صورة كون جميع الأربعين فوق الجذعة و الثنية.

و على هذا فيكون مقتضى التعلق بالعين و كون حق الفقراء مشاعا فيها هو كون الحصة المشاعة الثابتة في العين مقدّرة عند الشارع بالفريضة المذكورة، فمعنى قوله: «في خمس من الابل شاة» ان للفقراء في خمس من الابل سهما مشاعا قوّمه و قدره الشارع بشاة، فالشاة هي الفريضة المجعولة بالاصالة و التقدير شرعي و مع ذلك الاشاعة حاصلة و هذا المعنى بعينه جار في قوله «في ست و عشرين من الابل بنت مخاض» و قوله: «في ثلاثين بقرة تبيع» و قوله: «في أربعين شاة شاة» و نحو ذلك.

و قد أشار الى هذا المعنى صاحب الجواهر حيث قال: «المنساق الى الذهن من أمثال هذه الخطابات التي ستعرف ارادة تقدير الحصة المشاعة للفقير في النصاب بذكر التبيع و الشاة و بنت المخاض و غيرها من الفرائض فيها لا ان المراد أعيانها التي قد لا تكون في النصاب».

و بما ذكرنا ظهر وجه الفرع الآتي في كلام المصنف أعني عدم تعين دفع الزكاة من النصاب فانتظر.

[الأمر الثاني: لو شك في مفهوم الجذع و الثنى]

الأمر الثاني: قد عرفت الاختلاف في معنى الجذع و الثني فلو بقي لنا الشك في مفهومهما فان قيل ان الجذوعة من

أوصاف الحيوان لا من أسنانه فأريد بها مثلا حدّ خاص من رشد الحيوان و يختلف ذلك بحسب سنّ و الديه و غذائه و تربيته كما مرّ عن ابن الأعرابي فلا محالة يجب الاحتياط، اذ الشغل اليقيني يستدعي البراءة اليقينية.

و ان قيل بأن الجذوعة كالثنية من أسنانه او شك في انها من الأوصاف او من الأسنان فلا محالة يكون المخصص مجملا مرددا بين الأقل و الأكثر فان سلمنا الاطلاق في الشاة المذكورة في قوله: «في خمس من الابل شاة» أو قوله: «في أربعين شاة شاة» أخذنا في مورد الشك بالاطلاق و ان منعناه كما في الجواهر و قلنا بعدم كونه في مقام البيان و ان المنظور بيان ان الفريضة في خمس من الابل شاة لا بقرة مثلا كان المرجع أصالة البراءة من الأكثر فتقييد الشاة في المعز بمضي السنة معلوم و بالزائد مجهول يرفع بالبراءة اللهم إلّا ان يقال ان ما هو حق للفقراء أولا و بالذات هي الحصة المشاعة في العين و إنما قوّمها الشارع بالفريضة فما لم يحرز أداء المقدر الشرعي كانت الاشاعة و الشركة في العين باقية و بالجملة لا يحصل العلم بخلوص المال من الحصة المشاعة ما لم يحرز كون

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 207

[في جواز اداء الفريضة من غير النصاب]

و لا يتعين عليه أن يدفع الزكاة من النصاب بل له أن يدفع شاة أخرى (1)

______________________________

المؤدى مصداقا للفريضة التي جعلها الشارع عوضا عنها فتدبر.

(1) في المسألة قولان: الأول: ما ذكره المصنف و هو المشهور بل ادعى جماعة عليه الاجماع.

ففي الجواهر: «مع ان الاجماع المحكى عن جماعة على جوازه (الاعطاء من غير العين) بل يمكن تحصيله».

و في زكاة الشيخ الأنصاري- قدس سره-: «لجواز دفع شاة أخرى

من غير النصاب على وجه الأصالة دون القيمة اتفاقا على الظاهر».

و في الكفاية: «و نقل جماعة من الأصحاب الاجماع على جواز اعطاء الفريضة من غير النصاب و ان اشتمل عليها».

الثاني: ما في المستند من كونه على وجه القيمة.

ففيه: «و اما الذكر عن الأنثى و بالعكس فلا يجزي الّا بالقيمة لما يأتي من تعلق الزكاة أصالة بالعين و من هذا يظهر انه لا يجوز دفع غير بعض آحاد الفريضة فيما يتعلق بالعين الّا مع اعتبار القيمة فلا يدفع غير غنم البلد بل و لا غير الغنم الذي تعلقت به الزكاة لفريضة الأغنام الّا بالقيمة».

و فيه أيضا: «قالوا: الفريضة و ان تعلقت بالعين الّا انه يجوز اخراجها من غير عين النصاب و ان اشتمل عليها بالإجماع على ما نقله جماعة و يدل عليه صحيحة البصري المتقدمة، و قد ينسب المخالفة الى شاذّ. أقول: المخالفة ان كانت في الاخراج من غير النصاب مطلقا و لو بالقيمة فهي ضعيفة للصحيحة و ساير روايات القيمة الآتية و ان كانت في اخراج جنس النصاب من غيره بدون اعتبار القيمة فهي قوية اذ لا دليل على كفاية مطلق الجنس و لو من غير النصاب فان الاطلاقات كلها مما يستدل بها على التعلق بالعين كقولهم: في أربعين شاة شاة و نحوه و لا يثبت منه أزيد من كفاية المطلق مما في العين و اما المطلق من غيره فلا دليل عليه».

أقول: قد عرفت ان مقتضى قوله: «في ست و عشرين من الابل بنت مخاض» مثلا او «في ثلاثين بقرة تبيع حولي» وجوب هذه الفريضة في هذا النصاب مطلقا سواء وجدت فيه أم لا اذ من الممكن عدم وجود بنت المخاض او التبيع في النصاب

المذكور و كذلك الشاة في قوله: «في أربعين شاة شاة» بعد تقييدها بالجذعة و الثنية يمكن عدم وجودها في الأربعين، فاطلاق الأدلة يقتضي جواز الأداء و لو من غير النصاب و لا دليل على تقييد الفريضة بالنصاب من غير فرق في ذلك بين زكاة الابل و البقر و الغنم. فعلى القول بالاشاعة تكون الحصة المشاعة في النصاب مقدرة بالفريضة و التقدير من قبل نفس الشارع فيكون أداؤها و لو من غير النصاب على وجه الأصالة لا على وجه القيمة كما صرّح به الشيخ في عبارته المتقدمة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 208

سواء كانت من ذلك البلد أو غيره (1)،

______________________________

ثم لا يخفى انه مع اطلاق الفريضة لغير ما في النصاب يشكل تصوير كون التعلق على نحو الكلي في المعين كما يختاره المصنف، فانه في مثال بيع الصاع من الصبرة يكون الصاع داخلا في الصبرة، و في ما نحن فيه لا يلزم اشتمال النصاب على الفريضة.

و بالجملة فبين تجويز الدفع من غير النصاب على وجه الأصالة و كون التعلق بنحو الكلي في المعين يوجد نحو تهافت. هذا.

و يمكن ان يستدل على جواز دفع الفريضة من غير النصاب مضافا الى ما مرّ من الاطلاق بصحيحة عبد الرحمن البصري قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل لم يزك ابله او شاته عامين فباعها على من اشتراها ان يزكّيها لما مضى؟ قال: نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع «1». اللهم الّا ان تحمل على القيمة.

و مثلها صحيحة ابن سنان الواردة في بيع أبي جعفر «ع» أرضه من هشام بألف دينار و اشتراط زكاة المال على المشتري عشر سنين، و صحيحة الحلبي الواردة في بيع

أبي جعفر «ع» أرضه من سليمان بمال و اشتراط زكاته ست سنين «2».

(1) في المسألة أقوال ثلاثة: الأول: ما في المتن و نسب الى المشهور.

الثاني: ما في الخلاف و المبسوط من اعتبار كون المدفوع من البلد.

ففي الخلاف (المسألة 12): «من وجبت عليه شاة في خمس من الابل أخذت منه من غالب غنم أهل البلد سواء كانت غنم أهل البلد شامية او مغربية او نبطية و سواء كان ضأنا او ما عزا و به قال الشافعي، و قال مالك نظر الى غالب ذلك فان كان الضأن هو الغالب أخذت منه و ان كان الماعز الأغلب أخذ منه».

و في المبسوط في باب زكاة الابل: «و يؤخذ من نوع البلد لا من نوع بلد آخر لأن الأنواع تختلف فالمكّية بخلاف العربية و العربية بخلاف النبطية و كذلك الشامية و العراقية».

الثالث: ما عن جامع المقاصد و في المسالك من التفصيل بين ما يدفع عن الابل و ما يدفع عن الغنم.

ففي المسالك في ذيل قول المصنف: «و يجوز ان يدفع من غير غنم البلد و ان كان أدون قيمة» قال: «هذا مع التساوي في القيمة او كونها زكاة الابل و الّا لم يجز الّا بالقيمة».

أقول: استدل للقول الاول بعدم الفرق بين ما في البلد و غيره في الدخول تحت اطلاق الفريضة فاذا جاز دفع ما هو خارج من النصاب على وجه الأصالة و استفدنا ذلك من اطلاق

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 209

و ان كان أدون قيمة من أفراد ما في النصاب (1)

و كذا الحال في الابل و البقر.

[المدار الفرد الوسط]

فالمدار في الجميع الفرد الوسط من المسمّى (2) لا الأعلى و لا الأدنى و ان كان لو تطوع بالعالي أو الأعلى كان أحسن و زاد خيرا.

______________________________

الدليل فلا يفرق فيه بين ما في البلد و غيره، نعم لو كان الوجه في الجواز الاجماع أمكن القول بأن المتيقن منه ما في البلد.

و يرد على ما استدل به الشيخ بأنه من الممكن اتفاق ما في خارج البلد للنصاب صنفا و اختلاف ما في البلد له كذلك، فليس الاعتبار بعنوان كونه في البلد مضافا الى عدم الدليل على اعتبار الاتفاق بين المدفوع و النصاب بعد كون كليهما من نوع الغنم.

و اما تفصيل المسالك فلعله مبتن على القول بالشركة و الاشاعة في الغنم دون الابل لعدم فرضها فيه و مقتضى الاشاعة الدفع من النّصاب او مما يساويه قيمة كغنم البلد.

هذا و لكن قد عرفت ان الاشاعة في الجميع بمعنى واحد و هو تقدير الحصة المشاعة شرعا بالفريضة و لا يجب كونها من النصاب سواء في ذلك الابل و البقر و الغنم.

(1) مع فرض كونه من أفراد المتوسط بحسب النوع.

هذا و لكن يشكل الالتزام بجواز اعطاء الفرد الأدون من جميع أفراد النصاب فمن كان له اربعون من الأغنام السمينة العالية الغالية فالشاة الواجبة عليه و ان لم تتقيد بكونها من النصاب و لكن تنصرف عن الأدون من جميع أفراد النصاب.

(2) في الجواهر: «نعم قد يقوى وجوب الوسط بما يصدق عليه اسم الفريضة في المقام و غيره فلا يكلف الأعلى و لا يجزيه الأدنى لأنه المنساق الى الذهن من أمثال هذه الخطابات التي ستعرف ارادة تقدير الحصة المشاعة للفقير في النصاب بذكر التبيع و الشاة

و بنت المخاض و غيرها من الفرائض فيها لا ان المراد أعيانها التي قد لا تكون في النصاب بل ليست فيه قطعا في الخمس من الابل و نحوه».

أقول: يستدل على اعتبار الوسط بوجوه:

الأول: الانصراف المشار اليه في الجواهر. و يمكن أن يورد عليه بأن الانصراف البدوي لا يوجب رفع اليد عن المطلق الّا ان يكون من الوضوح بحدّ يكون كالقرينة المتصلة الرافعة للإطلاق.

الثاني: ما في المستمسك و حاصله: «انه لو أريد تقدير المالية وجب أن يكون التقدير بما لا يقبل الزيادة و النقصان فالتقدير يجب أن يكون بالأعلى فقط او بالوسط فقط او بالأدنى كذلك اذ لا يمكن أن تكون الحصة المشاعة مساوية للجميع، و اذ لا قرينة على ارادة الأعلى أو الأدنى وجب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 210

..........

______________________________

الحمل على الوسط اذ كون الوسط متعارفا و غالبا مما يصلح للقرينيّة له، و هذا البرهان غير الانصراف المدعى لكنه يتوقف على تمامية الأدلة على كون المراد تقدير الحصة المشاعة المملوكة للفقير بالفريضة، و لازمه ان يكون دفع الأعلى دفعا للواجب و زيادة لا دفعا لمصداق الفريضة و ان يكون الدفع من غير النصاب دفعا للبدل و قد عرفت الاجماع على خلافه».

و لا بأس بما ذكره غير ما ذكر أخيرا من ان لازم التقدير كون الدفع من غير النصاب دفعا للبدل، لوضوح بطلانه حيث ان الفريضة على الفرض أعم مما في النصاب فيكون المدفوع من غيره أيضا على وجه الأصالة.

الثالث: قوله- تعالى- في سورة البقرة: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ».

و في الحديث: «كان اناس على عهد رسول اللّه «ص»

يتصدقون بأشرّ ما عندهم من التمر الرقيق القشر الكبير النوى يقال له: المعافارة ففي ذلك أنزل اللّه: و لا تيمّموا الخبيث منه تنفقون» «1».

و عن الكافي في تفسير الآية عن أبي عبد اللّه «ع» قال: كان رسول اللّه «ص» اذا أمر بالنخل ان يزكّى يجي ء قوم بألوان من التمر و هو من أردإ التمر يؤدّونه من زكاتهم تمرا يقال له الجعرور و المعافارة قليلة اللحاء عظيمة النوى و كان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيد فقال رسول اللّه «ص»: لا تخرصوا هاتين التمرتين و لا تجيئوا منهما بشي ء و في ذلك نزل: و لا تيمّموا الخبيث ...، الى غير ذلك من الروايات التي يستفاد منها النهي عن دفع الأدنى «2».

و في باب أدب المصدق من زكاة البحار عن العياشي، عن الحسن بن علي بن النعمان، عن أبيه، عمن سمع أبا عبد اللّه «ع» و هو يقول: ان اللّه أدّب رسوله «ص» فقال: يا محمد خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجٰاهِلِينَ قال: خذ منهم ما طهر و ما تيسّر و العفو الوسط «3».

و في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع» انه قال: لا يأخذ المصدق في الصدقة اللحم السمينة ... و لا يأخذ شرارها و لا خيارها «4».

و كيف كان فالظاهر عدم اجزاء الفرد الداني، اللهم الّا أن يكون جميع النصاب من هذا القبيل فان اجباره حينئذ على شراء الفرد الوسط او الأعلى يحتاج الى دليل و الآية و الروايات منصرفة عن مثل هذا الفرض فتدبر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 19 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 19 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1 و ...

(3)- بحار الأنوار

ج 96 من الطبع الجديد، ص 84.

(4)- دعائم الإسلام ج 1 ص 256.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 211

[الخيار للمالك لا للساعى او الفقير]

و الخيار للمالك لا للساعي أو الفقير (1) فليس لهما الاقتراح عليه،

______________________________

(1) على المشهور بل عن ظاهر التذكرة الاجماع عليه كذا في الجواهر. قال: «لأنه المخاطب بايتاء الزكاة فبدفعها على مقتضى ما خوطب به يتحقق امتثاله».

و في مصباح الفقيه في ذيل قول المصنف: «و ليس للساعي التخيير» ما حاصله: «اذ ليس له الّا مطالبة المالك بالخروج عن عهدة الزكاة التي أوجبها اللّه في ماله فاذا دفع اليه المالك شيئا مما يندرج في مسمّى الفريضة ليس له الامتناع من قبوله فان لم يقبل منه و كلفه بفرد آخر فقد تعدى الساعي عن حدّه و ألزمه بما لم يتعين عليه شرعا. فلم يجب على المالك الالتزام به بل له الخيار في تعيين أي فرد شاء».

أقول: عن الشيخ و جماعة القرعة مع المشاحّة.

ففي المبسوط: «و ان تشاحّا أقرع بين الابل و يقسم أبدا حتى يبقى المقدار الذي فيه ما يجب عليه».

و لا يخفى ان مقتضى قواعد الاشاعة و الشركة أيضا ذلك فان المال المشترك لا يقسم الّا برضا جميع الشركاء و يقرع بينهم مع التشاحّ فيكون الاختيار بيد المالك يحتاج الى دليل.

و ما يمكن ان يستدل به لذلك أمور: الأول: الاجماع المدعى.

الثاني: السيرة المستمرة على تأدية الملّاك للأخماس و الزكوات و لم يعهد في عصر اقتراح الساعي او الفقير على المالك، و المأمور به في القرآن و الأخبار أيضا ايتاء الزكاة فظاهرها احالة الايتاء الى المالك و لا سيما بعد ترخيص الأئمة- عليهم السلام- للشيعة في ايصال الزكوات الى أهلها و توزيعها في مصارفها.

الثالث: ما دلّ على كون الاختيار

بعد تقسيم الساعي بيد المالك فراجع الوسائل.

ففي صحيحة بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: بعث أمير المؤمنين «ع» مصدقا من الكوفة الى باديتها فقال له ... فاذا أتيت ماله فلا تدخله الّا بإذنه فان أكثره له، فقل:

يا عبد اللّه أ تأذن لي في دخول مالك؟ فان أذن لك فلا تدخله دخول متسلّط عليه فيه و لا عنف به فاصدع المال صدعين ثم خيّره أي الصدعين شاء فأيهما اختار فلا تعرّض له ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيّره فأيّهما اختار فلا تعرّض له و لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق اللّه في ماله، فاذا بقي ذلك فاقبض حق اللّه منه و ان استقالك فأقله ثم اخلطهما و اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق اللّه في ماله ...، و نحوه ما في نهج البلاغة و ما في خبر محمد بن خالد فراجع «1».

اللهم الّا ان يقال ان ما تضمنته هذه الروايات دستور أخلاقي لمن خوطب به من السعاة فلا تدل على وجوب رعايته على الجميع.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1، 7 و 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 212

[يجوز الاداء بالقيمة السوقية]

بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية (1)

______________________________

(1) اما في الغلات و النقدين فلا شبهة و لا خلاف يعتد به فيه، بل عن صريح المعتبر و التذكرة و المفاتيح و ظاهر المبسوط و غيره دعوى الاجماع عليه، بل لم ينقل الخلاف فيه الّا عن الاسكافي و قد حكي عن شرح الروضة موافقة الاسكافي أيضا للمشهور.

قال في الخلاف (المسألة 58): «يجوز اخراج القيمة في الزكوات كلها و في الفطرة أي

شي ء كانت القيمة و تكون القيمة على وجه البدل ...، دليلنا اجماع الفرقة فانهم لا يختلفون في ذلك».

و في الانتصار في زكاة الأنعام: «و يمكن أن يحمل ذكر بنت مخاض و ابن لبون في خمس و عشرين على سبيل القيمة ... و عندنا ان القيمة يجوز أخذها في الصدقات».

و في الغنية في زكاة الأنعام: «و على هذا الحساب يؤخذ مع ما علا أو دنا بدرجتين او ثلاث بالإجماع المشار اليه فان أصحابنا لا يختلفون في جواز أخذ القيمة في الزكاة». و ظاهرهما الاطلاق.

و في المعتبر: «يجوز اخراج القيمة في الزكاة عن الفضة و الذهب و الغلات و به قال علماؤنا أجمع و هو قول أبي حنيفة، و قال الشافعي لا يجزي، لنا ان معاذا كان يأخذ من أهل اليمن الثياب عوضا عن الزكاة».

و اما في الأنعام فظاهر الخلاف و الانتصار و الغنية أيضا الاجماع عليه.

و لكن في المقنعة بعد تجويز القيمة في الغلات و النقدين قال: «و لا يجوز اخراج القيمة في زكاة الأنعام الّا ان تعدم ذوات الأسنان المخصوصة في الزكاة».

و في المعتبر بعد نقل كلام المقنعة قال: «و استدل شيخنا باجماع الفرقة و أخبارهم، و في استدلاله بالإجماع اشكال و الأخبار غير دالة على موضع النزاع فاذن ما ذهب اليه المفيد أحوط».

و لكنه قال في الشرائع: «و يجوز ان يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية و من العين أفضل و كذا في سائر الأجناس». فلم يفرق بين الأنعام و غيرها.

و كيف كان فلنذكر أدلة المسألة فنقول يدل على اجزاء القيمة مضافا الى الاجماع المدعى أخبار ذكرها في الوسائل في الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة:

منها صحيحة محمد بن خالد البرقي

قال: كتبت الى أبي جعفر الثاني «ع» هل يجوز ان أخرج عما يجب في الحرث من الحنطة او الشعير و ما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوّى أم لا يجوز الّا ان يخرج من كل شي ء ما فيه؟ فأجاب أيّما تيسّر يخرج.

و السؤال و ان كان عن الحنطة و الشعير و الذهب و لكن لما ذكر في عدله: «ان يخرج من كل شي ء ما فيه» فلعله يستفاد منه ان السؤال مطلق و كأنه قال: هل يجوز أن يخرج القيمة في كل شي ء او يجب أن يخرج من كل شي ء ما فيه و الجواب أيضا مطلق، فيكون ذكر الثلاثة في السؤال من باب المثال و لذا لا شك في إلحاق التمر و الزبيب بها. فهذا التقريب يوجب اسراء

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 213

..........

______________________________

الحكم في الأنعام و استفادته من الصحيحة أيضا.

و منها صحيحة علي بن جعفر «ع» قال: سألت أبا الحسن موسى «ع» عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة أ يحل ذلك؟ قال: لا بأس به.

و منها خبر قرب الاسناد عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فاشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى ان ذلك خير لهم؟ قال: فقال: لا بأس.

و الخبر مطلق من جهتين: الأول من جهة شموله للأنعام. الثاني من جهة جواز دفع القيمة و لو من غير الأثمان.

و في المستمسك: «الظاهر اعتباره سندا اذ ليس فيه من يتأمل فيه سوى محمد بن الوليد و الظاهر انه البجلي الثقة بملاحظة طبقته و روايته عن يونس».

و الخدشة في دلالته باحتمال كون المراد اعطائهم من العين ثم

الأخذ منهم و الاشتراء بها مدفوعة بأنه على هذا الفرض لا اشكال في الجواز كي يسأل عنه فالظاهر ان المراد الاشتراء بها قبل الاعطاء، فكأن قوله: «فاشترى لهم ...» بيان لكيفية الاعطاء.

و كيف كان فاجزاء القيمة في الغلات و النقدين مما لا ريب فيه بحسب النصوص و الفتاوى و عليه الاجماع أيضا.

و إنما الاشكال في الانعام الثلاثة، فمقتضى الشهرة المحققة و اجماع الخلاف و الانتصار و الغنية اجزاء القيمة فيها أيضا.

و لكن منعه في المقنعة و مال اليه في المعتبر و في المدارك انه جيّد و في الحدائق انه بمحل من القوة، قال: «فان مقتضى الأدلة وجوب اخراج الفرائض المخصوصة فلا يجوز العدول عنها الّا بدليل».

و يمكن ان يؤيد المنع بوجوه: الأول: استمرار سيرة النبي «ص» و الخلفاء على اعزام السعاة و المصدقين على مجتمع قطائع الأنعام الثلاثة و اخذهم الزكوات من أعيانها، ففي صحيحة بريد بن معاوية: «بعث أمير المؤمنين «ع» مصدقا من الكوفة الى باديتها فقال له ... فاصدع المال صدعين ...»، و كذلك سائر أخبار الباب فراجع الباب 14 من زكاة الأنعام. فلو جاز أخذ القيمة أمروهم على مطالبتها و كانت أسهل.

الثاني: ما دلّ على جواز أخذ الابدال و ان من وجب عليه السن الأعلى من الابل لو فقده و كان عنده السن الأدون أخذ منه و جبر بشاتين او عشرين درهما و لو وجب عليه الأدنى ففقده أخذ منه الأعلى و ردّ عليه شاتان او عشرون درهما فراجع صحيحة زرارة و رواية ابن مقرن «1».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 13 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 214

..........

______________________________

فيظهر منها تعيّن الأنعام و لو بابدالها و

لو جازت القيمة أمر- عليه السلام- بها عملا بسهولة الشريعة المحمدية.

الثالث: ما في الدعائم عن علي «ع»: «انه أمر أن تؤخذ الصدقة على وجهها: الابل من الابل و البقر من البقر و الغنم و الحنطة من الحنطة و التمر من التمر» «1».

هذا و لكن اعزام السعاة لأخذ الأنعام او ابدالها كان بملاحظة تسهيل الأمر على الناس حيث ان الأنعام كانت في البوادي و قلّت في تلك الأعصار الأثمان و لذا كانت أكثر المعاملات بتبادل الأجناس، فلتسهيل الأمر عليهم كان النبي «ص» و الخلفاء يرسلون المصدقين الى مجتمع الأنعام في البوادي ليرفعوا عنهم كلفة اتيان الأموال بأنفسهم الى مقرّ النبي «ص» و الخلفاء.

و على هذا أيضا يحمل خبر الدعائم و لذا ذكر فيه الحنطة و التمر أيضا مع جواز القيمة فيهما بلا اشكال.

و في الدعائم بعد الخبر: «هذا اذا لم يكن أهل الصدقات أهل تبر و لا ورق و كذلك كانوا يومئذ».

و بالجملة فلهذه الأخبار محمل فالعمدة اقامة الدليل على الجواز و الّا فالأصل يقتضي المنع.

فنقول يمكن أن يستدل للجواز بوجوه: الأول: الشهرة و اطلاق اجماع الخلاف و الانتصار و الغنية و ان استشكل في ثبوت الاجماع في الأنعام في المعتبر كما مرّ.

الثاني: صحيحة البرقي بتقريب يشمل الأنعام كما مرّ.

الثالث: خبر قرب الاسناد عن يونس بن يعقوب الشامل باطلاقه لها و قد مرّ توثيق المستمسك إياه.

الرابع: ما دلّ على جواز احتساب الدين من الزكاة الشامل باطلاقه لما اذا كانت الزكاة من الأنعام الثلاثة.

ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن الأول- عليه السلام- عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي ان أدعه

فاحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: نعم «2». و نحوها في الدلالة موثقة سماعة 3.

الخامس: ما دلّ على جواز احجاج الغير بالزكاة.

ففي صحيحة علي بن يقطين انه قال لأبي الحسن الأول «ع»: يكون عندي المال من الزكاة فأحجّ به موالىّ و أقاربي؟ قال: نعم لا بأس «4». و الاحجاج قد لا يمكن إلّا بالقيمة و الاطلاق

______________________________

(1)- دعائم الإسلام ج 1، ص 253.

(2) (2)- و (3)- الوسائل ج 6 الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2 و 3.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 42 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 215

من النقدين أو غيرهما (1)

______________________________

يشمل الأنعام أيضا.

السادس: ما دلّ على جواز تجهيز الميت من الزكاة.

ففي خبر الفضل بن يونس الكاتب: حرمة بدن المؤمن ميتا كحرمته حيّا، فوار بدنه و عورته و جهّزه و كفّنه و حنّطه و احتسب بذلك من الزكاة «1». و التجهيز و التكفين لا يمكن غالبا الّا بالقيمة.

السابع: ما يستفاد من بعض ما ورد في آداب الساعي.

ففي صحيحة محمد بن خالد بعد الأمر بتقسيم الغنم و أخذ صدقته: «فاذا أخرجها فليقومها فيمن يريد فاذا قامت على ثمن فان أرادها صاحبها فهو أحق بها و ان لم يردها فليبعها» «2». فان المستفاد من الصحيحة ان المقصود بيع الفريضة و اخذ ثمنه و ان صاحب المال أحق بذلك فاذا دفع القيمة من أول الأمر كان أولى.

الثامن: ما في المعتبر: «و لأن الزكاة وجبت جبرا للفقراء و معونة و ربما كانت الأعواض في وقت أنفع». و نحوه ما عن العلامة في مطولاته.

التاسع: ما دلّ على جواز تولّي المالك لتقسيم الزكاة و صرفها في المصارف الثمانية، و من المعلوم ان هذا

لا يمكن غالبا الّا بتقويم الزكاة و صرف قيمتها في المصارف الثمانية كأداء دين الغارمين و فك الرقاب و عمارة المساجد و تجهيز المقاتلين و نحو ذلك، فبدلالة الاقتضاء يستفاد من ذلك جواز التبديل.

قال في مصباح الفقيه: «فليس الأمر بصرف الزكاة الى هذه الوجوه الا كالوصية بصرف ثلث تركته من المواشي و العقار و الغلّات الى استيجار العبادات او شي ء من مثل هذه الوجوه فان مفادها عرفا ليس الّا ارادة صرف ثلثه الى هذه المصارف بأي وجه تيسّر، و ستعرف انه يجوز للمالك أن يتولى بنفسه صرف الزكاة الى مصارفها بل هو المكلف بذلك أولا و بالذات».

و بالجملة المتتبع لأخبار الزكاة و مصارفها المختلفة المتشتتة يحصل له القطع بأن المنظور منها سدّ الخلّات و رفع الحاجات بها بأي نحو تيسّر و قد لا يمكن ذلك الّا باداء القيمة و تقسيطها على المصارف المختلفة فتدبر جيّدا.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 215

(1) كما نسب الى الأصحاب تارة و الى المشهور أخرى و هو الظاهر من اجماع الخلاف و الانتصار و الغنية اذ قال في الخلاف كما مرّ: «أي شي ء كانت القيمة» و مورد اجماع الانتصار و الغنية أيضا أداء بنت المخاض عوضا عن خمس شياه في خمس و عشرين من الابل فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب التكفين، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 216

..........

______________________________

و اطلاق عبارة الشرائع أيضا يشمل غير النقدين بل في البيان: «لو أخرج في الزكاة منفعة بدلا من العين

كسكنى الدار فالأقرب الصحة و تسليمها بتسليم العين و يحتمل المنع هنا لأنها تحصل تدريجا و لو آجر الفقير نفسه او عقاره ثم احتسب مال الاجارة جاز و ان كان معرضا للفسخ».

لكن قال في المدارك «جواز احتساب مال الاجارة جيّد و كونه معرضا للفسخ لا يصلح مانعا اما جواز احتساب المنفعة فمشكل بل يمكن تطرق الاشكال الى اخراج القيمة مما عدا النقدين لقصور الروايتين عن افادة العموم».

و في الوافي أيضا بعد نقل خبر سعيد بن عمر الآتي: «هذا الحديث لا ينافي ما قبله لأن التبديل إنما يجوز بالدراهم و الدنانير دون غيرهما».

أقول: و يدل على الجواز من غير النقدين خبر قرب الاسناد الماضي عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: عيال المسلمين اعطيهم من الزكاة فاشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى ان ذلك خير لهم قال: فقال: لا بأس «1».

و يدل عليه أيضا أكثر ما استدللنا به لجواز أصل القيمة من صرف الزكاة في المصارف الثمانية، و احجاج الغير بها، و تجهيز الميت، و الاحتساب بها من الدين و نحو ذلك، فلو فرض احتياج الميت الى الكفن و كان الكفن موجودا عند المالك فهل لا يجوز تكفين الميت به بل يجب شراؤه من الغير بالنقدين؟ و لو كان دين الفقير من غير النقدين لا يجوز احتسابه او أداؤه من الزكاة؟ بل ربما يتعذر او يتعسر صرف عين الزكاة او قيمتها من النقدين في بعض المصارف الثمانية اللازمة فيتعين صرف القيمة من غيرهما فيها، فاذا جاز ذلك بمقتضى اطلاق الأدلة تمّ في غير هذا المورد بعدم القول بالفصل.

هذا و لكن قد يقال بأنه ينافي ذلك خبر سعيد بن عمر (عمر و

خ ل) عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

قلت: أ يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق و البطيخ و العنب فيقسّمه؟ قال:

لا يعطيهم الّا الدراهم كما أمر اللّه «2».

و أجيب عن ذلك بأن ظاهره غير معمول به اذ لا تتعين الدراهم في القيمة قطعا حتى فيما اذا كانت الفريضة من جنسها لجواز اخراج قيمتها من الدنانير نصا و اجماعا فيكون ذكر الدراهم من باب المثال، فاما ان يراد بها عين الفريضة التي تعلق بها التكليف أولا و بالذات كما يؤيده قوله «ع» «كما أمر اللّه» فيتعيّن حمله على الأفضلية لما عرفت من جواز اخراج القيمة في الجملة، او النقد الغالب الذي تقدر به الأموال غالبا أي الدراهم و الدنانير فيصير الخبر شاهدا لمن يخصّص

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 217

و ان كان الاخراج من العين أفضل (1).

[المدار في القيمة على وقت الأداء]

[مسألة 6]: المدار في القيمة على وقت الأداء، سواء كانت العين موجودة أو تالفة لا وقت الوجوب (2).

______________________________

القيمة بالنقدين. و هنا احتمال ثالث و هو أن يكون المقصود بالحديث المنع عن التصرف في الثمن بعد فرض تعين كونه زكاة لكونه مأخوذا من الغير بهذا العنوان ليوصل الى مستحقه او بجعل نفسه بناء على جواز عزل الزكاة و تعيّنها بالعزل و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، مضافا الى أنه لو فرض ظهور الخبر في الاحتمال الثاني كان مقتضى الجمع بينه و بين خبر قرب الاسناد المتقدم و غيره حمل هذه الرواية على الأفضلية او على ما اذا كان دفع الثمن

أصلح من شراء متاع.

و كيف كان فالأقوى ما عليه المشهور و أفتى به في المتن من جواز دفع القيمة من غير النقدين أيضا فتدبّر.

(1) أفتى بهذا في النهاية فقال: «و ان أخرج من الجنس كان أفضل» و لكن لا دليل عليه بعد جواز دفع القيمة نصا و اجماعا بل لعل الأفضل ما هو الأصلح للفقراء و المصارف، اللهم الّا على ما احتملناه في خبر سعيد بن عمر. و اما الخروج عن شبهة الخلاف فلا يقتضي كونه أفضل بل أحوط و بينهما فرق كما لا يخفى.

(2) في المسألة احتمالات: الأول: ان يكون المدار وقت الأداء مطلقا كما اختاره المصنف.

الثاني: ان يكون المدار وقت الوجوب مطلقا.

الثالث: ان يفصل فان كانت العين موجودة فوقت الأداء و ان كانت تالفة فوقت التلف.

الرابع: ان يفصل فان كانت موجودة فوقت الأداء و ان كانت تالفة فأعلى القيم من وقت الوجوب الى وقت التلف او الى وقت الأداء او من وقت التلف الى وقت الأداء.

الخامس: ما في التذكرة من التفصيل قال فيها: «تذنيب إنما تعتبر القيمة وقت الاخراج ان لم يقوم الزكاة على نفسه و لو قوّمها و ضمن القيمة ثم زاد السوق او انخفض قبل الاخراج فالوجه وجوب ما ضمنه خاصة دون الزائد او الناقص و ان كان قد فرّط بالتأخير حتى انخفض السوق او ارتفع اما لو لم يقوم ثم ارتفع السوق او انخفض اخرج القيمة وقت الاخراج».

و في المدارك بعد نقل ما في التذكرة: «و في تعين القيمة بمجرد التقويم نظر».

و في المصباح بعد نقل ما في المدارك: «و هو في محله».

السادس: التفصيل بأنه لو عزل القيمة حال وجود العين تعينت سواء ارتفع السوق او انخفض اما لو لم

يعزل فالمدار قيمة يوم الأداء.

و الأقوى انه ان جوّزنا العزل و قلنا بتعين المعزول لكونه زكاة كما يستفاد من بعض

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 218

..........

______________________________

الأخبار «1» فالأقوى الاحتمال السادس، و اما ان منعناه او منعنا اطلاقه فالأقوى ما اختاره المصنف فانه ضامن للعين ما لم يؤدّها اما بنفسها او ببدلها و بدلها حين الأداء هو قيمتها في هذا الحين كما لا يخفى.

و لا فرق في ذلك بين كون العين باقية او تالفة فان تلف النصاب لا يوجب تلف الفريضة لما عرفت من ان الفريضة أعم مما في النصاب و لذا يكون أداؤها من غير النصاب على وجه الأصالة لا القيمة كما مرّ بيانه.

و في المستمسك: «اذا لم يكن التلف مستوجبا للضمان فلا شي ء عليه، و ان كان مستوجبا للضمان و كانت الفريضة قيمية تكون المسألة من صغريات مسألة الضمان بالتلف و ان القيمة المضمون بها قيمة يوم التلف او يوم الأداء او أعلى القيمة او قيمة يوم الضمان او غير ذلك و ان كانت الفريضة مثلية فالقيمة قيمة يوم الأداء لظاهر النصوص المتقدمة».

أقول: الأقوى في باب الضمان في القيميات أيضا قيمة يوم الأداء فانه مقتضى كون ما قبضت على اليد حتى تؤديه و لا دليل على التبدل بالقيمة بصرف التلف فالعين باقية في ضمان الشخص حتى يؤديها و مفهوم الضمان غير مفهوم اشتغال الذمة كما حرر في محله و لذا يتعلق بالعين الخارجي أيضا.

و لو سلم انكار ذلك في باب الضمان بتقريب ان ضمان التالف ليس الّا باشتغال الذمة بمثله او بقيمته فلا محالة يكون الاشتغال بقيمة يوم التلف او بتقريب ان التالف لا يعتبر له في حال التلف قيمة عند العقلاء فلا

محالة يكون المدار قيمته حين وجوده كما كان يستظهر ذلك الاستاذ المرحوم، آية اللّه البروجردي لردّ احتمال قيمة يوم الأداء.

فنقول قياس المقام بباب الضمان بلا وجه اذ في مقامنا هذا لا يكون تلف النصاب موجبا لتلف الفريضة كما مرّ فبعد تلف عين النصاب بأجمعه أيضا يمكن أداء الفريضة من غير النصاب فلا محالة يكون الانتقال الى القيمة حين الأداء و المراد بالقيمة قيمتها يوم الأداء فتدبر.

و اما الاحتمال الثاني أعني كون المدار في القيمة وقت الوجوب فتوجيهه اما بأن يقال ان الزكاة لا تتعلق بالعين أصلا بل هي من قبيل اشتغال الذمة كما نسب الى بعض العامة ففي وقت التعلق و الوجوب تشتغل ذمة المكلف بمالية الفريضة، او يقال انها تتعلق بالعين و لكن نحو تعلق حق الزوجة بالابنية و الأشجار، فالمجعول للفقير و نحوه مالية الشاة لا عينها و لذا يجوز أداؤها بالقيمة و حيث ان مالية الشاة مثلا مختلفة باختلاف الأزمنة فمقتضى الاطلاق المقامي- أعني عدم التعرض في الدليل لتعيين واحد من تلك القيم- الحمل على قيمة زمان الوجوب اذ تعيين غيرها

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 219

[المدار على قيمة بلد الاخراج]

ثم المدار على قيمة بلد الاخراج ان كانت العين تالفة و ان كانت موجودة فالظاهر ان المدار على قيمة البلد التي هي فيه (1).

______________________________

يحتاج الى قرينة.

و يرد عليه مضافا الى منع المبنيين في نحو تعلق الزكاة ان القيمة و المالية لم تعتبر في نفسها بل بما انها قيمة و مالية لهذه الشاة و قائمة بها فتزيد بزيادة السوق و تنقص بنقصها الى أن يخرج المكلف عن عهدة الشاة عينا أو قيمة.

و اما الاحتمال الثالث أعني

التفصيل بين كون العين موجودة او تالفة فوجهه ما مرّ من المستمسك من قياس المقام بباب الضمانات و اختيار قيمة يوم التلف فيها.

و يرد عليه مضافا الى ان لازم ذلك اختصاص هذا التفصيل بالقيميّات كالأنعام مثلا دون المثليات كالنقدين و الغلات ان المقام كما عرفت ليس مثل باب الضمان اذ تلف النصاب لا يوجب تلف الفريضة حتى تنتقل الى القيمة اذ الواجب في المقام هي الشاة الكلية القابلة للانطباق على كل شاة حتى من غير النصاب و يكون أداؤها من غير النصاب أيضا على وجه الأصالة لا القيمة كما مرّ بيانه و يأتي في المسألة الآتية أيضا.

و بما ذكرنا يظهر وجه الاحتمال الرابع و الجواب عنه أيضا مضافا الى عدم الدليل على ضمان الفريضة حتى يضمن ارتفاع قيمتها بحسب تطوّر السوق.

و اما الاحتمال الخامس أعني التفصيل الذي ذكره العلامة في التذكرة فالجواب عنه ما أشار اليه في المدارك، و في المصباح جعله في محله الى أن قال: «لا دليل على جواز التقويم و صحة الضمان بالمعنى المزبور و إنما الثابت بالنص و الاجماع جواز تأدية الزكاة بالقيمة السوقية و هذا لا يقتضي الّا جواز اخراج القيمة حال التأدية ...».

و اما الاحتمال السادس فهو قوي بناء على صحة العزل و لو للقيمة و تمحض ما عزله لكونه زكاة و سيأتي في محله (المسألة 34 من زكاة الغلات).

(1) بل الظاهر كون المدار قيمة بلد الاخراج مطلقا.

و لعل ما ذكره المصنف مبني على كون تعلق الزكاة بنحو الاشاعة فاذا كانت العين موجودة فقيمتها ما يساوي ماليتها حتى بلحاظ خصوصية مكانها اما اذا كانت تالفة فليس لها وجود الّا في الذمة و ما في الذمة تختلف قيمته باختلاف مكان

التقويم و هو مكان الاخراج و الأداء.

هذا و لكن على فرض صحة كونها بنحو الاشاعة فقد عرفت ان مقتضى اطلاق الفريضة و عدم تقيدها بما في النصاب تقويم الشارع بنفسه الحصة المشاعة بالفريضة فكما قوّم الحصة المشاعة في خمس من الابل بشاة قوّم الحصة المشاعة في أربعين شاة بشاة جذعة او ثنية بنحو الاطلاق سواء وجدت بهذا السن في النصاب أم لا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 220

[كفاية الذكر عن الانثى و الضأن عن المعز و بالعكس]

[مسألة 7]: اذا كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الأنثى و بالعكس (1).

______________________________

فالعين أعني النصاب و ان تلفت لا يكون تلفها تلفا للفريضة حتى تنتقل الى الذمة اذ الشاة المطلقة موجودة في العالم و ان تلف النصاب فالواجب مطلقا أداء الشاة او بدلها و بدل الشاة عرفا قيمتها في بلد الاخراج.

فلو كان النصاب في الحجاز مثلا و المالك في ايران و الشاة المتوسطة في الحجاز تساوي دينارين و في ايران ثلاثة دنانير فلو أدى الزكاة في ايران أعطى شاة تساوي ثلاثة دنانير او قيمتها أعني ثلاثة دنانير و لو وكّل وكيله في الحجاز لأداء الزكاة أعطى هو شاة تساوي دينارين او أعطى الدينارين و اما هو نفسه فلو أعطى في ايران دينارين فلا يصدق انه أعطى قيمة الشاة المتوسطة.

و بالجملة فكما تختلف القيمة بحسب الأزمنة تختلف باختلاف الأمكنة أيضا و كما ان المدار في الأزمنة زمان الاخراج فكذلك في الأمكنة مكان الاخراج لأنها المعدودة عرفا بدلا من العين و يكون اداؤها أداء للعين بمرتبتها النازلة فتدبر.

(1) المسألة مشتملة على فروع ثلاثة: الأول: ان النصاب في الغنم اذا كان من الذكور هل يجوز دفع الأنثى و بالعكس أم لا؟.

الثاني: اذا كان النصاب بأجمعه من صنف

كالضأن مثلا هل يجوز دفع الزكاة من صنف آخر كالماعز أم لا؟ و مثله العراب و البخاتي في الابل، و البقر و الجاموس في البقر.

الثالث: اذا التئم النصاب من صنفين كالضأن و الماعز مثلا فما هو التكليف و هل يتخير المالك او يجب التقسيط؟

و ملاك الحكم في الفروع الثلاث واحد. فان قلنا بكون تعلق الزكاة بنحو الاشاعة و التزمنا بترتيب آثار الاشاعة كان الجواب في الفروع الثلاث النفي و وجب كون الفريضة المؤداة من سنخ النصاب و في الملتئم من الصنفين التقسيط بل في الملتئم من الجيد و الردي ء أيضا.

هذا و لكن قد عرفت منّا مرارا ان الاشاعة و ان فرض الالتزام بها لم تبق على صرافتها بل الشارع قوّم بنفسه الحصة المشاعة بالفريضة المجعولة فقوّم الحصة المشاعة في خمس من الابل بشاة جذعة او ثنية و الحصة المشاعة في ست و عشرين من الابل ببنت مخاض مطلقا سواء كانت بختية او عربية و سواء وجدت في النصاب أم لا حتى ان النصاب لو كان بأجمعه من السن الأعلى كالحقة او الجذعة كانت الفريضة أيضا بنت مخاض، و كذلك قوّم شرعا الحصة المشاعة في ثلاثين من البقر مطلقا بتبيع و في أربعين بمسنة مطلقا سواء وجدت في النصاب أم لا و سواء كانت من البقر او من الجاموس، و كذلك في أربعين شاة قوّمها و قدرها بشاة ثم بين في دليل آخر بلزوم كونها جذعة او ثنية و لعلها لا توجد أصلا في النصاب. فالواجب في أربعين شاة مطلقا سواء كانت من

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 221

..........

______________________________

الضأن او من الماعز او التأمت منهما، و سواء كانت ذكرانا او اناثا او ملتئمة منهما، و

سواء وجد فيها جذع من الضأن او ثني من المعز أم لا، جذع من الضأن او ثني من المعز ذكرا أو أنثى.

كيف؟! و لو كان المراد الحصة المشاعة في النصاب لم يصح قوله: «في أربعين شاة شاة» بل اللازم أن يقال: «في أربعين شاة جزء مشاع من أربعين جزء» مثلا.

و لا يتوهم ان ما ذكرناه من الفريضة المقدرة من قبيل أداء القيمة لأن التقويم و التقدير هنا شرعي فهي على وجه الأصالة و ان أدّيت من خارج النصاب، و القيمة المصطلحة ما كان تعيينها بيد المؤدي لا من قبل نفس الشارع.

و كيف كان فمقتضى هذا البيان هو الجواب المثبت في الفروع الثلاث فيجزي الذكر عن الأنثى و بالعكس و الماعز عن الضأن و بالعكس و كذلك في النصاب المختلط و في البختية و العربية و البقر و الجاموس بعد كون الصنفين من نوع واحد و وجوب الزكاة في النصاب الملتئم منهما.

فهذا ما هو ملاك الحكم اجمالا في الفروع الثلاث، فلنرجع الى البحث عنها تفصيلا:

فنقول: اما الفرع الأول فمقتضى اطلاق النص و الفتوى كما بيناه في باب الغنم كفاية الذكر عن الأنثى و بالعكس.

قال في المبسوط: «فان كانت كلها ذكورا أخذ منه ذكر و ان كانت اناثا أخذ منه انثى فان أعطى بدل الذكر أنثى او بدل أنثى ذكرا أخذ منه لأن الاسم يتناوله».

لكنه قال في الخلاف (المسألة 22): «من كان عنده أربعون شاة أنثى أخذ منه أنثى و ان كان ذكورا كان مخيرا بين اعطاء الذكر و الانثى ... و قال الشافعي: ان كان اربعون اناثا او ذكورا و اناثا ففيها انثى قولا واحدا و ان كانت ذكورا فعلى وجهين ...، دليلنا ان الأربعين ثبت

انه يجب فيها شاة و هذا الاسم يقع على الذكر و الأنثى على حد واحد فيجب أن يكون مخيرا».

و لا يخفى ان دليله يطابق ما قلناه و لا ينطبق على مدّعاه كاملا.

و في المختلف بعد نقل ما في الخلاف و المبسوط: «و الوجه ان الذكر ان كان بقدر قيمة الأنثى اجزأ و الّا لزمته الأنثى، لنا انه مع مساواة القيمة يكون قد أخرج الواجب فيخرج عن العهدة و مع القصور يكون قد أخرج معيبا عن صحاح لأن الذكورة بالنسبة الى الأنوثة عيب فلا يقع مجزيا».

و لا يخفى ما في دليله. نعم لو فرض كون الذكر خارجا من حد الوسط و عدّ من شرار الغنم و أفراده الدنية لم يجز لما مرّ من اعتبار الفرد الوسط فراجع.

و في جامع المقاصد: «و يجزي الذكر و الأنثى في الغنم من الذكران او في شياه الابل لا مطلقا».

و في المستند: «الحق اجزاء الذكر عن النصاب الذكر، و الأنثى عن النصاب الأنثى، و كل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 222

[اذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من الضأن و بالعكس]

كما انه اذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من الضأن و بالعكس و ان اختلفت في القيمة (1).

______________________________

منهما عن الملفق منهما، و اما الذكر عن الأنثى و بالعكس فلا يجزي الّا بالقيمة لما يأتي من تعلق الزكاة أصالة بالعين».

و قد مرّ اجزاء الفريضة و لو من غير النصاب مطلقا على وجه الأصالة لا القيمة. فالحق ما اختاره المصنف في الفرع الأول الّا مع فرض كون الذكر نازلا من حدّ الوسط فتدبر.

(1) هذا هو الفرع الثاني. قال في التذكرة: «الأقرب جواز اخراج ثنية من المعز عن الأربعين من الضأن و جذعة من الضأن عن أربعين من المعز و

هو أحد وجهي الشافعي لاتحاد الجنس، الثاني: المنع فيؤخذ الضأن من المعز دون العكس لأن الضأن فوق المعز».

و في المعتبر: «الثامن: يخرج عن الابل من جنسها فعن البخاتي بختية و عن العراب عربية و عن السمان مثلها و كذا المهازيل. و لو قيل يخرج من أيها شاء اذا كانت بالصفة الواجبة كان حسنا لأنها في الزكاة جنس واحد».

و لكنه قال في التاسع: «أمّا الغنم فان الفريضة تجب في العين فلا تدفع من غير صفتها الّا بالتقويم على القول به». و لا يخفى التهافت اذ الفرق غير واضح.

و في الجواهر: «يجزي عن نصاب كل من الصنفين فرد من الصنف الآخر فيجزي عن نصاب الضأن ثني من المعز و عن نصاب المعز جذع من الضأن كما عن التذكرة التصريح به».

و قد عرفت ان الملاك في المسألة هو اطلاق الفريضة و عدم تقيدها بما في النصاب، نعم يشترط عدم كونها من شرار النوع و أفراده الدنية كما مرّ بيانه في المسألة الخامسة.

هذا و لكن في مصباح الفقيه: «لا يبعد أن يدّعى انصراف اطلاق الفريضة فيما اذا لم تكن من غير الجنس الى واحدة من صنف النصاب الموجود عنده المتعلق به الزكاة. فان كان جميع النصاب من الجاموس فتبيع منه و ان كان الجميع من البقر فتبيع منه و كذا ان كان الجميع من الضأن فواحدة منه او من المعز فكذلك و هكذا بالنسبة الى سائر الأصناف التي تتفاوت بها الرغبات ككون الجميع عرابا او بخاتيا او نجديا او عراقيا و اذا كان مجتمعا من صنفين فواحدة منهما من أيهما تكون لا من صنف ثالث خارج من النصاب».

أقول: لا يبعد ما ذكره «قده» اللهم الّا بالقيمة، و لا ينافي

هذا ما قدمناه من الأخذ باطلاق الفريضة و الحكم بعدم وجوب كونها من النصاب، فان المطلق اذا كان له جهات من الاطلاق أمكن الأخذ ببعضها و رفع اليد عن بعضها الآخر بسبب الانصراف فلا يجب كونها منه و لكن يعتبر كونها من سنخه و من صنفه.

نعم الانصراف البدوي لا يوجب رفع اليد عن المطلق و لا يجوّزه اذ لا يجوز رفع اليد عن الدليل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 223

[مع الاختلاف يجوز الدفع من أيّ الصنفين شاء]

و كذا مع الاختلاف يجوز الدفع من أيّ الصنفين شاء (1)، كما ان في البقر يجوز أن يدفع الجاموس عن البقر و بالعكس، و كذا في الابل يجوز دفع البخاتي عن العراب و بالعكس تساوت في القيمة أو اختلفت.

______________________________

الّا بدليل فيجب أن يكون الانصراف بحدّ يكون كالقرينة المتصلة الرافعة للإطلاق.

(1) هذا هو الفرع الثالث و هو صورة التئام النصاب من الصنفين، و لا اشكال في أصل ثبوت الزكاة فيه.

قال في الشرائع: «و النصاب المجتمع من الضأن و المعز و كذا من البقر و الجاموس و كذا من الابل العراب و البخاتي يجب فيه الزكاة».

و في الجواهر بعد ذلك: «بلا خلاف بل الاجماع بقسميه عليه لكون الجميع من جنس واحد».

و انصراف البقر عن الجاموس عرفا لا يضر بعد ما ثبت بالنص و الفتوى ثبوت الزكاة فيه و انه ليس في شي ء من صنوف الحيوان زكاة الّا الأنعام الثلاثة: الابل و البقر و الغنم. فيفهم من ذلك ان الجاموس و البقر بحكم واحد، و كذا العراب و البخاتي، و هكذا الضأن و المعز و الّا لصارت الأنعام ستة.

فاذا ثبت ذلك يقع البحث فيما يجب في النصاب الملتئم من الصنفين.

ففي الشرائع: «و المالك بالخيار في اخراج الفريضة

من أي الصنفين شاء».

و في التذكرة: «و لو اختلف النوع جاز اخراج مهما شاء المالك».

و فيها أيضا: «يجوز أن يخرج من الضأن او المعز سواء كان الغالب أحدهما او لا و سواء كان عنده أحدهما او لا لقول سويد بن غفلة ...».

و في المبسوط: «اذا كان المال ضأنا و ما عزا و بلغ النصاب أخذ منه لأن كل ذلك يسمى غنما و يكون الخيار في ذلك الى رب المال ان شاء أعطى من الضأن و ان شاء من المعز».

و في الجواهر حكى هذا القول عن ظاهر القواعد و الارشاد و صريح جماعة من متأخري المتأخرين.

و في المدارك في ذيل عبارة الشرائع: «اطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في جواز الاخراج من أحد الصنفين بين ما اذا تساوت قيمتهما او اختلفت، و بهذا التعميم جزم المصنف في المعتبر و العلامة في جملة من كتبه، و هو متجه لصدق الامتثال باخراج مسمّى الفريضة و انتفاء ما يدل على اعتبار ملاحظة القيمة كما اعترف به الأصحاب في النوع المتحد. و اعتبر الشهيدان التقسط مع اختلاف القيمة و هو أحوط».

أقول: و نسب التقسيط الى جماعة أخرى أيضا، بل قيل انه المشهور و يظهر من موضع من

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 224

..........

______________________________

المبسوط أيضا حيث قال: «اذا كان من جنس واحد نصاب و كانت من انواع مختلفة مثل ان يكون عنده أربعون شاة بعضها ضأن و بعضها ما عز و بعضها مكية و بعضها عربية و بعضها شامية يؤخذ منها شاة لأن الاسم يتناوله و لا يقصد أخذ الأجود و لا يرضى بأدونه بل يؤخذ ما يكون قيمته على قدر قيمة المال».

و في المختلف: «لو اجتمع الجاموس و البقر او

الغنم و الماعز او العراب و البخاتي أخذ الواجب من الجنسين فان لم يتفق أخذ ما يساوي المبسوط عليهما ...». هذا.

و استدلوا على التقسيط بأنه الذي تقتضيه قاعدة الشركة قالوا فلو كان عنده عشرون بقرة و عشرون جاموسة و قيمة المسنة من أحدهما اثنا عشر و من الآخر خمسة عشر أخرج مسنّة من أي الصنفين شاء قيمتها ثلاثة عشر و نصف التي هي مجموع نصفي القيمتين.

و احتمل في البيان ما محصله أنه يجب في كل صنف نصف مسنّة او قيمته ثم قال: «و ردّ بأن عدول الشرع في الناقص عن ستّ و عشرين من الابل الى غير العين إنما هو لئلا يؤدي الاخراج من العين الى التشقيص و هو هنا حاصل نعم لو لم تؤد الى التشقيص كان حسنا كما لو كان عنده من كل نوع نصاب».

و في المغني لابن قدامة حكى الاحتمال عن الشافعي ثم ردّه بنحو ما في البيان.

فهذه ثلاثة احتمالات في المسألة: الأول: كون المالك بالخيار، اختاره المصنف و جماعة.

الثاني: التقسيط بالنسبة و قد نسب الى المشهور. الثالث: وجوب نصف من هذا الصنف و نصف من الصنف الآخر، نسب الى الشافعي و احتمله في البيان.

قال في مصباح الفقيه ما حاصله: «ان الاحتمال الأخير فاسد اذ ليس لأبعاض النصاب من حيث هي اقتضاء في ايجاب شي ء اذ المؤثر هو مجموع النصاب من حيث المجموع فهو مقتضى واحد بسيط و له مقتضى واحد فليس العشرون من البقر و العشرون من الجاموس سببين لإيجاب نصفي مسنة بل المجموع سبب واحد لإيجاب مسنة، و قضية اطلاق المسنة كفاية اخراج مسماها من أي الصنفين شاء، و دعوى انصرافها الى فريضة قيمتها مقسطة على الصنفين غير مسموعة خصوصا

بعد ان علم ان الشارع لم يلاحظ القيمة في هذا الباب بل لا حظ العدد».

و لكن في الجواهر ما حاصله: «ان التشقيص مقتضى تعلق الزكاة بالعين بنحو الاشاعة، بل عند التأمل مرجع هذا الاحتمال الى القول بالتقسيط، ضرورة انه مع فرض عدم الفريضة التي قيمتها مجموع نصفي القيمتين ينتقل الى التنصيف المزبور في هذا الاحتمال، بل هذا الاحتمال أوفق بقواعد الشركة. نعم هو مناف لإطلاق ما دلّ على اجزاء مسمّى الفريضة كمنافاة القول بالتقسيط لذلك. و تعلق الزكاة و ان كان على نحو الاشاعة و لكن الحصة المشاعة قد قدرها الشارع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 225

[حكم الصحيح و المريض و الشاب و الهرم]

[مسألة 8]: لا فرق بين الصحيح و المريض و السليم و المعيب و الشاب و الهرم في الدخول في النصاب و العدّ منه (1).

لكن اذا كانت كلها صحاحا لا يجوز دفع المريض، و كذا لو كانت كلها سليمة لا يجوز دفع المعيب و لو كانت كل منها شابّا لا يجوز دفع الهرم (2).

______________________________

بنفسه بالوسط من المسمّى سواء كان النصاب من البقر او الجاموس او مجتمعا بعد كون الجميع من جنس واحد و الخطاب واحدا فاذا دفع الفريضة من أي صنف أجزأ. نعم لو كان هناك خطابان أحدهما يقتضي تبيع البقر و الآخر يقتضي تبيع الجاموس اتجه مراعاة الأمرين في الاجتماع على حسب النسبة».

أقول: قد عرفت في صدر المسألة ان ملاك البحث و لبابه هو ان المشي ان كان على قواعد الشركة و الاشاعة كان مقتضاها التقسيط في المجتمع من الصنفين بل من الصنف الواحد المختلفة أفراده بالجودة و الرداءة و لكن البناء لم يكن و ليس على ذلك. بل لو سلّم الاشاعة فالشارع قدّر الحصة المشاعة بالفرد

الوسط من الفريضة باطلاقها سواء كانت من النصاب أم لا و سواء كانت بحسب القيمة أعلى من أفراد النصاب او أدنى منها بعد كونها بالذات من الأفراد المتوسطة من النوع.

فالحق هو الاحتمال الأول أعني خيار المالك. اللهم الّا أن يدّعى الانصراف الذي ادّعاه في المصباح في الفرع الثاني في هذا الفرع أيضا فيكون الاحتياط في التقسيط. و لا يخفى ان لازم القول بالتقسيط في النصاب المختلط عدم اجزاء فرد من صنف عن صنف آخر بطريق أولى. هذا.

و اما ما ذكره في الجواهر أخيرا فيرد عليه ما في المتمسك و حاصله: «انه لو كان هناك خطابان فالنصاب المختلط خارج عن الدليلين معا كالمختلط من نوعين فاثبات الزكاة فيه محتاج الى دليل آخر».

(1) بلا خلاف على الظاهر لإطلاق الأدلة و الفتاوى.

(2) الحكم بعدم أخذ هذه مجمع عليه بينهم كما في الحدائق، و مذهب الأصحاب كما في المدارك، و لا نعلم فيه خلافا كما في المنتهى بالنسبة الى المريض.

و يدل عليه مضافا الى ذلك قوله- تعالى-: «وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ»، و ما روى الجمهور عن النبي «ص» كما في المنتهى: «انه قال: لا يؤخذ في الصدقة هرمة و لا ذات عوار و لا تيس الّا ان يشاء المصدق».

و في صحيحة محمد بن قيس، عن أبي عبد اللّه «ع» الواردة في زكاة الغنم: «و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار الّا أن يشاء المصدق» «1».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، ذيل الحديث 2 المذكور في الحاشية.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 226

بل مع الاختلاف أيضا الأحوط اخراج الصحيح من غير ملاحظة التقسيط (1).

______________________________

و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»

الواردة في زكاة الابل: «و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار الّا أن يشاء المصدق و يعدّ صغيرها و كبيرها» «1». نعم في التهذيب المطبوع: «أن يعد صغيرها و كبيرها» فيختلف المعنى كما لا يخفى.

و روى نحو هذه الصحيحة في المستدرك، عن كتاب عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر «ع» و عنه عن أبي عبد اللّه «ع» أيضا.

و عن الدعائم، عن علي «ع» انه قال: لا يأخذ المصدق ... و لا ذات العوار ... و لا يأخذ شرارها و لا خيارها.

و عن العوالي: «روى الزهري، عن سالم، عن ابن عمر ان رسول اللّه «ص» كتب كتاب الصدقة الى عمّا له فعمل به الخلفاء بعده فكان فيه: و لا تؤخذ في الصدقة هرمة و لا ذات عيب» «2».

و الهرم: أقصى الكبر، و العوار مثلثة: العيب و لعله يشمل المرض أيضا فانه نحو عيب مضافا الى عموم الآية و الى الاجماع، كما ان الاجماع و الآية و بعض الروايات تشمل الأنعام الثلاثة، نعم مورد بعضها الابل او الغنم.

و الظاهر انصراف المرض و العيب عن الجزئي منهما مما لا يعتنى بهما في الحيوانات.

و هل للمصدق ان يختار الهرمة و نحوها اقتراحا او يتوقف على مصلحة في ذلك كما اذا كانت أغلى سعرا او أرادها لنفسه بدلا عن حقه او أذن الامام له و لو لمصلحة أرباب الملك؟ وجهان:

ظاهر الحدائق و بعض آخر الأول، و اختار في المصباح الثاني و هو الأحوط.

(1) في الجواهر: «صرح الشيخ و ابن حمزة و الفاضل و الشهيدان و الكركي و غيرهم بمراعاة التقسيط في صورة التلفيق، بل نسبه بعضهم الى الأصحاب لكن قالوا: انه يخرج حينئذ فرد من مسمّى

الفريضة قيمته نصف قيمة الصحيح و نصف قيمة المريض لو كان التلفيق بالنصف و هكذا في الثلثين و الثلث و غيره».

أقول: لا يخفى ان حمل قوله: «لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار» على خصوص ما اذا كان كل النصاب صحيحا حمل على فرد نادر اذ الغالب في القطيع من الأنعام و لا سيما الكثير منه وجود الهرم و ذات العوار فيه، ففي الملفق أيضا لا يجزي المعيب قطعا. و اذا لم يجز فيه ذلك وجب الرجوع الى اطلاق الفريضة التي حملناها على الفرد الوسط كما مرّ بيانه في المسألة الخامسة و دلت عليه

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 10 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

(2)- المستدرك ج 1 ص 515 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 227

نعم لو كانت كلها مراضا أو معيبه أو هرمة يجوز الاخراج منها (1).

______________________________

الروايات، منها قوله في خبر الدعائم الذي مرّ: «و لا يأخذ شرارها و لا خيارها». و قواعد الاشاعة و الشركة لا تجري هنا بعد تقدير الشارع الحصة المشاعة بالفريضة فما ذكره المصنف من الاحتياط في محله.

(1) اجماعا كما في الحدائق، و ذهب اليه علماؤنا كما في المنتهى، و مقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك. هذا و في الخلاف (المسألة 9): «اذا كانت الابل كلها مراضا لا يكلف صاحبها شراء صحيحة للزكاة و تؤخذ منها و به قال الشافعي، و قال مالك: يكلف شراء صحيحة، دليلنا اجماع الفرقة».

و نحوه في المنتهى و زاد: «و عن أحمد روايتان لنا قوله: إيّاك و كرائم أموالهم ...».

أقول: و يستدل على اجزاء المريضة بعد الاجماع، و اطلاق الفريضة الشاملة للمعيبة أيضا، و أصل البراءة

من وجوب شراء الصحيحة- بعد انصراف ما دلّ على النهي عن المعيب عن هذه الصورة- بان الزكاة في العين على وجه الشركة الحقيقة كما نسب الى المشهور فاذا كان الجميع مراضا لم يستحق الفقير الّا جزءا منها و لم يكلف المالك بشراء صحيحة.

قال في الجواهر بعد ذكر هذا الدليل ما محصله: «ان الحصة المشاعة و ان قدرت بالفريضة و لكن تكون الفريضة مساوية لها فالحصة المشاعة من الصحيحة قدرت بالصحيحة و من المريضة بالمريضة فيرجع الحال الى نحو قولهم- عليهم السلام-: فيما سقت السماء العشر الشامل للجيدة و الردية فكذا قوله «ع»: في الأربعين شاة شاة يراد به وجوب ربع العشر فيراعى هذه النسبة في الصحاح و المراض معا، نعم لو فرض تفاوت المرض او فرض كونه في البعض دون البعض اتجه عدم الاجتزاء بالمريضة لعدم انطباقها على الحصة المشاعة التي هي ربع العشر اذ الفرض تفاوت الأفراد في القيمة».

أقول: هذا ينافي ما اختاره في المسألة السابقة من عدم ملاحظة القيمة و التقسيط في النصاب الملفق من الضأن و المعز بل كفاية كل منهما عن الآخر تمسّكا باطلاق الفريضة. فالحصة المشاعة في النصاب من أي صنف كانت و في أي مرتبة كانت قدرت من ناحية الشارع بالفرد المتوسط من الفريضة فلا يلاحظ في النصاب لا الصنف و لا الجودة و الرداءة بل يؤخذ باطلاق الفريضة، نعم تحمل على الفرد المتوسط بين الجودة و الرداءة لما مرّ في المسألة الخامسة.

و بالجملة فالاشاعة لم تبق بصرافتها بل قدّر الشارع الحصة المشاعة بالفرد المتوسط من الفريضة فيؤخذ باطلاقها فالعمدة في المسألة الاجماع و انصراف ما دلّ على اعتبار التوسط في الفريضة و كذا ما دلّ على عدم أخذ

الهرمة و نحوها عن مثل المقام.

و في الدعائم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي «ع» ان رسول اللّه «ص»

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 228

[الشرط الثاني: السّوم طول الحول]

اشارة

الشرط الثاني: السّوم طول الحول (1).

______________________________

نهى ... و أمروا أن لا يأخذ المصدق منهم الّا ما وجد في أيديهم «1».

هذا و مع ذلك فالأحوط أداء الفرد المتوسط من الفريضة و ان كان النصاب كله مراضا.

[اقوال العلماء في المسألة]

(1) في المعتبر: «به قال العلماء الّا مالكا». و في المنتهى: «عليه فتوى علمائنا أجمع». و في الجواهر: «اجماعا بقسميه».

و في الخلاف (المسألة 60): «لا تجب الزكاة في الماشية حتى تكون سائمة للدر و النسل فان كانت سائمة للانتفاع بظهرها و عملها فلا زكاة فيها، او كانت معلوفة للدر و النسل فلا زكاة و هو مذهب الشافعي و به قال في الصحابة علي- عليه السلام- و جابر و معاذ و في الفقهاء الليث بن سعد و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه، و قال مالك: تجب في النعم الزكاة سائمة كانت او غير سائمة فاعتبر الجنس. قال أبو عبيد: و ما علمت أحدا قال بهذا قبل مالك، و قال الثوري: مثل قول أبي عبيد الحكاية، و قال داود: لا زكاة في معلوفة الغنم فأمّا عوامل البقر و الابل و معلوفتهما ففيها الزكاة، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم فانهم لا يختلفون فيه ...، و أيضا روى أنس ان النبي «ص» قال: في سائمة الغنم زكاة ...، و روى عاصم بن ضمرة عن علي «ع» ان النبي «ص» قال: ليس في العوامل شي ء، و روى ابن عباس قال: قال النبي «ص» ليس في البقر العوامل شي ء، و روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده ان النبي «ص» قال: ليس في الابل العوامل شي ء ...».

أقول: لا يخفى ان المشهور ذكروا لوجوب الزكاة في الأنعام الثلاثة شروطا أربعة: النصاب و السوم و الحول

و عدم كونها عوامل فجعلوا السوم و عدم العمل شرطين و هو المصرح به في الخلاف، و مالك مخالف في الشرطين.

هذا و لكن المتعارف خارجا كون السائمة غير عاملة و كون العوامل معلوفة فالآبال مثلا على قسمين: قسم منها سائمة يراد منها الدّر و النسل و قسم منها معلوفة يركب ظهرها و يحمل عليها. و اما السائمة العاملة فلعلها قليلة جدا، و في الأخبار أيضا جعلت السائمة قسيما للعوامل فهذه نكتة ينبغي أن يتوجه اليها و نحن نتعرض لاخبار الشرطين معا لاشتراكهما في أكثرها.

فمن الأخبار، صحيحة الفضلاء الخمسة: زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد العجلي و الفضيل عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السلام- في حديث زكاة الابل قال: «و ليس على العوامل شي ء إنما ذلك على السائمة الراعية».

و منها أيضا صحيحتهم عنهما في حديث زكاة البقر: «ليس على النيف شي ء و لا على الكسور شي ء و لا على العوامل شي ء و إنما الصدقة على السائمة الراعية».

______________________________

(1)- دعائم الإسلام ج 1 ص 252.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 229

..........

______________________________

و منها أيضا صحيحتهم عنهما قالا: «ليس على العوامل من الابل و البقر شي ء إنما الصدقات على السائمة الراعية» «1».

و لا يخفى ان الصحيحة الثالثة كأنها جمع لمفاد الأوليين، و الأوليان مفصلتان قد مرّتا في نصاب الابل و البقر.

و يبعد جدا نقل الخمسة عن الامامين الهمامين معا إيّاهما بألفاظهما، فلعلهم سمعوا منهما- عليهما السلام- في المجالس المختلفة مضمون الحديثين، و اللفظ لبعضهم او للرواة منهم، و النقل بالمعنى غير عزيز في أخبارنا.

و من أخبار المسألة أيضا صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: هل على الفرس و البعير يكون للرجل

يركبهما شي ء؟ فقال: لا ليس على ما يعلف شي ء، إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فامّا ما سوى ذلك فليس فيه شي ء «2».

فانظر ان السؤال وقع عن المركوب الذي هو عامل فأجاب الامام- عليه السلام- بأنه ليس على ما يعلف شي ء، فهذا أيضا يشهد بما ذكرناه من التلازم عادة بين العاملة و المعلوفة.

و منها أيضا ما رواه ابن أبي عمير قال: كان علي «ع» لا يأخذ من جمال العمل صدقة كأنه لم يجب أن يؤخذ من الذكورة شي ء لأنه ظهر يحمل عليها «3». و لعل الحديث من أدلة سلّار على اشتراط الأنوثة في الأنعام. و لكن يردّه التعليل فيه كما لا يخفى.

و منها أيضا موثقة زرارة، عن أحدهما «ع» قال: ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة: الابل و البقر و الغنم، و كل شي ء من هذه الأصناف من الدواجن و العوامل فليس فيها شي ء «4».

و لعل المستفاد من الموثقة بضميمة صحيحة زرارة كون الأنعام على ثلاثة أقسام: السائمة المرسلة في مرجها، و الداجنة المقيمة في المنازل، و العامة السائرة بين البلدان. و الزكاة في الأولى فقط دون الثانية لكونها معلوفة و الثالثة لكونها عاملة.

هذا و لا يخفى ان مورد الأخبار الى هنا الابل و البقر، و اما الغنم فمضافا الى الاجماع على اشتراكه معهما يدل على اشتراط السوم فيه موثقة زرارة، عن أبي جعفر «ع» الواردة في عدّ ما فيه الزكاة الى ان قال: «و الغنم السائمة و هي الراعية» «5».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1، 2 و 5.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث

3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 4.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 6.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 230

..........

______________________________

و هنا روايتان عن اسحاق بن عمار تعارضان ما ذكر بالنسبة الى العوامل.

ففي الأولى قال سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الابل تكون للجمّال او تكون في بعض الأمصار أ تجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية؟ فقال: نعم «1».

و في الثانية قال: سألت أبا ابراهيم «ع» عن الابل العوامل عليها زكاة؟ فقال: نعم عليها زكاة «2».

و يحتمل اتحاد الروايتين و ان كان يضعّفه تعدد الامامين و الشيخ حملهما على الاستحباب، و في الوسائل احتمال حملهما على التقية، و في الحدائق جعله أقرب. و لا يخفى موافقة الروايتين لفتوى مالك و كيف كان فلا مجال للعمل بهما.

و الرواية الأولى تؤيّد ما أشرنا اليه من كون العوامل و كذا السائمة عنوانا مشيرا الى ما في الخارج من كون الابل مثلا على قسمين: قسم منها سائمة في البرية يرعى ممّا خلقه اللّه من الحشيش و ليس على صاحبه كلفة من هذه الجهة و إنما يستفيد معمولا من درّه و نسله، و قسم منها ساكن في الأمصار و القرى فيعلفه صاحبه و يتحمل لذلك مئونة ثم يستفيد من ظهره بالركوب و الاحمال، فبمقدار الاستفادة منها يتحمل المؤونة عنها.

و بالجملة تلازم السائمة معمولا لعدم العمل و تلازم المعلوفة للعمل، و الشارع حكم بمقتضى الروايات السابقة بثبوت الزكاة في القسم الأول دون الثاني، و قد جعل في أكثرها السائمة قسيما للعوامل كما عرفت.

فلعل المعتبر هو السوم فقط،

فهنا شرط واحد و هو السوم لا شرطان أعني السوم و عدم العمل.

و يؤيد ذلك ان المذكور في المقنعة و النهاية و المراسم ذكر السوم فقط و هي من الكتب الأصلية المعدّة لنقل الأصول المتلقاة عن المعصومين- عليهم السلام.

نعم تعرض الشيخ في عبارته السابقة من الخلاف للسوم و عدم العمل معا و في المبسوط ذكر أولا السوم فقط و لكن يظهر من عبارته الآتية اعتبارهما.

و كيف كان فاجتماع السوم مع العمل نادر جدا فاذا فرض تحققه فالحكم بعدم الزكاة فيه مشكل و ان صرح به في الخلاف.

و بالجملة فالمذكور في أكثر كتب القدماء شرط واحد نعم جعل في الشرائع و الكتب المتأخرة كل من السوم و عدم العمل شرطا مستقلا و تبعهم المصنف. و عليك بالدقة في اخبار المسألة.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 7.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 231

[لو كانت معلوفة في بعض الحول]

فلو كانت معلوفة و لو في بعض الحول لم تجب فيها و لو كان شهرا بل أسبوعا.

نعم لا يقدح في صدق كونها سائمة في تمام الحول عرفا علفها يوما أو يومين (1).

______________________________

(1) ينبغي هنا البحث عن أمرين:

الأول: هل كونها سائمة شرط او كونها معلوفة مانع؟ ظاهر الأخبار و الفتاوى الأول و يساعده الاعتبار فان رعيها بنفسها بلا مئونة على المالك مع جرّ النفع اليه بالدرّ و النّسل و غيرهما يناسب تعلق حق اللّه و حق الفقراء بها، و امّا اعتبار كليهما فمضافا الى لغوية الجعلين لكفاية جعل واحد ربما يردّ بالامتناع عقلا فان الاجزاء الثلاثة للعلة التامة أعني المقتضي و الشرط و عدم المانع مترتبة بحسب التأثير فعدم

المعلول مستند أولا الى عدم المقتضي و الشرط و عدم المانع مترتبة بحسب التأثير فعدم المعلول مستند أولا الى عدم المقتضي، و في ظرف وجود المقتضي الى عدم الشرط، و في ظرف تحققهما الى وجود المانع فلا يعقل كون أحد الضدين شرطا و الآخر مانعا اذ في ظرف وجود ما هو شرط لا يعقل وجود الآخر حتى يصير مانعا و مزاحما لتأثير المقتضي فتدبر.

الثاني: لا يخفى ان كلا من النصاب و السوم و الحول شرط لتعلق الزكاة في عرض واحد و اما اشتراط أحد الشروط بالشرط الآخر فليس مما يقتضيه طبع الشروط الواردة في عرض واحد فيحتاج الى دليل و لكن الظاهر من الأدلة و الفتاوى اعتبار الحول في الشروط الأخر و منها السوم، ففي الحقيقة الملك بشروطه مشروط بالحول، فيعتبر السوم طول الحول و لعله منصرف روايات الباب فان السوم قبل الحول مما لا دخل له قطعا و ارادة بعض الحول أيضا تحتاج الى قرينة فالاطلاق ينصرف الى السوم في الحول.

هذا مضافا الى دلالة صحيحة زرارة عليه حيث قال: «إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل».

و لا يخفى ان الحيوان ليس يشتغل بالرعي طول الحول دائما فانه قد ينام و يسكن و يشرب أيضا و قد يمرض يوما أو يومين فلا يأكل شيئا و ربما اتفق الاعتلاف في الأثناء أيضا و مع ذلك يصدق انه سائمة.

و حينئذ فيقع البحث في أنه هل الاعتبار في ذلك بالغلبة او بغير ذلك؟ ففي المسألة أقوال:

الأول: اعتبار الغلبة، نسب الى أبي علي و اختاره الشيخ في الخلاف و المبسوط.

ففي الخلاف (المسألة 61): «اذا كانت الماشية سائمة دهرها فان فيها الزكاة، و ان كانت

دهرها معلوفة او عاملة لا زكاة فيها، و ان كان البعض و البعض حكم للأغلب و الأكثر و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي اذا كانت سائمة في بعض الحول و معلوفة في بعض الحول سقطت الزكاة».

و في المبسوط: «فان كانت المواشي معلوفة او للعمل في بعض الحول و سائمة في بعضه حكم

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 232

..........

______________________________

بالأغلب فان تساويا فالأحوط اخراج الزكاة فان قلنا لا يجب فيهما الزكاة كان قويا».

و استدل له في المعتبر بان اسم السوم لا يزول بالعلف اليسير، و بأنه لو اعتبر السوم طول الحول لما وجبت الزكاة الّا في الأقل، و بأن الأغلب يعتبر في سقي الغلات فيعتبر في السوم.

و لكن أجاب عنها في المدارك اما عن الأول فبان عدم زوال الاسم بالعلف اليسير لا يقتضي اعتبار الأغلب، و عن الثاني بمنع الملازمة أولا و بمنع بطلان اللازم ثانيا، و عن الثالث ببطلان القياس. و إنما التزمنا بالأغلب في سقي الغلات برواية معاوية بن شريح «1».

الثاني: انقطاع الحول و لو بالعلف يوما، اختاره في السرائر فقال: «فليس في شي ء منها زكاة الّا اذا كانت سائمة طول الحول بكماله و لا يعتبر الأغلب في ذلك» و اختاره المحقق في المعتبر و الشرائع أيضا و نسبه الى الشافعي.

ففي المعتبر: «و قال الشافعي: ينقطع الحول بالعلف و لو يوما اذا نوى العلف و علف لأن السوم شرط كالملك ...، و ما ذهب اليه الشافعي جيد».

و في الشرائع: «و لا بدّ من استمرار السوم جملة الحول فلو علفها بعضا و لو يوما استأنف الحول عند استيناف السوم و لا اعتبار باللحظة عادة».

و في الجواهر حكى الانقطاع و لو بيوم عن القواعد

و محكى نهاية الاحكام و الموجز و كشفه و النافع و التبصرة و التلخيص و الارشاد و إيضاح النافع.

و في الحدائق نسب هذا القول الى ظواهر الأخبار و ظاهره اختياره، نعم ليس فيها و لا في السرائر و جملة من الكتب اسم من اللحظة.

هذا و قال في الحدائق: «اختار الشيخ في النهاية سقوطه بعلف اليوم و صرح بعدم اعتبار اللحظة».

و لم أجد هذا في النهاية و أظن انه أخذه من الشرائع و اشتبه عليه الامر.

الثالث: قال الشيخ الأعظم في زكاته: «و لا يسلب عنه صدق هذا المشتق بمجرد يوم او يومين بل أكثر».

و في التذكرة: «قال بعض الشافعية: ان علفها يوما او يومين لم يبطل حكم السوم و ان علفها ثلاثة أيام زال حكم السوم لأن ثلاثة أيام لا تصبر عن العلف و ما دون ذلك تصبر».

الرابع: في الدروس: «و لا عبرة باللحظة، و في اليوم في السنة بل في الشهر تردد أقربه بقاء السوم للعرف». و قوله: «في الشهر» يحتمل عطفه على قوله: «في اليوم» و على قوله: «في السنة» و لكن الثاني أظهر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 233

..........

______________________________

الخامس: في التذكرة و المنتهى: «الأقرب عندي اعتبار الاسم». و نحوه في الحدائق عن التحرير ثم قال: «ظاهره ارجاع ذلك الى العرف و الظاهر انه هو المشهور بين المتأخرين». ثم استشكل في ذلك «بأن العرف مع كونه لا دليل على الرجوع اليه ليس أمرا منضبطا ليصح بناء الأحكام الشرعية عليه».

أقول: هذه بعض كلمات الأصحاب في المقام و لا يخفى ان المتبع في تشخيص موضوعات الأحكام ليس هو الدقة العقلية الفلسفية بل الفهم العادي العرفي

و لكن الملاك دقة العرف لا مسامحاته، فلون الدم الباقي في الثوب بعد غسله و ان كان بالدقة العقلية دما لاستحالة انتقال العرض و لكنه بنظر العرف و العادة لا يعدّ دما فلا يجب ازالته، و كذا رائحة النجس. و لكن الصاع و المد و الكر و غيرها من الأوزان الشرعية لو فرض نقص مثقال او مثقالين منها فالعرف يطلق عليها لفظ الصاع و نحوه و لكن بالمسامحة بحيث ان نفسه أيضا يتوجه الى كونه مسامحة.

فالموضوع للحكم الشرعي هو الصاع مثلا بالدقة العرفية لا الاطلاق المسامحي.

فاذا عرفت هذا فنقول: ان كان الشرط المعتبر في المقام هو مفهوم السوم طول الحول بمعناه الحدوثي المصدري كما هو المترائى من تعبيرات أكثر من تعرضنا لكلماتهم فلا محالة يعتبر تحققه في تمام السنة بحيث يضرّ به العلف و لو لحظة. لا نقول: انه يعتبر فيه اشتغال الحيوان في تمام السنة بالرعي، بداهة انه قد ينام و قد يسكن و قد يمنعه المرض من الأكل يوما أو يومين، بل أقول: ان معنى السوم طول الحول كون أكله في تمام الحول بنحو الرعي في المرعى.

فهذا أمر تقتضيه الدقة العرفية في مفهوم السوم و مفهوم الحول، و كذلك ان كان الشرط اتصاف الحيوان بكونه سائما بالمعنى الحدوثي.

و لكن الظاهر من الأخبار اشتراط كونه سائمة بالمعنى الثبوتي الذي لا يشترط في صدقه قيام المبدأ به بالفعل، فان الغنم مثلا اذا سام مدة و بنى صاحبه على أن لا يعلفه عادة عند احتياجه بل يرعيه في البرية صدق عليه حينئذ انه سائم و لو في حال نومه او اعتلافه مرّة للضرورة، فيقال انه سائم اعتلف في هذا اليوم للضرورة، فلا يسلب عنه صدق هذا

المشتق بعلف يوم أو يومين.

فكأن الغنم على قسمين: بدوي يرعى في البرايا، و حضري يعلف في الأمصار و القرى. نظير الانسان، فالانسان البدوي لو فرض نزوله في يوم او يومين في مصر ضيفا على غيره لا يخرج عن وصف البدوية. نعم لو أعرض عن طور حياته البدوية بالمرة و اختار الحياة الحضرية خرج عن كونه بدويا.

فالسائمة وصف ثبوتي تحكي عن ثبوت ملكة و حالة خاصة للحيوان تصدق عليه ما لم يصمم صاحبه على تغيير طور حياته البدوية الى الحياة الحضرية.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 234

..........

______________________________

فلو فرض صرف السائمة في آخر يوم من الحول الى العلف بقصد الاعراض بها عن طور الحياة بالرعي الى الحياة بالاعتلاف أمكن القول بعدم وجوب الزكاة لزوال الاسم. و لو فرض علفها في البرية أسبوعا مثلا لعارض كالثلج و نحو بدون أن يقصد تغيير طور حياته صدق عليها السائمة و وجبت الزكاة.

و لنضرب لذلك مثالا فاذا اتخذ أحد لنفسه شغلا رسميا فصار خبازا مثلا لمزاولته للخبز فهذا الاسم الحاكي عن ملكة و وصف ثبوتي يصدق عليه حقيقة- ما لم يعرض عنه- و لو في حال نومه أو سفره او نيابته يوما أو يومين عن بقال في ادارة شغله. نعم لو أعرض عن شغله و اتخذ شغلا آخر لنفسه خرج عن كونه خبازا و صدق عليه اسم آخر. فهكذا عنوان السائمة و المعلوفة في الحيوان بعد حكايتهما عن طورين من الحياة له.

و لا يتفاوت في ما ذكرنا كون السائمة شرطا او كون المعلوفة مانعة، فالمانع أيضا كونها معلوفة بمعناها الثبوتي لا الحدوثي.

و الى ما ذكرنا بطوله أشار الشيخ الأعظم في زكاته حيث قال: «و تحقيقه ان الحكم مرتب على السائمة لا

على السوم».

و قال أيضا بعد بيان المطلب: «فحاصل ما ذكرنا هو اعتبار صدق السائمة طول الحول لا استمرار السوم، و اما الملك فحيث ان عنوانه لا يتحقق الّا بالتلبس فلهذا يقدح انقطاعه لحظة» فراجع و تأمل.

و فيما ذكره أخيرا إشارة الى ردّ من قايس المقام بالملك او النصاب حيث ان ارتفاعهما في السنة و لو لحظة يضرّ بلا اشكال.

و لا يخفى ان مقتضى ما ذكر ان تغيير طور حياة الحيوان من البدوية الى الحضرية بيد المالك و ان لنيته نحو دخالة في ذلك كما أشار الى ذلك الشافعي فيما حكاه عنه في المعتبر حيث قال:

«ينقطع الحول بالعلف و لو يوما اذا نوى العلف و علف».

و بذلك يظهر وجه ما ذكره الشيخ بعد الكلام السابق حيث قال: «و حيث عرفت ان المعيار ان يصدق عليه تمام الحول انها سائمة يظهر انها لا يقدح في ذلك اعتلافها بنفسها من مال المالك او غيره مدّة لو أعلفها المالك سلب عنها عنوان السائمة».

و وجهه ان المالك لو اراد اعتلافها مدّة فكأنه جعلها ذات حياتين فلا تكون سائمة طول الحول و اما اعتلافها بنفسها فلا يوجب كونها ذات حياتين فتأمّل.

هذا و في المستمسك بعد الحكم بامتناع استمرار السوم طول الحول قال: «فالمراد منها اما ان تكون هي السائمة في وقت الأكل، او المعدّة لان تسام لا لأن تعلف، أو ما لم تكن معلوفة مطلقا، او ما لم تكن معلوفة عن اعداد، او ما لم تكن مستمرة العلف». ثم ردّ الاحتمالات الأربعة الأول

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 235

و لا فرق في منع العلف عن وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار أو بالاضطرار لمنع مانع من السوم من ثلج أو

مطر أو ظالم غاصب أو نحو ذلك (1)، و لا بين أن يكون العلف من مال المالك أو غيره بإذنه أولا باذنه (2)، فانها تخرج بذلك كله عن السوم.

و كذا لا فرق بين أن يكون ذلك باطعامها للعلف المجزوز او بارسالها لترعى بنفسها في الزرع المملوك.

[لا يخرج عن صدق السوم باستيجار المرعى او بشرائه]

نعم لا يخرج عن صدق السوم باستيجار المرعى او بشرائه اذا لم يكن مزروعا، كما انها لا يخرج عنه بمصانعة الظالم على الرعي في الأرض المباحة (3).

______________________________

و اختار الأخير و استفاده من قوله- عليه السلام- في صحيحة زرارة: «ليس على ما يعلف شي ء» بتقريب ان ذلك نظير قولهم: «زيد يصوم النهار و يقوم الليل» مما يدل على الاستمرار و لذا ترى ان المفهوم من قوله: «يعلف» غير المفهوم من قوله: «علف».

أقول: ظاهر كلامه «قده» جعل المعلوفية مانعة لا السائمة شرطا و قد عرفت ان ظاهر الأخبار كون السائمة شرطا و الاعتبار أيضا يساعده.

(1) لإطلاق الأدلة.

(2) للإطلاق، خلافا للتذكرة و عن الموجز و غيرهما.

ففي التذكرة: «و لا فرق بين أن يعلفها مالكها أو غيره بإذنه أو بغير اذنه من مال المالك.

و لو علفها من ماله فالأقرب إلحاقها بالسائمة لعدم المؤونة حينئذ».

و في المسالك ذكر الفرع بنحو الاشكال ثم قال: «و مثله ما لو علفها الغير من مال المالك بغير اذنه لثبوت الضمان».

و في البيان أيضا ذكر الفرعين بنحو الاحتمال.

أقول: عدم الزكاة على القول به في الفرعين ليس لعدم صدق المعلوفة بل للإلحاقهما بالسائمة حكما و لا دليل عليه بعد كون الموضوع عنوان السائمة، و العلة المستنبطة الظنية ليست ملاكا للحكم الشرعي. فلو فرض تعليف غنم شخص مجانا من قبل أهل الخير فهل يمكن القول بتعلق الزكاة به؟ فالحق ما اختاره

المصنف من الاطلاق.

(3) القدر المتيقن الذي لا شك فيه من أفراد السائمة ما ترعى بنفسها في الصحراء التي ليست ملكا للأشخاص و يكون نبتها بدون الزرع.

و الفرد الشاخص من أفراد المعلوفة ما يعلف بالعلف المزروع المجزوز اذا كان ملكا لمالك النعم و هنا مصاديق مختلفة متشتتة ربما يشتبه الأمر فيها، فهل يؤخذ لفظ السوم الذي هو يرادف

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 236

..........

______________________________

الرعي كما قالوا باطلاقه فيشمل صورة كون المرعى او النبت فيه ملكا لمالك النعم و صورة كون النبت مزروعا و صورة كون الرعي مستلزما لخسارة مالية و نحو ذلك أم يختص ببعض ذلك؟

ففي كشف الغطاء: «و الأقوى الحاق المرسل في الزرع حيث يكون بالصحراء بالمعلوف».

و فيه أيضا: «و لو رعت نبات الدار او البستان لم تكن سائمة مع احتمال ذلك خصوصا مع سعتهما». و فيه أيضا: «و لو منع عن السوم الّا ببذل مال فبذله دخل في حكم السوم».

و في مفتاح الكرامة: «لا فرق بين أن يشتري مرعى او يستأجر أرضا للرعي أو يصانع ظالما على الكلأ و ان فرق بينها الشهيد و جماعة فاستظهروا ان شراء المرعى علف و ان الاستيجار و مصانعة الظالم ليسا بعلف، لأن الظاهر ان الرعي في المرعى سوم ملكا كان أو غيره كما هو مقتضى اللغة و العرف و لعدم ظهور الفرق بين شراء المرعى و استيجار الأرض للرعي ...».

و في البيان: «لو مانع رب الماشية ظالم على المرعى بعوض لم يخرج عن السوم ... و لو اشترى مرعى في موضع الجواز فان كان مما يستنبته الناس كالزروع فعلف و ان كان غيره فعندي فيه تردّد نظرا الى الاسم و المعنى».

و في حاشية الاستاذ- مد ظله-

على العروة: «ما يخلّ بالسوم هو الرعي في الأراضي المعدّة للزرع اذا كانت مزروعة على النحو المتعارف المألوف و اما لو فرض تبذير البذور التي هي من جنس كلأ المرعى في المراتع من غير عمل في تربيتها فلا يبعد عدم اخلاله بالسوم».

هذه بعض كلماتهم في المقام. و ملخص الكلام ان الاعتبار كما عرفت ليس بمفهوم السوم بالمعنى الحدثي المصدري الذي مقتضاه التلبس بالمبدإ الحدثي بالفعل بل بمفهوم السائمة الحاكية عن نحو ملكة في الحيوان و هي وصف ثبوتي له يصدق عليه و ان لم يتلبس بالمبدإ بل و ان تلبس بضده موقتا.

ففي الحقيقة الأنعام الثلاثة تنقسم بحسب طور الحياة الى قسمين: منها ما لها حياة بدوية ترسل في مرجها الوسيعة و يستفاد من درّها و نسلها، و منها ما لها حياة حضرية تعلف و يغرم لعلفها المالك و يستفيد منها قهرا بطرق عديدة منها الركوب و العمل. فالسائمة عنوان للقسم الأول، و العوامل عنوان مشير الى القسم الثاني و لذا جعلت العوامل في أخبار المسألة قسيما للسائمة.

و المجانية و عدم الغرامة للنبت و ان كانت ملازمة للقسم الأول غالبا و لعلها الحكمة للحكم بالزكاة فيه و لكن الحكم ليس دائرا مدارها دائما خلافا لما يستفاد من التذكرة و نحوها كما مرّ. فالسائمة فيها الزكاة و ان خسر المالك لعلفها، و المعلوفة لا زكاة فيها و ان كان علفها مجانا.

و بالجملة فالحكم دائر مدار عنوان السائمة الحاكية عن طور الحياة البدوية للحيوان و لا يضرّ بذلك لا مملوكية الأرض و لا مملوكية النبت و لا غرامة المالك لتحصيل المرعى.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 237

[الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل]

الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل و لو في بعض الحول

بحيث لا يصدق عليها أنها ساكنة فارغة عن العمل طول الحول و لا يضرّ اعمالها يوما أو يومين في السنة كما مرّ في السوم (1).

______________________________

هذا و لو شك في بعض الموارد فحيث ان الشبهة مفهومية فلو كان لنا اطلاق أو عموم يدل على وجوب الزكاة في جميع الأنعام جاز التمسك به لإثبات الوجوب و لكن الشأن في اثبات عموم او مطلق في مقام البيان، اللهم الّا أن يتمسك بالعموم المدعى في الجمع المضاف في قوله- تعالى-:

«خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و لو لم يثبت عموم او مطلق كذلك كان المرجع في الفرد المشكوك أصالة البراءة فتدبر.

(1) عن جماعة دعوى الاجماع عليه، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه».

أقول: لم يذكر في المقنعة و النهاية و المراسم اشتراط عدم العمل بل السوم فقط، كما ان المقنع و الهداية خاليتان عن كليهما و هذه الكتب معدّة لنقل الأصول المتلقاة عن المعصومين «ع» فخلوّها عن مسألة يحكي عن عدم تحقق اجماع القدماء عليها. نعم ذكر في الخلاف السوم و عدم العمل شرطين و قد تعرض لهما في المسألة الستين و قد مرّت في أول مسألة السوم و فيها: «فان كانت سائمة للانتفاع بظهرها و عملها فلا زكاة فيها، او كانت معلوفة للدرّ و النسل فلا زكاة ...» و مرّت عبارة المبسوط أيضا و فيها: «فان كانت المواشي معلوفة او للعمل ...» فذكر العمل مستقلا.

و بالجملة فثبوت الاجماع في المسألة ان كان المراد به اجماع القدماء الذي هو الكاشف عن تلقي المسألة عن الأئمة- عليهم السلام- مشكل كما ان الاخبار و ان تعرضت لعدم الزكاة على العوامل و لكنها ذكرت فيها في قبال السائمة ففي صحيحة

الفضلاء: «و ليس على العوامل شي ء إنما ذلك على السائمة الراعية» و نحوها غيرها فراجع أول مسألة اشتراط السوم فيظهر منها بمراجعتها ان المنظور تقسيم الأنعام الى قسمين: قسم منها بدوية ساكنة في البرية و ترعى مما انبته اللّه، و قسم منها حضرية يستعملها مالكها بالركوب و الحمل و يعلفها من ماله فكأن العمل و كونها معلوفة متلازمان غالبا و لعل لفظ العوامل في الأخبار بقرينة ذكرها في قبال السائمة ذكرت ليشار بها الى نوع خاص حضري و اما السائمة العاملة فهي نادرة جدا و لعل الزكاة ثابتة فيها كما يناسبه حكمة اختصاص الزكاة بالسائمة حيث ان المالك يستفيد منها نوعا بلا غرم لعلفها.

و بالجملة فكون السوم و عدم العلم شرطين مستقلين محل تأمّل.

نعم في المستدرك «عن الدعائم عنهم- عليهم السلام- انه لا شي ء في الأوقاص و لا في العوامل من الابل و البقر، و عن الجعفريات عن علي «ع» انه قال: ان اللّه عفا لكم عن صدقة الخيل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 238

[الشرط الرابع: مضيّ الحول عليها]

[مضيّ الحول عليها جامعة للشرائط]

الشرط الرابع: مضيّ الحول عليها (1) جامعة للشرائط (2).

______________________________

المسومة و عن البقر العوامل و عن الابل النواضح» «1» فذكرت العوامل مستقلة، و لكن كونها عنوانا مشيرا الى العوامل الخارجية الملازمة غالبا للمعلوفة غير بعيد فتدبر.

ثم على فرض الاعتبار فالظاهر كون عنوان العاملة بمعناها الثبوتي مانعا لا كون عنوان السكون و الفراغ شرطا كما ربما يوهمه عبارة المصنف.

(1) في الخلاف (المسألة 6): «زكاة الابل و البقر و الغنم و الدراهم و الدنانير لا تجب حتى يحول على المال الحول و به قال جميع الفقهاء و هو المروي عن أمير المؤمنين علي- عليه السلام- و أبي بكر و عمر و ابن

عمر ...، و قال ابن عباس اذا استفاد مالا زكّاه لوقته كالركاز و كان ابن مسعود اذا قبض العطاء زكّاه لوقته ثم استقبل به الحول، دليلنا اجماع الفرقة».

و في المعتبر: «الحول و هو معتبر في الحجرين و الحيوان و عليه فتوى العلماء».

و في المنتهى: «و الحول شرط في الأنعام الثلاث و الذهب و الفضة و هو قول أهل العلم كافة الّا ما حكي عن ابن عباس و ابن مسعود».

و الأخبار الدالة على اعتبار الحول متفرقة في الأبواب المختلفة مستفيضة بل لعلها متواترة كما يقف عليها المتتبع، و منها صحيحة الفضلاء عنهما- عليهما السلام- قالا: و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فيه فاذا حال عليه الحول وجب عليه «2».

(2) قد مرّ ان الشروط على ما ذكروه أربعة: النصاب و السوم و عدم العمل و الحول. و طبع جعل الشروط لشي ء كوجوب الزكاة في المقام لا يقتضي الّا توقف الوجوب عليها في عرض واحد من دون أن يشترط بعضها ببعض، و لكن المتفاهم من كثير من أخبار الحول اعتباره في النصاب بل صحيحة زرارة صريحة في ذلك و ستأتي آنفا في الحاشية الآتية، و كذا السوم كما دلّ عليه صحيحة زرارة: «إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل» و قد مرّت في باب اعتبار السوم، و أمّا عدم كونها عاملة فعلى فرض اعتباره لا دليل على اعتبار الحول فيه الّا الاجماع المدعى و ان كان فيه ما فيه او يقال بأن ظاهر ما دلّ على عدم الزكاة في العوامل خروجها موضوعا لا مجرد اشتراط الوجوب به.

و بالجملة الحول معتبر في موضوع الوجوب و العوامل خارجة موضوعا

نظير ما تقدم في عدم الزكاة في مال الصبي.

______________________________

(1)- المستدرك ج 1 ص 515 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 239

[يكفي الدخول في الشهر الثاني عشر]

و يكفي الدخول في الشهر الثاني عشر (1) فلا يعتبر تمامه، فبالدخول فيه يتحقق الوجوب.

______________________________

(1) قال الشيخ في النهاية: «و اذا استهل الشهر الثاني عشر فقد حال على المال الحول و وجبت عليه فيه الزكاة».

و في السرائر: «و اذا استهل هلال الثاني عشر فقد حال على المال الحول و وجبت الزكاة في المال ليلة الهلال لا باستكمال جميع الشهر الثاني عشر بل بدخول أوّله».

و في المعتبر: «و يتم الحول عند استهلال الثاني عشر و هو مذهب علمائنا».

و في المنتهى: «اذا أهل الثاني عشر فقد حال على المال الحول ذهب اليه علماؤنا».

و في التذكرة: «حولان الحول هو مضي أحد عشر شهرا كاملة على المال فاذا دخل الثاني عشر وجبت الزكاة و ان لم تكمل أيامه بل تجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع».

و في الشرائع: «و حدّه أن يمضي أحد عشر شهرا ثم يهلّ الثاني عشر فعند هلاله تجب و لو لم تكمل أيام الحول».

و في الدروس: «الحول و هو مضي أحد عشر شهرا كاملة».

و في اللمعة: «و الحول بمضي أحد عشر شهرا هلالية».

و في الجواهر بعد عبارة الشرائع: «بلا خلاف أجده بل الاجماع بقسميه عليه».

هذه بعض كلماتهم في المقام، و الأصل في المسألة قبل الاجماع المدّعى صحيحة زرارة او حسنته. و هي طويلة ننقلها بطولها من الكافي «1» فروى فيه عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه، عن زرارة قال:

قلت لأبي جعفر «ع»: رجل كان عنده مأتا درهم غير درهم أحد عشر شهرا ثم أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني عشر فكملت عنده مأتا درهم أ عليه زكاتها؟ قال: لا، حتى يحول عليه الحول و هي مأتا درهم فان كانت مأئة و خمسين درهما فأصاب خمسين بعد أن يمضي شهر فلا زكاة عليه حتى يحول على المائتين الحول قلت: فان كانت عنده مأتا درهم غير درهم فمضى عليها أيام قبل أن ينقضي الشهر ثم أصاب درهما فأتى على الدراهم مع الدرهم حول أ عليه زكاة؟ قال: نعم و ان لم يمض عليها جميعا الحول فلا شي ء عليه فيها. قال: و قال زرارة و محمد بن مسلم: قال أبو عبد اللّه «ع»: أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فانه يزكّيه قلت له: فان هو وهبه قبل حلّه بشهر او بيوم؟ قال: ليس عليه شي ء أبدا. قال: و قال زرارة عنه «ع» انه قال: إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في اقامته ثم يخرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك ابطال الكفارة التي وجبت عليه. و قال: انه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة و لكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز و لم يكن عليه

______________________________

(1)- فروع الكافي ج 1، كتاب الزكاة ص 148.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 240

..........

______________________________

شي ء بمنزلة من خرج ثم أفطر إنما لا يمنع ما حال عليه فاما ما لم يحل فله منعه و لا يحل له منع مال غيره فيما قد حلّ عليه. قال زرارة: و قلت له: رجل كانت له مأتا درهم فوهبها لبعض اخوانه او ولده او

أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلّها بشهر؟ فقال: اذا دخل الشهر الثاني عشر قد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة. قلت له: فان أحدث فيها قبل الحول؟ قال: جائز ذلك له. قلت: انه فرّ بها من الزكاة؟ قال: ما ادخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها فقلت له:

انه يقدر عليها؟ قال: فقال: و ما علمه انه يقدر عليها و قد خرجت من ملكه. قلت فانه دفعها اليه على شرط؟ فقال: انه اذا سمّاها هبة جازت الهبة و سقط الشرط و ضمن الزكاة. قلت له:

و كيف سقط الشرط و تمضي الهبة و يضمن الزكاة؟ فقال: هذا شرط فاسد و الهبة المضمونة ماضية و الزكاة له لازمة عقوبة له. ثم قال: إنما ذلك له اذا اشترى بها دارا أو أرضا أو متاعا. ثم قال زرارة: قلت له: ان أباك قال لي: من فرّ بها من الزكاة فعليه ان يؤديها؟ قال: صدق أبي عليه ان يؤدّي ما وجب عليه و ما لم يجب فلا شي ء عليه فيه. ثم قال: أ رأيت لو ان رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أ كان عليه و قد مات أن يؤدّيها؟ قلت: لا الّا أن يكون قد أفاق من يومه.

ثم قال: لو ان رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أ كان يصام عنه؟ قلت: لا قال: فكذلك الرجل لا يؤدي عن ماله الّا ما حال عليه الحول «1».

و الحديث مشتمل على أحكام كثيرة في باب الزكاة منها ما نحن فيه من تعلق الزكاة بالدخول في الشهر الثاني عشر.

و الظاهر ان السند صحيح و قد كثر النقل بهذا السند في الكافي. و ابراهيم

بن هاشم أول من نشر حديث الكوفيين بقم و تلقاه القميون مع شدة احتياطهم بالقبول. فقول الشهيد في المسالك:

«في طريقه كلام» بلا وجه، مع انه بنفسه حكم في مسألة زكاة السخال بصحة الطريق الذي هو فيه و على فرض الضعف يجبر ضعفه بالعمل به.

و بالجملة فلا كلام في الحديث من حيث السند. نعم في متنه جهات من الاغتشاش:

منها سقوط مرجع الاشارة في قوله: «إنما هذا بمنزلة رجل أفطر» فلعل ما رواه زرارة و محمد بن مسلم كان هكذا: «ايّما رجل كان له مال فحال عليه الحول ثم وهبه فانه يزكّيه» او لعله حذف جملة: «ثم وهبه» بقرينة ذكر الهبة في الكلام الذي بعده و المقصود تشبيه الفارّ من الزكاة بعد حلول الحول و قبله بالمسافر في شهر رمضان بعد الافطار و قبله.

ففي أحدهما أريد اسقاط الواجب بعد وجوبه و في الآخر أريد اسقاطه بدفعه قبل تحققه، و الأول غير جائز و الثاني جائز.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1 و الباب 12 منها، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 241

..........

______________________________

و منها قوله: «و ما علمه انه يقدر عليها و قد خرجت من ملكه» فيحتمل ان يراد به امكان ان يحصل ما يمنع من الرجوع كالموت و نحوه، و يحتمل ان يراد أنه بعد ما خرج عن ملكه يمتنع عود الأول فلو دخل في ملكه كان مالا جديدا.

و منها قوله: «سقط الشرط و ضمن الزكاة» فلم يسقط الشرط و لم يضمن الزكاة مع كون المفروض وقوع الهبة قبل الحول و قد صرح في الحديث بعدم ضمانها و ان قصد بها الفرار؟! فربما يقال لعل فساد الشرط كان من

جهة ان الهبة بذاتها جائزة فلا تحتاج الى الشرط فهو زائد، و ربما يقال بأن الشرط كان هو الرجوع بعد التصرف و هو غير جائز و حمل ضمان الزكاة على الاستحباب او ان الشارع جعله عقوبة على الشرط الفاسد او يحمل على ما اذا لم يقصد الهبة حقيقة فهي ماضية بحسب الظاهر و مع ذلك يجب عليه الزكاة الى غير ذلك مما قيل في الحديث.

و بالجملة فالحديث لا يخلو عن اغتشاش بحسب المتن. فلو لم يكن الاجماع المدعى في المسألة و فتوى جلّ الأصحاب لا شكل ان يثبت بهذا الحديث مع ما فيه مثل هذا الحكم المخالف للّغة و العرف و المتفاهم من الروايات الكثيرة في باب الزكاة المشتملة على ألفاظ الحول او السنة او العام التي لعلها تقرب من أربعين رواية جلّها في مقام البيان من دون اشعار فيها بكفاية أحد عشر شهرا، و تأخير البيان عن وقت الحاجة قبيح.

و لعل كلمة الثاني عشر في الموضعين كانت مصحفة الثالث عشر، و لعل رسمهما في الخط الكوفي كان متقاربا، أو لعل مبدء الحول اعتبر صباح اليوم الأول من الشهر و قد مضى هلاله فيكون الهلال الثاني عشر هلال الشهر الثالث عشر كما لا يخفى. هذا.

و لكن بعد اللتيا و التي لا يمكن رفع اليد عن الحديث الصحيح الذي أفتى بمضمونه الأصحاب و ادّعي عليه الاجماع بمثل هذه الاشكالات و الاحتمالات و فقهنا ملي ء بتفسير بعض الروايات او تقييده او تخصيصه ببعض آخر مع الفصل الزماني بينهما بحسب الصدور، و لسان هذه الرواية لسان التفسير بالنسبة الى الأخبار المشتملة على الحول بكثرتها، فهي حاكمة عليها و لا يلاحظ في الحكومة كثرة الروايات و عدم كثرتها بعد

كون كلتيهما حجة.

اذا عرفت هذا فنقول: يقع البحث هنا في جهتين:

الأولى: هل الثابت بعد هلال الثاني عشر الوجوب المستقر او المتزلزل او المراعى ببقاء الشروط الى آخر الشهر او صرف حرمة الفرار فقط؟

الثانية: هل الشهر الثاني عشر يحسب من السنة الأولى او الثانية؟

اما الجهة الأولى: فظاهر الحديث و عبارات جلّ الأصحاب ثبوت الوجوب و استقراره بحلول الشهر الثاني عشر سواء بقيت الشروط الى آخره أم لا، و خالف في ذلك الشهيدان و بعض من

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 242

..........

______________________________

تأخر منهما.

ففي المسالك ما حاصله: «و لكن هل يستقر الوجوب به أم يتوقف على تمام الثاني عشر الذي اقتضاه الاجماع و الخبر السالف الأول ... و يحتمل الثاني لأنه الحول لغة و الأصل عدم النقل.

و وجوبه في الثاني عشر لا يقتضي عدم كونه من الحول الأول لجواز حمل الوجوب بدخوله على غير المستقر. و الحق ان الخبر السابق ان صحّ فلا عدول عن الأول لكن في طريقه كلام فالعمل على الثاني متعين الى أن يثبت و حينئذ فيكون الثاني عشر جزء من الأول و استقرار الوجوب مشروط بتمامه».

و في الروضة: «و هل يستقر الوجوب بذلك أم يتوقف على تمامه؟ قولان. أجودهما الثاني».

و في الدروس بعد عبارته السابقة: «و احتساب الحول الثاني من آخر الشهر الثاني عشر و يسقط باختلاف بعض الشروط فيه كالمعاوضة و لو كان بالجنس».

أقول: المحتملات بالنظر البدوي أربعة: الأول: ان يقال بعدم تحقق الوجوب عند هلال الثاني عشر أصلا بل يتوقف على انقضاء الحول حقيقة و إنما الثابت حرمة الفرار بالهبة و نحوها تعبدا بعد حلول الثاني عشر و هو الظاهر من الوافي حيث قال: «لعل المراد بوجوب الزكاة و حول الحول

برؤية هلال الثاني عشر الوجوب و الحول لمريد الفرار يعني لا يجوز الفرار حينئذ لا استقرار الزكاة في المال بذلك كيف؟ و الحول معناه معروف و الأخبار باطلاقه مستفيضة و لو حملناه على معنى استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه و إنما يستقيم بوجوه من التكلف».

و في الحدائق بعد نقله: «و هو جيد لو لا اتفاق الأصحاب قديما و حديثا على العمل بمضمونه مطلقا لا بخصوص هذا الفرد الذي ذكره».

ثم ذكر بنحو التأييد له صحيحة عبد اللّه بن سنان الدالة على أنه لما نزل قوله: خذ من أموالهم صدقة في شهر رمضان أمر رسول اللّه «ص» مناديه ان يبلغ الناس فرض الزكاة ثم لم يتعرض لشي ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا فأمر مناديه أن ينادي بالزكاة ثمّ وجّه عمال الصدقة «1».

أقول: ما ذكره من مخالفة ذلك لاتفاق الأصحاب صحيح. و الصحيحة لا تدلّ على تأييده فانها حكاية عن واقعة خاصة في أول تشريع الزكاة و لعلها تعلقت في أول الشهر الثاني عشر و لكن النبي «ص» لمصلحة أخر المطالبة حتى ينقضي شهر رمضان. كيف و الّا لزمت المطالبة فيه لا بعد انقضائه كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 243

..........

______________________________

و في مصباح الفقيه استشكل على الوافي بأنه ان أراد بما ثبت بالضرورة من الدين اعتبار الحول بمعناه الحقيقي فهو ممنوع. كيف و المشهور بل الاجماع على خلافه، و ان أراد اعتبار الحول اجمالا فغاية الأمر صيرورة ما دلّ عليه كآية او سنّة متواترة

و قد تقرر في محله جواز التصرف في ظاهر الكتاب و السنّة المتواترة بالخبر المعتبر خصوصا اذا كان بمنزلة التفسير له كما في المقام.

هذا بالنسبة الى المحتمل الاول و الظاهر ضعفه و عدم امكان الالتزام به.

الثاني: ان يراد بالحديث و الفتاوى الملكية المستقرة بحيث لا يكون لها حالة منتظرة بعد حلول الشهر الثاني عشر، و هو الظاهر من الحديث و الفتاوى و سنرجع الى ذلك في آخر البحث.

الثالث: ان يراد الملكية المتزلزلة نظير الملكية في زمن الخيار و ملكية الزوجة لجميع المهر قبل الدخول فيصير فقدان بعض الشروط في الشهر الثاني عشر رافعا لها بعد ثبوتها، و هذا هو الظاهر من لفظ التزلزل في كلماتهم و لعله المستفاد من الدروس أيضا حيث قال: «و يسقط باختلاف بعض الشروط فيه» و العجب انه جعل حتى المعاوضة التي هي أمر اختياري موجبا لسقوطه نعم يحتمل أن يعود الضمير في قوله: «فيه» الى الحول لا الشهر الثاني عشر فلا يرد الاشكال.

الرابع: ان يراد الفرد المراعى من الملكية، و توضيحه ان الحول شرط لوجوب الزكاة في عرض سائر الشروط و مع ذلك هو شرط للشرائط الأخر من النصاب و السوم و نحوهما أيضا كما عرفت فيعتبر تحققها طول الحول، فمن الممكن أن يراد بالحول بما هو شرط للوجوب معناه الشرعي و بما هو شرط للنصاب و نحوه معناه اللغوي العرفي فعند حلول الشهر الثاني عشر يتحقق الوجوب على فرض بقاء النصاب و سائر الشرائط الى آخره بنحو الشرط المتأخر، نظير المرأة الصائمة في شهر رمضان حيث يتوقف وجوب صومها على بقاء الطهارة الى المغرب فلو حاضت قبله انكشف عدم الوجوب من أول الفجر و على هذا فليس تحقق الوجوب

في أول الشهر قطعيا بل هو دائر بحسب الواقع مدار بقاء الشروط الى آخره. هذا ما يرتبط اجمالا بالجهة الأولى.

و اما الجهة الثانية ففي المسالك كما عرفت عدّ الشهر الثاني عشر من الحول الأول و مثله في الروضة و كذلك في الدروس كما عرفت، و في البيان: «و يحتسب من الأول».

و لكن في القواعد و التذكرة: «في احتساب الثاني عشر من الحول الأول او الثاني اشكال».

و قال في الايضاح: «و الأصح عندي عدم احتسابه من الأول لقول الباقر «ع»: اذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت عليه الزكاة. و الفاء تقتضي التعقيب بلا فصل فبأوّل جزء منه يصدق انه حال عليه الحول و حال فعل ماض لا يصدق الّا بتمامه».

و قد يتوهم ان الفرع مبني على كون الوجوب مستقرا او متزلزلا كما يظهر من عبارة المسالك، و لكن الظاهر خلاف ذلك بل هو مبني على كون التصرف في لفظ الحول او في حولانه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 244

..........

______________________________

و تحقيق المقام كما أشير اليه في كلماتهم و فصّله الشيخ الأعظم في زكاته انه بعد ما كان الحول و كذلك العام و السنة بحسب اللغة و العرف عبارة عن اثني عشر شهرا و عليه يحمل ما في الاخبار و الروايات في غير باب الزكاة، فهل يكون التصرف في المقام في لفظ الحول بادعاء كونه حقيقة شرعية في أحد عشر شهرا كما ربما يظهر من المسالك و غيره او باطلاقه عليه مجازا بعلاقة المشارفة او الكل و الجزء او بنحو الحقيقة الادعائية كما اختاره السكاكي في الاستعارات، او يكون التصرف في الحولان لا الحول فيكون لفظ الحول باقيا على معناه و هو اثنا عشر

شهرا؟ فان أريد بالحول في المقام أحد عشر شهرا بأي نحو كان فلازمه احتساب الثاني عشر من الحول الجديد و ان أريد به معناه اللغوي و العرفي كان اللازم احتسابه من الحول الأول.

و الحقّ ان الحول باق بمعناه، كيف و المذكور في باب الزكاة ليس لفظ الحول فقط بل العام و السنة أيضا كما يظهر لك بالتتبع في اخبارها، و ادعاء الحقيقة الشرعية او المجازية فيهما أيضا كما ترى.

و اما حولان الحول فالظاهر منه أيضا و ان كان مضي الحول و انقضاؤه بتمامه كما أشار اليه في الايضاح و لكن يمكن أن يراد به أيضا ما يعمّ الدخول في الشهر الثاني عشر كما يقال عرفا:

«مضى أسبوع» بمجرد الدخول في اليوم السابع و «مضى شهر» بمجرد الدخول في اليوم الأخير منه بل في الأيام الأواخر أيضا، و في الدعاء في العشر الآخر من رمضان «اللهم هذه أيام شهر رمضان قد انقضت و لياليه قد تصرّمت». فحولان الحول أيضا يتحقق بالدخول في الشهر الأخير منه و لا سيما اذا كان الحساب من مبدء الشهر و رؤية الهلال فيصدق حولان الحول على مجرد اهلال الأهلة الا ثنا عشر. و لا يخفى ان المذكور في الصحيحة و كلمات الفقهاء في المقام أيضا لفظ الاستهلال و هذه الاطلاقات و ان كانت مبنية على المسامحة و المسامحة غير معهودة في موضوعات الأحكام الشرعية و لا سيما المقادير الّا ان الصحيحة لما نطقت بأنه: «اذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت الزكاة» و الأصحاب أيضا أفتوا بمضمونها كشفت ذلك عن كون الاطلاقات الكثيرة في أخبار باب الزكاة أريد بها ذلك. فالتصرف لم يقع في ألفاظ الحول او العام او

السنة بل في حولان الحول و الشارع جعل هذا الفرد من الحولان المسامحي موضوعا لوجوب الزكاة كما هو ظاهر عبارة الصحيحة.

فحولان الحول نظير تتابع الشهرين في قوله- تعالى- «شهرين متتابعين» بضميمة الأخبار الحاكمة بحصول التتابع باتصال أول يوم من الشهر الثاني بالشهر الأول. و لا يخفى ان مقتضى ما ذكر بقاء الحول بمعناه اللغوي و العرفي و كون الشهر الثاني عشر أيضا منه و ان قلنا باستقرار الوجوب بالدخول فيه كما هو الظاهر من قوله: «وجبت الزكاة» لظهوره في الوجوب الفعلي القطعي. و اما في المراعى فالوجوب مشكوك فيه فلا يصح الحكم بتحققه و الحكم بتحققه بنحو

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 245

..........

______________________________

القطع متزلزلا بحيث يرتفع بارتفاع بعض الشروط في الثاني عشر يحتاج الى دليل و لم أجد من يصرّح في المقام بمثله و إنما الظاهر من كلمات القائلين بعدم الاستقرار هو الوجوب المراعى كما مثلوا له بصوم الحائض كما عرفت.

فان قلت: قد مرّ في كلامك ان القول بالوجوب المراعى مبني على التفصيل فيتصرف في الحول بما هو شرط للوجوب لا في الحول بما هو شرط لسائر الشروط كالنصاب و نحوه فأي دليل على التصرف فيه او في حولانه في المقامين؟

قلت: ظاهر قوله: «وجبت الزكاة» كما عرفت الوجوب الفعلي، و فعليته بفعلية شروطه و شروط شروطه فالظاهر منه تحقق حولان الحول بما انه شرط للوجوب و بما انه شرط لسائر شرائطه فالحق في المسألة ما اختاره المصنف من استقرار الوجوب بدخول الثاني عشر و مع ذلك يكون الثاني عشر من الحول الأول اذ التصرف ليس في الحول بل في نسبة الحولان اليه فتدبر جيدا.

هذا و لكن مع ذلك كله الأحوط تأخير الأداء الى انقضاء

الشهر الثاني عشر او الأداء قبله بعنوان القرض لأن رفع اليد عن ظاهر الأخبار الكثيرة المتضمنة للحول او العام او السنة مع كونها في مقام البيان برواية قد عرفت حالها من الاغتشاش في المتن مشكل.

هذا مضافا الى ما يستفاد من بعض الأخبار من اعتبار اثني عشر شهرا.

ففي رواية خالد بن حجاج الكرخي قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الزكاة فقال: انظر شهرا من السنة فانو ان تؤدّي زكاتك فيه، فاذا دخل ذلك الشهر فانظر ما نضّ يعني ما حصل في يدك من مالك فزكّه، و اذا حال الحول من الشهر الذي زكّيت فيه فاستقبل بمثل ما صنعت ليس عليك أكثر منه «1».

و في موثقة اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: السخل متى تجب فيه الصدقة؟

قال: اذا أجذع «2». فان الجذع و ان اختلف في معناه و لكن المحكى عن حياة الحيوان ان الصحيح عند أصحابنا و أكثر أهل اللغة انه ما مضى عليه سنة و لم يقل أحد باعتبار أحد عشر شهرا في الجذوعة و لعل بعض الأخبار الكثيرة المشتملة على السنة و لا سيما ما جعلت فيه عدلا لستة أشهر كرواية أبي بصير «3» أيضا مما يؤيد المطلب فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 13 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 246

بل الأقوى استقراره أيضا فلا يقدح فقد بعض الشروط قبل تمامه لكن الشهر الثاني عشر محسوب من الحول الأول فابتداء الحول الثاني إنما هو بعد تمامه.

[لو اختل بعض الشروط في أثناء الحول]

[مسألة 9]: لو اختل بعض

الشروط في أثناء الحول قبل الدخول في الثاني عشر بطل الحول كما لو نقصت عن النصاب، أو لم يتمكن من التصرف فيها (1)، او عاوضها بغيرها و ان كان زكويا من جنسها. فلو كان عنده نصاب من الغنم مثلا و مضى ستة أشهر فعاوضها بمثلها و مضى عليه ستة أشهر أخرى لم تجب عليه الزكاة (2).

______________________________

(1) كما هو مقتضى الشرطية لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه و قد مرّ في الصحيحة السابقة قوله «ع»: فان وهبه قبل حلّه بشهر او بيوم؟ قال: ليس عليه شي ء أبدا ... قلت له: فان أحدث فيها قبل الحول؟ قال: جائز ذلك له قلت: انه فرّ بها من الزكاة؟ قال: ما ادخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها «1».

هذا و في الخلاف (المسألة 117): «النصاب يراعى في أول الحول الى آخره و سواء كان ذلك في الماشية او الأثمان او التجارات، و قال أبو حنيفة: النصاب يراعى في طرفي الحول و ان نقص فيما بينهما جاز في جميع الأشياء: الأثمان و المواشي و به قال الثوري، و قال الشافعي و أصحابه فيه قولان ...».

و لعل أبا حنيفة نظر الى ان الجباة للزكوات لا يرون من مال الرجل الّا ما وجده عند حلول الحول كما هو المتعارف في جباة الماليات العادية فتحسب الماليات بحسب ما يجده الرجل حين مراجعة الجباة.

و كيف كان فهو متروك اذ المستفاد من الأخبار اشتراط وجود النصاب طول الحول فراجع.

(2) في الخلاف (المسألة 63): «من كان معه نصاب فبادل بغيره لا يخلو ان يبادل بجنس مثله، مثل ان بادل إبلا بإبل او بقرا ببقر او غنما بغنم او ذهبا بذهب او فضة بفضة، فانه لا ينقطع الحول و

يبنى، و ان كان بغيره مثل ان بادل إبلا بغنم او ذهبا بفضة او ما أشبه ذلك انقطع حوله و استأنف الحول في البدل الثاني و به قال مالك، و قال الشافعي: يستأنف الحول في جميع ذلك و هو قوي، و قال أبو حنيفة فيما عدا الأثمان بقول الشافعي ...، دليلنا اجماع الفرقة على أنه لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ... و اما ما اعتبرناه من الذهب و الفضة اذا بادل شيئا منهما بمثله

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 247

..........

______________________________

خصّصناه بقوله «ع»: في الرقة ربع العشر، و ما يجري مجراه من الأخبار المتضمنة لوجوب الزكاة في الأجناس و لم يفصل بين ما يكون بدلا من غيره او غير بدل».

و في المبسوط: «اذا بادل جنسا بجنس مخالف مثل ابل ببقر او بقر بغنم او غنم بذهب او ذهب بفضة او فضة بذهب استأنف الحول بالبدل و انقطع حول الأول، و ان فعل ذلك فرارا من الزكاة لزمته الزكاة، و ان بادل بجنسه لزمه الزكاة مثل ذهب بذهب او فضة بفضة او غنم بغنم و ما أشبه ذلك».

و عن فخر المحققين في شرحه على الارشاد: «اذا عاوض النصاب بعد انعقاد الحول عليه مستجمعا للشرائط بغير جنسه و هو زكوي أيضا كما لو عاوض أربعين شاة بثلاثين بقرة مع وجود الشرائط في الاثنين انقطع الحول و ابتدأ الحول الثاني من حين تملكه، و ان عاوضه بجنسه و قد انعقد عليه الحول أيضا مستجمعا للشرائط لم ينقطع الحول بل بنى على الحول الأول و هو قول الشيخ أبي جعفر الطوسي- قدس اللّه

روحه- للرواية. و إنما شرطنا في المعاوض عليه انعقاد الحول لأنه لو عاوض أربعين سائمة بأربعين معلوفة لم تجب الزكاة اجماعا، و كذا لو عاوض أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة أربعة أشهر لم تجب الزكاة اجماعا بل ينبغي أن تكون أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة مدة ستة أشهر، و متى اختل أحد الشروط لم تجب الزكاة اجماعا، و كذا لو عاوض نصابا من الذهب بنصاب منه و كان المأخوذ منه طفلا او مجنونا لم تنعقد الزكاة اجماعا لأنه لم ينعقد عليه حول اجماعا و كذا لو عاوض ببعض النصاب».

أقول: بعض ما ذكره فخر الدين مما لا يظهر له وجه اذ الكلام في ان المعتبر حول الحول على الشخص او على نوعه و لا يعتبر كون العوض قبل انتقاله الى المالك منعقدا عليه الحول او كونه ملكا لمن عليه الزكاة و إنما المعتبر صدق كون المالك في ظرف الحول واجدا للنصاب اجمالا. و اما قوله:

«للرواية» فلعله يتبادر منه وجود رواية خاصة في خصوص المسألة لم تصل إلينا و لكنا نقول:

لو كانت لبانت فالاولى حملها على الروايات العامة بتقريب ان المستفاد من قوله «ع»: «في أربعين شاة شاة» مثلا مالكيته للكلي الطبيعي فيكون الموضوع مالكية الشخص للأربعين شاة طول الحول من دون نظر الى أشخاصها و لا سيما في الأثمان فانها لما لم تكن مقصودة بالذات بل بما هي واسطة في المعاملات فلا تلاحظ نوعا أشخاصها، و ما هي الحكمة في وجوب الزكاة أيضا موجودة في المقام اذ لا يرى العرف فرقا بين من ملك أربعين شاة سائمة بأشخاصها طول الحول و بين من وجدها كذلك و قد تبدلت في البين بما هو مثله فانه

يصدق على هذا الشخص انه واجد طول الحول لأربعين شاة سائمة فيوجد فيه ملاك الزكاة و لا سيما اذا كان التبديل في البعض كشاة واحدة مثلا. و بالجملة فالظاهر ان المراد بالرواية شمول اطلاقات الباب للمقام، و يؤيد ذلك ما مرّ في ذيل عبارة الخلاف من قوله: «خصّصناه بقوله «ع» في الرقة ربع العشر ...» فراجع.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 248

..........

______________________________

و لعلّه يدل على قول الشيخ خبر زرارة الآتي من العلل أيضا بتقريب نذكره بعد نقله.

هذا و لكن الظاهر ان الحق مع المشهور اذ الظاهر المتبادر من قوله: «كل ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فيه» هو حولان الحول على الشخص الذي هو عند ربّه لا على نوعه. و الاخبار بهذا المضمون كثيرة جدّا في أبواب مختلفة.

هذا مضافا الى ما رواه في الفقيه قال: قال أبو جعفر «ع»: في التسعة الأصناف اذا حوّلتها في السنة فليس عليك فيها شي ء «1». و التحويل يشمل التبديل بالجنس أيضا.

و كذا قوله في صحيحة زرارة السابقة: «فان أحدث فيها قبل الحول؟ قال: جائز ذلك له قلت: انه فرّ بها من الزكاة؟ قال: ما ادخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها» «2». لا طلاق الاحداث أيضا.

و اما التبديل الى غير الجنس فالأخبار فيه كثيرة مثل قوله في هذه الصحيحة أيضا: «ثم قال:

إنما ذلك له اذا اشترى بها دارا او أرضا او متاعا».

و صحيح عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل فرّ بما له من الزكاة فاشترى به أرضا او دارا أ عليه شي ء؟ فقال: لا ...» «3».

و خبر العلل عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر «ع»: رجل كانت عنده دراهم أشهرا

فحوّلها دنانير فحال عليها منذ يوم ملكها دراهم حولا أ يزكّها؟ قال: لا، ثم قال: أ رأيت لو ان رجلا دفع إليك مأئة بعير و أخذ منك مأتي بقرة فلبثت عنده أشهرا و لبثت عندك أشهرا فموّتت عندك ابله و موّتت عنده بقرك أ كنتما تزكّيانها؟ فقلت: لا، قال: كذلك الذهب و الفضة. ثم قال: و ان حوّلت برا او شعيرا ثم قلبته ذهبا او فضة فليس عليك فيه شي ء الّا ان يرجع ذلك الذهب او تلك الفضة بعينها او بعينه فان رجع ذلك فان عليك الزكاة لأنك قد ملكتها حولا، قلت له: فان لم يخرج ذلك الذهب من يدي يوما؟ قال: ان خلط بغيره فيها فلا بأس و لا شي ء فيما رجع إليك منه. ثم قال: ان رجع إليك بأسره بعد اليأس منه فلا شي ء عليك فيه حولا الحديث «4».

هذا و لا يخفى اغتشاش الحديث، و لعل المراد بالجملة الأخيرة صورة فقدان المال او غصبه بحيث لم يتمكن من التصرف فيه، و المراد بالخلط اشتباه المال بغيره او اختلاطه بغيره فيستفاد منه اعتبار بقاء المال ممتازا طول الحول، و المراد بقوله: «الّا ان يرجع ذلك الذهب ...» اما صورة ظهور كون المبادلة بالبر و الشعير فاسدا، او كون المدة قليلة جدا بحيث لا يضرّ بالبقاء طول الحول

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص:

249

[لو عاوضها بقصد الفرار]

بل الظاهر بطلان الحول بالمعاوضة و ان كانت بقصد الفرار من الزكاة (1).

______________________________

عرفا فتأمل، أو كون الاستثناء منقطعا فيكون المراد انه لو بادل الذهب مثلا بالبر او الشعير يضرّ و اما لو بادل بمثله فلا يضر بالحول فيراد بقوله: «ذلك الذهب او تلك الفضة بعينها او بعينه» الابدال بالمثل في قبال الابدال بغير الجنس فتصير الرواية دليلا للشيخ كما مرّت الاشارة اليه.

و كيف كان فالأقوى ان الابدال يضر بالحول و ان كان بالجنس خلافا للشيخ و فخر الدين.

و في السرائر بعد نقل كلام الشيخ: «اجماعنا بخلاف ما ذهب اليه في مبسوطه و أصول مذهبنا منافية لذلك لأنهم- عليهم السلام- أوجبوا الزكاة في الأعيان دون غيرها من الذمم بشرط حول الحول على العين من أوله الى آخره فيما يعتبر فيه الحول و من المعلوم ان عين البدل غير عين المبدل و ان إحداهما لم يحل عليه الحول».

(1) مسألة الفرار معنونة في زكاة النقدين أيضا لمن بادلهما او سبكهما او جعلهما حليا بقصد الفرار و لكن ملاك البحث في المسألتين واحد فنتعرض لهما هنا و المسألة مختلف فيها بيننا و كذا بين أهل السنة و الأخبار فيها أيضا مختلفة.

قال في الخلاف (المسألة 64): «يكره للإنسان ان ينقص نصاب ماله قبل حول الحول فرارا من الزكاة فان فعل و حال عليه الحول و هو أقل من النصاب فلا زكاة عليه و به قال أبو حنيفة و أصحابه و الشافعي، و قال بعض التابعين لا ينفعه الفرار منها فاذا حال عليه الحول و ليس معه نصاب أخذت الزكاة منه و به قال مالك. دليلنا اجماع الفرقة ...».

و قال فيه أيضا (المسألة 65): «اذا كان معه نصاب من

جنس واحد ففرقه في أجناس مختلفة فرارا من الزكاة لزمته الزكاة اذا حال عليه الحول على أشهر الروايات و قد روي ان ما ادخله على نفسه أكثر و قال الفقهاء في هذه المسألة مثل ما قالوه في مسألة النقص سواء».

و فيه أيضا (المسألة 89): «لا زكاة في سبائك الذهب و الفضة و متى اجتمع معه دراهم او دنانير و معه سبائك او نقار اخرج الزكاة من الدراهم او الدنانير اذا بلغا النصاب و لم يضم السبائك و النقار اليهما و قال جميع الفقهاء يضم بعضها الى بعض و عندنا ان ذلك يلزمه اذا قصد به الفرار من الزكاة. دليلنا الأخبار ...».

و لا يخفى ان السبائك عند أهل الخلاف فيه زكاة و كذا الحلي عند بعضهم و لكن عندنا لا زكاة الّا في المسكوك المنقوش كما سيأتي في محله. و الشيخ «قده» كما ترى حكم في النقص بقصد الفرار بعدم الزكاة، و في المبادلة و السبك بقصده بالزكاة.

و في المبسوط: «فاما سبائك الذهب و الفضة فانه لا يجب فيها الزكاة الّا اذا قصد بذلك الفرار فيلزمه حينئذ الزكاة».

و قد مرّ في ضمن عبارته في مسألة مبادلة الجنس بغير الجنس: «و ان فعل ذلك فرارا من الزكاة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 250

..........

______________________________

لزمته الزكاة».

و في النهاية: «فاذا كانا سبائك او حليا فلا يجب فيهما الزكاة الّا أن يقصد صاحبهما الفرار به من الزكاة فمتى فعل ذلك قبل حال وجوب الزكاة استحب له ان يخرج عنهما الزكاة و ان جعله كذلك بعد دخول الوقت لزمته الزكاة».

فالشيخ أفتى في الخلاف و المبسوط بالوجوب و في النهاية بالاستحباب و يظهر منه في التهذيب في أوائل الزكاة عدم الوجوب و

في زياداتها الوجوب و في الاستبصار الاستحباب.

و في الانتصار ما حاصله: «و مما انفردت به الامامية القول بأن من فرّ بدراهم او دنانير فسبكها من الزكاة او ابدل جنسا بغيره هربا من وجوب الزكاة فان الزكاة تجب عليه، و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك و لا يوجبون الزكاة و ان قصد الهرب منها، و روي عن مالك و بعض الشافعيين ان عليه الزكاة. دليلنا على صحة ما ذهبنا اليه الاجماع من الطائفة. فان قيل ان ابن الجنيد لا يوجب الزكاة في المقام. قلنا الاجماع تقدمه و تأخر منه و إنما عوّل هو على اخبار رويت عن أئمتنا «ع» و بازائها ما هو أظهر منها و أقوى و أوضح طريقا فيمكن حمل تلك الأخبار على التقية».

و في فقه الرضا: «و ليس في السبائك زكاة الّا ان تكون فررت به من الزكاة فان فررت به من الزكاة فعليك فيه زكاة». و نحو هذه العبارة في الفقيه و المقنع أيضا. و حيث نسب القول بالوجوب في المقام الى الصدوقين يقوى الظن بصحة ما ذكرنا مرارا من كون فقه الرضا رسالة علي بن بابويه الذي ينقل عنها في الفقيه كثيرا و الفقهاء كانوا يرجعون اليها عند اعواز النصوص و الّا فلا يوجد عندنا رسالته.

هذا و في الغنية و اشارة السبق أيضا وجوب الزكاة في السبائك التي قصد بسبكها الفرار من الزكاة و نحوهما في الوسيلة في من فرّ بغير المنقوش من الزكاة.

و لكن المفيد في المقنعة بعد ما حكم بعدم الزكاة في السبائك قال: «و قد روي انه اذا فرّ بها من الزكاة لزمته زكاتها عقوبة و لا ينفعه فراره بسبكها او صياغتها» فيظهر منه الترديد في المسألة.

هذا و

في مختصر الخرقي الحاوي لفقه الحنابلة: «و من كانت عنده ماشية فباعها قبل الحول بدراهم فرارا من الزكاة لم تسقط الزكاة عنه».

و في المغني شرح هذا المختصر: «و بما ذكرناه قال مالك و الأوزاعي و ابن الماجشون و اسحاق و أبو عبيد، و قال أبو حنيفة و الشافعي تسقط عنه الزكاة».

و اما المتأخرون فالمشهور بينهم بل عن الرياض نسبته الى عامتهم عدم الوجوب و نسب الى القديمين أيضا.

فتلخص مما ذكرنا ان المسألة مختلف فيها بين فقهاء العامة و كذلك بين فقهائنا حتى ان الشيخ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 251

..........

______________________________

- خريت فقه الشيعة- أفتى في الخلاف و المبسوط و موضع من التهذيب بالوجوب، و في النهاية و الاستبصار و موضع من التهذيب بعدم الوجوب. فالمسألة ليست اجماعية و ان ادعاه في الانتصار و على فرض وجوده فليس بحجة للعلم بالمدرك او احتماله. نعم المشهور بين القدماء الوجوب و بين المتأخرين عدم الوجوب.

و لا يخفى ان الاختلاف فيها ناشئ من اختلاف الأخبار فانها طائفتان: الطائفة الأولى:

ما دلّت على جواز الفرار و عدم الوجوب. و الثانية: ما دلّت على الوجوب.

و قبل التعرض لهما نقول ان الأصل و القاعدة يقتضيان عدم الوجوب. اما الأول فلأن الشك في التكليف يقتضي البراءة، و اما الثاني فلأن المنقوش مثلا موضوع للوجوب، و السبيكة موضوع لعدمه فهما موضوعان و لكل حكمه كالحاضر و المسافر في باب الصلاة و لا يمكن تصدّي الحكم لتحقيق موضوعه او لحفظه للزوم الدور، فان رتبة الحكم متأخرة عن رتبة الموضوع و رتبة محقق الموضوع او حافظه مقدمة على الموضوع فوجوب ايجاد الموضوع او ابقائه يحتاج الى دليل آخر يتعرض لذلك.

و بالجملة الحكم يتحقق على فرض وجود

الموضوع فلا يمكن أن يتعرض بنفسه لإيجاد الموضوع او ابقائه فالقاعدة تقتضي عدم الوجوب.

و اما الأخبار فما دلّ منها على جواز الفرار و عدم الوجوب كثير مستفيض جدا:

منها صحيحة زرارة السابقة في مسألة الحول اذ يظهر من موارد منها عدم الوجوب، منها قوله:

«قلت له: فان أحدث فيها قبل الحول؟ قال: جائز ذلك له قلت: انه فرّ بها من الزكاة قال:

ما ادخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها»، و منها قوله: «قال زرارة قلت له: ان أباك قال لي:

من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ فقال: صدق أبي، عليه ان يؤدي ما وجب عليه و ما لم يجب عليه فلا شي ء عليه فيه».

و من الأخبار أيضا صحيحة عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضا او دارا أ عليه شي ء؟ فقال: لا و لو جعله حليّا او نقرا فلا شي ء عليه و ما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حقّ اللّه الذي يكون فيه «1».

و دلالتها على جواز الفرار واضحة و الظاهر منها عدم صدورها تقية اذ التقية ضرورة و الضرورات تتقدر بقدرها فلو كان عن تقية اكتفى الإمام- عليه السلام- بجواب السائل و لم يضف اليه ابتداء قوله: «و لو جعله حليّا ...».

و منها صحيحة هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: ان أخي يوسف و لي

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 252

..........

______________________________

لهؤلاء القوم اعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة و انه جعل ذلك المال حليّا أراد أن يفرّ به من الزكاة أ عليه الزكاة؟

قال: ليس على الحليّ زكاة و ما ادخل على نفسه من النقصان في وضعه و منعه نفسه فضله أكثر مما يخاف من الزكاة «1».

و منها صحيحة علي بن يقطين، عن أبي ابراهيم- عليه السلام- قال: قلت له: انه يجتمع عندي الشي ء (الكثير قيمته) فيبقى نحوا من سنة أ نزكّيه؟ فقال: لا، كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة، و كل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء. قال: قلت: و ما الركاز؟ قال:

الصامت المنقوش. ثم قال: اذا أردت ذلك فاسبكه فانه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضة شي ء من الزكاة «2».

و لا يخفى عدم امكان حمل الصحيحة و نحوها على التقية اذ السبائك عندهم فيها الزكاة.

و منها ما رواه في العلل عن علي بن يقطين، عن أبي ابراهيم «ع» قال: لا تجب الزكاة فيما سبك قلت: فان كان سبكه فرارا من الزكاة؟ قال: أ لا ترى ان المنفعة قد ذهبت منه فلذلك لا يجب عليه الزكاة «3».

و منها ما رواه أيضا عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسى «ع» قال: لا تجب الزكاة فيما سبك فرارا به من الزكاة أ لا ترى ان المنفعة قد ذهبت فلذلك لا تجب الزكاة «4». و الظاهر اتحاد الخبرين.

فهذه أخبار مستفيضة معتبرة تدل على جواز الفرار. نعم بازائها ثلاث روايات دالة على وجوب الزكاة على من قصد الفرار:

فالأولى: موثقة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الحليّ فيه زكاة؟ قال: لا الّا ما فرّ به من الزكاة «5».

و مفاد قوله: «فيه زكاة» الحكم الوضعي الشامل للواجب و المندوب فليس فيه ظهور في الوجوب.

الثانية: موثقة معاوية بن عمار، عن أبي عبد

اللّه «ع» قال: قلت له: الرجل يجعل لأهله الحليّ من مأئة دينار و المأتي دينار و اراني قد قلت ثلاث مأئة فعليه الزكاة؟ قال: ليس فيه زكاة.

قلت له: فانه فرّ به من الزكاة؟ فقال: ان كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة و ان كان إنما فعله

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 253

..........

______________________________

ليتجمل به فليس عليه زكاة «1».

الثالثة: موثقة اسحاق بن عمار قال: سألت أبا ابراهيم «ع» عن رجل له مأئة درهم و عشرة دنانير أ عليه زكاة؟ فقال: ان كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة. قلت: لم يفرّ بها ورث مأئة درهم و عشرة دنانير؟ قال: ليس عليه زكاة. قلت: فلا تكسر الدراهم على الدنانير و لا الدنانير على الدراهم؟ قال: لا «2».

و الضمير المجرور في قوله: «عليه» في الحديثين يحتمل رجوعه الى الشخص و الى المال، و على الأول ظاهر في الوجوب دون الثاني اذ يكون مفاده مفاد قوله: «فيه زكاة» أعني الحكم الوضعي الشامل للواجب و المندوب، و الزكاة المستحبة أمر معروف لديهم.

و الشيخ في الاستبصار حمل أخبار هذه الطائفة على الاستحباب، و في التهذيب على قصد الفرار بعد الحول و استشهد لهذا الحمل بما مرّ في صحيحة زرارة من سؤاله الصادق- عليه السلام- عن

قول أبيه: «من فرّ بها من الزكاة فعليه ان يؤدّيها» و جوابه- عليه السلام- بأن عليه ان يؤدي ما وجب عليه أعني ما حال عليه الحول.

أقول: الحمل على الاستحباب له وجه و اما الحمل على ما بعد الحول فلا يناسب التفصيل الواقع في الروايات و لا سيما موثقة معاوية بن عمار اذ بعد الحول يكون الوجوب ثابتا مستقرا و ان فعله ليتجمل به.

و السيد المرتضى كما عرفت أخذ بهذه الأخبار و قال انها أظهر و أقوى و أوضح طريقا و حمل اخبار جواز الفرار على التقية.

و فيه أولا: ان اخبار جواز الفرار نص في عدم الوجوب و هذه الاخبار ظاهرة في الوجوب بل يمكن منع ظهورها أيضا بناء على ما عرفت من حملها على الحكم الوضعي فلم حكم بأظهرية هذه الأخبار؟

و ثانيا: ان أخبار الجواز أكثر عددا و فيها صحاح فهي الأوضح طريقا.

و ثالثا: ان الحمل على التقية إنما يصح بعد عدم امكان الجمع الدلالي بين الطائفتين كالاستحباب في المقام.

و رابعا: لا مجال للتقية بعد كون المسألة ذات قولين عندهم، فأبو حنيفة و الشافعي جوّزا الفرار، و مالك و أحمد لم يجوزاه كما مرّ.

و خامسا: في اخبار جواز الفرار توجد قرائن على عدم التقية كالحكم بعدم الزكاة في السبائك

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 6.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 254

[اذا حال الحول فتلف من النصاب شي ء]

[مسألة 10]: اذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شي ء، فان كان لا بتفريط من المالك لم يضمن، و ان كان بتفريط منه و لو بالتأخير مع التمكن من الأداء ضمن

بالنسبة (1).

______________________________

و كذكر الامام- عليه السلام- في صحيحة عمر بن يزيد ما لا ضرورة في بيانه كما عرفت.

فالحق في المسألة ما عليه المشهور من المتأخرين و به أفتى المصنف من جواز الفرار و ان كان الأحوط تركه و يحمل الأخبار الأخيرة على الاستحباب.

فان قلت: ظاهر الأمر و ما في معناه الوجوب، و الاستحباب مجاز فلا يصار اليه الّا بقرينة.

قلت: الأمر لم يوضع للوجوب و ليس الوجوب مفاد اللفظ بل هو موضوع للبعث و التحريك الانشائي في قبال البعث التكويني بوسيلة اليد و نحوها. نعم بعث المولى تمام الموضوع لحكم العقلاء بوجوب الاطاعة و استحقاق العقوبة على فرض المخالفة الّا ان يضم الى البعث الترخيص في الترك فيتحقق الاستحباب، كما انه لو انضمت الى البعث قرائن الشدة حكم بتأكيد الوجوب.

و بالجملة البعث المطلق و البعث المقارن لما يشدّده موضوعان لحكم العقلاء بوجوب الاطاعة دون البعث المقارن للترخيص فالوجوب ليس مفاد اللفظ بل هو من أحكام العقلاء على قسمي البعث و المفروض في مسألتنا وجود اخبار دالة على الترخيص فيكون البعث بنحو الاستحباب و كلمات الأئمة- عليهم السلام- يحمل بعضها على بعض و يكون بعضها قرينة للتصرف في الآخر فانهم نور واحد و بمنزلة متكلم واحد فتدبر.

(1) أقول: الصور المحتملة ثمانية، اذ قد يعزل مقدار الزكاة ثم يعرضها التلف ففي الحقيقة يتلف ما تعين كونه زكاة (بناء على ما يستفاد من أخبار العزل من ان المعزول يتعين كونه زكاة)، و اما ان يعرض التلف لجميع المال بما فيه من الزكاة، و اما ان يتلف البعض بما فيه من الزكاة قبل العزل. فهذه ثلاث صور و الصورة الثالثة على قسمين: اذ الباقي بعد التلف اما ان ينقص عن

النصاب او لا ينقص بان كان المال مشتملا على النصاب و العفو معا فبقي مقدار النصاب بعد تلف البعض فهذه أربع صور و في كل منها اما ان يكون بتفريط من المالك و لو بالتأخير او لا فهذه ثماني صور.

فان كان التالف ما تعين كونه زكاة ففيه طائفتان من الأخبار: الأولى: ما دلّ على عدم الضمان بنحو الاطلاق. الثانية: ما دلّ على التفصيل. و قد تعرض لهما في الوسائل في الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة.

فمن الأولى صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر «ع» قال: اذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت أو ارسل بها اليهم فضاعت فلا شي ء عليه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 255

..........

______________________________

و منها موثقته، قال: قلت لأبي جعفر «ع»: جعلت فداك الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض الى أرض فيقطع عليه الطريق؟ فقال: «قد أجزأته عنه، و لو كنت أنا لأعدتها». و الذيل يدل على استحباب الاعادة.

و منها صحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال: اذا اخرجها من ماله فذهبت و لم يسمها لأحد فقد برئ منها.

و منها حسنة بكير بن أعين او صحيحته قال: سألت أبا جعفر «ع» عن الرجل يبعث بزكاته فتسرق او تضيّع؟ قال: ليس عليه شي ء.

و اما الطائفة الثانية فمنها صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال: اذا وجد لها موضعا فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و ان لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده، و كذلك الوصي الذي يوصى اليه

يكون ضامنا لما دفع اليه اذا وجد ربه الذي أمر بدفعه اليه فان لم يجد فليس عليه ضمان.

و منها صحيحة زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل بعث اليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت؟ فقال: ليس على الرسول و لا على المؤدي ضمان، قلت: فانه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت أ يضمنها؟ قال: لا و لكن ان (اذا) عرف لها أهلا فعطبت او فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها.

هذا و مقتضى الصناعة الفقهية حمل الأخبار المطلقة على الأخبار المفصلة بين التفريط و لو بتأخير الأداء بعد ما وجد لها أهلا و بين غيره. و لعل وجه الاطلاق في الطائفة الأولى من جهة ان الغالب في من يبعث زكاته الى بلد آخر عدم وجود المصرف لها في محله.

و لا يخفى ان عبارة المصنف لا تشمل صورة تلف ما تعين كونه زكاة أعني مورد هذه الأخبار.

و اما اذا تلف جميع المال فمقتضى القاعدة فيه أيضا التفصيل بين صورة التفريط في الأداء او الحفظ و بين غيرها اذ الزكاة تتعلق بالعين فهي بحكم الأمانة في يد المالك فحكمها حكم الأمانة، و قوله: «على اليد ما قبضت حتى تؤديه» يقتضي الضمان خرجت منه اليد الأماني بالإجماع.

هذا مضافا الى وجود الرواية في الصورتين ففي مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل يكون له ابل او بقر او غنم او متاع فيحول عليها الحول فتموت الابل و البقر و الغنم و يحترق المتاع؟ قال: ليس عليه شي ء «1».

و في رواية زيد النرسي في أصله، عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل يكون له الابل و البقر

______________________________

(1)- الوسائل ج 6

الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 256

نعم لو كان أزيد من النصاب و تلف منه شي ء مع بقاء النصاب على حاله لم ينقص من الزكاة شي ء و كان التلف عليه بتمامه مطلقا على اشكال (1).

______________________________

و الغنم او المتاع فيحول عليه الحول فيموت الابل و البقر و يحترق المتاع؟ فقال: ان كان حال عليه الحول و تهاون في اخراج زكاته فهو ضامن للزكاة و عليه زكاة ذلك و ان كان قبل أن يحول عليه الحول فلا شي ء عليه «1». فتحمل الرواية الأولى على صورة عدم التهاون.

فهذه الى هنا أربع صور لم يتعرض لها المصنف.

و اما اذا تلف البعض قبل العزل فاما ان يكون الباقي بمقدار النصاب او لا و في كل منهما فاما ان يكون مع تفريط المالك او لا فهذه أربع صور تعرض لها المصنف.

اما اذا كان المال بقدر النصاب فتلف منه شي ء فقد حكم فيه المصنف بعدم الضمان للزكاة الّا مع التفريط.

و يرد عليه ان هذا صحيح على القول بكون التعلق بنحو الاشاعة و اما على القول بكونه بنحو الكلي في المعين كما يقول به المصنف او حق الجناية في العبد الجاني او حق غرماء الميت في تركته، فمقتضى القاعدة فيه عدم وقوع التلف في حق الفقراء، و كذا اذا كان التعلق بنحو تعلق حق الرهانة بل في الأخير يلزم الضمان و ان تلف جميع المال اذ عليه تكون الزكاة في الذمة و المال رهن عليه و تلف الرهن لا يوجب سقوط الذمة.

و الحاصل ان المصنف القائل بكون التعلق من قبيل الكلي في المعين يجب عليه ان يلتزم بعدم سقوط الزكاة ما دام مقدارها باق كمن باع

صاعا من صبرة معينة فان حق المشتري باق ما دام يبقى مقدار الصاع منها.

اللهم الّا ان يكون هنا اجماع او توهم المصنف شمول صحيحتي زرارة و محمد بن مسلم للمقام، و كلاهما محل اشكال بل منع فتدبر.

(1) قد مرّ في التنبيه الثالث من التنبيهات التي ذكرناها بعد ذكر نصب الأنعام البحث في ان المال المشتمل على النصاب و العفو هل يكون متعلق الزكاة جميع المال او مقدار النصاب منه، و رجحنا القول بكون المتعلق جميع المال و استفدنا ذلك من أخبار الباب. فمعنى العفو عدم وجوب الزائد على ما وجب في النصاب لا عدم كون مقدار العفو متعلقا للزكاة و على هذا فحكمه حكم ما اذا تلف بعض النصاب و الى هذا أشار المصنف بقوله: «على اشكال» فراجع ما حررناه هناك

______________________________

(1)- المستدرك ج 1 الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 257

[اذا ارتد المسلم]

[مسألة 11]: اذا ارتدّ الرجل المسلم فاما أن يكون عن ملّة أو عن فطرة، و على التقديرين إما أن يكون في أثناء الحول أو بعده، فان كان بعده وجبت الزكاة (1) سواء كان عن فطرة أو ملّة و لكن المتولّي لإخراجها الامام أو نائبه (2)،

______________________________

(1) اذ الارتداد لا يقتضي سقوطها و الإسلام يجبّ ما قبله لا الكفر.

(2) لأنها عبادة لا تصح من الكافر، و لاشتراطها بقصد القربة و لا يتمشى من الكافر، و لأن الامام ولّى الممتنع، و لأنها لا تقبل من الكافر لقوله- تعالى- إنما يتقبل اللّه من المتقين «1».

و لقوله: و ما منعهم ان تقبل منهم نفقاتهم إلا انهم كفروا باللّه و برسوله «2».

هذا مضافا الى ما في الفطري من انتقال المال منه الى الورثة فليس

مالكا للمال حتى يدفع زكاته.

هذا ما قيل في المقام، و لكن يرد على الأول المنع من عدم صحة عبادته لو فرض الاتيان بها واجدة للشرائط.

و على الثاني أولا بكونه أخصّ من المدعى اذ ليس الكافر منحصرا في من ينكر اللّه، فأهل الكتاب بل الخوارج و النواصب كفار يتمشى منهم قصد القربة. و ثانيا بأنه لا يقتضي انتقال القربة منه الى غيره، اذ المقصود بالزكاة جهة اقتصادية و جهة عبادية و المنظور تقرب صاحب المال لا وجود قربة ما من أيّ شخص حصلت. فاذا فرض امتناع تحقق القربة فالأمر يدور بين سقوط أصل الزكاة و بين سقوط شرطها او انتقاله الى الغير. فتعيّن الثالث يتوقف على الدليل.

و لعل الأولى هو الثاني أعني القول بسقوط جهة العبادة و بقاء جهة الاقتصاد و المالية. و اما انتقال جهة العبادة الى غير صاحب المال فبعيد جدا.

و يرد على الثالث أيضا بكونه أخص من المدعى اذ قد لا يمتنع هو بل يؤديها للّه او لإعانة الحكومة او لسدّ الخلّات الاجتماعية ايمانا بذلك.

و على الرابع بأن عدم القبول منه لا يقتضى الانتقال الى الغير و هل تقبل منه اذا أداها الامام؟

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 257

و على الخامس اولا بان انتقال الملك الى الوارث يوجب انتقال الأداء اليه لا الى الامام. و ثانيا بأن الانتقال اليه شرعا لا يوجب الانتقال الخارجي فقد يبقى المال في يد نفس المرتد كما في هذه الأعصار التي لا تجري فيها حدود اللّه.

______________________________

(1)- سورة المائدة، الآية 27.

(2)- سورة التوبة، الآية 54.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 258

و ان كان في أثنائه و كان عن فطرة انقطع الحول و لم تجب الزكاة و استأنف الورثة الحول (1) لأن تركته تنتقل الى ورثته، و ان كان عن ملة لم ينقطع (2) و وجبت بعد حول الحول لكن المتولي الامام «ع» أو نائبه (3) ان لم يتب و ان تاب قبل الاخراج اخرجها بنفسه، و اما لو اخرجها بنفسه قبل التوبة لم تجز عنه (4)

______________________________

فالحق ان يقال ان الأداء على من في يده المال من المرتد او وارثه الّا في صورة الامتناع فيأخذ الحاكم منهما قهرا لكونها حقا للفقراء و أشباههم.

اللهم الّا أن يقال ان المال لما كان للوارث شرعا فلا يجزي أداء المالك السابق و لا أخذ الحاكم منه بدون المراجعة الى الوارث المالك فعلا، او يقال ان القاعدة على القول بالاشاعة وقوع التقسيم برضا جميع الملاك، و الحاكم ولي الفقراء فيتوقف التعيين على دخالته، خرج من ذلك بالأدلة صورة افراز نفس المالك و أدائه بنفسه و ليس المقام منه اذ الملك خرج من ملك المالك، و الوارث و ان ملكه فعلا و لكنه لم يكن مالكا حين التعلق. فالمقام نظير ما اذا امتزج الزكاة بمال الأجنبي حيث ان ولايته على التعيين يحتاج الى دليل.

هذا و لكن الظاهر عدم الاشكال في أداء الوارث لتحقق السيرة على أداء الوارث ديون الميت و زكواته و أخماسه، بل المستفاد من صحيحة البصري اجزاء أداء من انتقل اليه المال و لو بالشراء قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل لم يزك إبله او شاته عامين فباعها على من اشتراها ان يزكيها لما مضى؟ قال: نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع او يؤدي زكاتها البائع «1»

فتأمل.

و لو كان المال في يد نفس المرتد فالحاكم يأخذ منه مع الاستيذان من الوارث على الأحوط.

هذا في الفطري و اما الملي فملكه باق فان أدّاها أخذت منه و الّا أخذت منه قهرا و لا دليل على وجوب كون التعيين بنظر الحاكم لو فرض أداؤه بنفسه.

و يؤيد ذلك تعليل وجوب اعادة بعض المنحرفين كالحرورية و المرجئة و أمثالهم زكواتهم بأنهم وضعوها في غير مواضعها «2»، و من المعلوم كفر النصاب و الخوارج منهم و مع ذلك لم يعلل وجوب الاعادة بعدم الصحة من الكافر او عدم ولايته على التعيين او عدم القبول منهم فتدبر.

(1) يعني من بلغ حصته النصاب و انتقل اليه خارجا بحيث يتمكن من التصرف فيه.

(2) لبقاء ماله على ملكه كسائر الكفار.

(3) مرّ وجهه و الاشكال فيه نعم هو أحوط.

(4) مرّ الاشكال فيه.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6، الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 259

الّا اذا كانت العين باقية في يد الفقير فجدد النية او كان الفقير القابض عالما بالحال (1) فانه يجوز له الاحتساب عليه (2) لأنه مشغول الذمة بها اذا قبضها مع العلم بالحال و اتلفها او تلفت في يده. و اما المرأة فلا ينقطع الحول بردّتها مطلقا (3).

[لو كان مالكا للنصاب لا أزيد]

[مسألة 12]: لو كان مالكا للنصاب لا أزيد كأربعين شاة مثلا فحال عليه أحوال فان أخرج زكاته كل سنة من غيره تكررت (4) لعدم نقصانه حينئذ عن النصاب و لو أخرجها منه أو لم يخرج أصلا لم تجب الّا زكاة سنة واحدة لنقصانه حينئذ عنه (5).

و لو كان عنده أزيد من النصاب كأن كان عنده خمسون شاة و

حال عليه الأحوال لم يؤدّ زكاتها وجب عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين الى أن ينقص عن النصاب، فلو مضى عشر سنين في المثال المفروض وجب عشرة و لو مضى أحد عشر سنة وجب أحد عشر شاة، و بعده لا يجب عليه شي ء لنقصانه عن الأربعين.

______________________________

(1) مع جهل الدافع اذ لو كانا معا عالمين فالضمان غير واضح لأنه بنفسه اذهب احترام ماله.

و الحاصل ان الصور المفروضة ثمانية اذ الفقير و الدافع اما عالمان او جاهلان، او الفقير عالم و الدافع جاهل او بالعكس، و في كل منها اما ان تكون العين موجودة او تالفة. و الاحتساب جائز في جميع صور وجود العين واحدى صور التلف أعني علم الفقير و جهل الدافع، و لا يجوز في العالمين لما مرّ، و لا في جهل الفقير بقسميه لأنه مغرور و الضمان على من غرّه.

(2) و لا يحتاج الى الاستيذان من الحاكم كما هو واضح نعم يتوقف على بقاء الفقر.

(3) فطرية كانت او ملّية لبقاء مالها على ملكها، و في حكمها الخنثى المشكل لاستصحاب البقاء.

(4) كما صرّح به غير واحد منهم المحقق في الشرائع. لكن مبدأ الحول الثاني من حين دفع الزكاة او عزلها لأنه زمان ملك النصاب تاما. اما قبله فلا يملك مقدار الزكاة او يملكه ناقصا.

اللهم الّا ان لا يضرّ هذا المقدار من عدم التمامية حيث انه يتمكن ان يتمكن. و التمكن من التمكن كاف في التمكن فتدبر، كما مرّ نظيره في الرهن الذي يتيسر فكّه.

(5) اما في صورة الاخراج فالنقصان واضح، و كذا في صورة عدم الاخراج بناء على الشركة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 260

و لو كان عنده ست و عشرون من الإبل

و مضى عليه سنتان وجب عليه بنت مخاض للسنة الأولى و خمس شياه (1) للثانية و ان مضى ثلاث سنوات وجب للثالثة أيضا أربع شياه و هكذا الى أن ينقص من خمسة فلا تجب (2).

______________________________

في العين و اما بناء على كون التعلق بنحو الحق فلعدم تمامية الملك. اللهم الّا ان يقال بكفاية التمكن منه كما عرفت.

نعم بناء على القول بتعلقها بالذمة فقط فتمامية الملك محفوظة و لكن المبنى عندنا فاسد كما يأتي.

(1) ان لم تزد قيمة بنت المخاض عن واحدة من النصاب و الّا فالواجب للثانية أربع شياه كما لا يخفى.

(2) ان كانت قيمة بنت المخاض و الخمس شياه معا لا تزيد عن واحدة من النصاب فالواجب في السنة الثالثة أيضا خمس شياه.

و تفصيل الكلام انه قال في الشرائع: «فلو كان عنده ست و عشرون من الابل و مضى عليه حولان وجب عليه بنت مخاض و خمس شياه فان مضى عليه ثلاثة أحوال وجب عليه بنت مخاض و تسع شياه».

و قال في المسالك في ذيل هذه العبارة: «إنما يتم ذلك لو كان النصاب بنت مخاض او مشتملا على بنت المخاض او على ما قيمته بنت مخاض حتى يسلم للحول الثاني خمس و عشرون تامة من غير زيادة، اما لو فرض كونها زائدة عليها في السن و القيمة أمكن ان يفرض خروج بنت المخاض عن الحول الأول من جزء واحد من النصاب و يبقى من المخرج منه خمس شياه فيجب في الحول الثالث بل يمكن ما يساوي عشر شياه و أزيد فيتعدد الخمس أيضا، و لو فرض كون النصاب بأجمعه ناقصا عن بنت المخاض كما لو كانوا ذكرانا ينقص قيمة كل واحد عن بنت المخاض نقص

من الحول الأول عن خمس و عشرين فيجب في الحول الثاني أربع شياه لا غير و ذلك كله مستثنى مما أطلقه».

و ما ذكره جيّد و استجوده في المدارك أيضا و تبعهما كثير من المتأخرين منهم صاحب المصباح و لكنه استشكل بالنسبة الى ما زادت قيمة الفريضة عن كل واحدة منها- كما لو كان الجميع ذكرانا- بامكان ان يدعى القطع بعد التدبر في ادلّة الزكاة بأن الشارع لم يوجب على من ملك ستا و عشرين من الابل بأزيد من واحدة منها بل جعل فريضة هذا النصاب بنت مخاض بملاحظة كونها أدنى الاسنان و أقلها قيمة. ففرض كون قيمة كل من النصاب دون قيمة بنت المخاض فرض نادر و على فرض حصوله فكون الفريضة فيه بنت مخاض مشكل. انتهى محصله.

أقول: فيما ذكره- قدس سره- منع اذ يرجع محصل اطلاق قوله: «في ست و عشرين بنت

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 261

[اذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد]
[مبدأ حول النتاج]

[مسألة 13]: اذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد اما بالنتاج و اما بالشراء او الارث أو نحوها (1).

______________________________

مخاض» الى ان هذا النصاب في أي سن و في أي قيمة كانت افراده و سواء وجد فيه بنت المخاض أم لا فالشارع قدر الحصة المفروضة فيه ببنت المخاض. فكما ان الاطلاق يشمل صورة كون جميع الأفراد من السن الأعلى و ذي القيمة الأعلى فكذلك صورة كون الجميع في السن الأدنى و القيمة الأدنى. فالفرق بين المقامين بلا وجه فتدبر.

(1) قبل الورود في المسألة ينبغي البحث عن أمرين مرتبطين بالمسألة:

الأول: هل المبدأ للحول في النتاج النتاج او الاستغناء عن الأمهات او يفصّل بين نتاج السائمة و المعلوفة؟ وجوه بل أقوال. و لم يتعرض المصنف لهذا الفرع

و كان عليه أن يتعرض له.

ففي الشرائع بعد ذكر شرط السوم قال: «فلا تجب الزكاة في المعلوفة و لا في السخال الّا اذا استغنت عن الأمهات بالرعي». و ظاهره عدم ورودها في الحول قبل الاستغناء.

و لا يخفى ان السخال و ان كانت بحسب اللغة بمعنى ولد الشاة و لكن المراد بها في المقام الأعم منها و من الفصلان و العجاجيل.

و في المختلف: «و هل يعتبر الحول من حين الانتاج او من حين السوم؟ الأقرب الثاني و المشهور الأول».

و نسب فيه الأول الى الشيخ و ابن الجنيد أيضا كما نسبوا الثاني الى الكركي و الشهيد الأول و القطيفي و الصيمري أيضا.

و في الخلاف (المسألة 33): «لا زكاة في السخال و الفصلان و العجاجيل حتى يحول عليها الحول، و قد قال الشافعي و أصحابه هذه الأجناس كالكبار من ملك منها نصابا جرت في الحول من حين ملكها ...، و قال أبو حنيفة و محمد بن الحسن لا تجري في الحول حتى تصير ثنايا فاذا صارت ثنايا جرت في حول الزكاة، دليلنا اجماع الفرقة و ما روي عن النبي «ص» من قوله:

لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول».

و ظاهره و لا سيما بعد ذكر أبي حنيفة بعنوان المخالف كون مبدأ الحول الملك و ان كان بالنتاج و محطّ نظر فقهاء العامة في هذه المسألة صورة انحصار الملك بالصغار اذ لهم في صورة اختلاطها بالكبار نظر آخر سيأتي.

هذا و ظاهر البيان في المسألة التفصيل حيث قال: «و هل يشترط في ابتدائه سوم السخال؟

اعتبره الفاضلان، و في رواية زرارة عن أحدهما مصرحة بأن مبدأه النتاج و عليها ابن الجنيد و الشيخ و هو الأقرب اذا كان اللبن الذي تشربه

عن السائمة».

هذه بعض الكلمات في المقام. و الأقوى ما في البيان ان ساعدنا الدليل و الّا فما نسب الى

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 262

..........

______________________________

المشهور من كون المبدأ من حين الملك و لو كان بالنتاج.

و استدل لكون المبدأ الاستغناء عن الأمّهات مضافا الى انصراف الاطلاقات عن الصغار قبله بما دلّ على تقييد الاطلاقات بالسوم و لذا فرع المحقق المسألة على اعتباره.

و ربما يقال في تقرير ذلك بدوران المسألة مدار كون السوم شرطا او العلف مانعا فعلى الأول يكون المبدأ حين الاستغناء و على الثاني حين النتاج لعدم صدق العلف على اللبن. و حيث قوينا الأول فالمبدأ هو الاستغناء.

و استدل لكون المبدأ الملك و النتاج بوجوه:

الأول: الاطلاقات بعد منع انصرافها عن الصغار.

فان قلت: هي مقيدة بالسوم بحسب الاخبار المقيدة.

قلت: السوم و العلف من قبيل العدم و الملكة فيشترط فيهما الشأنية و الصغار خارجة عنهما.

الثاني: قوله- عليه السلام- في صحيحتي أبي بصير و محمد بن قيس: «و يعدّ صغيرها و كبيرها» «1». و بهما يمنع انصراف الاطلاقات عن الصغار أيضا.

هذا و لكن يرد على الاستدلال بهما مضافا الى عدم الدلالة على مبدأ الحول احتمال صدورهما تقية وفقا لنظر جميع فقهاء العامة من تبعية الصغار للأمهات مع الاختلاط بحسب الحول كما يأتي تفصيله و قد أشار الى ذلك الشيخ في كلماته.

كما يرد على الاستدلال بالاطلاقات بعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، اذ قوله مثلا:

«في أربعين شاة شاة» يكون في مقام بيان الفريضة للأربعين من دون نظر الى شمول الأربعين لكل ما هو مصداق الأربعين. كما ان ما اشتمل منها على لفظ العموم كقوله: «في كل أربعين شاة شاة» يكون المنظور العموم بحسب المالكين لا من

جهة الصغر و الكبر فتأمل.

هذا مضافا الى عدم مقاومة هذين الدليلين للأخبار المقيدة بالسوم. فالعمدة في المسألة هو الوجه الثالث و هي الاخبار الخاصة.

منها صحيحة زرارة او حسنته بابراهيم بن هاشم المروية في الكافي، عن أبي جعفر «ع» قال: ليس في صغار الابل شي ء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج «2».

و منها موثقته قال: سألت أبا جعفر «ع» عن صدقات الأموال فقال في تسعة أشياء ... و كل شي ء كان من هذه الأصناف فليس فيه شي ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج «3».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 10 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3 و ذيل الحديث 2 من الباب 6 منها.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 263

..........

______________________________

و منها موثقته الأخرى عن أحد هما «ع» في حديث قال: ما كان من هذه الأصناف الثلاثة:

الابل و البقر و الغنم فليس فيها شي ء حتى يحول عليها الحول منذ يوم ينتج «1».

و نحوها موثقته الثالثة عنهما «ع» «2». و ان كان من المحتمل جدا كونها من كلام الشيخ منضما الى الرواية كما هو الظاهر من لفظ «كتبنا» او «سميناها» فراجع.

و منها موثقة اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: السخل متى تجب فيه الصدقة؟

قال: اذا أجذع «3». بناء على كون الجذع ما تمّ له سنة و عدم كون المراد شروعه في الحول من حين الجذوعة بل التعلق حينها.

بل يدل على المقصود جميع روايات الباب الدالة على تعلق الزكاة بالصغار اذا حال عليها الحول. اذ الظاهر منها كون مبدأ الحول حين

ملكها و نتاجها، كما ان المستفاد منها عدم كونها تبعا للأمهات في الحول بل اعتبار الحول في انفسها كما سيأتي.

و بالجملة فالروايات الخاصة و عمدتها صحيحة زرارة و موثقاته دالة على كون المبدأ من حين النتاج، فيجب الأخذ بها. فكلام المحقق و العلامة و غيرهما اجتهاد في مقابل النص. و خبر زرارة بنقل الكليني صحيح او حسن كالصحيح، فرمى العلامة في المختلف إياه بعدم الصحة بلا وجه، مضافا الى حجية الموثقة أيضا.

بقي الكلام في التفصيل الذي ذكره في البيان، و لعل وجهه كما في المصباح: «دعوى ان مغروسية عدم زيادة الفرع عن الأصل في الذهن مانعة عن استفادة ارادة الصغار التي لا تتعلق الزكاة بامهاتها من اطلاقات أدلتها مع ان أخبار الباب باسرها واردة مورد حكم آخر فلا يمكن التمسك باطلاقها لا ثبات الوجوب في نتاج المعلوفة التي لا زكاة في أمهاتها».

و ان شئت قلت: الاخبار الخاصة التي هي العمدة في الدلالة كما عرفت في مقام بيان اعتبار الحول في الانعام التي فيها الزكاة و ان ذكر فيها المبدأ تفضلا فلا تنافي اعتبار السوم في امهاتها أيضا حتى يكون اللبن متحصلا من نبات الصحراء في قبال اللبن الحاصل من العلف المملوك.

و الاعتبار العرفي أيضا يساعد على هذا التفصيل فيسري حكم السوم و العلف الى اللبن الحاصل منهما. و لعل عنوان السائمة أيضا يصدق على النتاج المتولد في الصحراء المتغذى من اللبن المتحصل من نباتها، كما ان ما دلّ على الزكاة في الصغار أيضا تنصرف الى الصغار التي يكون الزكاة ثابتا فيها لو لا الصغر أعني الصغار البدوية العائشة في الصحراء، و السيرة في عصر النبي و الأئمة- عليهم

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من

أبواب زكاة الأنعام، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، ذيل الحديث 3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 264

..........

______________________________

السلام- أيضا كانت على المراجعة الى ذوي الانعام السائمة بكبارها و صغارها و لم تعهد مطالبة الزكاة من صغار المعلوفات. فما ذكره في البيان من التفصيل لعله أقوى فتدبر.

الأمر الثاني: لا يخفى ان لفقهاء أهل السنة في معنى حول الحول في الأصناف الزكوية- كما يظهر من الخلاف و الفقه على المذاهب الأربعة و غيرهما- مشربا وسيعا بخلافه عندنا.

فمعنى حول الحول عند أصحابنا وجود نصاب الشي ء بشخصه من أول الحول الى آخره بحيث يبقى جميع أفراد النصاب بلا مبادلة عليها و بلا طروّ نقصان في وسط الحول من غير فرق بين الانعام و غيرها و بين السخال و غيرها، فالسخال عندنا لا تتبع الامهات في شي ء من الحيوان بل لكل منها حول نفسه و به قال النخعي و الحسن البصري.

و خالف جميع الفقهاء في ذلك، فعند الشافعي و أبي حنيفة و مالك لو ملك نصابا كأربعين مثلا في أول الحول ثم توالدت في أثناء الحول فاذا حال الحول من حين ملك الأمهات أخذت الزكاة من الكل.

و قال مالك و أبو حنيفة: ان كانت الفائدة من جنس النصاب و ان لم تكن من عينه كان حولها حول الأصل حتى لو كانت عنده خمس من الابل مثلا حولا الّا يوما فملك خمسا من الابل ثم مضى اليوم زكى المالين معا.

و انفرد أبو حنيفة فقال: هذا اذا لم يكن زكّى بدل الفائدة أعني الدراهم التي اشتراها بها.

و قال مالك لو ملك في أول الحول دون النصاب

كعشرين من الغنم فتوالدت حتى صارت في آخر الحول نصابا وجب زكاتها و لم يقل بهذا لا أبو حنيفة و لا الشافعي.

و قال أبو حنيفة لو ملك في أول الحول نصابا و في آخره كذلك وجبت الزكاة و ان نقص المال عن النصاب في اثناء الحول.

و قال الشافعي اذا ملك أربعين شاة فتوالدت أربعين سخلة ثم ماتت الامهات لا ينقطع حولها بل أخذ من السخال واحدة منها بعد انقضاء حول الامهات.

و قال مالك يكلف شراء كبيرة و لا يؤخذ من السخال، الى غير ذلك من الفروع التي ذكروها.

فراجع الخلاف «1».

و هذه الفروع متروكة عند أصحابنا للإجماع و لما روي عن النبي «ص» بطرقهم انه قال:

«لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول».

و في التاج: «عن ابن عمر، عن النبي «ص» قال: من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه. رواه الترمذي و أبو داود» «2».

______________________________

(1)- الخلاف كتاب الزكاة، المسألة 18، 19، 23، 24، 33 و 117.

(2)- التاج ج 2 ص 16.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 265

[إن كان بعد تمام الحول السابق قبل الدخول في اللاحق]

فان كان بعد تمام الحول السابق (1) قبل الدخول في اللاحق فلا اشكال في ابتداء الحول للمجموع ان كمل بها النصاب اللاحق (2).

و اما ان كان في أثناء الحول فاما أن يكون ما حصل بالملك الجديد بمقدار العفو و لم يكن نصابا مستقلا و لا مكملا لنصاب آخر، و اما ان يكون نصابا مستقلا، و اما ان يكون مكملا للنصاب (3).

______________________________

و روي ذلك عن أئمتنا- عليهم السلام- بطرق عديدة كثيرة في الموارد المختلفة من الانعام و النقدين و كذلك في الصغار بنفسها و غير ذلك.

و لا يخفى ان الظاهر منها حول الحول على المال

بشخصه لا على الأعم منه و من بدله.

ثم كيف ينسب حول الامهات الى السخال مع كونها متولدة في الأثناء و لا يصدق ان الحول حال الّا على الامهات؟

فتلخص من ذلك ان السخال لا تتبع الامهات في الحول بل يعتبر الحول فيها بأنفسها.

فاذا عرفت هذين الأمرين فاستعدّ للشروع في أصل المسألة التي عنونها المصنف- قدس سره.

(1) التعبير بالبعدية و القبلية غير مناسب، و الأنسب التعبير بمقارنة الملك الجديد لابتداء الحول الثاني.

(2) كما لو ملك خمسا و عشرين من الابل فملك في اول الحول الثاني اثنين مثلا أو ملك اثنين و ثمانين من الغنم فملك في اول الحول الثاني اربعين او ملك احدى و ثلاثين بقرة فملك في اول الحول الثاني عشرة، الى غير ذلك من الأمثلة.

و لو زاد في أول الحول الثاني ما هو بنفسه نصاب لو لا الاول لم يكن له حكم كما لو زاد على احدى و اربعين شاة اربعون شاة او على الست و العشرين من الابل خمس منها كما لا يخفى وجهه.

(3) الشقوق هنا خمسة ترجع بحسب الحكم الى ثلاثة:

الأول: ان لا يكون الملك الجديد نصابا مستقلا و لا مكملا لنصاب آخر اصلا، كما لو كانت له خمس إبل فولدت أربعا او اربعون شاة فولدت عشرين مثلا.

الثاني: ان لا يكون نصابا مستقلا و لا مكملا على فرض اجتماعه مع غيره و ان كان نصابا مستقلا على فرض انفراده، كما لو كانت له اربعون شاة فولدت اربعين فان الاربعين نصاب مستقل لو كان منفردا و لكن المفروض في المقام اجتماعه مع غيره، كما لو ملك ثمانين ابتداء فان الأربعينين هنا بحكم اربعين واحد.

الثالث: ان يكون الملك الجديد نصابا مستقلا كما لو ملك أحدا

و أربعين بقرة فولدت ثلاثين فان كلا منهما نصاب مستقل في البقر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 266

..........

______________________________

و قد يمثل أيضا بما اذا كانت له خمس من الابل فولدت خمسا بتقريب ان النصاب في الابل خمس الى خمسة نصب.

و لكن يرد عليه ان هذا المعنى و ان كان ربما يستفاد من بعض روايات الباب كقوله في موثقة زرارة مثلا: «ثم في كل خمس شاة حتى تبلغ خمسا و عشرين» و لكن الظاهر من أكثر اخبار الباب كون النصاب الأول خمسا الى تسع، و النصاب الثاني عشرا الى أربعة عشر، و الثالث خمسة عشر و هكذا. و كل نصاب بسيط، و مراتب الاعداد بسيطة، فالعشر مثلا بمجموعه نصاب واحد لا انه مؤلف من نصابين. نعم الخمس مكمّل له.

ففي صحيحة زرارة «فاذا كانت خمسا ففيها شاة الى عشرة، فاذا كانت عشرا ففيها شاتان، فاذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم ...». و نحوها صحيحة أبي بصير و صحيحة عبد الرحمن «1».

فهي ظاهرة جدا في كون العشر بمجموعه و بساطته نصابا و كذا خمسة عشر و عشرون.

نعم كل نصاب مأخوذ بعرض عريض و لا بشرط بحسب مراتب العفو الى النصاب اللاحق، و بالنسبة اليه لو حظ بشرط لا. و لأجل ما ذكر تكون الشاة في تسع من الابل مثلا زكاة للتسع لا للخمس الواقعة في ضمنها. و ليس معنى العفو عدم وقوع الزكاة بإزائها بل معناه عدم وجوب الزائد على ما سبقه. و قد عرفت تحقيق ذلك في بعض مباحثنا السابقة.

فتلخص مما ذكرناه ان الخمس بعد الخمس في نصاب الابل ليس نصابا مستقلا بل مكملا فقط للنصاب الآخر فهي مثال للقسم الرابع لا للقسم الثالث.

الرابع: ان يكون

الملك الجديد مكملا للنصاب اللاحق، كما اذا ملك اثنين و ثمانين من الغنم فولدت له اربعين او احدى و ثلاثين من البقر فولدت عشرا او ستا و عشرين من الابل فولدت أحد عشر مثلا بل اذا كان له خمس من الابل فولدت خمسا على ما بيّناه في القسم الثالث.

الخامس: ان يكون الملك الجديد نصابا مستقلا بنفسه و كذا مكملا للنصاب اللاحق، كما اذا كان له ست من الابل ثم حصل له عشرون او بالعكس، بناء على ما ذكروه من كون كل خمس نصابا في الابل الى خمس و عشرين، و لكنا استشكلنا فيه آنفا. فالخمس في الابل عندنا لا يكون نصابا مستقلا مطلقا بل قد يكون كذلك كالخمس الأول و قد يكون مكملا كالخمس الثاني مثلا و قد لا يكون الّا عفوا كالخمس الواقع بعد ست و عشرين مثلا. و كذا العشر مثلا فالعشر الاول مستقل و الواقع بعد الست و العشرين مكمل و الواقع بعد الست و الاربعين عفو كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1، 2 و 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 267

أمّا في القسم الأول فلا شي ء عليه كما لو كان له هذا المقدار ابتداء، و ذلك كما لو كان عنده من الابل خمسة، فحصل له في أثناء الحول أربعة أخرى، أو كان عنده أربعون شاة ثم حصل له أربعون في أثناء الحول (1).

______________________________

(1) هذان قسمان من الأقسام الخمسة التي أشرنا اليها و حكمهما واحد كما ذكره المصنف.

اما في الأول فواضح. و اما في الثاني فلان الاربعين بعد الاربعين لا حكم له و ليس أولى مما اذا ملك الأربعينين أعني الثمانين من أول السنة.

نعم

في المعتبر: «لو ملك أربعين شاة ثم ملك أخرى في أثناء الحول فعند تمام حول الأولى تجب فيها شاة فاذا تم حول الثانية ففي وجوب الزكاة فيها وجهان: أحد هما: الوجوب لقوله «ع»: في أربعين شاة شاة. و الثاني: لا تجب لأن الثمانين ملك الواحد فلا تجب فيها أكثر من شاة». و حكى ذلك في المنتهى قولا.

و في الدروس: «و في أربعين من الغنم بعد أربعين، و ثلاثين من البقر بعد ثلاثين وجه بالوجوب».

و لا يخفى ان عطف مثال البقر عليه بلا وجه، لوضوح الوجوب فيه.

و كيف كان فقد استدل لهذا الاحتمال بقوله «ع»: «في كل أربعين شاة شاة»، و بأنه نصاب كامل وجبت الزكاة فيه مع الانفراد فكذا مع الانضمام.

و أورد عليه بأن المراد من الاول النصاب المبتدأ اذ لو ملك ثمانين دفعة لم تجب عليه شاتان اجماعا. فالعموم بحسب الملّاك لا بحسب الاملاك لمالك واحد.

و على الثاني بوضوح الفرق بين صورتي الانفراد و الانضمام.

و يدل على ذلك قوله «ع» في صحيحة الفضلاء: «و ليس فيما دون الاربعين شي ء ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين و مأئة ...».

و في صحيحة محمد بن قيس: «فاذا كانت اربعين ففيها شاة الى عشرين و مأئة ...».

اذ يستفاد منهما ان الاربعين اخذت لا بشرط بحسب مراتب العفو الى ان تبلغ النصاب الثاني، نعم هي بالنسبة الى النصاب الثاني أخذت بشرط لا و لذا لا حكم للأربعين في ضمن احدى و عشرين و مأئة.

و كيف كان فالحكم في القسمين الأولين واضح و هو العفو عما زاد.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 268

[إذا حصل الملك الجديد في الأثناء]

و اما في القسم الثاني فلا يضم الجديد الى السابق (1) بل يعتبر لكل منهما حول

بانفراده كما لو كان عنده خمس من الابل ثم بعد ستة أشهر ملك خمسة أخرى فبعد تمام السنة الأولى يخرج شاة، و بعد تمام السنة للخمسة الجديدة أيضا يخرج شاة و هكذا.

______________________________

(1) هذا هو القسم الثالث مما ذكرناه من الأقسام الخمسة و مثلنا له بما اذا ملك واحدا و اربعين بقرة فولدت ثلاثين. و اما ما مثل به المصنف فقد ناقشناه فراجع.

و استقلال كل من الملكين و اعتبار الحول لكل منهما بانفراده وجهه واضح للإجماع، و لا طلاق الأدلة بالنسبة الى كل منهما.

قال في الخلاف (المسألة 18): «السخال لا تتبع الأمهات في شي ء من الحيوان الذي يجب فيه الزكاة بل لكل شي ء منها حول نفسه و به قال النخعي و الحسن البصري، و خالفت الفقهاء في ذلك على اختلاف بينهم سنذكره، دليلنا اجماع الفرقة ... و أيضا روت عائشة عن النبي «ص» انه قال: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ...».

و في الانتصار: «و مما يظن انفراد الامامية به القول بأن السخال و الفصال و العجاجيل لا تضم الى امهاتها في الزكاة و ان بلغ عدد الامهات النصاب و سواء كانت هذه السخال متولدة عن هذه الأمهات التي في ملك صاحبها او كانت مستفادة من جهة أخرى ...، و الحجة لمذهبنا الاجماع المتردد».

و في المنتهى: «و لا تجب الزكاة في السخال حتى يحول عليها الحول و ليس حول امّهاتها حولها، و عليه فتوى علمائنا أجمع و به قال الحسن البصري و ابراهيم النخعي».

و في المعتبر: «لو كان معه نصاب من الابل و الغنم فنتجت في أثناء الحول اعتبر لها حول بانفرادها و لا يكون حول امهاتها حولا لها و به قال الحسن و

النخعي خلافا لأبي حنيفة و الشافعي و مالك و أحمد».

و في الشرائع: «و لا تعد السخال مع الامهات بل لكل منهما حول بانفراده».

و في الجواهر في ذيل عبارة الشرائع: «بلا خلاف أجده بل الاجماع في الخلاف و المنتهى و الانتصار و غيرها عليه».

أقول: قد أشرنا في الأمر الثاني الى فتاوى أهل الخلاف في المقام و ان لهم في السخال و في المال المستفاد في أثناء السنة مشربا وسيعا و لا سيما في السخال بشرط تولدها من الامهات التي في ملكه و بلوغ الامهات نصابا و اشتراكها مع امهاتها في جزء من الحول، فان الجمهور منهم اطبقوا في هذه الصورة على كفاية حول الامهات لسخالها فنظر أصحابنا في عنوان هذه المسألة و ادعاء الاجماعات فيها الى الردّ عليهم.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 269

..........

______________________________

و يدل على صحة مذهبنا مضافا الى اجماع أصحابنا الكاشف عن تلقي المسألة عن الأئمة- عليهم السلام- الخبر المروي بطرقهم و طرقنا. و لعله في طرقنا بحدّ التواتر الحاكم بأن كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فيه و ان ما لم يحل عليه الحول فكأنه لم يكن «1». و خصوص ما ورد في الصغار من قوله «ع»: «ليس في صغار الابل شي ء حتى يحول عليها الحول من يوم ينتج». و قوله «ع»: «ليس في صغار الابل و البقر و الغنم شي ء الّا ما حال عليه الحول عند الرجل». و قول ابن أبي عمير: «كان علي «ع» لا يأخذ من صغار الابل شيئا حتى يحول عليها الحول». الى غير ذلك من الاخبار «2».

و اذا ثبت عدم الزكاة في السخال حتى يحول على أنفسها الحول و انها لا تتبع الأمهات

في الحول فعدم التبعية في المال المستفاد جديدا أولى كما لا يخفى. و المسلّم من التبعية عند أهل السنة انما هي في السخال، اذ في غيرها هم أيضا يختلفون.

و بما ذكرنا يظهر وجوب التاويل بالحمل على التقية او الاستحباب او غيرهما في خبر عبد الحميد بن عواض، عن أبي عبد اللّه «ع» قال في الرجل يكون عنده المال فيحول عليه الحول ثم يصيب مالا آخر قبل أن يحول على المال الأول الحول قال: اذا حال على المال الأول الحول زكاهما جميعا. و خبر الاصبهاني قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: يكون لي على الرجل مال فاقبضه منه متى أزكّيه؟ قال: اذا قبضته فزكّه. قلت: فاني أقبض بعضه منه في صدر السنة و بعضه بعد ذلك؟ قال: فتبسّم ثم قال: ما أحسن ما ادخلت فيها. ثم قال: ما قبضته منه في الستة الأشهر الأولى فزكّه لسنته، و ما قبضته بعد في الستة الأشهر الأخيرة فاستقبل به في السنة المستقبلة، و كذلك اذا استفدت مالا منقطعا في السنة كلها فما استفدت منه في أول السنة الى ستة أشهر فزكّه في عامك ذلك كله، و ما استفدت بعد ذلك فاستقبل به السنة المستقبلة «3».

هذا مضافا الى ان الظاهر من المال- كما مرّ في بعض المباحث- الذهب و الفضة. فشموله للأنعام مشكل. و مضافا الى عدم افتاء أهل الخلاف أيضا بما في الخبر الأخير من التفصيل بين الستة الأشهر الأولى و الأخيرة. فالواجب ردّ علمهما الى أهله.

هذا و لكن في النفس هنا شي ء و هو ان السيرة في زمن النبي «ص» و الخلفاء لعلها استقرت على اعزام السعاة لجمع الزكوات مرّة واحدة في السنة. و التملك للسخال و للأموال

الجديدة كان جاريا لكل أحد في أثناء السنة بل التملك للنصب العليا دفعة واحدة فرض نادر و الغالب حصولها

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 16 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2 و 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 270

[إذا كان الملك الجديد مكملا للنصاب]

و اما في القسم الثالث فيستأنف حولا واحدا بعد انتهاء الحول الأول (1) و ليس على الملك الجديد في بقية الحول الأول شي ء. و ذلك كما اذا كان عنده ثلاثون من البقر فملك في أثناء حولها أحد عشر، أو كان عنده ثمانون من الغنم، فملك في أثناء حولها اثنتين و اربعين.

______________________________

تدريجا في أشهر مختلفة. فما كان عملهم بالنسبة الى الأموال الجديدة و السخال؟ فهل كانوا يؤخرون تزكيتها او يقدّمونها؟ فهذا أمر مشكل يجب تحقيقه. و اللّه العالم.

و لا يخفى ان ظاهر عبارة الشرائع حيث قال: «بل لكل منهما حول بانفراده» بل و كذا ظاهر غيرها مما حكيناها ارادة ما اذا كانت السخال نصابا مستقلا عن الامهات و لم يكن زمان الملك فيها متحدا مع الامهات و لا في رأس الحول لها كما لا يخفى على من دقق النظر.

(1) و فاقا لما يختاره في الجواهر كما يأتي. و قبل الورود في تحقيق المسألة نقدم أمورا:

الأمر الأول: قد عرفت في مطاوي الفروع السابقة ان كل نصاب «بسيط»، مأخوذ «لا بشرط» بحسب مراتب العفو، و «بشرط لا» بالنسبة الى النصاب اللاحق.

و المراد من كونه بسيطا ان كل نصاب مقتض واحد لمقتضى واحد و ليس لكل جزء من النصاب الواحد اقتضاء لجزء من الفريضة بل هو بوحدته اقتضى لمجموع الفريضة.

و

المراد من كونه لا بشرط بحسب مراتب العفو ان الخمس من الابل مثلا الى التسع نصاب واحد فكما ان الخمس تقتضي شاة فالتسع أيضا تقتضي شاة لا ان المقتضي لها الخمس في ضمنها و هو الظاهر من احاديث الباب أيضا. ففي صحيحة زرارة مثلا «فاذا كانت خمسا ففيها شاة الى عشرة» و قد مرّ بيان هذا الفرع مفصلا في التنبيه الثالث من التنبيهات التي ذكرناها في ذيل المسألة الأولى من زكاة الانعام.

و ثمرة ذلك انه لو تلف من التسع واحدة بعد تعلق الزكاة بلا تفريط سقط من الفريضة تسعها كما لا يخفى.

و المراد بكون النصاب بشرط لا بالنسبة الى النصاب اللاحق ان الاربعين من شاة مثلا الموجودة في ضمن النصاب الثاني او الثالث لا أثر لها و الّا لوجب في احدى و عشرين و مأئة مثلا ثلاث شياه: شاتان لهذا النصاب و شاة للأربعين في ضمنه و هو بيّن الفساد.

الأمر الثاني: من الواضح ان المال الواحد لا يحسب في عام واحد مرّتين و لا يزكّى مرّتين.

و يدل على ذلك مضافا الى وضوحه و استظهاره من اخبار اعتبار الحول اخبار:

ففي نهاية ابن الأثير في لغة «ثنا»: «فيه (أي في الحديث) لا ثنى في الصدقة. أي لا تؤخذ الزكاة مرتين في السنة».

و في صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل دفع الى رجل مالا قرضا على من

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 271

..........

______________________________

زكاته؟ على المقرض او على المقترض؟ قال: لا، بل زكاتها ان كانت موضوعة عنده حولا على المقترض. قال: قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال: لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد ... «1».

و في الدعائم عن جعفر بن محمد، عن أبيه،

عن آبائه، عن علي «ع» ان رسول اللّه «ص» نهى ان تثنّى عليهم في عام مرّتين و ان لا يؤخذوا بها في كل عام الّا مرّة واحدة «2».

الأمر الثالث: جميع شرائط الوجوب ترجع الى حدود الموضوع للحكم، فكما ان النصاب و كونها سائمة و غير عاملة دخيلة فيه فكذا الحول. فما لم يحل عليه الحول و زانه و زان المعلوفة او ما ليس بنصاب في عدم تحقق الوجوب فيه أصلا.

ففي رواية زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال: لا يزكى من الابل و البقر و الغنم الّا ما حال عليه الحول، و ما لم يحل عليه الحول فكأنه لم يكن «3».

الأمر الرابع: اصطكاك أحد الدليلين مع الآخر اما بالورود او بالحكومة او بالتعارض او بالتزاحم.

فالأول أن يكون أحدهما رافعا لموضوع الآخر حقيقة، كالخبر الصحيح الوارد في المسألة بالنسبة الى حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان.

و الثاني أن يتعرض أحدهما لما لا يتعرض له الآخر فيتصرف فيه تعبدا كقوله: لا شك لكثير الشك بالنسبة الى قوله: اذا شككت فابن على الأكثر. حيث ان لسان الأول رفع موضوع الثاني تعبدا.

و التعارض ان يتعرض أحد الدليلين لنفس النسبة التي تعرض لها الآخر بما ينافيها فيكون أحدهما مثبتا لها و الآخر نافيا، اما بنحو التباين او العموم من وجه او العموم و الخصوص المطلق.

و قد ذكروا لصورة عدم الجمع العرفي بينهما مرجحات أحصوها في محله.

و التزاحم ان يحرز وجود الملاك في كلا الدليلين و لكن لا يقدر المكلف على امتثالهما معا كالمسلمين الغريقين مع عدم تمكن المكلف من انقاذهما معا فالعقل يحكم بتقديم الأهم ان كان و الّا فالتخيير. و هل يكون التقدم بحسب الزمان مرجحا فيه أم لا

بين الأصحاب فيه كلام.

اذا عرفت هذه المقدمات الأربع فنقول: قال في القواعد: «لو ملك ثلاثين بقرة و عشرا بعد ستة أشهر فعند تمام حول الثلاثين تبيع او تبيعة و عند تمام حول العشر ربع مسنة، فاذا تم حول

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- دعائم الإسلام ج 1 ص 252، و المستدرك ج 1 الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 272

..........

______________________________

آخر على الثلاثين فعليه ثلاثة أرباع مسنة، و اذا حال آخر على العشر فعليه ربع مسنة و هكذا، و يحتمل التبيع و ربع المسنة دائما، و ابتداء حول الاربعين عند تمام حول الثلاثين». فهذه ثلاثة احتمالات احتملها في القواعد.

و قال في المنتهى: «لو ملك أربعين شاة ستة أشهر مثلا ثم ملك تمام النصاب الثاني و زيادة واحدة مثلا وجب عليه عند تمام حول الأول شاة. و هل يحصل ابتداء انضمام النصاب الأول الى النصاب الثاني عند ملك الثاني او عند أخذ الزكاة من الأول؟ الأقرب الأول لأنه صدق عليه وقت ابتداء الملك انه ملك مأئة واحدى و عشرين فحينئذ اذا مضت سنة من ابتداء ملك الزيادة وجب عليه شاتان فيجب عليه في سنة و نصف ثلاث شياه ... و لو قيل بسقوط حكم النصاب الأول عند ابتداء ملك تمام النصاب الثاني و صيرورة الجميع نصابا واحدا كان حسنا».

و في الجواهر ذكر أربع احتمالات فقال: «أما اذا لم تكن نصابا مستقلا و لكن كانت مكمّلة للنصاب الآخر للأمهات، كما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر، أو ثمانون من الغنم

اثنين و أربعين، او ملكها كذلك بغير الولادة ففي سقوط اعتبار الأول و صيرورة الجميع نصابا واحدا، أو وجوب زكاة كل منهما عند انتهاء حوله، فيخرج عند انتهاء حول الأول تبيع او شاة، و عند مضي سنة من تلك شاتان أو مسنة، أو يجب فريضة الأول عند حوله فاذا جاء حول الزيادة لوحظ ما يخصّها من فريضة نصاب المجموع، فاذا جاء الحول الثاني للأمهات أخرج ما نقص من تلك الفريضة و هكذا، فيخرج في مثال البقر في الحول الأول للأمهات تبيع، و للعشر عند حولها ربع مسنة، فاذا جاء الحول الآخر للأمهات يخرج ثلاثة أرباع مسنة و يبقى هكذا دائما، او عدم ابتداء حول الزائد حتى ينتهي الحول الأول ثم استيناف حول واحد للجميع، أوجه، أوجهها الأخير. و فاقا للفخر و الشهيدين و أبي العباس و المقداد و الكركي و الصميري و سيد المدارك و الخراساني و الفاضل البهبهاني و الاستاذ في كشفه و المولى في الرياض و المحدث البحراني على ما حكي عن بعضهم. لوجوب اخراج زكاة الأول عند تمام حوله لوجود المقتضي و هو اندراجه في الأدلة و انتفاء المانع، و متى وجب اخراج زكاته منفردا امتنع اعتباره منضما الى غيره في ذلك الحول للأصل، و قوله «ص»: «لا ثنى في صدقة»، و قول أبي جعفر «ع»: «لا يزكى المال من وجهين في عام واحد»، و لظهور أدلة النصاب المتأخر في غير المفروض. و منه يعلم انه لا وجه للقول بتوزيع الفريضة حينئذ فرارا من تثنية الصدقة». انتهى ما في الجواهر نقلناه بطوله لأدائه حق المطلب.

أقول: محصل ما استدل به للوجه الأخير ان الملك الأول بعد حلول الحول عليه جامعا للشرائط يتنجز الوجوب

فيه لوجود المقتضي و انتفاء المانع، و الملك الثاني لم يحل عليه الحول فعلا و عند حلول الحول عليه ليس بحد النصاب. و انضمام الملك الأول اليه و ان صيّره بحد النصاب و لكن يوجب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 273

..........

______________________________

ذلك امّا تزكية الملك الأول مرتين في سنة واحدة أو تبعيض النصاب الواحد بحسب الاقتضاء، و قد عرفت ان كل نصاب بسيط لا يتبعض بحسب الاقتضاء.

و بعبارة أخرى الظاهر من أدلة الحول بنفسها- و لو مع قطع النظر عن قوله: «لا ثنى في الصدقة» و نحوه- ان كل مال وجد فيه الشرائط من النصاب و حول الحول و نحوهما ثبت فيه الفريضة في الحول مرة واحدة. فالمقتضي واحد و المقتضى أيضا واحد و لا يحسب المال في حول واحد مرّتين. و لازم ذلك سقوط الأشهر الأولى من الملك الجديد فينضم الى الملك الأول بعد حوله و يتحقق النصاب اللاحق و تثبت فريضته في السنة الثانية كما اختاره المصنف أيضا.

فان قلت: قد قلتم في مقام الاستدلال للوجه الأخير بوجود المقتضي و انتفاء المانع و نحن نقول أولا: لا نسلم انتفاء المانع اذ المفروض تحقق النصاب اللاحق في أثناء الحول، و بمقتضى قوله:

«لا ثنى في الصدقة» و نحوه يصير انطباق النصاب اللاحق مانعا عن تأثير النصاب السابق. نعم لو فرض انطباق النصاب السابق لم يبق محل لانطباق اللاحق و لكن لا دليل على انطباقه، و مجرد السبق الزماني لا دليل على الترجيح به في باب التعارض و ان قيل به في باب التزاحم.

و ثانيا: يمكن منع المقتضي أيضا، اذ بعد تحقق النصاب اللاحق لا يبقى اقتضاء للسابق الموجود في ضمنه لما عرفت في المقدمة الأولى من

أخذ كل نصاب بشرط لا بالنسبة الى النصاب اللاحق.

فالمتجه حينئذ اما الالتزام بسقوط حول الأمهات لعدم بقاء نصابها بشرائط التأثير، و هذا هو الوجه الأول من الوجوه الأربعة المذكورة في الجواهر، أو الالتزام بأنه اذا تمّ حول الأمهات وجبت فريضتها وجوبا مستقرا في نصفها مثلا و مراعى باختلال شي ء من شرائط النصاب الثاني في أثناء حوله في نصفها الآخر، فان اختلّ شي ء منها كشف عن ان الواجب كان فريضة النصاب الأول بتمامها و الّا اندرج في النصف الآخر بحسب النصاب الثاني، فلو ملك أولا ستا و عشرين من الابل مثلا و بعد ستة أشهر أحد عشر أخرى وجب عليه عند حول الأول بنت مخاض نصفها مستقرا و نصفها مراعى فاذا بقى الملك الثاني بشرائطه الى آخر حوله كان عليه حينئذ عند حول الأمهات نصف بنت مخاض و عند حول السخال بنت لبون تامة، و هذا وجه خامس غير الأربعة المذكورة.

قلت: النصاب اللاحق انما يمنع عن تأثير السابق اذا كان مؤثرا في ايجاب فريضته فعلا، و اما اذا لم يكن جامعا لشرائط التأثير التي منها الحول فلا يصلح مانعا عن تأثير السابق الواجد للشرائط.

و كونه مؤثرا بشرط البقاء الى آخر حوله لا يكفي للمانعية و المزاحمة، اذ الوجوب المعدوم لعدم تحقق موضوعه لا يزاحم و لا يعارض الوجوب الفعلي المتحقق موضوعه، و قد عرفت في المقدمة الثالثة ان

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 274

[إذا كان الملك الجديد نصابا مستقلا]

و يلحق بهذا القسم على الأقوى ما لو كان الملك الجديد نصابا مستقلا و مكملا للنصاب اللاحق (1) كما لو كان عنده من الابل عشرون فملك في الأثناء ستة أخرى، أو كان عنده خمسة ثم ملك أحدا و عشرين. و يحتمل

إلحاقه بالقسم الثاني.

______________________________

الحول مثل سائر شرائط الوجوب دخيل في موضوعه فيكون ما لم يحل عليه الحول كالمعلوفة و الأقل من النصاب وجوده كالعدم.

فاذا كان عنده ثلاثون بقرة مثلا فولدت بعد ستة أشهر احدى عشرة فعند تمام حول الأمهات يجب تبيع، ثم لا يجب فيها شي ء آخر لا مستقلة و لا منضمة الى السخال حتى يحول عليها حول آخر فيجب فيها حينئذ مسنة لأنها بانضمامها الى السخال صارت اربعين، و اما السخال بنفسها فلا استقلال لها في التأثير. اما قبل حولها فواضح، و اما بعده فلأن احدى عشرة ليست نصابا في البقر. نعم هي مكملة للأربعين فما لم يتم شرط تأثير الاربعين و هو انقضاء الحول على جميع أجزائه التي منها الأمهات بعد حولها الأول امتنع ان يتحقق مسببه أعني وجوب المسنة.

و اما القول بالتوزيع في مقام التأثير فهو ينافي ما لوّحنا اليه من كون كل نصاب بسيطا ذا اقتضاء واحد و مقتضى فارد.

و بالجملة فالحق في الفرع المبحوث فيه ما اختاره في الجواهر و تبعه المصنف فتدبر جيدا.

(1) هذا هو القسم الخامس من الأقسام الخمسة التي ذكرنا. و كون السّت بعد العشرين مستقلا و مكملا معا مبني على ما ذكروه من كون النصاب الأول الى الخامس في الابل هو الخمس و نحن ناقشنا في ذلك و قلنا ان الظاهر من أكثر اخبار الباب ان النصاب الثاني هو العشر، و الثالث خمس عشرة، و الرابع العشرون، و الخامس خمس و عشرون، و كل نصاب بسيط. فالست بعد العشرين ليست مستقلة بل مكملة فقط عندنا.

هذا، و اما الخمس بعد الست و العشرين فليس مكملا و لا مستقلا. و العشر بعده مكملة فقط كما لا يخفى.

و اما حكم

هذا القسم فالمصنف احتمل فيه أمرين: كونه بحكم المكمل فقط و كونه بحكم المستقل فقط.

و في الجواهر احتمل فيه اربعة احتمالات و العجب انه لم يذكر ما اختاره المصنف هنا بنحو الاحتمال أيضا.

قال فيه ما محصله: «لو ملك عشرين من الابل ثم في أثناء الحول ملك سبعة أخرى فيحتمل أن يكون أبدا في العشرين أربع شياه و في الست شاة، و يحتمل أن يسقط حكم العشرين من حين ملك الست فلا يجب الّا بنت مخاض اذا حال حول السبع، و يحتمل أن يكون الواجب أولا في

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 275

..........

______________________________

العشرين أربع شياه و في السبع ستة أجزاء من ستة و عشرين جزء من بنت مخاض ثم يجب في المجموع بنت مخاض و لكن بالتوزيع بأن يجب اذا كمل حول العشرين عشرون جزء من بنت مخاض و اذا تم حول الست ستة أجزاء منها، و يحتمل أن يجب اذا تمّ حول العشرين أربع شياه ثمّ اذا تمّ حول الست بنت مخاض الّا ما وقع بازائه من الأربع شياه في الجزء من الحول الأول الذي ملك فيه الثاني ... و لكن الأقوى الأول الذي هو مقتضى اطلاق الأصحاب ان لها حولا بانفرادها اذا كانت نصابا مستقلا».

أقول: تقويته للاحتمال الأول في محله و هو الذي ذكره المصنف أخيرا بنحو الاحتمال. و اما احتمال سقوط حكم النصاب الأول من أول الأمر بعد حولان حوله و عدم حولان حول الثاني فبلا وجه، اذ لا يرفع اليد عن الموضوع المحقق بما لم يتحقق بعد كما مرّ بيانه، كما ان الاحتمالين المبتنيين على توزيع النصاب بحسب الاقتضاء فاسدان أيضا بعد ما بيناه من كون كل نصاب بسيطا ذا اقتضاء

واحد لمقتضى فارد كما هو المستفاد من أدلة النصب.

و في مصباح الفقيه في المقام ما حاصله: «هل يستقل حينئذ كل منهما بحوله او ينعقد للمجموع بعد نصاب الأمهات حول؟ وجهان: من أنه اذا حال الحول على جزء بالغ في حد ذاته حد النصاب فلا يصلح جزئيّته لنصاب آخر لم يحل عليه الحول مانعا عن تأثير هذا الجزء في ايجاب فريضته، و من انه متى اندرج الكل تحت نصاب آخر انحصرت فريضته فيما جعله الشارع فريضة لذلك النصاب و لم يجعل الشارع لأبعاضها فريضة غير فريضة الكل. و هذا هو الأوجه و إنما التزمنا في العام الأول ببقاء حول الأمهات بحاله بدعوى انه يفهم من قول الشارع بعد بيان النصب:

«و كلّما لم يحل عليه الحول فلا شي ء عليه» ان المراد بالأعداد التي وضعت الزكاة عليها هي الأعداد التي قد حال الحول عليها. فالسخال قبل أن يحول الحول عليها حيث جعلها الشارع كأن لم تكن، لا تصلح للمانعية عن تأثير عدد الأمّهات في ايجاب فريضتها عند حول حولها و اما عند تمام حول السخال فقد حال الحول على الجميع، و لكن لم نلتزم بتأثيره كيلا يزكّى المال في عام مرتين. و هذا الدليل لا يقتضي الّا صرف الحكم عن هذا الموضوع حتى يحول عليه حول آخر بعد حول الأمّهات لا التصرف في موضوعه. كيف؟! و لو قلنا بسببية أبعاض كل نصاب عند تمام حولها للزم تنزيل اطلاق قوله «ع»: فاذا كثرت الابل ففي كل خمسين حقة و في كل اربعين بنت لبون، و كذا قوله «ع» في الغنم: فاذا تمت أربعمائة ففي كل مأئة شاة، و كذا ما ورد في سائر نصب الابل على فروض نادرة، و

هي ما لو دخلت الجميع في ملكه دفعة بشرائط النصاب و الّا فلو ملكها تدريجا كما هو الغالب استقل كل بعض بفريضته عند تمام حوله، و هذا مما يقطع بعدم ارادته من اخبار الباب، و بمخالفته لما كان يؤمر باستعماله السعاة و العمال».

أقول: الظاهر بحسب النظر البدوي كون حكم المسألة حكم ما اذا كان الملك الجديد نصابا

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 276

[تعلق الزكاة بمهر الزوجة]

[مسألة 14]: لو أصدق زوجته نصابا و حال عليه الحول وجب عليها الزكاة (1).

و لو طلقها بعد الحول قبل الدخول رجع نصفه (2) الى الزوج و وجب

______________________________

مستقلا كما اختاره في الجواهر، و هو الذي ذكره المصنف أخيرا بنحو الاحتمال، و لكن المناقشة التي ذكرها في المصباح أخيرا مناقشة جيدة سارية في هذا القسم و فيما اذا كان الملك الجديد نصابا مستقلا فقط كما أشرنا اليه سابقا، اذ المتعارف في عصر النبي «ص» و الخلفاء كان اعزام السعاة في الحول في وقت معين و لم يتعارف الاعزام في جميع فصول السنة و أشهرها، و لو كان الحكم فيمن يحصل له في كل أسبوع او كل شهر نصاب مستقل جعل أحوال متعددة للأملاك الجديدة لزم اما تقديم أداء الزكوات على الحول او تأخيرها و كلاهما مشكل فتدبر و الاحتياط حسن في كل حال.

(1) لو اقبضها إياه و أمكن له التصرف فيها، في الجواهر «بلا خلاف و لا اشكال فيه لا طلاق الأدلة السالم عن المعارض».

و السرّ في ذلك ان المهر بتمامه ينتقل بالعقد الى الزوجة على المشهور بل ادعي عليه الاجماع، و المخالف في ذلك أبو علي بن الجنيد حيث قال بأن العقد يوجب تمليك النصف و النصف الآخر ينتقل بالدخول. و ظاهر

الأدلة يعاضد المشهور، فكما ان الزوج يملك بالعقد بضعها كذلك هي تملك بالعقد مهرها و لها مطالبته به قبل الدخول. نعم بالفسخ قبل الدخول يرجع تمامه و بالطلاق قبله يرجع نصفه من حينهما، و ان كان المرجوع ما وقع عليه العقد او نصفه فتبقى الزيادة و الفائدة في هذه المدة في ملك الزوجة. و تفصيل المسألة في باب المهر من النكاح.

و كيف كان فكون المهر في معرض السقوط او التنصيف لا يقدح في مالكية الزوجة و جواز تصرفها كما في الهبة و نحوها.

(2) أي نصف العين ان لم تؤد زكاتها بعد، او ادّتها من غيرها. و اما ان أدّتها من العين فالأقوى رجوع نصف الباقي و نصف مثل الزكاة او قيمتها اليه كما لا يخفى وجهه.

و المخالف في ذلك الشيخ في المبسوط و المحقق في المعتبر فحكما في هذه الصورة أيضا بوجوب ردّ تمام النصف من البقية.

ففي المبسوط فيما اذا كان الصداق أربعون شاة: «فان كان قد أخرجت من غيرها أخذ الزوج نصف الصداق لأنه أصابه بعينه حين الطلاق، و ان كان أخرجت الزكاة من عينها و بقي تسعة و ثلاثون شاة كان له منها عشرون لأنه نصف ما أعطاها».

و في المعتبر: «اذا قبضت المهر و طلقها قبل الدخول رجع بنصف المهر مما بقي في يدها و كانت الزكاة من نصيبها، و للشافعي قولان: أحدهما ترجع بنصف الموجود و نصف قيمة المخرج لأن

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 277

عليها زكاة المجموع في نصفها (1)، و لو تلف نصفها (2) يجب اخراج الزكاة من النصف الذي رجع الى الزوج (3) و يرجع بعد الاخراج عليها بمقدار الزكاة. هذا ان كان التلف بتفريط منها.

و اما ان

تلف عندها بلا تفريط فيخرج نصف الزكاة من النصف الذي عند الزوج (4) لعدم ضمان الزوجة حينئذ لعدم تفريطها. نعم يرجع الزوج حينئذ أيضا عليها بمقدار ما أخرج.

______________________________

القدر المخرج يجري مجرى التالف ...، لنا انه يمكن الرجوع بنصف المفروض فلا ترجع بالقيمة ...، و لو تلف النصف فله الباقي و عليها الزكاة».

أقول: الراجع الى الزوج بالطلاق النصف المشاع مما وقع عليه العقد، و الاشاعة قبل الافراز سارية في جميع اجزاء المهر بحيث ان كلّ جزء يفرض- و لو في غاية الصغر- يكون مشاعا بينهما، فاذا تلف بعض المهر قبل الطلاق أو أدّى بعنوان الزكاة انتقل المتلف و ما بحكمه الى المثل او القيمة فليس للزوج الزام الزوجة بأداء عوض التالف من الباقي من نفس العين و ان كان الأحوط للزوجة قبول ذلك.

(1) لا إلزام في الأداء من النصف فلها أداؤها من مال آخر.

(2) أي بعد القسمة، و لكن في صحّتها قبل تأدية الزكاة اشكال بناء على كون التعلق بنحو الاشاعة، و الأحوط اخراجها أولا من غير العين او منها مع رضا الزوج ثم رد نصف التمام الى الزوج، و لا ينتقل سهم الزوج في هذه الصورة الى القيمة اذ المفروض بقاء العين و العين مشتملة بنفسها على النصف و على العشر كما في فرائض الميراث و كما لو باع نصفا من الصبرة المعينة من شخص و عشرها من شخص آخر. فالسهام و الكسور تتوارد في عرض واحد على نفس العين و هذا بخلاف ما اذا تلف بعضها قبل الطلاق كما مرّ.

(3) و لا يتعين الاخراج منه بل يجب على الزوجة اخراجها و لو من القيمة، نعم لو امتنعت أخذ الساعي نصفها من النصف الباقي عند

الزوج و نصفها من مال الزوجة ثم يرجع الزوج عليها بقيمة ما أخذ منه. و اما اخذ الساعي الجميع من النصف الباقي فمشكل بناء على كون تعلق الزكاة بنحو الاشاعة، نعم يصحّ على مبنى المصنف القائل بكونه من قبيل الكلي في المعين كما لا يخفى. و كأنه بنى المسألة على هذا المبنى كما هو القاعدة.

(4) ان لم تخرجه الزوجة من مالها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 278

[يسمع قول رب المال]

[مسألة 15]: اذا قال ربّ المال: لم يحل على مالي الحول يسمع منه بلا بيّنة و لا يمين، و كذا لو ادّعى الاخراج أو قال: تلف منّي ما أوجب النقص عن النصاب (1).

[زكاة المال في زمن الخيار]

[مسألة 16]: اذا اشترى نصابا و كان للبائع الخيار فان فسخ قبل تمام الحول فلا شي ء على المشتري، و يكون ابتداء الحول بالنسبة الى البائع من حين الفسخ (2)، و ان فسخ بعد تمام الحول عند المشتري وجب عليه

______________________________

(1) يشهد للمسألة مصحّح بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «بعث أمير المؤمنين «ع» مصدقا من الكوفة الى باديتها فقال له: ....، ثم قل لهم: يا عباد اللّه! أرسلني إليكم ولي اللّه لآخذ منكم حق اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم من حق فتؤدّوه الى وليّه؟

فان قال لك قائل: لا، فلا تراجعه ...» و نحوه ما في نهج البلاغة «1»

و في خبر غياث بن ابراهيم، عن جعفر، عن أبيه «ع» قال: كان عليّ- صلوات اللّه عليه- اذا بعث مصدّقه قال له: اذا أتيت على رب المال فقل: تصدّق- رحمك اللّه- مما أعطاك اللّه، فان ولّى عنك فلا تراجعه «2». فيستفاد من هذه الاخبار جميع شقوق المسألة.

هذا مضافا الى ان الزكاة حق متعلق بما في يده و له الولاية على اخراجها و تبديلها بالقيمة و احتسابها على غيره، فليس لأحد معارضته و لا يعرف كل ذلك الّا من قبله.

نعم لو علم كذبه و بقاء الحق في ماله كان على الحاكم الزامه باخراجه من باب الحسبة و رعاية الجهة الاقتصادية، حيث ان في الزكاة جهتين: جهة العبادة، وجهة الاقتصاد الاسلامي.

هذا.

و في الدروس: «و يصدّق المالك بغير يمين في عدم الحول الّا

مع قيام البينة».

و فيه أيضا: «و يصدّق المالك في تلفها بظالم او غيره بيمينه».

قيل: و لعل الفرق لكون الدعوى الأولى على وفق الأصل دون الثانية.

لكن مقتضى ذلك سريان هذا في كل ما كان من هذا القبيل، و قد عرفت ان جميع صور المسألة يستفاد من الاخبار فالتفصيل بلا وجه. اللهم الّا أن يقال ان هذا كان ارفاقا من أمير المؤمنين- عليه السلام- فلا عموم فيه فتأمل.

(2) لأن الفسخ حلّ العقد من حين الفسخ لا من أصله فحين الفسخ زمان الملك الجديد للبائع.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 7.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 279

الزكاة (1) و حينئذ فان كان الفسخ بعد الاخراج من العين ضمن للبائع (2) قيمة ما أخرج، و ان أخرجها من مال آخر أخذ البائع تمام العين، و ان كان قبل الاخراج فللمشتري أن يخرجها من العين (3) و يغرم للبائع ما اخرج، و ان يخرجها من مال آخر و يرجع العين بتمامها الى البائع.

______________________________

(1) قد مرّت المسألة مفصلة في المسألة السادسة من الشرائط العامة فراجع.

و ملخص ما ذكرناه هناك ان الملكية تحصل بنفس العقد و للمشتري التصرف في ما اشتراه بأنواع التصرفات فلا مانع من تعلق الزكاة به.

نعم في الخيار المجعول للبائع المشروط برد الثمن المبتني على بقاء نفس العين و استردادها المعروف ببيع الشرط لا يبعد فيه المنع من التصرفات الناقلة و المتلفة فيشكل فيه وجوب الزكاة لعدم التمكن من التصرف، و لكن الأحوط فيه أيضا اداؤها من القيمة لعدم ثبوت مانعية هذا المقدار من عدم التمكن حيث لم يكن دليل لنا

على مانعية هذا العنوان و إنما الذي ثبت عدم الزكاة في مال الغائب و المال المفقود و نحوهما مما انقطع منه صاحبه بالكلية، فراجع.

(2) لأن المبيع مضمون على المشتري بضمان المعاوضة كالثمن على البائع.

(3) مشكل لأن الزكاة و ان تعلقت سابقا و لكن البائع بعد الفسخ يستحق رد العين ان وجدت و المفروض وجودها بعد و امكان ردّ نفسها بأداء الزكاة من القيمة. فالمقام مقام تزاحم الحقين، و الواجب فيه أداء الحقين معا ان أمكن و الّا فالأهم و الّا فالتخيير فتدبر جيدا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 280

[3- فصل في زكاة النقدين]

اشارة

فصل في زكاة النقدين و هما الذهب و الفضة (1).

[هل تجب الزكاة في الأوراق المالية]

______________________________

(1) قال اللّه- تعالى-: «وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ» «1».

و هل تجب الزكاة في الأوراق المالية الحالّة محلهما في هذه الأعصار كالنوت و الدولار و الأوراق المالية المسماة بالدنانير و الدراهم؟ و جهان: من حصر ما فيه الزكاة في الأخبار المستفيضة بل المتواترة في التسعة و ليست منها، و من كونها في الحقيقة حوالة عليهما، او الغاء الخصوصية و استنباط كون الموضوع في الحقيقة النقد الرائج.

قال في الفقه على المذاهب الأربعة: «جمهور الفقهاء يرون وجوب الزكاة في الأوراق المالية لأنها حلّت محل الذهب و الفضة في التعامل و يمكن صرفها بالفضة بلا عسر فليس من المعقول أن يكون لدى الناس ثروة من الأوراق المالية و يمكنهم صرف نصاب الزكاة منها بالفضة و لا يخرجون منها زكاة، و لذا أجمع فقهاء ثلاثة من الأئمة على وجوب الزكاة فيها و خالف الحنابلة فقط».

و في شرح التاج الجامع للأصول حكى عن المالكية و الحنفية وجوب الزكاة فيها و عن الحنابلة و الشافعية عدم الوجوب.

أقول: ملخص ما يستدلّ به للوجوب في المقام أمور:

الأول: ان الاوراق المالية ليست لها موضوعية و لا قيمة بل هي حوالة على النقدين فالمالك لها في الحقيقة مالك لهما.

و فيه ان الأوراق في أعصارنا لها موضوعية و قيمة بحسب الاعتبار العقلائي و ليست حوالة على النقدين و الّا لكانا محفوظين للمحتال فيما اذا تلفت الأوراق أو ضاعت، و لبطلت المعاملات على الأوراق لمن لا يعلم ما بازائها من النقدين و الالتزام بهما مشكل. و وجود النقدين و نحوهما في البنك

______________________________

(1)- سورة التوبة، الآية 24.

كتاب

الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 281

..........

______________________________

المركزي لرواج الأوراق بمنزلة الحيثية التعليلية لا التقييدية، فهي بأنفسها صارت ذات قيمة اعتبارا.

الثاني: الغاء الخصوصية، بتقريب ان الذهب و الفضة المسكوكتين وجب فيهما الزكاة بما انهما نقد رائج و بهما تقوّم الأشياء و تعتبر ماليتها، فالموضوع في الحقيقة النقد الرائج المتعارف الذي يقوم به سائر الأشياء، و ربما نلتزم بذلك في باب المضاربة أيضا حيث اعتبروا فيها بالإجماع ان يكون رأس المال من النقدين، فلو لم نقل بكون المراد النقد الرائج انتفى موضوع المضاربة في هذه الأعصار.

الثالث: العمومات و الاطلاقات الأولية الحاكمة بثبوت الزكاة في جميع الأموال كالجمع المضاف في قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً»، و الموصول في قوله: «وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ»، و قوله: «أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ».

و التخصيص بالتسعة كان في تلك الأعصار التي راج فيها النقدان لا بحسب جميع الأعصار.

و يؤيد ذلك الروايات المستفيضة الحاكمة بأنه لما نزل قوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة و عفا عمّا سوى ذلك. فوضع الزكاة كان في جميع الأموال و لكن رسول اللّه «ص» بما انه كان حاكما للمسلمين في عصره و كانت عمدة ثروة العرب في تلك الأعصار الأشياء التسعة وضعها فيها و عفا عما سواها. فيكون العفو بحسب تلك الأعصار و الّا فالزكاة لسدّ خلّات المسلمين أعني المصارف الثمانية فيجب ان تتطوّر بحسب تطوّر الأموال في الأمكنة و الأعصار، و لذا أوجب اللّه- تعالى- إياها من دون بيان ما فيه الزكاة. فتعيين ما فيه الزكاة محوّل الى حاكم الإسلام في كل زمان و مكان لاختلاف الأموال و كذا الحاجات بحسبهما.

كيف؟! و تخصيص الزكاة بالتسعة

في هذه الأعصار مخالف لروح الزكاة و حكمة تشريعها، فلاحظ قول الرضا «ع»: «ان اللّه- عزّ و جلّ- جعلها خمسة و عشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء، و لو اخرج الناس زكاة أموالهم ما احتاج أحد».

و قول الصادق «ع»: «ان اللّه عزّ- و جلّ- حسب الأموال و المساكين فوجد ما يكفيهم من كل ألف خمسة و عشرين، و لو لم يكفهم لزادهم».

و في خبر قثم، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: جعلت فداك أخبرني عن الزكاة كيف صارت من كل ألف خمسة و عشرين لم تكن أقل أو أكثر ما وجهها؟ فقال: ان اللّه- عزّ و جلّ- خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم و كبيرهم و غنيهم و فقيرهم فجعل من كل ألف انسان خمسة و عشرين فقيرا و لو علم ان ذلك لا يسعهم لزادهم لأنه خالقهم و هو أعلم بهم «1».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1، 2 و 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 282

..........

______________________________

و في صحيح زرارة و محمد بن مسلم: «ان اللّه- عزّ و جلّ- فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم و لو علم ان ذلك لا يسعهم لزادهم انهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّه- عزّ و جلّ- و لكن أوتوا من منع من منعهم حقّهم لا مما فرض اللّه لهم ...» «1». الى غير ذلك من الروايات.

فالفقراء و الحاجات و الخلّات في أعصارنا كثيرة، و الأشياء التسعة بالنسبة الى سائر الأموال أقل قليل فكيف حسب اللّه الفقراء و الأموال؟!

هذا و لكن لقائل ان يقول ان خمس أرباح المكاسب مما لا يوجد له أثر في تاريخ

صدر الإسلام و لا في الأحاديث الواردة عن النبي «ص» و عن الأئمة الأولين و لا يوجد منه اسم في فقه أهل السنة و لو كان مشرعا في تلك الأعصار لبان و ظهر، فمن المحتمل ان الأئمة المتأخرين- عليهم السلام- لمّا رأوا انحراف الزكاة عن مسيرها و صيرورتها في مسير إعاشة الجبارين و تأمين تجملاتهم بها و رأوا من جهة اخرى لزوم انطباق الزكاة التي هي ماليات الإسلام على جميع الأعصار و الأمكنة شرّعوا- بما هم حكام الإسلام بالحق- خمس أرباح المكاسب الشاملة لجميع الأعصار و الأمكنة عوضا عن الزكاة.

ففي الحقيقة هو زكاة و ليس مصرفه مصرف خمس الغنائم بل هو بأجمعه حق وحداني للإمام بما هو امام بنحو التقييد لا التعليل، فبه يسدّ الامام جميع خلّات المسلمين.

و ربما يشهد لذلك أخبار المسألة فراجع.

كيف؟! و لو سلّم شمول الزكاة لجميع الأموال و الأوراق النقدية و نحوها لم تكن أزيد من ربع العشر، و الخمس أزيد منه بمراتب. فهل يمكن جعل ربع العشر لجميع المصارف الثمانية التي منها فقراء غير الهاشميين، و جعل خمس جميع أموال الناس للإمام و فقراء الهاشميين بحيث يكون نصفه بحسب الجعل لهم، مضافا الى شركتهم في زكاة الهاشميين و فيما صرف من الزكاة في سبيل اللّه؟! فهل لا يكون هذا النحو من الجعل ظلما و زورا مع كون فقراء الهاشميين أقل من جميع الفقراء بمراتب؟ فتدبر.

و لو أبيت ما ذكرنا فالأحوط القول بثبوت الزكاة في جميع الأوراق المالية الحالّة محل النقدين.

و لو قيل بثبوتها في الديون التي يسهل أخذها بحيث تكون كالنقد كما احتملناه في محله بحسب دلالة بعض الأخبار صار مقتضاه ثبوت الزكاة كل سنة في الأموال المودعة في البنوك

بالحساب الثابت، فلاحظ و تدبر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب وجوب الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 283

[شرائط خاصة لزكاة النقدين]

[الأول النصاب]

اشارة

و يشترط في وجوب الزكاة فيهما- مضافا الى ما مرّ من الشرائط العامة- أمور: الأول: النصاب (1). ففي الذهب نصابان:

[نصاب الذهب]
[النصاب الأول]

الأول: عشرون دينارا (2) و فيه نصف دينار.

______________________________

(1) بلا خلاف و لا اشكال، بل لا خلاف فيه بين المسلمين و ان اختلفوا في مقداره، بل لعله ضروري الفقه. و تشهد له النصوص الآتية على اختلافها.

(2) فلا تجب فيما دونها بلا اشكال، و تجب الزكاة فيه اذا بلغها على المشهور بين الفريقين، بل عن بعض الاجماع عليه. و الاخبار به مستفيضة بل لعلها متواترة.

قال في الخلاف (المسألة 98): «لا زكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا ...، و قال عطا و الزهري و الاوزاعي لا نصاب في الذهب و إنما يقوم بالورق، فان كان ذهبا قيمته مأتا درهم ففيه الزكاة ...، و قال الحسن البصري لا زكاة في الذهب حتى يبلغ أربعين مثقالا فاذا بلغها ففيه دينار و ذهب اليه قوم من أصحابنا، دليلنا الروايات المجمع عليها عند الطائفة».

و في المعتبر: «لا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا فاذا بلغ ففيه نصف مثقال و به قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و أحمد ...، و قال الحسن: لا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ أربعين دينارا و به قال أبو جعفر بن بابويه «ره» و جماعة من أصحاب الحديث منا».

و في المختلف: «المشهور بين علمائنا أجمع ان أول نصاب الذهب عشرون مثقالا و فيه نصف مثقال، و قال الشيخ علي بن بابويه: ليس فيه شي ء حتى يبلغ أربعين مثقالا و فيه مثقال».

و فيه أيضا: «و النصاب الثاني من الذهب أربعة دنانير، ذهب اليه علماؤنا أجمع الّا علي بن بابويه فانه جعله أربعين مثقالا

فقال: و ليس في النيف شي ء حتى يبلغ أربعين».

و في فقه الرضا الذي ظهر لنا بالحدس و الشواهد انه رسالة علي بن بابويه: «و ليس فيما دون عشرين دينارا زكاة ففيها نصف دينار و كلما زاد بعد العشرين الى أن يبلغ أربعة دنانير فلا زكاة فيه فاذا بلغ أربع دنانير ففيه عشر دينار ثم على هذا الحساب (الى أن قال بعد ما يقرب من نصف صفحة): و روي انه ليس على الذهب زكاة حتى يبلغ اربعين مثقالا فاذا بلغ اربعين مثقالا ففيه مثقال، و ليس في نيف شي ء حتى يبلغ أربعين».

و العبارة الثانية في المختلف لعلها تشير الى ذيل هذه العبارة و من المحتمل ان يريد بالنيف ما قبل النصاب الأول لا ما بعده و ان كان خلاف الظاهر.

و في المقنع: «اعلم انه ليس على الذهب شي ء حتى يبلغ عشرين مثقالا فاذا بلغ ففيه نصف دينار ... و قد روي انه ليس على الذهب شي ء حتى يبلغ أربعين مثقالا فاذا بلغ ففيه مثقال».

و أنت ترى ان ابني بابويه وافقا المشهور في اختيار عشرين مثقالا و إنما ذكرا الأربعين بعنوان الرواية بنحو يستفاد منهما عدم الاعتماد عليها، فنسبة الخلاف اليهما في المسألة لعلها بلا وجه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 284

..........

______________________________

و كيف كان فجمهور أهل الخلاف جعلوا النصاب الأول عشرين مثقالا و هو المشهور بيننا بل لم نجد من يفتي صريحا بالخلاف.

و اما اخبارنا فهي ثلاث طوائف:

الأولى: ما دلّت على العشرين و هي كثيرة بل لعلها متواترة.

الثانية: ما دلّت على الأربعين و هي روايتان.

الثالثة: ما دلّت على عدم استقلال الذهب بالنصاب بل يقوّم بنصاب الفضة فما قيمة تساوي مأتي درهم ففيه الزكاة.

اما الطائفة الأولى: فمنها صحيحة

الحسين بن يسار (بشّار)، عن أبي الحسن «ع» قال: في الذهب في كل عشرين دينارا نصف دينار فان نقص فلا زكاة فيه «1».

و منها موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: و من الذهب من كل عشرين دينارا نصف دينار و ان نقص فليس عليك شي ء «2».

و منها موثقة علي بن عقبة و عدة من أصحابنا، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» قالا: ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء فاذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال الى أربعة و عشرين فاذا اكملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار الى ثمانية و عشرين فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة «3».

و منها رواية أبي عيينة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: اذا جازت الزكاة العشرين دينارا ففي كل أربعة دنانير عشر دينار «4».

و منها موثقة يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: في عشرين دينارا نصف دينار «5».

و منها موثقة زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال: في الذهب اذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار و ليس فيما دون العشرين شي ء «6».

و منها موثقته الأخرى، عن أحدهما «ع» قال: ليس في الذهب زكاة حتى يبلغ عشرين مثقالا فاذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال، ثم على حساب ذلك اذا زاد المال في كل أربعين

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 4.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 5.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 6.

(5)- الوسائل

ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 8.

(6)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 285

..........

______________________________

دينارا دينار «1».

و من ذكر الدينار في بعض الأخبار و ذكر المثقال في بعضها و ذكرهما معا في هذا الخبر يعرف اتحادهما كما لا يخفى.

و منها أيضا موثقتا زرارة و بكير، عن أبي جعفر «ع» «2». فراجع، و كذا خبر علي بن جعفر، عن أخيه «ع» 3.

و كذلك صحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسن «ع» عما أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي ء؟ قال: ليس فيه شي ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا «4». الى غير ذلك من الاخبار.

الطائفة الثانية: ما دلّت على كون أقل النصاب أربعين و هي روايتان:

الأولى: موثقة الفضلاء: محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد و الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» قالا: في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال و في الورق في كل مأتي درهم خمسة دراهم و ليس في أقل من أربعين مثقالا شي ء ... «5».

قال في التهذيب بعد نقل الخبر ما حاصله: «ان قوله: و ليس في أقل من أربعين مثقالا شي ء يجوز أن يكون اراد به دينارا واحدا لأن قوله: «شي ء» مجمل محتمل للدينار و لما يزيد عليه و ينقص فيحمل على الدينار بقرينة الأخبار الأخر، و اما قوله: «في كل أربعين مثقالا مثقال» فليس فيه تناقض لما قلناه لأن عندنا انه يجب فيه دينار و ان لم يكن أول النصاب».

و في الوسائل احتمل الحمل على التقية لموافقته لما نقلناه عن الحسن البصري و التخصيص

بما دون العشرين لأن ما دون الأربعين عام يشمل العشرين و ما دونه فيخصص باخبار العشرين.

هذا و لا يخفى بعد الجميع، و لنا كلام قد لوّحنا اليه سابقا في نظير الموثقة و هو انه يبعد جدا سماع أربعة أشخاص عن إمامين ألفاظا بعينها ثم نقلها لحريز، فالخبر مشتمل على النقل بالمعنى و المضمون، ففي هذه الأثناء وقع في الخبر تزلزل و اغتشاش فتدبر.

الثانية: صحيحة زرارة المروية بسندين في التهذيب قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل عنده مأئة درهم و تسعة و تسعون درهما و تسعة و ثلاثون دينارا أ يزكّيهما؟ فقال: لا ليس عليه شي ء من الزكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى يتم أربعون دينارا و الدراهم مأتي درهم الحديث «6».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 10.

(2) (2) و (3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 11، 12 و 15.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 13.

(6)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 14.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 286

..........

______________________________

و الصحيحة دليل على انه ان نقص كل من النقدين عن النصاب لا يضم أحدهما الى الآخر و هو المفتى به عندنا، و المسألة خلافية عند فقهاء أهل السنة فراجع الخلاف (المسألة 99).

و الشيخ روى الصحيحة في زيادات التهذيب و لم يتعرض لتوجيهها نحو ما تعرض لتوجيه موثقة الفضلاء، فلعل نقلها كان موافقا لسائر الأخبار و إنما حصل التحريف فيها بعد الشيخ. يدل على ذلك

نقل الصدوق لهذه الرواية بنحو يوافق سائر الاخبار.

ففي الوسائل عن الصدوق باسناده، عن زرارة انه قال لأبي عبد اللّه «ع»: رجل عنده مأئة و تسعة و تسعون درهما و تسعة عشر دينارا أ يزكّيها؟ فقال: لا، ليس عليه زكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى يتم، قال زرارة: و كذلك هو في جميع الأشياء ... «1».

و كيف كان فالجواب عن الخبرين ما أشار اليه المحقق في المعتبر حيث قال: «ما ذكرناه أشهر في النقل و أظهر في العمل فكان المصير اليه أولى».

و في مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في علاج المتعارضين: «ينظر الى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه».

فالعمل على ما اشتهر بين الفريقين و هي أخبار العشرين التي لعلها متواترة.

و اما الجمع بين الاخبار بحمل اخبار العشرين على الاستحباب فيرده مضافا الى عدم القائل به ان الاخبار بظاهرها متعارضة فالمقام مقام الترجيح لا الجمع فتدبر.

الطائفة الثالثة: ما يستفاد منها عدم استقلال الذهب في النصاب و انه يقوم بنصاب الفضة.

فمنها صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه «ع» عن الذهب و الفضة ما أقل ما يكون فيه الزكاة؟ قال: مأتا درهم و عدلها من الذهب «2».

و منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الذهب كم فيه من الزكاة؟

قال: اذا بلغ قيمته مأتي درهم فعليه الزكاة «3».

و لا يخفى عدم وجود القائل بمضمون الخبرين من علمائنا، نعم حكاه في الخلاف كما مرّ عن عطا و الزهري و الاوزاعي.

و الجواب عنهما جعل ما فيهما عنوانا

مشيرا الى العشرين دينارا لأن قيمتها في تلك الأعصار كانت مأتي درهم كل دينار بعشرة دراهم، و يشهد لذلك باب الديات و نحوها.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 287

[مقدار الدينار]

و الدينار مثقال شرعي (1) و هو ثلاثة أرباع الصيرفي (2) فعلى هذا النصاب الأول بالمثقال الصيرفي خمسة عشر مثقالا و زكاته ربع مثقال و ثمنه.

______________________________

و اما ما رواه اسحاق بن عمار، عن أبي ابراهيم «ع» قال: قلت له: تسعون و مأئة درهم و تسعة عشر دينارا أ عليها في الزكاة شي ء؟ فقال: اذا اجتمع الذهب و الفضة فبلغ ذلك مأتي درهم ففيها الزكاة لأن عين المال الدراهم، و كل ما خلا الدراهم من ذهب او متاع فهو عرض مردود ذلك الى الدراهم في الزكاة و الديات «1» فمضافا الى دلالته على عدم استقلال الذهب في النصاب يدل على ضم أحدهما الى الآخر فيه كما قال به بعض فقهاء أهل السنة.

و لعل مورد الخبر زكاة مال التجارة اذا فرض كون الذهب في عرض العروض من أرقام التجارة و في نصاب مال التجارة يضم أرقام التجارة بعضها الى بعض في النصاب فتأمل.

و ربما يوجه الخبر بأن المراد بلوغ كل من النقدين المائتين.

و كيف كان فالنصاب الأول للذهب هو ما ذكرناه من عشرين مثقالا.

(1) الاخبار التي مرّت يشتمل بعضها على المثقال و بعضها على الدينار و بعضها على كليهما فيعلم بذلك اتحاد هما، و هذا واضح لا سترة فيه.

(2)

في نهاية ابن الأثير: «المثقال في الأصل مقدار من الوزن أيّ شي ء كان من قليل أو كثير، فمعنى مثقال ذرة: وزن ذرة. و الناس يطلقونه في العرف على الدينار خاصة». و مثله في لسان العرب.

و في مجمع البحرين: «و المثقال الشرعي على ما هو المشهور المعوّل عليه في الحكم عبارة عن عشرين قيراطا ...، فالمثقال الشرعي يكون على هذا الحساب عبارة عن الذهب الصنمي كما صرّح به ابن الأثير حيث قال: المثقال يطلق في العرف على الدينار. و الذهب الصنمي عبارة عن ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، عرف ذلك بالاعتبار الصحيح و منه يعرف ضبط الدرهم الشرعي فان المشهور ان كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم».

و لا يخفى ان قوله: «و الذهب الصنمي عبارة» من كلام نفسه لا من كلام النهاية و إنما استفاد من كلام النهاية كون المثقال الذهب الصنمي من جهة ان الذهب الصنمي عبارة أخرى عن الدينار المنقوش عليه الصنم. هذا.

و في المستند: «الدينار هو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي كما صرّح به جماعة منهم صاحب الوافي، و المحدث المجلسي في رسالته في الأوزان نافيا عنه الشك، و والده في حلية المتقين، و ابن الأثير في نهايته و غيرهم. و يثبته اطلاق الدينار عرفا على هذا الذهب المعمولة في بلاد الروم

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 288

[النصاب الثاني: أربعة دنانير]

و الثاني: أربعة دنانير (1) و هي ثلاثة مثاقيل صيرفية و فيه ربع العشر أي

______________________________

و الإفرنج المسمّاة ب «دوبتي و باج اغلو» و كل منهما ثلاثة أرباع الصيرفي ...، و الظاهر عدم التغير في مسكوكات الروم بل هي ما تحمل منها الآن أيضا و

هو الذهبان المذكوران بل صرّح في النهاية الأثيرية بأن الدينار هو ذلك حيث قال: المثقال يطلق في العرف على الدينار خاصة و هو الذهب الصنمي عن ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي انتهى ...، و بما ذكرنا يعلم ان الدينار هو الذهب الذي هو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي او هذان الذهبان و كل منهما أيضا ثلاثة أرباعه و لا أقل من استعماله في ذلك و الأصل في الاستعمال الحقيقة اذ لم يعلم له في عرف العرب استعمال في غيره أصلا و بضميمة أصالة عدم النقل يثبت ذلك في عرف الشرع أيضا مع انه صرح جماعة منهم العلامة في النهاية و الرافعي في شرح الوجيز ان الدينار لم يختلف في جاهلية و لا اسلام. و قال في الحدائق: لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- بل و غيرهم أيضا ان الدنانير لم يتغير وزنها عما هي عليه الآن في جاهلية و لا اسلام. صرح بذلك جماعة من علماء الطرفين». انتهى ما أردنا نقله من المستند و إنما نقلناه بطوله لأدائه حق المطلب.

و لكن ليعلم ان ما حكاه عن نهاية ابن الأثير لم أجده بتمامه فيها فلعله حكى ذلك من مجمع البحرين مخلطا بين كلامه و كلام المجمع فتأمل فيما حكيناه عنهما و قد وقع هذا الخلط في المستمسك أيضا.

و قد تلخص من جميع ذلك ان المراد بالدينار و المثقال الشرعي واحد بمقتضى الروايات و هما ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي حيث ان الدينار الموجود الآن في الروم المنقوش عليه صنم او صنمان ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي و الدينار لم يتغير بحسب الأزمان و لو شك فالأصل عدم النقل، فالدينار في صدر الإسلام أيضا كان كذلك. و في مجمع البحرين

في لغة الدرهم: «و اما الدنانير فكانت تحمل الى العرب من الروم الى أن ضرب عبد الملك بن مروان الدينار».

(1) في المستمسك: «اجماعا حكاه جماعة كثيرة».

و على أي حال فلا يوجد في النصاب الثاني عندنا مخالف الّا ما نسبه في المختلف الى علي بن بابويه، ففيه: «و النصاب الثاني من الذهب أربعة دنانير ذهب اليه علماؤنا أجمع الّا علي بن بابويه فانه جعله أربعين مثقالا فقال: و ليس في النيف شي ء حتى يبلغ أربعين».

و قد مرّ منا انه عبارة فقه الرضا حيث قال في ذيل ما حكيناه سابقا: «و ليس في نيف شي ء حتى يبلغ أربعين»، فان كان المراد بالنيف ما بعد النصاب كما هو الظاهر فهو مخالف في المسألة.

و اما أهل السنة فالمسألة فيهم خلافية، ففي الخلاف (المسألة 98): «و ما زاد عليه ففي كل أربعة دنانير عشر دينار و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي: ما زاد على العشرين فبحسابه».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 289

من أربعين واحد فيكون فيه قيراطان اذ كل دينار عشرون قيراطا (1) ثم اذا زاد أربعة فكذلك و ليس قبل ان يبلغ عشرين دينارا شي ء كما انه ليس بعد العشرين قبل ان يزيد أربعة شي ء و كذلك ليس بعد هذه الأربعة شي ء الّا اذا زاد أربعة أخرى و هكذا.

و الحاصل ان في العشرين دينارا ربع العشر و هو نصف دينار. و كذا في الزائد الى أن يبلغ أربعة و عشرين و فيها ربع عشرة و هو نصف دينار و قيراطان، و كذا في الزائد الى أن يبلغ ثمانية و عشرين و فيها نصف دينار و أربع قيراطات و هكذا، و على هذا فاذا أخرج بعد البلوغ الى

عشرين فما زاد

______________________________

و يظهر من المغني لابن قدامة موافقة مالك و أحمد و محمد و أبي يوسف أيضا للشافعي، فالمشهور بينهم انكار النصاب الثاني في الذهب و كذا في الفضة، فاذا بلغ الذهب عشرين دينارا و الفضة مأتي درهم وجب فيهما ربع العشر كائنا ما كانتا قليلا أو كثيرا فراجع.

و كيف كان فعندنا النصاب الثاني في الذهب أربعة دنانير في جميع المراتب فبين العشرين و أربعة و عشرين عفو و كذا بين أربعة و عشرين و ثمانية و عشرين و هكذا.

و يدل على ذلك بعض الاخبار التي مرّت، ففي موثقة علي بن عقبة و عدة من أصحابنا، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» قالا: ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء فاذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال الى أربعة و عشرين فاذا اكملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار الى ثمانية و عشرين فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة «1».

و في خبر أبي عيينة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: اذا جازت الزكاة العشرين دينارا ففي كل أربعة دنانير عشر دينار «2».

(1) في المستمسك: «حكي عليه الاتفاق».

و في نهاية ابن الأثير: «القيراط جزء من اجزاء الدينار و هو نصف عشره في أكثر البلاد و أهل الشام يجعلونه جزءا من أربعة و عشرين».

و في مصباح الفقيه: «في القاموس: القيراط و القرّاط بكسرهما يختلف وزنه بحسب البلاد، فبمكة ربع سدس دينار و بالعراق نصف عشره. فما في المتن و غيره بل الشائع في عرف الفقهاء من التعبير عن نصف دينار بعشرة قراريط و عن عشرة بقيراطين منزّل على ما بالعراق».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث

5.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 290

من كل أربعين واحدا فقد أدّى ما عليه و في بعض الأوقات (1) زاد على ما عليه بقليل فلا بأس باختيار هذا الوجه من جهة السهولة.

[نصاب الفضة]

و في الفضة أيضا نصابان: الأول: مأتا درهم الأول: مأتا درهم و فيها خمسة دراهم. الثاني:

أربعون درهما و فيها درهم (2)

______________________________

(1) يعني اذا زاد على النصاب السابق و لم يبلغ النصاب اللاحق.

(2) في الجواهر: «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصّا و فتوى بل الاجماع بقسميه عليه و النصوص يمكن تواترها فيه».

أقول: بل في النصاب الأول اجماع المسلمين. نعم بين أهل الخلاف في النصاب الثاني خلاف كالذهب، فأبو حنيفة يوافقنا في النصاب الثاني و الفقهاء الثلاثة الاخر يقولون بوجوب الزكاة في الفضة اذا بلغت مأتي درهم فما زاد قلّت الزيادة أو كثرت فيجب في الجميع ربع العشر، فلا عفو عندهم بعد المائتين.

و كيف كان فعندنا لا خلاف هنا في النصابين.

و يدل عليه أخبار كثيرة لعلها تبلغ التواتر و قد ذكرها في الوسائل في الباب الثاني.

فمنها صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه «ع» عن الذهب و الفضة ما أقلّ ما تكون فيه الزكاة؟ قال: مأتا درهم و عدلها من الذهب، قال: و سألته عن النيف: الخمسة و العشرة، قال:

ليس عليه شي ء حتى يبلغ اربعين فيعطى من كل أربعين درهما درهما.

و منها صحيحة رفاعة النخّاس قال: سأل رجل أبا عبد اللّه «ع» فقال: اني رجل صائغ أعمل بيدي و انه يجتمع عندي الخمسة و العشرة ففيها زكاة؟ فقال: اذا اجتمع مأتا درهم فحال عليها الحول فان عليها الزكاة.

و منها صحيحة

الحسين بن بشار (يسار) قال: سألت أبا الحسن «ع» في كم وضع رسول اللّه «ص» الزكاة؟ فقال في كل مأتي درهم خمسة دراهم و ان نقصت فلا زكاة فيها.

و منها موثقة زرارة عن أحد هما «ع» قال: ليس في الفضة زكاة حتى تبلغ مأتي درهم فاذا بلغت مأتي درهم ففيها خمسة دراهم فاذا زادت فعلى حساب ذلك في كل أربعين درهما درهم و ليس في الكسور شي ء «1».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة المتعرض بعضها للنصاب الأول و بعضها للنصابين و لا معارض لها في البين فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1، 2، 3 و 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 291

و الدرهم نصف المثقال الصيرفي و ربع عشره (1).

و على هذا فالنصاب الأول مأئة و خمسة مثاقيل صيرفية و الثاني أحد و عشرون مثقالا و ليس فيما قبل النصاب الأول و لا فيما بين النصابين شي ء على ما مرّ، و في الفضة أيضا بعد بلوغ النصاب اذا أخرج من كل أربعين واحدا فقد أدّى ما عليه و قد يكون زاد خيرا قليلا.

______________________________

(1) هل المعتبر في الدرهم العدد أعني مأتي درهم بأي وزن كانت او الوزن؟ و على الثاني فما هو الوزن المعتبر؟

ففي الخلاف (المسألة 94): «المعتبر في الفضة التي تجب فيها الزكاة الوزن و هو ان يكون كل درهم ستة دوانيق و كل عشرة سبعة مثاقيل. و لا اعتبار بالعدد و لا بالسود البغلية التي في كل درهم درهم و دانقان و لا بالطبرية الخفيفة التي في كل درهم أربعة دوانيق، و به قال جميع الفقهاء. و قال المغربي الاعتبار بالعدد دون الوزن فاذا بلغت مأتي

عدد ففيها الزكاة سواء كانت وافية او من الخفيفة و ان كانت أقل من مأتين عددا فلا زكاة فيها سواء كانت خفيفة أو وافية، دليلنا اجماع الفرقة بل اجماع الأمة، و قول المغربي لا يعتد به و مع ذلك فقد انقرض و انعقد الاجماع على خلافه».

و في الشرائع: «و الدرهم ستة دوانيق و الدانق ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير يكون مقدار العشرة سبعة مثاقيل».

و في المعتبر: «و المعتبر كون الدرهم ستة دوانيق بحيث يكون كل عشرة منها سبعة مثاقيل و هو الوزن المعدّل فانه يقال: ان السود كانت ثمانية دوانيق و الطبرية أربعة دوانيق فجمعا و جعلا درهمين و ذلك موافق لسنة النبي «ص» و لا عبرة بالعدد. و قال المغربي: يعتبر العدد لكن الاجماع على خلافه فلا عبرة بقوله».

و في القواعد: «و الدرهم ستة دوانيق و الدانق ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير و المثاقيل لم تختلف في جاهلية و لا اسلام اما الدراهم فانها مختلفة الأوزان و استقر الأمر في الإسلام على ان وزن الدرهم ستة دوانيق كل عشرة منها سبعة مثاقيل من ذهب».

و في المنتهى: «الاعتبار في بلوغ النصاب بالميزان لا بالعدد و هو قول العلماء. و حكي عن أهل الظاهر اعتبار العدد و هو خطأ لمخالفة الاجماع و لما رواه أبو سعيد عن النبي «ص» انه قال: ليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة. و الأوقية أربعون درهما لما روت عائشة قالت: كان صداق ازواج النبي «ص» اثنى عشر أوقية و نشّا. أ تدرون ما النشّ؟ هو نصف أوقية عشرون درهما ...».

و فيه أيضا: «الدراهم في بدو الإسلام كانت على صنفين: بغلية و هي السود، و طبرية.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 1، ص: 292

..........

______________________________

و كانت السود كل درهم منها ثمانية دوانيق، و الطبرية أربعة دوانيق فجمعا في الإسلام و جعلا درهمين متساويين و وزن كل درهم ستة دوانيق فصار وزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل بمثقال الذهب و كل درهم نصف مثقال و خمسه و هو الدرهم الذي قدّر به النبي «ص» المقادير الشرعية في نصاب الزكاة و القطع و مقدار الديات و الجزية». و نحوه في المدارك عن التحرير.

و في الوسائل عن الذكرى: «المعتبر في الدنانير المثقال و هو لم يختلف في الإسلام و لا قبله، و في الدرهم ما استقر عليه في زمن بني أمية باشارة زين العابدين- عليه السلام- بضمّ الدرهم البغلي الى الطبري و قسمتها نصفين فصارت الدرهم ستة دوانيق كل عشرة سبعة مثاقيل و لا عبرة بالعدد في ذلك».

و لم أجده في الذكرى و لكن في البيان مثل ذلك.

و في المغني لا بن قدامة: «و الدراهم التي يعتبر بها النصاب هي الدراهم التي كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل بمثقال الذهب و كل درهم نصف مثقال و خمسه و هي الدراهم الاسلامية التي تقدر بها نصب الزكاة و مقدار الجزية و الديات و نصاب القطع في السرقة و غير ذلك. و كانت الدراهم في صدر الإسلام صنفين: سودا و طبرية. و كانت السود ثمانية دوانيق، و الطبرية أربعة دوانيق فجمعا في الإسلام و جعلا درهمين متساويين في كل درهم ستة دوانيق فعل ذلك بنو أمية فاجتمعت فيها ثلاثة أوجه: أحدها ان كل عشرة وزن سبعة، و الثاني انه عدّل بين الصغير و الكبير، و الثالث انه موافق لسنّة رسول اللّه «ص» و درهمه الذي قدر به المقادير الشرعية».

و في المستند:

«ثم الدرهم كما به صرحوا جميعا أيضا ستة دوانيق و الدانق ثمانية حبات من أوسط حب الشعير. و يدل عليه بعد الاتفاق المحقق و المحكى مستفيضا اصالة الاستعمال بضميمة اصالة عدم النقل، و يوافق أيضا ما اعتبرناه من تطابق الدينار بالحبّات فان مقتضاه كون الدراهم ثمانية و اربعين حبة تقريبا كما صرحوا به ...، و يعلم ان كل درهم نصف مثقال صيرفي و ربع عشره. و اما ما في بعض الأخبار الضعيفة مما يدل على ان الدرهم ستة دوانيق و الدانق اثني عشر حبة فهو مخالف لتصريح الجميع بل الاعتبار الصحيح فهو بالشذوذ مردود».

و يريد بالخبر، خبر سليمان بن حفص الآتي.

و في المدارك: «لا خفاء في ان الواجب حمل الدرهم الواقع في النصوص الواردة عن أئمة الهدى- صلوات اللّه عليهم- على ما هو المتعارف في زمانهم «ع»، و قد نقل الخاصة و العامة ان قدر الدرهم في ذلك الزمان ستة دوانيق، و نصّ عليه جماعة من أهل اللغة. و اما ان وزن الدانق ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير فمقطوع به في كلام الأصحاب و الظاهر ان اخبارهم كاف في ذلك».

و في مفتاح الكرامة في شرح عبارة القواعد السابقة: «اما كون الدرهم ستة دوانيق فقد صرح به في المقنعة و النهاية و المبسوط و الخلاف و ما تأخر عنها، بل ظاهر الخلاف ان عليه اجماع الأمة،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 293

..........

______________________________

و ظاهر المنتهى في الفطرة الاجماع عليه، و في المدارك انه نقله الخاصة و العامة و نص عليه جماعة من أهل اللغة، و في المفاتيح انه وفاقي عند الخاصة و العامة، و في الرياض انه لم يجد فيه خلافا بين الأصحاب و انه عزاه

جماعة منهم الى الخاصة و العامة و علمائهم مؤذنون بكونه مجمعا عليه عندهم.

و اما كون وزن الدانق ثماني حبات من أوسط حب الشعير فقد صرح به المفيد و جمهور من تأخر عنه، و في المفاتيح انه لا خلاف فيه هنا، و قال العلامة المجلسي على ما حكي عنه في رسالته في تحقيق الأوزان انه متفق عليه بينهم و انه صرح به علماء الفريقين، و مثله صاحب الحدائق، و في المدارك قطع به الأصحاب، و في المنتهى نسبته الى علمائنا. و اما كون كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل فظاهر الخلاف اجماع الأمة عليه، و في رسالة المجلسي انه مما لا شك فيه و مما اتفقت عليه العامة و الخاصة، و قال أيضا ان مما لا شك فيه ان المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي فالصيرفي مثقال و ثلث من الشرعي».

و قد نقلنا كثيرا من عبارات الأصحاب بطولها و عبارة المغني لا بن قدامة من علماء الحنابلة لتكون نموذجا لباقي كلماتهم.

و يظهر لك اتفاقهم على اعتبار الوزن في نصاب الفضة لا العدد، و على كون المراد بالدرهم الدرهم المساوي لستة دوانيق المعدّل من البغلي المساوي لثمانية و الطبري المساوي لأربعة، و كان هذا التعديل في زمن عبد الملك بن مروان و صار هذا موضوعا للأحكام الشرعية الموضوعة على الدراهم في الأبواب المختلفة.

أقول: أولا ان الاجماع قائم على كون المراد بالدرهم في الدم المعفو عنه الدرهم البغلي المساوي لثمانية فراجع كلماتهم في ذلك الباب.

و ثانيا ان الدرهم المضروب في زمن عبد الملك صار متداولا في عصر الصادقين- عليهما السلام- فاليه كان ينسبق أذهان السامعين لكلماتهما و عليه تحمل الاخبار الصادرة عنهما في الباب لا محالة.

و لكن كيف يحمل عليه

الاخبار الصادرة عن النبي «ص»؟ مثل ما رواه أهل السنة بطرقهم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي «ص» انه قال: ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب و لا في أقل من مأتي درهم صدقة «1».

و عن معاذ عنه «ص» انه قال «اذا بلغ الورق مأتين ففيه خمسة دراهم ثم لا شي ء فيه حتى يبلغ الى أربعين درهما» «2»

______________________________

(1)- المغني ج 2 ص 599.

(2)- المغني ج 2 ص 601.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 294

..........

______________________________

ثم كيف قدّر النبي «ص» بهذا الدرهم المضروب في زمن عبد الملك المقادير الشرعية في الأبواب المختلفة كما يظهر من المنتهى و المغني فراجع ما نقلناه عنهما فهذا أمر مشكل جدّا.

و لكن في نهاية ابن الأثير في لغة «كيل»: «و درهم أهل مكة ستة دوانيق و دراهم الإسلام المعدّلة كل عشرة سبعة مثاقيل و كان أهل المدينة يتعاملون بالدراهم عند مقدم رسول اللّه «ص» بالعدد فأرشدهم الى وزن مكة».

و في رسالة المرحوم الحاج حبيب اللّه الكاشاني- طاب ثراه- في الأوزان انه قيل: «ان الدرهم عند أهل مكة كان ستة دوانيق و ان النبي «ص» بعد ما هاجر الى المدينة أرشد أهل المدينة اليه».

هذا و لكن الأمر للشيعة العالمين باخبار الصادقين و غيرهما من العترة سهل و إنما يشكل للعامة الآخذين بالاخبار النبوية فقط.

و ثالثا هنا روايتان ربما يظهر منهما خلاف ما ذكره علماء الفريقين في المقام.

فالأولى: مرسلة سليمان بن حفص المروزي قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر «ع»: ...

و الدرهم وزن ستة دوانيق و الدانق وزن ستة حبات و الحبة وزن حبتي الشعير من أوسط الحب لا من صغاره و لا من كباره «1».

فيظهر منه

ان الدانق اثنا عشر حبة من الشعير. و قد رمى الحديث في المستند و غيره بالشذوذ مضافا الى ارساله. و حمله على اختلاف أوساط الشعير في البلاد مشكل. هذا.

و لكن في الحدائق بعد نقل اتفاق الأصحاب على كون الدانق ثماني حبات من أوساط الشعير قال: «الا انا قد اعتبرنا ذلك بالشعير الموجود في زماننا لأجل استعلام كمية صاع الفطرة بصنج البحرين فوجدنا في ذلك نقصانا فاحشا عن الاعتبار بالمثاقيل الشرعية و هي الدنانير و الظاهر ان حبات الشعير المتعارفة سابقا كانت أعظم حجما و أثقل وزنا من الموجود في زماننا».

أقول: لا يخفى معارضة اعتبار صاحب الحدائق لما اعتبره صاحب المستند، فلعل أوساط الشعير تختلف بحسب البلدان كثيرا.

الثانية: ما رواه في الكافي و العلل، ففي الكافي بسنده عن حبيب الخثعمي قال: كتب أبو جعفر المنصور الى محمد بن خالد و كان عامله على المدينة أن يسأل أهل المدينة عن الخمسة في الزكاة من المائتين كيف صارت سبعة و لم يكن هذا على عهد رسول اللّه «ص» و أمره أن يسأل في من يسأل عبد اللّه بن الحسن و جعفر بن محمد «ع» قال فسأل أهل المدينة فقالوا أدركنا من كان قبلنا على هذا فبعث الى عبد اللّه بن الحسن و جعفر بن محمد فسأل عبد اللّه بن الحسن فقال كما قال المستفتون

______________________________

(1)- الوسائل ج 1 الباب 50 من أبواب الوضوء، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 295

..........

______________________________

من أهل المدينة قال: فقال ما تقول با أبا عبد اللّه «ع» فقال: ان رسول اللّه «ص» جعل في كل أربعين أوقية أوقية فاذا حسبت ذلك كان على وزن سبعة و قد كانت وزن ستة و كانت الدراهم

خمسة دوانيق. قال حبيب فحسبناه فوجدناه كما قال فأقبل عليه عبد اللّه بن الحسن فقال: من أين أخذت هذا؟ قال: قرأت في كتاب أمّك فاطمة ... «1».

و ظاهر هذا الحديث كما في حاشية الكافي المطبوع قديما ناسبه إياه الى المجلسي ان زكاة الدراهم في عصر النبي «ص» كانت خمسة دراهم و قبل زمان المنصور بقليل و في زمانه كانت سبعة فأشكل عليه ذلك، و ملخص جواب الامام- عليه السلام- ان مقدار ما فيه الزكاة أعني خمسة أواقي من الفضة كانت في عصر النبي بصورة مأتين درهما، فربع عشرها كان خمسة دراهم و قد صار هذا المقدار في عصر المنصور مأتين و ثمانين درهما، فربع عشرها سبعة دراهم. و بينهما أيضا تحولت بمائتين و أربعين و كان ربع عشرها ستة دراهم. هذا.

و لكن في الوسائل عن بعض عكس ما هو ظاهر الحديث، فقال: «ذكر بعض المحققين انه كان في زمان المنصور وزن المائتين موافقة لوزن مأتين و ثمانين في زمان الرسول «ص» فيكون المخرج منها خمسة على وزن سبعة و قبل زمان المنصور كان وزن المائتين موافقا لوزن مأتين و أربعين فيكون المخرج خمسة على وزن ستة و المخرج هو ربع العشر فلا تفاوت و النصاب يعبر بما كان في زمانه». و لا يخفى اغلاق ما نقله فتدبر.

و ينبغي التنبيه على أمرين: الأول: مرّ عن المنتهى رواية أبي سعيد عن النبي «ص» انه قال:

«ليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة».

و في نهاية ابن الأثير أيضا: «فيه لا صدقة في أقل من خمس أواق».

فالنصاب الأول خمس أواق، و على هذا يجب أن يحمل قول الصادق «ع» في الحديث الذي مرّ آنفا: «ان رسول اللّه «ص» جعل

في كل أربعين أوقية اوقية» على عدم كونه في مقام بيان النصاب الأول بل في مقام بيان أن الفريضة في الورق هي ربع العشر، فمن كان له أربعون أوقية فزكاتها أوقية.

و لكن ترى في بعض الكتب توهم كون الحديث بصدد بيان النصاب الأول فتوهم ان الأوقية عبارة عن خمسة دراهم.

ثم اعلم انه قال في النهاية: «كانت الاوقية عبارة عن أربعين درهما و هي في غير الحديث نصف سدس الرطل».

و لا يخفى ان الرطل كما ذكروه في باب الكر عراقي و مدني، فالعراقي مأئة و ثلاثون درهما،

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 296

..........

______________________________

و المدني مأئة و خمسة و تسعون درهما، فنصف السدس من الرطل على الأول يقرب من أحد عشر، و على الثاني من ستة عشر درهما. فلعل مقدار الأوقية تغير بحسب الأزمنة و الأمكنة فتدبر.

[المقادير مبنية على التحقيق]

التنبيه الثاني: هل المقدار في نصاب النقدين مبني على التحقيق بحيث لا زكاة في الناقص و لو يسيرا كنصف الحبة مثلا أو على التقريب فتجب الزكاة في الناقص يسيرا؟ ثم على الأول فلو كان بقدر النصاب بحسب بعض الموازين دون بعض فهل تجب الزكاة أم لا؟

فهنا مسألتان: و المسألة الأولى، لا خلاف فيها بيننا، اذ المقادير عندنا مبنية على التحقيق دون التقريب المسامحي خلافا لبعض العامة.

و اما المسألة الثانية، فهي مبحوث عنها عندنا أيضا.

قال في الخلاف (المسألة 87): «اذا نقص من المأتي درهم حبة او حبتان في جميع الموازين او بعض الموازين فلا زكاة فيه و به قال أبو حنيفة و الشافعي، و قال مالك: ان نقص الحبة و الحبتان في جميع الموازين ففيها الزكاة. هذا هو

المعروف من مذهب مالك. و قال الابهري: ليس هذا مذهب مالك و إنما مذهبه انها ان نقصت في بعض الموازين و هي كاملة في بعضها ففيها الزكاة، دليلنا انه لا خلاف ان في المائتين زكاة و اذا نقص فليس على وجوب الزكاة فيها دليل فوجب نفيه ...». فالشيخ أشار الى المسألتين في هذه المسألة.

و في المعتبر: «لو تساوت الموازين في نقصان النصاب بالحبة لم تجب الزكاة و لو اختلفت بما جرت به العادة وجبت و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد، و قال مالك: تجب الزكاة و ان تساوت الموازين بنقصان الحبة و الحبتين، لنا قوله «ص»: ليس عليك في الذهب شي ء حتى تبلغ عشرين مثقالا».

و في المنتهى: «لو اختلفت الموازين فنقص النصاب في بعضها دون بعض بما جرت العادة به وجبت الزكاة اما لو تساوت الموازين في النقيصة لم تجب لما تقدم».

و في المسالك: «لا فرق بين الكثير و القليل حتى الحبة اذا نقصت في جميع الموازين اما لو نقص في بعضها و كمل في بعض وجب لاغتفار ذلك في المعاملة».

و في البيان في باب الغلّات: «و لو اختلفت الموازين فبلغ في بعضها و تعذر التحقيق فالأقرب الوجوب».

و بالجملة فأصحابنا لا يختلفون في المسألة الأولى بل قالوا بعدم الوجوب لابتناء الأوزان و المقادير على التحقيق و فاقا لأكثر العامة، و المخالف في ذلك مالك على ما نسب اليه، و عن أحمد فيها روايتان.

و اما في المسألة الثانية فاختلف أصحابنا أيضا، فالشيخ في صورة اختلاف الموازين قال بعدم الوجوب خلافا للمعتبر و المنتهى و المسالك و البيان و المستند و الجواهر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 297

[موضوعات الأحكام تؤخذ من العرف بدقته العرفية لا بمسامحته]

______________________________

فلنعقد هنا مسألتين: المسألة الأولى: موضوعات

الأحكام و ان كانت تؤخذ من العرف لا من العقل الدقي و لكنها تؤخذ من العرف بدقته العرفية لا بمسامحته. فالنجاسة كالدم و غيره لو أزيلت و بقيت رائحتها او لونها فالعقل و ان كان يحكم ببقاء الموضوع لاستحالة انتقال العرض و لكن العرف بدقته العرفية يحكم بارتفاع العين و هو المحكّم، و لكن المقدار كالنصاب و الكر و الصاع و نحوها لو نقص منه شي ء يسير فالعرف و ان كان ربما يحكم ببقاء المقدار و لكنه بنحو المسامحة لا الدقة بحيث ان العرف بنفسه أيضا يتوجه الى كونه تجوزا و مسامحة و مثله لا يكون موضوعا للحكم بلا اشكال.

هذا و لكن قال في مصباح الفقيه ما حاصله: «ان المسامحة العرفية قد تكون في الصدق كإطلاق المثقال او الرطل او المن او غير ذلك من أسماء المقادير على ما نقص عنه بمقدار غير معتد به مسامحة فهذا مما لا اعتداد به في التقديرات الشرعية، و قد تكون في المصداق كإطلاق الذهب على الذهب الردي ء غير الخالص، و اطلاق الحنطة على الحنطة غير النقية عن الاجزاء الارضيّة و شبهها المستهلكة فيها، و كذا اطلاق التراب في التيمم على المشتمل على مثل الشعرة و بعض اجزاء الحشيش الذي قلما ينفك أكثر الأراضي عنه. و هذا النحو من المسامحة موجب لاندراج الموضوعات تحت مسمياتها عرفا فيكون اطلاق العرف أساميها عليها اطلاقا حقيقيا فيترتب عليها أحكامها.

و توهم الفرق بين التراب و الحنطة و نحوها بدعوى غلبة اختلاف الحنطة و نحوها بغير الجنس فلا يتبادر من الاطلاقات الّا الأفراد المتعارفة بخلاف التراب مدفوع أولا بأن اختلاف التراب بغير جنسه أغلب، و ثانيا ان المدار على اطلاق الاسم و عدم انصرافه

عنه لا كونه فردا غالبيا».

أقول: الحق ان الخليط ان كان مستهلكا بحيث يراه العرف معدوما كالمواد المعدنية المستهلكة في الماء او التراب فلا حكم له لما عرفت من أخذ الموضوع من العرف لا من العقل.

و اما في غير هذه الصورة فان غلب الخلط بحيث تنصرف الاطلاقات الشرعية الى ما له خلط لكونه الفرد الموجود المتعارف بين الناس كمثال الذهب مثلا فان قوله: «في عشرين دينارا نصف دينار» ينصرف الى الدنانير الرائجة بين الناس و هي لا تخلو من خليط حيث ان الذهب الخالص لا ينطبع ما لم يدخله شي ء من النحاس، ففي هذه الصورة أيضا يكون موضوع الحكم هذه الأفراد المتعارفة، و قد أشار اليه في المصباح بلفظ التوهم مع انه أمر متين اذ الانصراف كالقرينة المتصلة المبينة لموضوع الحكم. و لعل من هذا القبيل أيضا مثال الحنطة في الزكاة فان الحنطة التي توجد في أيدي الناس و تقع موردا لمعاملاتهم هي الحنطة التي يوجد فيها خليط يسير من المدر و التبن و نحوهما و ليس الخليط مستهلكا بحيث لا يراه العرف و لذا يغربلون الحنطة و يخلّصونها اذا أرادوا طحنها لأنفسهم و لكن الموضوع لمعاملاتهم و معاشراتهم ما له خليط، فالمأمور دفعها في الزكاة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 298

..........

______________________________

هو ما في أيديهم و عليها معاملاتهم. لا أقول بكفاية صرف الغلبة بل يجب أن تكون غلبة الخلط بنحو يكون ذو الخلط فردا متعارفا و اليه ينصرف اطلاق كلام الشارع.

و اما اختلاط التراب بمثل التبن و نحوه فالظاهر عدم كونه من هذا القبيل.

و بالجملة اللازم أن يكون الخليط مستهلكا بحيث لا يراه العرف و يراه معدوما أو يكون اطلاق كلام الشارع منصرفا الى ما

له خلط و الّا فيضر الخلط.

و اما قوله: «هذا النحو من المسامحة موجب لاندراج الموضوعات تحت مسمياتها عرفا فيكون اطلاق العرف أساميها عليها اطلاقا حقيقيا».

ففيه ان في هذا الكلام نحو تهافت، اذ مع فرض المسامحة يكون الاطلاق بنحو من المسامحة و التجوز فكيف يكون اطلاقا حقيقيا فتدبر. هذا ما يرتبط بالمسألة الأولى.

المسألة الثانية: بعد ما اتفق أصحابنا و أكثر أهل الخلاف على كون التقديرات الشرعية مبنية على التحقيق لا التقريب فاذا فرض اختلاف الموازين فما هو التكليف؟ و المسألة خلافية فينا أيضا.

فالشيخ في الخلاف قال بعدم الوجوب، و حكم آخرون و منهم صاحب الجواهر بالوجوب.

قال في الجواهر ما حاصله: «لاغتفار ذلك في المعاملة فكذا هنا، و لصدق بلوغ النصاب بذلك ضرورة عدم اعتبار البلوغ بالجميع لعدم امكان تحققه فلا اشكال في الاجتزاء بالبلوغ في البعض مع عدم العلم بخلاف الباقي و ليس الّا لحصول الصدق بذلك، و هذا الملاك يوجد في صورة العلم بخلاف الباقي أيضا. و دعوى الفرق بصحة السلب أيضا في هذه الصورة دون الأول يدفعها منع صحة السلب بنحو الاطلاق بل مقيدا بخلاف الاثبات اذ يكفي فيه فرد ما. و تحقيق ذلك ان التقدير ينصرف الى الأفراد المتوسطة و المدار الصدق العرفي و هو متحقق في أقل أفراد الوسط.

و يمكن تأييده بعد الاحتياط باطلاق ما دلّ على ثبوت الزكاة في الذهب، خرج منه الناقص عن العشرين في جميع الموازين و يبقى ما عداه».

أقول: ما ذكره مبني على كون الموضوع الموازين و الصنوج المتعارفة فتحمل على أفرادها المتوسطة مع بداهة بطلان ذلك.

و الحق ما ذكره في مصباح الفقيه و حاصله بتوضيح منا: ان أسماء المقادير و الأوزان أسام لأصول مضبوطة محدودة في الواقع

بحدود غير قابلة للزيادة و النقيصة، فالذراع مثلا أصله ذراع خاص عيّنه المأمون مثلا لتقدير المساحة محفوظ في محل خاص، و المتر أصله محفوظ في خزانة باريس، و كذا الصنوج المتعارفة لكل منها أصل غير قابل للزيادة و النقيصة، و المقادير و الأوزان الموجودة في البلاد و في أيدي الناس امارات لتلك المقادير و الأوزان الواقعية يعتمد عليها من باب أصالة الصحة و السلامة ما لم يعلم نقصها، فلو اختلفت الموازين التي في أيدي الناس و تعارضت

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 299

[الشرط الثاني: ان يكونا مسكوكين]

[سكّة المعاملة]

الثاني: ان يكونا مسكوكين بسكّة المعاملة (1)،

______________________________

سقطت عن الاعتبار، و مع الشك في بلوغ النصاب الأصل يقتضي البراءة كما اختاره الشيخ.

و قول صاحب الجواهر تبعا للمسالك: «لاغتفار ذلك في المعاملة» ففيه ان الاغتفار مبني على المسامحة، و لذا يتسامحون لدى اختلاف الموازين في غير النقدين بما لا يتسامحون فيهما، و يتسامحون في الفضة بما لا يتسامحون في الذهب. و قوله: «و لصدق بلوغ النصاب بذلك» ففيه ان موضوع الحكم كونه بحد ذاته بالغا حد النصاب سواء وجد في العالم ميزان أم لا و لا موضوعية للموازين المتعارفة حتى يكتفى بصدقها بل هي امارات و طرق و لا حجية لها مع التعارض بل تصير الأصول حينئذ مرجعا حتى عند العرف و العقلاء فتدبر.

(1) بلا خلاف فيه عندنا بل في الانتصار و الغنية و المدارك الاجماع عليه.

قال في الانتصار: «و مما انفردت به الامامية نفي الزكاة عن الذهب و الفضة على اختلاف أحوالهما الّا أن يكون درهما او دينارا مضروبا او منقوشا. و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك و يوجبون الزكاة في جميع الأموال الّا الشافعي فانه لا يوجب الزكاة في الحلي و

الحلل المباح على أظهر قوليه، دليلنا على ما ذهبنا اليه بعد اجماع الطائفة ما قدمنا ذكره أيضا من أن الأصل براءة الذمة».

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 299

و في الخلاف (المسألة 89): «لا زكاة في سبائك الذهب و الفضة، و متى اجتمع معه دراهم او دنانير و معه سبائك او نقار اخرج الزكاة من الدراهم و الدنانير اذا بلغا النصاب و لم يضم السبائك و النقار اليهما. و قال جميع الفقهاء يضم بعضها الى بعض. و عندنا ان ذلك يلزمه اذا قصد به الفرار من الزكاة، دليلنا الاخبار ...».

و في الشرائع: «و من شرط وجوب الزكاة فيهما كونهما مضروبين دنانير و دراهم منقوشين بسكة المعاملة او ما كان يتعامل بهما».

و لا يخفى ان قولهم «دنانير و دراهم» و ان كان ظاهره الخصوصية و لكن الظاهر عدم الخصوصية لهما، بل الملاك سكة المعاملة على الذهب و الفضة و ان سمّيا بأسماء أخر كالليرة و الدولار و الأشرفي و نحوها.

و بالجملة فالذهب و الفضة على اختلاف حالاتهما من السبائك و الحلي و الظروف و المسكوك و الذرات المخلوطة بالتراب عند أهل السنة متعلقتان للزكاة الّا في الحلي المباح عند بعضهم. و اما عندنا فلا تجب الزكاة الّا في المسكوك منهما بسكة المعاملة، و بها سميتا نقدين، و بهما كانت تقدر مالية الأشياء.

و يدل على ما ذكرناه مضافا الى الاجماع الاخبار المستفيضة:

منها صحيحة علي بن يقطين، عن أبي ابراهيم «ع» قال: قلت له: انه يجتمع عندي الشي ء

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 300

..........

______________________________

(الكثير قيمته) فيبقى نحوا من سنة

أ نزكّيه؟ فقال: لا، كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة، و كل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء. قال: قلت: و ما الركاز؟ قال: الصامت المنقوش. ثم قال: اذا أردت ذلك فاسبكه فانه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضة شي ء من الزكاة «1».

و الظاهر ان المراد بالركاز ما كان يركز معمولا و يجعل بصورة الكنز للاقتناء أعني النقود المتعارفة نظير قوله- عليه السلام- في موثقة زرارة و بكير: «الّا ان يصير مالا يباع بذهب أو فضة تكنزه» «2».

فالمراد بالمنقوش أيضا المنقوش للمعاملة لا مطلق المنقوش و الّا لشمل كثيرا من الحلي و السبائك فالصامت المنقوش في الصحيحة عبارة أخرى عن الدنانير و الدراهم المذكورتين في أكثر اخبار الباب. و حيث ان وضعهما للمعاملات و التوليدات فحبسهما سنة كأنه أمر مرغوب عنه و كأن الزكاة وضعت عليهما حينئذ غرامة، ليتجنب الناس عن حبسهما.

و منها صحيحته الأخرى قال: سألت أبا الحسن «ع» عن المال الذي لا يعمل به و لا يقلب، قال: تلزمه الزكاة في كل سنة الّا ان يسبك «3».

و فيها اشارة الى ما لوّحنا اليه من أن وضع النقدين للقلب و العمل و الزكاة جزاء من حبسهما عن ذلك.

و منها مرسلة جميل، عن بعض أصحابنا انه قال: ليس في التبر زكاة إنما هي على الدنانير و الدراهم «4».

و هل يرجع الضمير الى البعض او الامام المعصوم؟ كلاهما محتمل.

و مثله خبر جميل، عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن- عليهما السلام- «5».

و من المحتمل اتحاد الخبرين و سقوط لفظ «بعض أصحابنا» عن الثاني فيصير أيضا مرسلا، مضافا الى مجهولية جعفر بن محمد بن حكيم في سنده و ان قوّى

المامقاني كونه اماميا ممدوحا.

و مقابلة الدينار و الدرهم بالتبر لعله يظهر منه ان الموضوع مطلق المسكوك في مقابل غيره فلا خصوصية لعنوان الدينار و الدرهم فيشمل مثل الدولار و الأشرفي و غيرهما من مسكوكات

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 4.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 301

[سكة الإسلام أو الكفر]

سواء كان بسكة الإسلام أو الكفر بكتابة أو غيرها (1) بقيت سكتها أو صارا ممسوحين بالعارض (2).

______________________________

النقدين.

و منها صحيحة زرارة و بكير، عن أبي جعفر «ع» قال: ليس في نقر الفضة زكاة «1». الى غير ذلك من الأحاديث الدالة على عدم الزكاة في الحلي و السبائك فراجع «2».

(1) لا طلاق الأدلة و عدم ظهور الخلاف في ذلك، مضافا الى ورود النص بالزكاة فيهما في لسان النبي «ص» و الأئمة الطاهرين، و المتداول في عصر النبي «ص» كانت النقود الرومية و الكسروية، و في عصر الأئمة «ع» النقود التي ضربها عبد الملك فيشمل الحكم لسكة الإسلام و الكفر.

هذا و في كشف الغطاء: «الشرط الثاني ان يكون مسكوكا بسكة المعاملة قديمة او جديدة، اسلامية او غيرها، باق أثرها مع بقاء المعاملة فيها او لا، صافية او مغشوشة، ألغيت سكته أولا، عمت الأماكن أولا، اتخذت للمعاملة او لزينة الحيوانات او النساء او لغير ذلك». و سيظهر لك وجه التعميم فيما ذكره.

(2) اما

مع مسح بعض النقش فلا اشكال، لغلبة ذلك في النقود الرائجة و عدم اضراره بصدق الدينار و الدرهم. و اما مع مسح الجميع فان بقيت المعاملة معه فكذلك على الأقوى و لا سيما مع صدق الدينار و الدرهم لما عرفت من عدم الخصوصية لعنوان الدينار و الدرهم بل الملاك كونه نقدا رائجا و واسطة في المعاملات، و لذا قطعنا بوجوب الزكاة في الدولار و الأشرفي و نحو هما.

و قد أشير الى ذلك في خبر علي بن يقطين الوارد في نفي الزكاة فيما سبك حيث قال: «ألا ترى ان المنفعة قد ذهبت منه فلذلك لا يجب عليه الزكاة». اذ يفهم منه ان موضوع الزكاة ما يترتب عليه منفعة التوليد و المعاملة.

لا يقال: هذا ينافي جعل الموضوع للزكاة في صحيحة علي بن يقطين «الصامت المنقوش».

فانه يقال: القيد محمول على الغالب او يكون عنوانا مشيرا الى المنقوشات الخارجية.

هذا و لكن في الروضة «فلا زكاة في السبائك و الممسوح و ان تعومل به».

اللهم الّا أن يحمل على الممسوح بالاصالة و ان كان خلاف ظاهر لفظ المسح.

و اما مع عدم بقاء المعاملة بالممسوح بالعرض فيشكل الوجوب فيه اذ المنفعة قد ذهبت منه كما

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 و 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 302

[اذا كانا ممسوحين بالأصالة]

و اما اذا كانا ممسوحين بالأصالة فلا تجب فيهما (1) الّا اذا تعومل بهما فتجب على الأحوط (2)، كما ان الأحوط ذلك أيضا اذا ضربت للمعاملة و لم يتعامل بهما أو تعومل بهما لكنه لم يصل رواجهما الى حد يكون دراهم او دنانير (3).

______________________________

في

الخبر. و استصحاب الوجوب تعليقي لتعليقه على الملكية و النصاب و الحول كما لا يخفى و في حجية الاستصحاب التعليقي كلام.

اللهم الّا ان يتمسك للوجوب فيه باطلاق الزكاة في الذهب و الفضة، و الخارج منه باليقين غير المقام.

(1) المراد بذلك ما لم ينقش عليه أصلا و ان كان التعبير بالمسح حينئذ خلاف الظاهر. و عدم الوجوب لما مرّ من كون الموضوع للوجوب الصامت المنقوش و الدنانير و الدراهم و عدم الوجوب في التبر و السبائك.

(2) اذ مضافا الى صدق الدينار و الدرهم قد عرفت ان الظاهر من الاخبار كون الموضوع النقد الرائج منهما، و قد استفدنا ذلك من خبر علي بن يقطين.

هذا مضافا الى اطلاق الزكاة في الذهب و الفضة و الخارج منه باليقين غير المقام، و المنقوش في الصحيحة محمول على الغالب فلا يقيد به.

هذا و لكن في المدارك: «و لو جرت المعاملة بالسبائك بغير نقش فقد قطع الأصحاب بأنه لا زكاة فيها و هو حسن». و نحوه عن الذخيرة. فان كان اجماعا و الّا فممنوع.

و في كشف الغطاء: «و لو فرض وقوع المعاملة بغير المسكوك فلا شي ء فيه و الأحوط إلحاقه بالمسكوك حينئذ». و لا يترك الاحتياط لما مرّ.

(3) لعله لصدق الصامت المنقوش، و لا طلاق الزكاة في الذهب و الفضة كما مرّ.

هذا و لو هجرت المعاملة بهما بعد الرواج فيظهر من الشرائع الوجوب حيث قال: «او ما كان يتعامل بهما».

و في الجواهر: «يكفي حصول المعاملة بها سابقا و ان هجرت بعد ذلك كما صرّح به جماعة منهم المصنف، بل لم أر فيه خلافا كما اعترف به في محكي الرياض للاستصحاب و الاطلاق و غير هما».

أقول: الاستصحاب تعليقي كما مرّ، و مراده بالاطلاق

اما اطلاق الدنانير و الدراهم او اطلاق الزكاة في الذهب و الفضة، و الأول يمكن ادعاء انصرافه الى صورة التعامل بهما، فيبقى الاطلاق الثاني و عدم الخلاف المحكي. و مقتضى قوله «ع» في خبر علي بن يقطين: «ألا ترى ان المنفعة قد ذهبت منه، فلذلك لا تجب عليه الزكاة» عدم الوجوب هنا أيضا و لكن الاحتياط حسن على كل حال.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 303

[لو اتخذ الدراهم او الدينار للزينة]

و لو اتخذ الدراهم او الدينار للزينة فان خرج عن رواج المعاملة (1) لم تجب فيه الزكاة و الّا وجبت (2).

______________________________

(1) بتغيير فيه بالزيادة او النقيصة لا بصرف هجر المعاملة بها.

ثم انه يشكل الفرق بين هذه الصورة و بين صورة هجر المعاملة بها، و قد مرّ آنفا التزامهم بالوجوب فيها. و مجرد كون عدم المعاملة مستندا الى تغيير الصورة لا يوجب الفرق ما دام يصدق الدينار و الدرهم.

اللهم الّا أن يكون التغيير بحيث يمنع عن الصدق فلا تجب حينئذ.

(2) في الروضة: «و لو اتخذ المضروب بالسكة آلة للزينة و غيرها لم يتغير الحكم و ان زاده او نقصه ما دامت المعاملة به على وجهه ممكنة».

و الظاهر منها ارادة الزيادة او النقيصة في نفس العين بثقبها او ايجاد العلاقة لها لا صرف الزيادة و النقيصة في القيمة.

و لكن في الجواهر: «و لو اتخذ المضروب بالسكة للزينة كالحلي و غيرها ففي الروضة و شرحها للأصبهاني لم يتغير الحكم، زاده الاتخاذ او نقصه في القيمة ما دامت المعاملة به على وجهه ممكنة لا طلاق الأدلة و الاستصحاب الذي به يرجح الاطلاق المزبور على ما دلّ على نفيها عن الحلّي و ان كان التعارض بينهما من وجه بل يحكم عليه لأن الخاص و

ان كان استصحابا يحكم على العام و ان كان كتابا».

أقول: الاستصحاب هنا مضافا الى كونه تعليقيا و حجيته محل اشكال لا يصلح لترجيح أحد الاطلاقين او الحكومة على الآخر، اذ لا مجال للأصل مع الدليل. اللهم الّا أن يراد صيرورته مرجعا بعد تساقط الدليلين في مورد التعارض.

هذا و في مصباح الفقيه بعد نقل ما في الجواهر قال ما حاصله بتوضيح منّا: «و فيه نظر، اذ لا مقتضي لتحكيم اطلاق وجوب الزكاة في النقدين على عموم ما دلّ على نفيها عن الحلي بل العكس أولى خصوصا بالنسبة الى بعض الروايات النافية فيه المشتملة على التعليل المشعر باختصاص شرع الزكاة بالمال الذي من شأنه الصرف في النفقة و الصدقة و نحوها لا مثل الحلي الذي وضع للبقاء، كما في خبر يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الحلي أ يزكّى؟

فقال اذا لا يبقى منه شي ء. و نحوه خبر علي بن جعفر «1». الى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي لها قوة ظهور في العموم مع اشعار جملة منها بأن لعنوان كونه حليّا مدخلية في وضع الزكاة عنه و ان زكاته اعارته، فكأن عنوان الذهب او الفضة مقتض للزكاة و عنوان الحلي مانع و في تعارض

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1 و 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 304

..........

______________________________

المقتضي و المانع يقدم ظهور المانع.

و ملخص الكلام ان الروايات الواردة في عدم الزكاة في الحلي في غاية الظهور و قوة الدلالة على شمولها لمثل القلادة المعلق بها الدنانير و شبهها، و لا يصلح لمعارضتها شي ء من العمومات. اما العمومات الدالة على ثبوت الزكاة في مطلق الذهب و

الفضة فهذه الروايات أخص مطلقا منها، و اما ما دلّ على ثبوتها في الدينار و الدرهم فيمكن المناقشة في دلالتها على العموم الأحوالي بحيث تتناول الدرهم و الدينار المجعولين حليّا لا مكان الخدشة في اطلاقها من هذه الجهة. فصحيحة علي بن يقطين و كذا مرسل جميل في مقام بيان ان الزكاة اجمالا في الدينار و الدرهم لا التبر و السبائك، و اخبار النصاب في مقام بيان النصاب و الفريضة فيه فليس لها اطلاق احوالي.

و لو سلّم فليس تخصيص عمومات اخبار الحلي بأهون من تقييد الدراهم و الدنانير بما اذا لم تتخذا حليا بل التقييد أهون.

لا يقال: الاخبار المطلقة الدالة على ثبوت الزكاة في الذهب و الفضة تحمل على اخبار الدراهم و الدنانير، و النسبة بين هذه و بين اخبار الحلي العموم من وجه.

فانه يقال: النسبة بين الاخبار المتنافية تلاحظ قبل تخصيص العمومات بشي ء من الاخبار المخصصة، فكما يجب تقييد المطلقات بما دلّ على نفي الزكاة عما عدا النقدين كذلك يجب تقييدها بما دلّ على نفيها عن الحلي في عرض واحد. فاطلاق الاخبار النافية عن الحلي حاكم على اطلاق المطلقات و ليس لاخبار الحصر في الدينار و الدرهم اطلاق احوالي.

و لو سلّم فالتقييد أهون من تخصيص اخبار الحلي. فالقول بنفي الزكاة عند صيرورتهما حليا هو الأشبه.

أقول: هذه غاية ما يمكن أن يذكر لتقديم اطلاق اخبار الحلي، و لكن الكلام في ان ما دلّ على نفي الزكاة عن الحلي هل هي قضية حقيقية ليستفاد منها كون عنوان الحلي مانعا عن الزكاة مطلقا او انها قضية خارجية و يكون عنوان الحلي فيها عنوانا مشيرا الى أنواع الحلي المتعارفة في عصر صدور هذه الاخبار؟ و حينئذ فعلينا اثبات تعارف

هذا النحو من الحلي المصنوع من الدراهم و الدنانير في تلك الأعصار و ان كان لا يبعد ادعاء ذلك حيث ان تعارفه في القبائل و العشائر لعله يدل على قدمته و تعارفه في تلك الأعصار أيضا.

و ربما يدعى ورود بعض أخبار عدم الزكاة في الحلي في خصوص مورد البحث.

فمنها موثقة معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: الرجل يجعل لأهله الحلي من مأئة دينار و المأتي دينار و أراني قد قلت ثلاثمائة فعليه الزكاة؟ قال: ليس فيه زكاة «1».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 305

[الثالث: مضيّ الحول]

الثالث: مضيّ الحول (1)

______________________________

بناء على كون المراد استعمال نفس الدنانير للحلي، و لكن للمنع مجال اذ من المحتمل كون المراد اشتراء الحلي بها او ذوبها و صرفها فيه، كيف؟ و استعمال عين ثلاثمائة في الحلي لشخص واحد بعيد لثقلها و كثرة وزنها.

و منها صحيحة عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضا او دارا أ عليه شي ء؟ فقال: لا و لو جعله حليا او نقرا فلا شي ء عليه و ما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق اللّه الذي يكون فيه «1».

و لعل التعبير بالجعل في مقابل الاشتراء المذكور قبله ظاهر في جعل عينها حليا لا اشتراء الحلي بها. اللهم الّا ان يراد به ذوبها و جعلها بصورة الحلي المتعارف.

و منها خبر هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: ان أخي يوسف ولّى لهؤلاء القوم اعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة و انه جعل ذلك المال حليا أراد أن

يفرّ به من الزكاة أ عليه الزكاة؟ قال: ليس على الحلي زكاة ... «2».

و يرد على الجميع مضافا الى ما ذكر من اشتراء الحلي بها او ذوبها له انه من الممكن جعلها حليا بتغيير صورتها بحيث تخرج عن كونها دنانير او دراهم. فالقول بعدم الوجوب مع عدم التغيير مشكل، بل الوجوب هنا مع رواج المعاملة بها أوضح مما هجرت المعاملة بها، و قد عرفت التزامهم بالوجوب هناك.

هذا و في زكاة المرحوم آية اللّه الميلاني- قدس سره- بعد ذكر المعارضة بين ما دلّ على الوجوب في الدنانير و الدراهم و عدم الوجوب في الحلي بنحو العموم من وجه قال: «ففي مادة الاجتماع ينفى الوجوب بالأصل، بل و يجري استصحاب عدم جعل الحكم الوضعي فيها».

أقول: لأحد أن يقول: ان في مورد الاجتماع و تعارض الدليلين يرجع الى اطلاق وجوب الزكاة في الذهب و الفضة بعد عدم الدليل على خروج المورد منه و مع وجود الاطلاق لا مجال للأصل و الاستصحاب.

(1) في الشرائع: «و حول الحول حتى يكون النصاب موجودا فيه أجمع».

و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه».

أقول: بل اعتبار الحول اجمالا اجماعي عند المسلمين، غاية الأمر اختلاف بعضهم في بعض الخصوصيات. فالشيخ منا مثلا يقول بأن تبديل المال بجنسه في أثناء الحول لا يضرّ بالحول، و أبو حنيفة و صاحباه يقولون بأنه اذا كان النصاب موجودا في طرفي الحول لم يضر نقصان بعضه في

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 306

بالدخول في الشهر الثاني عشر (1) جامعا

للشرائط التي منها النصاب، فلو نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب، و كذا لو تبدل بغيره من جنسه (2)

______________________________

وسطه و إنما ينقطع بذهاب كله، و المالكية قالوا بأنه لو ملك في أول الحول أقل من النصاب فاتّجر به فصار الى آخر الحول بقدر النصاب وجبت الزكاة، و المشهور بين أصحابنا اعتبار الحول في شخص النصاب فيضر به التبديل و لو بالجنس أيضا.

و كيف كان فاعتبار الحول في الجملة اجماعي، و يدل عليه مضافا الى ذلك اخبار كثيرة.

فمنها صحيحة علي بن يقطين الماضية، عن أبي ابراهيم- عليه السلام- قال: قلت له: انه يجتمع عندي الشي ء (الكثير قيمته) فيبقى نحوا من سنة أ نزكّيه؟ فقال: لا، كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة الحديث «1».

و منها صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر «ع»: رجل كان عنده مأتا درهم غير درهم أحد عشر شهرا ثم أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني عشر و كملت عنده مأتا درهم أ عليه زكاتها؟

قال: لا حتى يحول عليها الحول و هي مأتا درهم، فان كانت مأئة و خمسين درهما فأصاب خمسين بعد ان مضى شهر فلا زكاة عليه حتى يحول على المائتين الحول. قلت له: فان كانت عنده مأتا درهم غير درهم فمضى عليها أيام قبل أن ينقضي الشهر ثم أصاب درهما فأتى على الدراهم مع الدرهم حول أ عليه زكاة؟ قال: نعم، و ان لم يمض عليها جميعا الحول فلا شي ء عليه الحديث «2».

و منها ما رواه الصدوق قال: قال أبو جعفر «ع» في التسعة الأصناف اذا حوّلتها في السنة فليس عليك فيها شي ء «3». الى غير ذلك من الاخبار المذكورة في الابواب المتفرقة.

و فيما رواه

الصدوق اشكال ناشئ من عدم اعتبار الحول في الغلات الأربع. اللهم الّا أن يراد ان المالك لو حوّلها قبل زمان التعلق لم يكن عليه شي ء.

و الظاهر من الحديث و من غيره اعتبار الحول في شخص النصاب فلا يكفي بقاء نوعه و هو المشهور عندنا، خلافا للشيخ حيث قال بأن التبديل بالجنس في أثناء الحول لا يضرّ و قد مرّ مفصلا في باب الأنعام.

(1) كما تقدم في الأنعام فراجع.

(2) خلافا للشيخ في الخلاف و المبسوط حيث حكم بأن التبديل بالجنس في أثناء الحول لا يضرّ، و قد تقدم التفصيل في الانعام (المسألة 9) فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 307

أو غيره، و كذا لو غير بالسبك سواء كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أولا على الأقوى (1) و ان كان الأحوط الاخراج على الاول.

و لو سبك الدراهم او الدنانير بعد حول الحول لم تسقط الزكاة (2) و وجب الاخراج بملاحظة الدراهم و الدنانير (3) اذا فرض نقص القيمة بالسبك.

[لا تجب الزكاة في الحليّ]

[مسألة 1]: لا تجب الزكاة في الحليّ (4).

______________________________

(1) خلافا لجمع من الأصحاب حيث حكموا بالوجوب مع قصد الفرار، و قد تقدم التفصيل في الأنعام (المسألة 9) فلا نعيد.

(2) اجماعا لاستقرار الوجوب بانقضاء الحول، و ما دلّ على عدم الزكاة في السبائك فانما يراد به عدم الجعل فيها لا السقوط بعد الثبوت.

(3) لأنها الفريضة الواجبة فيضمن النقص الوارد بفعله، و لو زادت القيمة بالسبك فالظاهر شركة الفقراء

فيها بناء على الاشاعة، و الأحوط التصالح.

(4) في الخلاف (المسألة 101 ملخصة): «الحلي على ضربين: مباح و غير مباح، فغير المباح مثل ان يتخذ الرجل لنفسه حلي النساء و المرأة حلي الرجال، فهذا عندنا لا زكاة فيه. و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا فيه زكاة. و اما المباح فلا زكاة فيه عندنا، و للشافعي فيه قولان: قال في القديم و البويطي و أحد قوليه في الأمّ لا زكاة فيه و به قال في الصحابة ابن عمر و جابر ... و في الفقهاء مالك و اسحاق و أحمد، و القول الآخر فيه الزكاة أومأ اليه في الأمّ و به قال في الصحابة عمر بن الخطاب ... و في الفقهاء المزني و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه، دليلنا اجماع الفرقة».

و في الشرائع: «و لا تجب الزكاة في الحلي محللا كان كالسوار للمرأة و حلية السيف للرجل او محرما كالخلخال للرجل و المنطقة للمرأة و كالأواني المتخذة من الذهب و الفضة و آلات اللهو لو عملت منهما، و قيل: يستحب فيه الزكاة».

و أشار بالقيل الى خلاف الشيخ في الجمل و العقود حيث قال في ذكر ما يستحب فيه الزكاة:

«و رابعها سبائك الذهب و الفضة، و خامسها الحلي المحرم لبسه مثل حلي النساء للرجال و حلي الرجال للنساء».

و وجه ما ذكره غير واضح، فان أراد الآيات و اخبار الانفاق و الصدقة فهذه تشمل المحلل و المحرم.

هذا و في المدارك: «اما سقوط الزكاة في الحلي المحلل فقال العلامة في التذكرة انه قول علمائنا أجمع و أكثر أهل العلم، و امّا المحرم فقال في التذكرة أيضا انه لا زكاة فيه عند علمائنا لعموم قوله لا زكاة في الحلي

و أطبق الجمهور كافة على ايجاب الزكاة فيه لأن المحظور شرعا

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 308

و لا في أواني الذهب و الفضة (1) و ان بلغت ما بلغت بل عرفت سقوط الوجوب عن الدرهم و الدينار اذا اتخذا للزينة و خرجا عن رواج المعاملة بهما، نعم في جملة من الاخبار: ان زكاتها اعارتها (2).

______________________________

كالمعدوم حسّا، و لا حجة فيه لأن عدم الصنعة غير مقتض لإيجاب الزكاة فان المناط كونهما مضروبين بسكة المعاملة. و هو جيّد».

و في الجواهر في ذيل عبارة الشرائع: «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا اذا لم يكن بقصد الفرار بل الاجماع بقسميه عليه» و يدل على المسألة مضافا الى الاجماع عندنا و الى اشتراط كونهما منقوشين بسكة المعاملة و فقدان هذا الشرط في أنواع الحلي بقسميه الاخبار المستفيضة المذكورة في الباب 9 و 11 من الوسائل:

فمنها صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الحلي أ يزكّى؟ فقال: اذا لا يبقى منه شي ء.

و في التعليل اشارة الى ما أشرنا اليه من ان الزكاة وضعت في الذهب و الفضة المسكوكتين من جهة انهما وضعتا لتكونا وسائط في المعاملات و التوليدات فمن جعلهما ركازا او كنزا فقد عمل بهما على خلاف طبعهما فجعل الزكاة رادعة عن ابقائهما و كنزهما و كأنها جزاء لهذا العمل المرغوب عنه شرعا و اما الحلي فطبعه البقاء و التزين به ما دام العمر فلا يناسبه الزكاة.

و منها صحيحة هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: ليس على الحلي زكاة.

و منها صحيحة محمد الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الحلي فيه زكاة؟ قال: لا.

و منها صحيحة رفاعة قال:

سمعت أبا عبد اللّه «ع» و سأله بعضهم عن الحلي فيه زكاة؟ فقال لا و لو بلغ مأئة ألف «1» الى غير ذلك من الاخبار فراجع.

(1) كما يقتضيه ما دلّ على حصر الزكاة في الصامت المنقوش و في الدينار و الدرهم.

هذا و في المستمسك عن بعض أصحابنا وجوب الزكاة في المحرم من الأواني و الحلي قال:

«و دليله غير ظاهر الّا دعوى استفادة ان سقوط الزكاة في الحلي للإرفاق غير الشامل للمحرم لكنه كما ترى».

أقول: لم أجد من أصحابنا من يوجبه، نعم مرّ عن الشيخ في الجمل استحبابها في الحلي المحرم و في السبائك.

(2) التعبير بلفظ الجملة يقتضي كثرة الاخبار و لكن لم أجد عاجلا الّا مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: زكاة الحلي عاريته «2». نعم في فقه الرضا الذي

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1، 2، 3 و 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 10 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 309

[لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيد و الرديّ]

[مسألة 2]: لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيد منها و الرديّ (1) بل تجب اذا كان بعض النصاب جيدا و بعضه رديا.

و يجوز الاخراج من الرديّ (2) و ان كان تمام النصاب من الجيد لكن الأحوط خلافه بل يخرج الجيد من الجيد و يبعض بالنسبة مع التبعض و ان أخرج الجيد عن الجميع فهو أحسن.

______________________________

قوّينا كونه رسالة علي بن بابويه: «و ليس على الحلي زكاة و لكن تعيره مؤمنا اذا استعاره منك فهو زكاته».

و في المقنع: «اعلم ان زكاة الحلي ان تعيره مؤمنا اذا استعاره منك فهذه زكاته».

و في

الفقيه: «و ليس على الحلي زكاة و ان بلغ مأئة ألف و لكن تعيره مؤمنا اذا استعاره منك فهذه زكاته».

و لا يخفى اقتباس الصدوق في كتابيه من كتاب أبيه و لا يتوهم وجوب اعارته فان طبع العارية الاستحباب مضافا الى ما مرّ في الاخبار الكثيرة من عدم الزكاة في الحلي مع كونها في مقام البيان، و الى استفادة عدم الوجوب من اطلاق خبر أبي بصير انه قال لأبي عبد اللّه «ع»: ان لنا جيرانا اذا أعرناهم متاعا كسروه و أفسدوه فعلينا جناح ان نمنعهم؟ فقال: لا ليس عليكم جناح ان تمنعهم «1». اذ لو كانت واجبة لم يكن لهم المنع فتدبر.

(1) لا طلاق الأدلة و كذا فيما بعده.

(2) في المسألة قولان أشار اليهما المصنف فأفتى بالأول و جعل الثاني أحوط و لا يترك كما يظهر وجهه.

قال في المبسوط: «اذا كان معه دراهم جيدة الثمن مثل الرومية و الراضية و دراهم دونها في القيمة و مثلها في العيار ضم بعضها الى بعض و اخرج منها الزكاة. و الأفضل ان يخرج من كل جنس ما يخصه و ان اقتصر على الاخراج من جنس واحد لم يكن به بأس لأنه «ص» قال: في كل مأتين خمسة دراهم و لم يفرق و كذلك حكم الدنانير سواء».

و محصل دليل الشيخ انه كما قلنا باطلاق المائتين و شموله للجيد و الردي ء و الملتئم منهما فكذلك قوله: «خمسة دراهم» له اطلاق و مقتضاه جواز دفع الردي ء عن الجيد أيضا. و عن العلامة في التحرير أيضا موافقته و اختاره أيضا في الجواهر و مصباح الفقيه و تبعهم المصنف.

و لكن المحقق في الشرائع أفتى بالثاني فقال: «لا اعتبار باختلاف الرغبة مع تساوي

______________________________

(1)- الوسائل

ج 6 الباب 10 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 310

..........

______________________________

الجوهرين بل يضم بعضها الى بعض، و في الاخراج ان تطوع بالأرغب و الّا كان له الاخراج من كل جنس بقسطه».

و تبعه العلامة في القواعد فقال: «يكمل جيد النقرة برديّها كالناعم و الخشن ثم يخرج من كل جنس بقدره». و نحوه في التذكرة.

و لكنه قال في القواعد أيضا «لو تساوى العيار و اختلفت القيمة كالرضوية و الراضية استحب التقسيط و أجزأ التخيير».

فلعله أراد بالأول ما اذا كان أحدهما جيدا و الآخر رديا و بالثاني ما اذا اتفقا في الجودة مثلا و كان أحدهما أجود.

و كيف كان ففي المسألة قولان: الأول التخيير و الثاني التقسيط.

و استدل للأول باطلاق الفريضة كما سمعت من الشيخ، و قوّاه في الجواهر فقال ما حاصله بتوضيح منا: «ان الزكاة و ان كانت في نفس العين بنحو الاشاعة و لكن الشارع الذي هو ولي الفقراء قد قدّر و قوّم الحصة المشاعة في البين بخمسة دراهم مثلا باطلاقها فيجزيه كل فرد اذا لم يكن الوسط الذي ينصرف اليه الاطلاق و اما التقسيط فلا أثر له في النصوص بل ظاهرها خلافه، و دعوى ظهور تلك الاطلاقات في ارادة بيان نسبة الفريضة الى النصاب و بيان كميتها فقط لا اجزاء المسمّى كائنا ما كان واضحة البطلان بل ان لم نقل بظهورها في العكس فلا ريب في افادتها الأمرين».

أقول: يرد عليه أولا انه بعد الالتزام بالشركة و الاشاعة فأي دليل في المقام على تقدير الحصة المشاعة بخمسة دراهم مثلا باطلاقها؟ و إنما التزمنا بذلك في باب الأنعام من جهة ان الشاة في قوله: «في خمس من الابل شاة» لم

توجد في النصاب أصلا و الشاة في قوله: «في أربعين شاة شاة» بعد تقييدها بالجذع و الثني امكن ان لا توجد في النصاب، و كذلك بنت المخاض في قوله:

«في ست و عشرين من الابل بنت مخاض»، و التبيع في قوله: «في ثلاثين بقرة تبيع حولي» من الممكن كثيرا ان لا توجدا في النصاب أصلا فبذلك حكمنا باطلاق الفريضة و لم نقيدها بكونها من النصاب و جمعنا بين ذلك و بين القول بالاشاعة بان الشارع قدر الحصة المشاعة بالفريضة لا بمعنى صيرورة الفريضة في الذمة بل بمعنى ان الشركة و الاشاعة ثابتة ما لم يصر بصدد الأداء فاذا صار بصدده فأداء الفريضة المذكورة يوجب فراغ العين من حق الفقراء و كأنه يقع تبادل قهري بين الحصة المشاعة و الفريضة المذكورة المؤداة و اما في المقام فلا الزام بالنسبة الى ذلك اذ الفريضة توجد في النصاب دائما فكأن الشارع أراد بقوله: «في مأتي درهم خمسة دراهم و في عشرين دينارا نصف دينار» وجوب أداء ربع العشر من النصاب كما يشعر بذلك بعض اخبار الباب الواردة من طرق الفريقين كقوله «ص»: «في الرقة ربع العشر» بل يتعين ذلك في الدينار بناء على عدم كون

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 311

نعم لا يجوز دفع الجيد عن الردي بالتقويم بأن يدفع نصف دينار جيد يسوّى دينارا رديّا عن دينار (1)

______________________________

النصف منه مسكوكا مستقلا في تلك الأعصار فيجب حساب ربع العشر من النصاب و أدائه من نفس العين او من قيمته.

و على هذا فيكون أداء الدرهم و الدينار من خارج النصاب بعنوان القيمة لا بعنوان نفس الفريضة و مقتضى ذلك وجوب التقسيط في النصاب الملتئم من الجيد و الردي ء او

من الجيد و الأجود كما أفتى به جمع منا.

و ثانيا: لو سلم اطلاق الفريضة في المقام كما في باب الأنعام فلم لا يحمل على الفرد الوسط كما اختاره في الجواهر هناك و ادّعى انصراف الاطلاق اليه و تبعه المصنف أيضا.

كيف و التقدير الشرعي يجب ان يكون بما لا يقبل الزيادة و النقصان الّا قليلا فيجب أن يكون بالأعلى فقط او الوسط فقط و صاحب الجواهر تعرض للوسط هنا أيضا بنحو من الترديد و لكن المصنف لم يتعرض له.

و اما القول الثاني أعني وجوب التقسيط فيستدل عليه بأصالة الاشتغال، و بقوله- تعالى-:

«و لا تيمّموا الخبيث منه تنفقون»، و بان التقسيط مقتضى الاشاعة و الشركة. و مورد نزول الآية و ان كان زكاة التمر كما يظهر من الروايات الواردة في تفسيرها «1»، و لكن المورد غير مخصص كما هو ظاهر. هذا.

و لكن لازم القول بوجوب التقسيط كما في المستمسك ان يكون اعطاء الأرغب اعطاء لأكثر من الحق الواجب و ان يجوز اعطاء نصف درهم من الجيد مثلا اذا كان يساوي قيمة خمسة و ان يجب التقسيط في النصاب الملتئم من الجيّد و الأجود أيضا و لنا ان نلتزم باللوازم الثلاث.

اللهم الّا ان يقال بأنه ليس المراد من ربع العشر ربع العشر بحسب القيمة فقط بل بحسب العدد و القيمة معا.

و لكن هذا اذا أدّى من نفس العين و اما لو أدّى من الخارج فهو من باب القيمة فقط فلا تجب ملاحظة العدد قطعا فتدبر. و يأتي في الحاشية التالية ما يفيد المقام.

(1) قال في التذكرة: «و لو نقص قدرا مثل أن يخرج عن نصف دينار ثلث دينار جيد احتمل الاجزاء اعتبارا بالقيمة و عدمه لأن النبي «ص»

نصّ على نصف دينار فلم يجز النقص منه».

و في الحدائق بعد نسبة عدم الجواز في المسألة الى المشهور و ذكر احتمال التذكرة قال: «أقول:

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 19 من أبواب زكاة الغلات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 312

الّا اذا صالح الفقير بقيمة في ذمته (1) ثم احتسب تلك القيمة عمّا عليه من الزكاة فانه لا مانع منه كما لا مانع من دفع الدينار الردي عن نصف دينار جيد (2) اذا كان فرضه ذلك.

______________________________

لا ريب ان عدم الاجزاء في هذه الصورة كما هو المشهور إنما يتم بناء على المشهور من وجوب الأخذ بالنسبة ان لم يتطوع المالك بالأرغب و الّا فعلى مذهب الشيخ من جواز اخراج الأدون الظاهر انه لا اشكال في ذلك لأنه متى كان الواجب عليه دينارا و اختار دفع الأدون و أراد دفع قيمته فدفع نصف دينار خالص بقيمة ذلك الدينار الأدون فالمدفوع قيمته حينئذ لا أنه الفريضة الواجبة حتى يقال ان الواجب دينار فلا يجزي ما دونه».

أقول: كان على صاحب الحدائق أن يعكس الأمر اذ مقتضى القول بالتقسيط و الأخذ بالنسبة كما عرفت وجوب ربع العشر من النصاب و ظاهره ربع عشره بحسب القيمة فيجزي ثلث دينار جيد مثلا عن نصف دينار اذا كان هذا الثلث يساوي ربع عشر النصاب و لا سيما اذا أعطى من خارج النصاب فانه يكون من باب القيمة جزما دون ما اذا كان من العين فانه افراز و قيمة معا افراز باعتبار سنخه و قيمة باعتبار الجودة.

و اما على رأي الشيخ فالفريضة في أربعين دينارا مثلا دينار واحد سواء دفع من النصاب او من الخارج و سواء أعطى من الجيد او الأردى او المتوسط و لا

يتشخص أحدها بحيث يكون مصداقا للفريضة بمجرد الاختيار و إنما يتشخص بدفعه بعنوان الفريضة او بدفع قيمته من غير جنس الفريضة فلا يجزي دفع الأقل و حيث قوّينا نظر المشهور فالظاهر في المسألة الجواز.

اللهم الّا ان يقال بأن الطاهر من ربع العشر ربع العشر بحسب العين و القيمة معا فيجب التقسيط او دفع الأرغب تطوعا.

و لكن هذا يجري فيما اذا أراد الدفع من العين و اما اذا أراد الدفع من الخارج فحيث انه يكون على نظر المشهور من باب القيمة و لو كان من جنس النصاب فاللازم الحكم بالجواز في المسألة فتدبر.

(1) مثل أن يصالحه عن نصف الدينار الجيد الذي يدفعه اليه بثوب مثلا في ذمة الفقير ثم يحتسب الثوب الذي يسوّى دينارا رديّا للزكاة بعنوان القيمة. و الظاهر جواز ذلك بلا اشكال كما في الجواهر للفرق الواضح بينه و بين ما سبق.

(2) في الجواهر اطراد الاشكال السابق في هذا الفرض أيضا اذا كان بعنوان القيمة ثم قال: «لكن الظاهر اجزاؤه باعتبار كونه الفريضة و زيادة و قصد المكلف انه قيمة عن الأعلى لا يقدح في الاجزاء و ان لم يتم له ما قصده».

و يظهر من المستمسك قدح هذا القصد و لكن الظاهر صحة ما في الجواهر اذ اللازم دفع الفريضة بقصد الزكاة و قد حصل و قصد كونه قيمة لا يضر بعد تحقق قصد الزكاة و قصد القربة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 313

[تتعلق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة اذا بلغ خالصهما النصاب]

[مسألة 3]: تتعلق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة اذا بلغ خالصهما النصاب (1)

______________________________

و ليس قصد العين او القيمة منوعا مثل قصد الظهرية و العصرية مثلا.

ثم ان كلام المصنف و كذا صاحب الجواهر مبني على الأخذ بالاطلاق و كفاية الردي ء

عن الجيد و لكن نحن ناقشنا في ذلك و الأحوط التقسيط مطلقا كما مرّ.

(1) الذهب و الفضة الخالصتان على ما يقال لا تنطبعان بل تتوقفان في الانطباع الى خليط ما و ليس الخليط بنحو يستهلك بحيث لا يلتفت اليه العرف و لكن لما كان هذا المقدار من الخليط متعارفا بل ضروريا فاطلاقات ثبوت الزكاة في عشرين دنانير و مأتي درهم لا محالة تنصرف الى هذه الدنانير و الدراهم المتعارفة الرائجة بخليطها كما ان اطلاقات وجوب الزكاة في خمسة أوسق من الحنطة و الشعير أيضا تنصرف الى أفرادهما المتعارفة غير الخالية عن خليط ما من ذرّات التبن و المدر و نحوهما.

و كيف كان فهذا المقدار المتعارف الضروري لا يوجب صدق المغشوش على الذهب و الفضة بل يوجب قلته و كثرته و نوع جنسه صدق الجودة و الرداءة عليهما و اما الزائد على هذا المقدار فيوجب صدق المغشوش عليهما و حينئذ فهل تجب الزكاة في المغشوش منهما أم لا؟ و المسألة كانت مبحوثا عنها في عصر الصادقين- عليهما السلام- و كان أصل ثبوت الزكاة في المغشوش مسلما عند فقهاء العامة و لكن اختلفوا في كيفية حساب المال.

ففي الخلاف (المسألة 88): «اذا كان عنده دراهم محمول عليها لا زكاة فيها حتى يبلغ ما فيها من الفضة مأتي درهم سواء كان الغش النصف أو أقل أو أكثر و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: ان كان الغش النصف أو أكثر مثل ما قلناه و ان كان الغش دون النصف سقط حكم الغش و كانت كالفضة الخالصة التي لا غش فيها».

و في التذكرة: «لا تجب الزكاة في المغشوشة حتى يبلغ الصافي نصابا و كذا المختلط بغيره عند علمائنا و

به قال الشافعي و أحمد». ثم حكى عن أبي حنيفة نحو ما في الخلاف.

و بالجملة أصل ثبوت الزكاة في المغشوش ثابت عند العامة و به أفتى الشيخ في الخلاف و المبسوط و حكى عن كثير من كتب أصحابنا و به أفتى في الشرائع و القواعد بل عرفت عن التذكرة نسبته الى علمائنا.

و في الجواهر: «عدم الخلاف فيه بل نسبه غير واحد الى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه».

و استدل عليه بوجوه ثلاثة: الأول: عدم الخلاف المشعر بالإجماع.

الثاني: ما في الجواهر و حاصله انه المتحصل مما دلّ على ثبوت الزكاة في الدراهم مثلا الشامل لهذه الأفراد و مما دلّ على انه لا زكاة في غير الفضة و الذهب من الفلزات فيتحصل منها ان الفضة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 314

..........

______________________________

مثلا اذا كانت مسكوكة و لو في ضمن الغش تجب فيها الزكاة بشرط بلوغ خالصها النصاب و غيره من الشروط.

الثالث: خبر زيد الصائغ المنجبر بعمل الأصحاب كما في الجواهر قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: اني كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها: بخارى، فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة و ثلث مسّا و ثلث رصاصا، و كانت تجوز عندهم و كنت أعملها و أنفقها، قال:

فقال أبو عبد اللّه «ع»: لا بأس بذلك اذا كان تجوز عندهم، فقلت: أ رأيت ان حال عليه الحول و هي عندي و فيها ما يجب عليّ فيه الزكاة ازكّيها؟ قال: نعم إنما هو مالك قلت: فان أخرجتها الى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أزكّيها؟ قال: ان كنت تعرف ان فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزك ما كان لك فيها من الفضة

الخالصة من فضة ودع ما سوى ذلك من الخبيث. قلت: و ان كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة الّا اني اعلم ان فيها ما تجب فيه الزكاة؟ قال: فاسبكها حتى تخلص الفضة و يحترق الخبيث ثم تزكّي ما خلص من الفضة لسنة واحدة «1».

و المراد بالسنة الواحدة السنة التي حالت عليها و هي دراهم و التقييد بها لعدم الوجوب بعد سبكها. و يستفاد من الرواية أمور:

منها وجوب الزكاة في المغشوش.

و منها لزوم بلوغ الخالص النصاب.

و منها وجوب التصفية مع العلم بالنصاب و الشك في الأكثر.

و لكنها ساكتة عن وجوب التصفية مع الشك في أصل النصاب بل لعل المفهوم من قوله: «ان كنت تعرف ...» عدم الوجوب حينئذ، و سيأتي البحث عن ذلك.

فهذه ثلاثة وجوه للقول بوجوب الزكاة في المغشوش.

و لكن يرد على الأول اني لم أجد المسألة معنونة في الكتب الأولية المعدّة لنقل الأصول و المسائل المتلقاة عن المعصومين- عليهم السلام- كالمقنعة و النهاية و المقنع و الهداية و الغنية و المراسم و الانتصار و الناصريات، نعم ذكرها الشيخ في خلافه و مبسوطه بحسب وضعهما للمسائل الخلافية و التفريعية و ليس الاجماع في هذا السنخ من المسائل التفريعية كاشفا عن قول المعصومين «ع» و ليس الاجماع عندنا حجة الّا لكشفه عن قولهم «ع» فلا اعتداد بالإجماع و لا عدم الخلاف في المسائل التفريعية المستنبطة.

و يرد على الثاني ما قيل من ان الزكاة تجب في الذهب و الفضة المسكوكين دراهم و دنانير

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 315

و لو شك في بلوغه (1)

______________________________

و المركب من كل منهما و من غيره

خارج عن الاسم و كأنه طبيعة ثالثة اسما بل قد يمنع صدق اسم الدراهم و الدنانير أيضا على غير الخالص فتأمل.

و يرد على الثالث ضعف الخبر و كون زيد الصائغ مجهولا لم يذكر في كتب الرجال بل لم يذكر له خبر غير هذا الخبر فراجع جامع الرواة للأردبيلي و عمل المتأخرين به غير جابر مضافا الى عدم احراز كون مدرك المفتين هذا الخبر. فالمسألة من أصلها لا تخلو عن شوب اشكال. هذا.

و لكن الانصاف ان منع صدق الدرهم و الدينار على المغشوش مجازفة. و قد أطلق الدرهم عليه في الخبر أيضا كما ان صدق الذهب و الفضة على ما فيه من الجنسين بلا اشكال كما لا اشكال في كونهما مسكوكين و ان كانا مع الغير و موضوع الحكم الذهب و الفضة المسكوكان.

فما ذكره صاحب الجواهر في مقام الاستدلال قوي و الخبر يؤيده و فهم الأصحاب أيضا يسدّده، فالأقوى وجوب الزكاة فيه اذا بلغ خالصه النصاب كما في المتن فتدبر.

[حكم البراءة في الشبهات الموضوعية]

(1) قبل البحث عن حكم الشك في المقام نبحث اجمالا عن البراءة في الشبهات الموضوعية و عن وجوب الفحص و عدمه فيها.

فنقول: نبحث هنا عن أمرين: الأمر الأول: الظاهر جريان البراءة الشرعية المستفادة من حديث الرفع في الشبهات الموضوعية أيضا اذ المرفوع و لو كان عبارة عن الحكم الشرعي يعمّ الحكم الكلي و الجزئي معا و إنما الاشكال في جريان البراءة العقلية المستفادة من حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان في الشبهات الموضوعية فحكم الشيخ و كثير من الأساطين بجريانها فيها بتقريب ان مجرد العلم بالكبريات المجعولة في الأحكام الشرعية التي لها تعلق بالموضوعات الخارجية لا يكفي في التنجز و صحة العقوبة على المخالفة ما

لم يعلم بتحقق الصغريات و الموضوعات خارجا و الموضوع فيها بمنزلة الشرط للحكم و كما لا يتحقق الحكم ما لم يتحقق الشرط و الموضوع لا يتنجز ما لم يحرزا و إنما يتنجز باحراز الموضوع و الحكم معا.

و خالف في ذلك سيدنا الأستاذ المرحوم آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- و ملخص ما أفاده ان مورد قاعدة قبح العقاب بلا بيان ما اذا لم يصدر بيان من الشارع او صدر و لم يصل إلينا و ما هو الوظيفة للشارع إنما هو بيان الكبريات و المفروض في المقام بيانها و العلم بها و ليس تعيين المصاديق وظيفة له، نعم لا يكون صرف العلم بالكبرى حجة و دليلا على حكم الصغرى اذ العلم بالحكم الجزئي يتوقف على احراز الصغرى و الكبرى معا و لكن البحث ليس في الحجة بمعنى الوسط لا ثبات الحكم الجزئي و إنما الكلام في الحجة بمعنى ما يصح أن يحتج به المولى في العقوبة و العبد في الاعتذار و المفروض ان المولى عمل بكل ما هو وظيفته من بيان الحكم و ايصاله الى العبد فعلى العبد أن يمتثل بنحو يحصل غرض المولى.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 316

..........

______________________________

فان قلت: بعد تعلق الحكم بالموضوع الكلي ينحل الى تكاليف عديدة بعدد أفراد الموضوع فيرجع الشك في الموضوع الى الشك في تكليف زائد و المرجع في الشك في التكليف هو البراءة.

قلت: لا نسلم كون مطلق الشك في التكليف موردا للبراءة العقلية اذ وظيفة الشارع ليست الّا بيان الأحكام الكلية دون أفراد الموضوع.

فان قلت: كيف يصير صرف احتمال التكليف منجزا موجبا لاستحقاق العقوبة على المخالفة.

قلت: لا مانع من منجزية صرف الاحتمال كما في احتمال صدق مدّعى النبوة و كالاحتمال

في الشبهات الحكمية قبل الفحص.

فان قلت: فالواجب في المقام أيضا التفصيل بين ما قبل الفحص و ما بعده لا انكار البراءة العقلية مطلقا.

قلت: فرق بين الشبهات الحكمية و الموضوعية اذ في الأولى يصير صرف الاحتمال منجزا للواقع ما لم يتفحص في مظان وجود الحكم و اما بعده فالعقل يحكم بقبح العقوبة حيث عمل العبد بكل ما هو وظيفته فيكون القصور من ناحية المولى و اما في المقام فخطاب المولى معلوم و قد فرض تعلقه بجميع الأفراد الواقعية النفس الامرية فقد تمّ كل ما هو وظيفة المولى فلا يحكم العقل بقبح العقوبة من قبله فيجب على العبد ترتيب الأثر على الاحتمال سواء كان قبل الفحص أو بعده.

هذه خلاصة ما كان- رحمه اللّه تعالى- يصرّ عليه.

أقول: احتمال التكليف لا يصير باعثا و محركا عقلا الّا على الفحص و امّا بعد الفحص و عدم احراز الموضوع فيصير عقاب المولى على هذا الفرد المشكوك فيه عملا جزافيا و عقابا بلا حجة حيث ان العبد لا يكون مقصرا فانه كان بصدد اطاعة المولى و أفرغ وسعه في الفحص فهو حينئذ قاصر لا مقصر و عقاب القاصر قبيح و لو كان المولى لا يرضى بالمخالفة حتى بالنسبة الى الأفراد المشكوكة كان عليه ايجاب الاحتياط حتى يصير بيانا بالنسبة اليها.

و بالجملة فالتنجز في الأفراد المشكوكة بعد الفحص يحتاج الى متمم الجعل و لا يكفي الجعل الأولي لتنجيزها و لذا نلتزم بوجوب الاحتياط في الأمور المهمة اذ باهتمام الشارع بالنسبة اليها يكشف ايجاب الاحتياط فيها و اما اذا لم تحرز هذه المرتبة من الاهتمام فلا نسلم كون صرف الاحتمال بعد الفحص مصححا للعقوبة عقلا بحيث يحكم العقل بنفسه بلزوم الاحتياط في الموارد المشكوكة

بل يعدّ العقلاء عقاب المولى حينئذ مجازفة من قبل المولى و لعل ما أوقعه- قدس سره- في هذا المجال التعبير بقبح العقاب بلا بيان فيتوهم انه لا يجري الّا فيما بيانه وظيفة للشارع و نحن نعبّر بقبح العقاب بلا حجة و بلا جهة فالأقوى ما اختاره الشيخ و تلامذته من جريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية أيضا و لكن العقل لا يحكم بها الّا بعد الفحص و عدم الظفر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 317

[في وجوب الفحص في الشبهات الحكمية]

______________________________

الأمر الثاني: لا اشكال في وجوب الفحص في الشبهات الحكمية و عدم جواز اجراء البراءة قبله.

و يدلّ على الوجوب فيها الأدلة الأربعة: الاجماع القطعي على عدم جواز العمل بالأصل قبل استفراغ الوسع في الأدلة، و الآيات الدالة على وجوب النفر و السؤال، و الاخبار الدالة على لزوم التعلم و مؤاخذة الجهال بتركه، و العقل الحاكم بلزوم المراجعة الى الكتب و الطوامير المقررة من قبل المولى اذا كان بناؤه على اعلام الأحكام و القوانين بهذا الطريق و ذمّ تارك المراجعة اليها مضافا الى حكمه بالاحتياط او الفحص في اطراف العلم الإجمالي بوجود الأحكام اجمالا من قبل المولى، فهذه في الجملة مما لا شك فيها إنما الاشكال في انه هل يجب الفحص في الشبهات الموضوعية أيضا او يجوز اجراء البراءة فيها قبله.

ففي الرسائل ما حاصله: «ان كانت الشبهة في التحريم فلا اشكال و لا خلاف ظاهرا في عدم وجوب الفحص، و يدل عليه اطلاق اخبار اصالة الحل و ان كانت الشبهة وجوبية فمقتضى أدلة البراءة حتى العقل كبعض كلمات العلماء عدم وجوب الفحص أيضا و هو مقتضى حكم العقلاء في مثل قوله: «أكرم العلماء أو المؤمنين» الّا انه قد يتراءى ان بناء

العقلاء في بعض الموارد على الفحص و الاحتياط كما اذا أمر المولى باحضار علماء البلد او اطبائها او اعطاء كل واحد منهم درهما ... و في القوانين ان الواجبات المشروطة بوجود شي ء انما يتوقف وجوبها على وجود الشرط لا على العلم بوجوده فبالنسبة الى العلم مطلق لا مشروط فمن شك في كون ماله بمقدار استطاعة الحج لعدم علمه بمقدار المال لا يمكنه أن يقول اني لا اعلم اني مستطيع و لا يجب عليّ شي ء بل يجب عليه محاسبة ماله ... ثم الذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص انه اذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقف كثيرا على الفحص بحيث لو اهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا تعين هنا بحكم العقلاء اعتبار الفحص ثم العمل بالبراءة كبعض الأمثلة المتقدمة». انتهى ما أردنا نقله من الرسائل.

أقول: الفرق بين قوله: «أكرم العلماء» و بين قوله: «أكرم علماء البلد أو أحضرهم» لعله من جهة ان سعة الموضوع في الأول و عدم التمكن من استيعاب أفراده غالبا قرينة على عدم ارادة الاستيعاب بل ذكرهم بعنوان المصرف بخلاف الثاني فان المراد منه ما هو ظاهره من الاستيعاب.

ثم أقول: لو كان الشك في الموضوع مما يرتفع بمثل النظر أو المراجعة الى الدفتر بلا صعوبة فالظاهر انصراف أدلة الحلية و البراءة عن مثله، فلو شك في ان ما في الوعاء ماء أو خمر و كان يرتفع شكه بصرف التوجه و النظر أو شك في ان طلب زيد منه مأئة أو مائتان و يرتفع بصرف النظر في دفتر محاسباته فهل يجري في مثله حديث الرفع و نحوه؟ الظاهر من الحديث و لا سيما بقرينة سائر فقراته

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1،

ص: 318

..........

______________________________

التسهيل على الأمة و الامتنان عليهم برفع موارد الكلفة و المشقة و ظاهر انه لا كلفة و لا مشقة في صرف النظر و نحوه. و بالجملة فمن علمه في كيسه و دفتره لا يسمى جاهلا محتاجا الى الارفاق و التسهيل فموارد البراءة و الحلية الشك المستقر الموجب للتحير و الاحتياج الى تعيين الوظيفة.

نعم في خصوص باب الطهارة و النجاسة لا يجب النظر أيضا كما يدلّ عليه قوله في صحيحة زرارة: «قلت: فهل عليّ ان شككت انه اصابه شي ء ان أنظر فيه؟ قال: لا، الحديث» «1». بل لعله اجماعي.

و اما في سائر الموارد فالظاهر وجوب هذا المقدار من النظر و الأدلة منصرفة عن الشك الذي يرتفع بمثله.

و اما الفحص أكثر من ذلك فقد ظهر من الرسائل أدلة ثلاثة على وجوبه:

الأول: بناء العقلاء على وجوبه في الأمثلة التي ذكرها.

الثاني: ما حكاه عن القوانين.

الثالث: بناء العقلاء على الفحص في موارد يوجب اهماله الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا بل الأول و الثالث يرجعان الى أمر واحد و هو بناء العقلاء على وجوبه في تلك الموارد.

اذا عرفت هذا فنقول: اما ما ذكره في القوانين من توقف الواجب المشروط على وجود الشرط لا على العلم به ففيه انه مسلّم و لكنه لا يجدي في ايجاب الفحص لأن الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط فيجري الأصل، كيف؟ و مورد الأصل صورة كون الشرط نفس الاستطاعة مثلا و الشك فيها و لو كان الشرط هو العلم بها قطعنا بعدم الوجوب في صورة الشك و لم نحتج الى الأصل و لو كان صرف تعلق التكليف بالموضوع الواقعي موجبا للفحص عنه لبقاء فعليته في صورة الشك أيضا لكان موجبا للاحتياط أيضا بعده.

و

اما ما ذكره الشيخ من بناء العقلاء على الفحص في الأمثلة التي ذكرها ففيه انه يكفي لعدم اجراء البراءة العقلية الّا بعد الفحص و اما بالنسبة الى البراءة الشرعية فلا، اذ لو قال المولى:

«احضر علماء قم» ثم قال بعده: «رفع ما لا يعلمون» فلا نسلم كون بناء العقلاء بعد التوجه الى الجملة الثانية على الفحص في موارد الشك، اللهم الّا اذا ارتفع الشك بصرف النظر و التوجه مما قربنا انصراف حديث الرفع و نحوه عن مثله.

و بالجملة بعد ما رخص نفس الشارع للشاك في التكليف لا نسلم الزام العقلاء على الفحص و التفتيش.

و اما ما ذكره من بنائهم على الفحص في موارد يوجب اهماله الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا

______________________________

(1)- الوسائل ج 2 الباب 37 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 319

و لا طريق للعلم بذلك و لو للضرر (1) لم تجب (2)

[هل يجب تصفية المغشوش للاختبار؟]

و في وجوب التصفية و نحوها للاختبار اشكال (3) أحوطه ذلك و ان كان عدمه لا يخلو عن قوة.

______________________________

ففيه انه ان كان المراد ان المكلف يحصل له العلم اجمالا بوقوع نفسه في خلاف الواقع في بعض الموارد دار الأمر مدار حصول هذا العلم للمكلف و لا يجوز الحكم بنحو الكلية و نسلّم حينئذ وجوب الفحص او الاحتياط بناء على وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي و لو كانت تدريجية و الاحتياط هنا بحكم العقل من جهة ان الاشتغال اليقيني يلزم البراءة اليقينية، و ان كان المراد حصول العلم الإجمالي بوقوع المخالفة للواقع في بعض الأصول التي تجري في الموضوعات بالنسبة الى جميع المكلفين لا في الأصول التي يجريها هذا الشخص بنفسه ففيه انه لا يصير مانعا من اجراء

كل مكلف أصل البراءة بالنسبة الى نفسه فيما يبتلى به من الموارد.

و قد تلخص مما ذكرنا ان البراءة العقلية لعلها لا تجري قبل الفحص و اما الشرعية فان كان الشك يرتفع بأدنى نظر فالظاهر انصراف أدلتها عن مثله و الّا فعموم قوله: «رفع ما لا يعلمون» محكم و ليس بناء العقلاء مع التوجه الى ترخيص الشارع على الفحص، و لكن الأحوط مع ذلك الفحص بالمقدار المتعارف فتدبر.

(1) وجوب الاختبار و الفحص على القول به ليس وجوبا نفسيا مولويا بل طريقي مرجعه الى وجوب الاحتياط و مثله لا يسقط بمجرد عدم امكان الفحص او لزوم الضرر منه بل يتعين حينئذ الاحتياط و عدم اجراء البراءة نظير وجوب الفحص في الشبهات الحكمية.

(2) لأصالة عدم تعلقها بالمال و الشك شك في أصل التكليف فتجري البراءة.

(3) من عدم الدليل على وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية كما مرّ و من ان البناء على ذلك يوجب الوقوع في المخالفة الكثيرة بحيث يعلم من مذاق الشارع عدم رضايته بها بنحو يستكشف منه ايجاب الفحص او الاحتياط و قد مرّ الاشكال في ذلك و ان كان الأحوط ذلك لما يستفاد من رواية زيد الصائغ كما يأتي بيانه و لأن في تركه اضاعة كثير من أموال الفقراء مما ينافي مع حساب اللّه- سبحانه- للفقراء و جعل ما يكفيهم في أموال الأغنياء، و للسيرة المستمرة على الفحص في أمثال المقام من باب الزكاة و الخمس و الاستطاعة للحج و نحوها و ان أمكن الاشكال في الأخير بعدم احراز اتصالها بعصر المعصومين- عليهم السلام- فتدبر.

و المبحوث عنه هنا مسألتان: الأولى: ما اذا شك في بلوغ الخالص في البين نصابا.

الثانية: ما اذا علم بكونه بمقدار النصاب اجمالا

و شك في كونه بمقدار النصاب الأول او الثاني مثلا و لا يخفى ان الأصل في الأولى البراءة و ان الثانية من موارد الأقل و الأكثر الاستقلاليين و حكمه أيضا البراءة في الزائد على المتيقن فالمسألتان من باب واحد فكلاهما من باب الشك في

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 320

..........

______________________________

التكليف و حكمه البراءة. و الفحص ان لزم في الشبهات الموضوعية يلزم في كلتيهما و ان لم يلزم لم يلزم في واحد منهما فلا وجه للتفكيك بينهما في الحكم.

و لكن المعروف من الأصحاب عدم وجوب التصفية للاختبار في المسألة الأولى بل في المسالك: «لا قائل بوجوب التصفية مع الشك في النصاب».

نعم في الجواهر: «مال بعض المحققين هنا الى وجوب التعرف بالتصفية او غيرها و هو قويّ جدّا ان لم يكن اجماع على خلافه».

و اما في المسألة الثانية فقد صرّح جماعة بوجوب التصفية بل في الجواهر: «نسب الى الأكثر بل عن الأردبيلي الاجماع عليه».

و لكن استوجه المحقق في المعتبر و العلامة في بعض كتبه و صاحبا المسالك و المدارك الاكتفاء بالمتيقن و طرح المشكوك فيه عملا باصالة البراءة.

و الحق اتحاد المسألتين بحسب المبنى و الحكم كما عرفت و الأحوط الفحص في كلتيهما فلنذكر بعض عبارات الأصحاب في المقام.

قال في المبسوط: «الثالثة قال لا أعرف مبلغها و لا استظهر قيل له: عليك تصفيتها حتى تعرف مبلغها خالصة فحينئذ يخرج الزكاة على ذلك».

و في الشرائع: «و ان ماكس الزم تصفيتها ليعرف قدر الواجب» و ظاهرهما كون مورد كلامهما المسألة الثانية.

و في التذكرة: «لو علم ان فيه غشا و شك هل بلغ الصافي نصابا أو لا لم يؤمر بالسبك و لا الاخراج منها و لا من غيرها لأن بلوغ

النصاب شرط و لم يعلم حصوله فاصالة البراءة لم يعارضها شي ء و قال أحمد يلزمه أحدهما».

و فيها أيضا: «لو عرف ان فيه نصابا خالصا و جهل الزيادة عليه قال الشيخ يؤمر بسبكها ان لم يتبرع بالاحتياط في الاخراج و به قال الشافعي و أحمد لأن الذمة مشغولة و لا يحصل يقين البراءة الّا بالسبك او الاحتياط في الاخراج، و الوجه أخذ ما تيقن وجوبه و يطرح المشكوك فيه عملا باصالة براءة الذمة و لأن الزيادة كالأصل فكما لو شك هل بلغ الصافي نصابا يسقط كذا لو شك هل بلغت الزيادة نصابا آخر».

و في المعتبر تعرض للمسألتين أيضا و قال: في الأولى: «لم يؤمر بسبكها» و في الثانية حكى كلام الشيخ في المبسوط ثم قال: «و عندي في ذلك توقف».

و عليك بمراجعة المسالك و المدارك أيضا في المقام.

و في الرسائل في مسألة الفحص في الشبهات الموضوعية أشار الى المسألتين و قال: «الفرق بين المسألتين مفقود الّا ما ربما يتوهم من ان العلم بالتكليف ثابت مع العلم ببلوغ النصاب بخلاف

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 321

..........

______________________________

ما لم يعلم به. و فيه ان العلم بالنصاب لا يوجب الاحتياط مع القدر المتيقن و دوران الأمر بين الأقل و الأكثر مع كون الزائد على تقدير وجوبه تكليفا مستقلا ا لا ترى انه لو علم بالدين و شك في قدره لم يوجب ذلك الاحتياط و الفحص مع انه لو كان هذا المقدار يمنع من اجراء البراءة قبل الفحص لمنع منها بعده اذ العلم الإجمالي لا يجوز معه الرجوع الى البراءة و لو بعد الفحص».

و الاشكال الأخير من الشيخ قوي كما لا يخفى.

هذا و لكن في الجواهر بعد الاعتراف بكون المقام

من قبيل الأقل و الأكثر الاستقلاليين و جريان البراءة في الزائد المشكوك فيه قال ما حاصله: «لكن قد يقال: ان أصل البراءة لا يجري في حق الغير المعلوم ثبوته في المال و لا أصل يشخص كونه مقتضى النصاب الأول أو الثاني.

و دعوى ان المائتين و أربعين نصابان و الثمانين ثلاثة و هكذا واضحة الضعف بل الظاهر ان المائتين و أربعين نصاب واحد كالمائتين فحينئذ مع العلم بحصول سبب شركة الفقير و لا أصل يشخّصه لا يجدي أصل براءة ذمة المالك من دفع الزائد بل ما نحن فيه كالمال الذي خلط أجنبي معه مال شخص آخر و يمكن علم المقدار».

و كأن مراده- قدس سره- ان مراتب النصب بسيطة و ان الترديد بين النصابين كالترديد بين المتباينين و ان كانا أقل و أكثر بحسب الصورة نظير الترديد بين القصر و الاتمام.

و فيه ان المال كان ماله و الفريضة الواجبة المجعولة مرددة بين الأقل و الأكثر و ليس الأكثر بنحو الارتباط و لذا يفرغ ذمته باعطاء الأقل بمقداره و لو كان الواجب بحسب الواقع هو الأكثر فاجراء البراءة بالنسبة الى المقدار المشكوك فيه بلا اشكال.

و كيف كان فمدرك القائل بوجوب التصفية في المسألة الثانية اما العلم الإجمالي بوجوب الزكاة و هو يقتضي اليقين بالفراغ و قد عرفت الجواب عنه و ان العلم ينحل الى المتيقن و المشكوك فيه و اما السيرة المستمرة على الفحص في أمثال المقام من باب الزكاة و الخمس و الحج كما عرفت و عرفت ما فيها، و اما رواية زيد الصائغ و قد مرّت و فيها: قلت: و ان كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة الّا اني أعلم ان فيها ما يجب

فيه الزكاة؟ قال فاسبكها حتى تخلص الفضة و يحترق الخبيث ثم تزكي ما خلص من الفضة بسنة واحدة «1» بناء على انجبار ضعفها بالشهرة و ان مر الاشكال في ذلك و الظاهر منها كون مورد السؤال صورة العلم بتعلق الزكاة و الشك في الزائد أعني المسألة الثانية و ان كان يحتمل كون المورد صورة الشك في أصل التعلق بان يراد بقوله: «الّا اني أعلم ان فيها ما يجب فيه الزكاة» العلم بأصل وجود الفضة لا العلم بوجود النصاب و على هذا فيفهم من الرواية وجوب التصفية في المسألة الأولى و كذا في الثانية بالأولوية بل على فرض كون

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 322

[حكم اخراج المغشوش عن الجيد]

[مسألة 4]: اذا كان عنده نصاب من الجيد لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش (1) الّا اذا علم اشتماله على ما يكون عليه من الخالص، و ان كان المغشوش بحسب القيمة يساوي ما عليه (2) الّا اذا دفعه بعنوان القيمة اذا كان للخليط قيمة (3).

______________________________

المورد المسألة الثانية أيضا يمكن ان يقال ان المسألتين لما كانتا من واد واحد و كلتاهما من باب الشك في التكليف فاذا دلّت الرواية على وجوب التصفية و الفحص في الثانية يفهم منها وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية بنحو الاطلاق و ان البراءة لا تجري الّا بعده.

و كيف كان فالأحوط الفحص في المسألتين، و المصنف لم يتعرض الّا للأولى كما هو ظاهر عبارته فتدبر.

و في الجواهر امكان التعرف بميزان الماء و كيفيته ان يوضع مقدار معين من الذهب الخالص في ماء و يعلم على موضع ارتفاع الماء منه ثم يخرج و يوضع

مثله من الفضة و يعلم على موضع ارتفاعه أيضا و تكون هذه العلامة فوق الأولى لا محالة لأن الذهب أشد كثافة ثم يوضع فيه المخلوط و ينظر الى ارتفاع الماء و يلاحظ النسبة.

(1) بلا خلاف و لا اشكال كما في الجواهر لاستصحاب بقاء الزكاة في المال الى أن يعلم دفعها.

و في التذكرة: «لا يجوز ان يخرج عن مأتي درهم خالصة خمسة مغشوشة و به قال الشافعي لأنه من ردي ء المال فلا يجزي عن الجيّد و قال أبو حنيفة يجوز».

(2) لما مرّ في شرح المسألة الثانية من ان مبنى المصنف وفاقا لصاحب الجواهر هو ان الفريضة في قوله: «في مأتي درهم خمسة دراهم» لها اطلاق فتشمل الجيد و الردي ء و المتوسط و سواء كانت من النصاب أو من الخارج فيجب أن يكون الخالص من الفضة في ضمن المغشوش بمقدار خمسة دراهم و يكون بعنوان الفريضة لا القيمة.

نعم بناء على ما ذكرناه من تفاوت المقام لباب الأنعام و ان الظاهر من قوله: «في مأتي درهم خمسة دراهم» وجوب ربع العشر من النصاب يكون المدفوع من خارج النصاب من باب القيمة و ان كان من جنسه فيجزي دفع المغشوش اذا كان يساوي ما عليه بحسب القيمة و ان لم يكن قيمة الخليط بمقدار قيمة الفضة.

(3) و كان قيمة الخليط بمقدار قيمة الجيد اذ على مبنى المصنف يكون المدفوع في الفرض خالصه بعنوان نفس الفريضة و خليطه بعنوان القيمة، نعم لا يعتبر هذا على ما ذكرناه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 323

[اذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش]

[مسألة 5]: و كذا اذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش الّا مع العلم على النحو المذكور (1).

[لو شك في أنه خالص أو مغشوش]

[مسألة 6]: لو كان عنده دراهم أو دنانير بحد النصاب و شك في أنه خالص أو مغشوش، فالأقوى عدم وجوب الزكاة و ان كان أحوط (2).

[لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب أو الدنانير المغشوشة بالفضة]

[مسألة 7]: لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب أو الدنانير المغشوشة بالفضة لم يجب عليه شي ء (3) الّا اذا علم ببلوغ أحدهما أو كليهما حدّ النصاب فيجب في البالغ منهما أو فيهما فان علم الحال فهو، و الّا وجبت التصفية (4).

______________________________

(1) لما سبق في المسألة الرابعة.

(2) في التذكرة: «لو ملك النصاب و لم يعلم هل فيه غش أم لا وجبت الزكاة لأصالة الصحة و السلامة».

و لكن في مصباح الفقيه ما حاصله: «هذا إنما يتجه فيما اذا كان الغش الذي يحتمله عيبا في الدنانير بحيث لو ظهر لم يقع به المعاملة الّا على سبيل المسامحة و اما اذا كانت من الدنانير الرائجة في البلد فليس كونها مركبة من جنسين أو أزيد منافيا لصحتها و سلامتها فلا مسرح للأصلين حينئذ بل المرجع في مثله أصالة البراءة».

و ما ذكره جيّد و نضيف اليه عدم كون أصل السلامة أصلا عقلائيا جاريا في الذوات الخارجية المشكوكة مبينا لحالها بحيث يترتب عليها آثار الصحة، نعم تقع المعاملات الواقعة على الذوات مبنية على الصحة و لذا يثبت فيها خيار العيب، كما ان الأعمال الصادرة عن المسلم تحمل على الصحة عند العقلاء. و اما الحكم بصحة الأعيان و الذوات مع قطع النظر عن وقوع المعاملة عليها أو تحققها بفعل الغير فغير مسلم و لا سيرة من العقلاء تثبته. فالحق في المسألة البراءة لكونها من الشك في التكليف، نعم بناء على وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية يجب الفحص هنا أيضا و هو الأحوط كما مرّ.

(3) اذ

لا يضمّ الأجناس الزكوية بعضها الى بعض في تكميل النصاب و سيأتي البحث عنه في المسألة العاشرة.

(4) لعله لخبر زيد الصائغ و الّا فقد عرفت من المصنف عدم وجوب التصفية فيما اذا شك في أصل التعلق، و الاحتياط حسن على كل حال.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 324

و لو علم أكثرية أحدهما مرددا و لم يمكن العلم وجب اخراج الأكثر من كل منهما (1) فاذا كان عنده ألف و تردّد بين أن يكون مقدار الفضة فيها أربعمائة و الذهب ستمائة و بين العكس اخرج عن ستمائة ذهبا و ستمائة فضة، و يجوز أن يدفع بعنوان القيمة (2) ستمائة عن الذهب و أربعمائة عن الفضة بقصد ما في الواقع.

[لو كان عنده ثلاث مأئة درهم مغشوشة و علم ان الغش ثلثها]

[مسألة 8]: لو كان عنده ثلاث مأئة درهم مغشوشة و علم ان الغش ثلثها مثلا- على التساوي في أفرادها- يجوز له أن يخرج خمسة دراهم من الخالص، و أن يخرج سبعة و نصفا من المغشوش.

______________________________

(1) عملا بالعلم الإجمالي و كذا لو احتمل أكثرية أحدهما للعلم بالشغل فيلزم العلم بالفراغ.

قال في التذكرة: «لو كان الغش مما تجب فيه الزكاة وجبت عنهما على ما تقدم فان اشكل الأكثر منهما و لم يمكن التمييز أخرج ما يجب في الأكثر من جنس الأكثر قيمة فلو كان أحد النقدين ستمائة و الآخر أربعمائة أخرج زكاة ستمائة ذهبا و أربعمائة فضة ان كان الذهب أكثر قيمة و الا فالعكس».

ففي المثال القدر المتيقن مما يجب فيه زكاة الذهب أربعمائة و زكاة الفضة كذلك فيبقى مائتان من هذا المجموع مرددة بين كونها ذهبا او فضة و على أي التقديرين هي مال علم بتعلق الزكاة به فعليه الاحتياط باخراج زكاته ذهبا مرة و فضة أخرى ان

أراد الاخراج من العين أو باخراج قيمة يقطع بكونها مجزية عن الفريضة الواجبة في البين أو باخراج الأعلى قيمة منهما بقصد الزكاة مرددا بين كونه فريضة أو قيمة. و كذا لو احتمل كون أحدهما أكثر اذ تعلق الزكاة به معلوم اجمالا فيلزم القطع بالفراغ و ليست القيمة بنفسها أولا و بالذات متعلقة للتكليف كي يكون ترددها بين الأقل و الأكثر مصححا للرجوع الى البراءة بالنسبة الى الأكثر كما هو ظاهر.

و من هنا يظهر الحال فيما اذا كان مجموع الألف مرددا بين كونه ذهبا مسكوكا أو فضة مسكوكة فيجب الاحتياط بخلاف ما اذا تردّد بين كونه من أحد النقدين أو من غيرهما من المعادن.

(2) بل بعنوان الزكاة مرددة بين كونها نفس الفريضة أو قيمتها كما أشار اليه أخيرا بقوله:

«بقصد ما في الواقع».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 325

و اما اذا كان الغش بعد العلم بكونه ثلثا في المجموع- لا على التساوي فيها- فلا بدّ من تحصيل العلم بالبراءة اما باخراج الخالص و اما بوجه آخر (1).

[اذا ترك نفقة لأهله مما يتعلق به الزكاة و غاب]

[مسألة 9]: اذا ترك نفقة لأهله مما يتعلق به الزكاة و غاب و بقي الى آخر السنة بمقدار النصاب لم تجب عليه الّا اذا كان متمكنا من التصرف فيه طول الحول مع كونه غائبا (2).

______________________________

(1) كالتصفية أو الاختبار بالماء أو اعطاء القيمة، و اما السبعة و نصف فلا تجزي لاحتمال أن تكون أكثر غشا من غيرها فلا تساوي خمسة دراهم خالصة.

(2) في النهاية: «فاذا خلف الرجل دراهم او دنانير نفقة لعياله لسنة او سنتين أو أكثر من ذلك مقدار ما يجب فيه الزكاة و كان الرجل غائبا لم تجب فيها زكاة فان كان حاضرا وجبت عليه الزكاة».

و في الشرائع: «السادسة

اذا ترك نفقة لأهله فهي معرضة للإتلاف تسقط الزكاة عنها مع غيبة المالك و يجب لو كان حاضرا و قيل تجب فيها على التقديرين و الأول مروي».

و في التذكرة ذكر التفصيل بين الحاضر و الغائب و حكم في الغائب بعدم الزكاة اما على أهله فلعدم الملك في حقهم و اما عليه فلأنها في معرض الاتلاف.

و في الجواهر نسب التفصيل بين الحاضر و الغائب الى المشهور شهرة عظيمة.

و الأصل في المسألة موثقة اسحاق بن عمار عن أبي الحسن الماضي «ع» قال: قلت له: رجل خلف عند أهله نفقة الفين لسنتين عليها زكاة؟ قال: ان كان شاهدا فعليه زكاة و ان كان غائبا فليس عليه زكاة.

و مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا التي هي بحكم المسند، عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول قال: ان كان مقيما زكاه و ان كان غائبا لم يزك.

و خبر أبي بصير الذي لا يبعد كونه موثوقا به، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: الرجل يخلف لأهله ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتين عليه زكاة؟ قال: ان كان شاهدا فعليها زكاة و ان كان غائبا فليس فيها شي ء «1».

و قد مرّ في أوائل الزكاة في باب الشرائط العامة اعتبار التمكن من التصرف و كون المال عنده و بيده بمعنى استيلائه عليه و كون قبضه و بسطه بيده و ذكروا من أمثلته المال المفقود و المغصوب و مال الغائب و نحوها.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 17 من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 326

..........

______________________________

و لكن يظهر من الأصحاب عدم كون المسألة من مصاديق تلك المسألة فانهم تعرضوا لتلك المسألة

في جملة الشرائط العامة و لكن تعرضوا لمسألتنا هذه في باب زكاة النقدين و يظهر منهم التفصيل هنا بين الحاضر و الغائب مطلقا سواء تحقق في البين التمكن من التصرف أم لا اعتمادا على ظاهر الاخبار في المسألة.

و لكن ابن ادريس في السرائر بعد نقل المسألة عن الشيخ في نهايته قال: «و هذا غير واضح بل حكمه حكم المال الغائب ان قدر على أخذه متى أراده بحيث متى رامه أخذه فانه يجب عليه فيه الزكاة سواء كان نفقة او مودعا او كنزه في كنز فانه ليس بكونه نفقة خرج من ملكه، و لا فرق بينه و بين المال الذي في يد وكيله او مودعه و خزانته و إنما أورده في نهايته ايرادا لا اعتقادا فانه خبر من اخبار الآحاد لا يلتفت اليه».

و أجاب عنه في الجواهر بما حاصله مع توضيح منا: «ان الواجب الخروج عنه بهذه النصوص و كون التعارض بين ما دلّ على وجوب الزكاة فيما تمكن منه و بين هذه النصوص الدالة على عدم الوجوب في النفقة اذا كان غائبا العموم من وجه لا ينافي ظهور هذه النصوص في الفرد الذي هو محل النزاع فيتجه التخصيص بها بل قد يجول في الذهن ان مبنى هذه النصوص على خروج هذا الفرد عن تلك العمومات تخصصا لا تخصيصا باعتبار تعريضه للتلف بالانفاق و الاعراض عنه لهذه الجهة الخاصة، فكأنه أخرجه عن ملكه خصوصا مع عدم علمه بسبب غيبته عنه كيف صنع به عياله، و يمكن ان يكون بدلوه بمال آخر او اشتروا به ما يحتاجونه.

و بالجملة لا يخفى على من له ذوق بالفقه و معرفة بخطاباتهم ان المراد من هذا التفصيل انه لا يصدق على

هذا المال انه حال الحول عليه و هو عنده خصوصا و ليس في هذه النصوص اشارة الى التخصيص و ربما كان في قول المصنف «معرضة للإتلاف» اشارة الى بعض ذلك».

انتهى ما في الجواهر.

أقول: بعد اللتيا و التي الظاهر ان الحق في المسألة مع ابن ادريس و تبعه المصنف أيضا كما تراه اذ الشهرة في المسألة بنحو تكون حجة غير ثابتة. و الاخبار و ان وقع فيها التفصيل بين الشاهد و الغائب و لكن يظهر بالدقة في الاخبار التي مرّت في باب عدم التمكن من التصرف ان لفظ الغيبة ذكرت كناية عن عدم كون المال في يده بحيث يقلبه كيف يشاء و انقطاعه عنه بالكلية، فالملاك كل الملاك كون المال تحت سلطنته بحيث يقبله كيف يشاء بنفسه او بوكيله غائبا كان او حاضرا و ليس لمسألة نفقة الزوجة خصوصية.

و الفرق بين الغيبة و الشهود في الاخبار من جهة ان الغيبة عن المال في عصر الأئمة- عليهم السلام- كانت غالبا موجبة للانقطاع عن المال بالكلية اذ لم توجد في تلك الأعصار وسائل المخابرات الدارجة في عصرنا من التليفون و التلغراف و نحوهما فلو فرض كون قبض المال و بسطه

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 327

[اذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة]

[مسألة 10]: اذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة و كان كلها أو بعضها أقل من النصاب فلا يجبر الناقص منها بالجنس الآخر، مثلا اذا كان عنده تسعة عشر دينارا و مأئة و تسعون درهما لا يجبر نقص الدنانير بالدراهم و لا العكس (1).

______________________________

مع غيبته بيده و تحت سلطنته بحيث يصدر منه الدستور دائما في أنحاء صرفه وجب فيه الزكاة.

و لو صار منقطعا عنه بالكلية مع حضوره كصيرورته محبوسا او

ممنوعا من التصرف و لو من قبل أهل بيته ظلما لم تجب الزكاة.

و المعرضية للتلف المذكورة في الشرائع و التذكرة بعنوان الدليل لا تفيد شيئا و الّا لمنعت عن الوجوب مع الحضور أيضا.

كيف؟ و قد حكمنا بوجوب الزكاة في مهر الزوجة بعد حلول الحول عليه و ان كان في معرض التلف بالطلاق قبل الدخول او الفسخ او نحوهما.

(1) لا اشكال عند فقهاء الامامية في انه لا يكمل نصاب أحد النقدين بالآخر و هو الظاهر من اخبارنا فان الظاهر منها ان كلا منهما موضوع مستقل يشترط فيه النصاب. و عند فقهاء العامة يكمل نصاب أحدهما بمال التجارة. و اختلفوا في تكميل أحدهما بالآخر.

ففي المعتبر: «لا يضمّ عروض التجارة الى الفضة و لا الى الذهب، و أطبق الجمهور على ضمها».

و في مختصر أبي القاسم الخرقي، المؤلّف على فقه الحنابلة «و لا زكاة فيما دون المائتين الّا ان يكون في ملكه ذهب أو عروض التجارة فيتم به».

و في المغني لابن قدامة في شرحه: «فان عروض التجارة تضم الى كل واحد من الذهب و الفضة و يكمل به نصابه لا نعلم فيه اختلافا. قال الخطابي: و لا أعلم عامّتهم اختلفوا فيه ...،

و لو كان له ذهب و فضة و عروض وجب ضمّ الجميع بعضه الى بعض في تكميل النصاب». ثم تعرض للقولين في ضمّ أحد النقدين الى الآخر.

و في الخلاف (المسألة 99): «اذا كان معه ذهب و فضة ينقص كل واحد منهما عن النصاب لم يضمّ أحدهما الى الآخر، مثل ان يكون معه مأئة درهم و عشرة دنانير لا بالقيمة و لا بالاجزاء و به قال الشافعي و أكثر أهل الكوفة: ابن أبي ليلى و شريك و الحسن بن

صالح بن حي و أحمد بن حنبل و أبو عبيد القاسم بن سلام، و ذهبت طائفة الى انهما متى قصرا عن نصاب ضممنا أحدهما الى الآخر و أخذنا الزكاة منهما ذهب اليه مالك و الاوزاعي و ابو حنيفة و أبو يوسف و محمد ...، دليلنا اجماع الفرقة فانهم لا يختلفون فيه».

هذا و يدلّ على ما اختاره أصحابنا مضافا الى ظهور اخبار زكاة النقدين و نصابهما في

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 328

..........

______________________________

استقلال كل منهما صحيحة زرارة انه قال لأبي عبد اللّه «ع»: «رجل عنده مأئة و تسعة و تسعون درهما و تسعة عشر دينارا أ يزكّيها؟ فقال: لا، ليس عليه زكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى يتم». و في نقل الشيخ: «حتى يتم اربعون دينارا و الدراهم مأتي درهم» «1».

و للصحيحة ذيل يدل على عدم تكميل النصاب في أحد الأنعام الثلاثة أيضا بالآخرين و قد مرّ في أول باب الأنعام.

و يدل على المسألة أيضا موثقة اسحاق بن عمّار قال: سألت أبا ابراهيم «ع» عن رجل له مأئة درهم و عشرة دنانير أ عليه زكاة؟ فقال: ان كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة. قلت: لم يفرّ بها، ورث مأئة درهم و عشرة دنانير، قال: ليس عليه زكاة. قلت: فلا تكسر الدراهم على الدنانير و لا الدنانير على الدراهم؟ قال: لا «2».

نعم يعارضهما على الظاهر موثقته الأخرى عنه «ع» قال: قلت له: تسعون و مأئة درهم و تسعة عشر دينارا أ عليها في الزكاة شي ء؟ فقال: اذا اجتمع الذهب و الفضة فبلغ ذلك مأتي درهم ففيها الزكاة لأن عين المال الدراهم و كل ما خلا الدراهم من ذهب او متاع فهو عرض مردود

ذلك الى الدراهم في الزكاة و الديات «3».

و الشيخ احتمل في التهذيب ان يكون المشار اليه في قوله: «فبلغ ذلك» الفضة خاصة او كل منهما. و لا يخفى كونهما خلاف الظاهر.

و يحتمل كون مورد الرواية زكاة مال التجارة اذا فرض كون مال التجارة عبارة عن النقدين و الأمتعة معا. و يحتمل التقية أيضا.

و كيف كان فظاهر الرواية غير معمول به عندنا متروك فتدبر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1. و الباب 1 منها، الحديث 14.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 329

[4- فصل في زكاة الغلّات الأربع]

[الغلّات الأربع]

فصل في زكاة الغلّات الأربع و هي- كما عرفت- الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. و في إلحاق السلت- الذي هو كالشعير في طبعه و برودته و كالحنطة في ملاسته و عدم القشر له- اشكال (1) فلا يترك الاحتياط فيه. كالإشكال في العلس- الذي هو كالحنطة- بل قيل: انه نوع منها، في كل قشر حبّتان و هو طعام أهل صنعاء فلا يترك الاحتياط فيه أيضا.

______________________________

(1) قد مرّ منّا مفصلا في البحث عما يجب فيه الزكاة ان المشهور بين أصحابنا عدم وجوب الزكاة فيما تنبت من الأرض الّا في الغلات الأربع و به قال بعض العامة أيضا و نطق بذلك كثير من اخبارنا و قال أكثر العامة بوجوبها في جميع الحبوب و به قال ابن الجنيد و يونس بن عبد الرحمن منا و يدلّ عليه أيضا اخبار كثيرة حملها المفيد و الشيخ و من تابعهما على الاستحباب و السيد المرتضى و

صاحب الحدائق على التقية فان قيل بالوجوب في جميع الحبوب فلا محالة تجب في السلت و العلس أيضا.

و اما على المشهور من عدم وجوبها في غير الغلات الأربع فهل تجب فيهما لكونهما من أصناف الحنطة و الشعير أو لا لكونهما نوعين مستقلين أو لانصراف لفظ الحنطة و الشعير عنهما و لو اتحدا معهما ماهية و حقيقة؟ في المسألة خلاف بيننا.

ففي الخلاف و المبسوط و عن العلامة في بعض كتبه و ابن ادريس و الشهيدين و المحقق الثاني و الميسى الوجوب.

و في الشرائع و المختلف عدم الوجوب بل عن كشف الالتباس و المفاتيح انه المشهور بل عن الغنية الاجماع عليه و ان لم أتحقق النسبة اذ الاجماع في الغنية على عدم الوجوب فيما عدا التسعة لا على عدم الوجوب في خصوص السلت و العلس فراجع.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 330

..........

______________________________

و كيف كان فيظهر من كثير من كلمات اللغويين و الفقهاء ان السلت صنف من الشعير و العلس صنف من الحنطة و يظهر من بعض الكلمات كونهما نوعين مستقلين و يظهر من الجواهر و المصباح تفريع الوجوب و عدمه على ما ذكر فتجب الزكاة فيهما ان كانا منهما و لا تجب ان كانا نوعين مستقلين.

و لكن لأحد أن يقول: انه لو فرض عدم كونهما نوعين مستقلين و اتحادهما مع الحبتين الدارجتين المسمّيتين بالحنطة و الشعير بحسب الماهية و الحقيقة و لكن من المحتمل كون لفظى الحنطة و الشعير المذكورين في عداد التسعة اسمين لخصوص الصنفين الدارجين المعمولين لا للماهيتين باطلاقهما و لا أقل من انصرافهما الى خصوص هذين الصنفين فلا يشملان للصنفين المسلمين بالسلت و العلس و وضع اللفظ لخصوص الصنف من النوع او انصرافه اليه

بلا اشكال و لذا ذكر لفظ السلت في صحيحة محمد بن مسلم و موثقة زرارة في قبال الشعير منفصلا عنه فيبعد كونه من قبيل ذكر الخاص بعد العام فراجع الوسائل الباب التاسع من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

و بالجملة فصرف اثبات الاتحاد بحسب الماهية و الحقيقة لا يكفي لا ثبات الوجوب بل يتوقف مضافا الى ذلك على اثبات كون لفظي الحنطة و الشعير موضوعين للماهيّتين باطلاقهما و كونهما المراد بحسب الاستعمال أيضا من دون انصراف في البين. و على أي حال فلنذكر بعض كلمات الفقهاء و اللغويين في المقام.

ففي الخلاف (المسألة 76): «الحنطة و الشعير جنسان لا يضم أحدهما الى صاحبه ... و اما السلت فهو نوع من الشعير يقال انه بلون الحنطة و طعمه طعم الشعير بارد مثله، فاذا كان كذلك ضم اليه و حكم فيه بحكمه».

و في المبسوط: «لا زكاة في شي ء من الحبوب غير الحنطة و الشعير و السلت و هو شعير فيه مثل ما فيه».

و فيه أيضا: «و العلس نوع من الحنطة يقال اذا ديس بقى كل حبتين في كمام، ثم لا يذهب ذلك حتى يدقّ او يطرح في رحى خفيفة و لا يبقى بقاء الحنطة و بقائها في كمامها و يزعم أهلها انها اذا هرست او طرحت في رحى خفيفة خرجت على النصف».

و في نهاية ابن الأثير: «و فيه انه سئل عن بيع البيضاء بالسلت فكرهه. السلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له و قيل هو نوع من الحنطة، و الأول أصحّ لأن البيضاء الحنطة».

و لم يظهر لي وجه التعليل الأخير لأن بيع الجنس بالجنس أقرب الى الكراهة لشبهة الربا.

و في الصحاح: «السلت بالضم ضرب من الشعير ليس له

قشر كأنه الحنطة».

و فيه أيضا: «و العلس أيضا ضرب من الحنطة يكون حبتان في قشر و هو طعام أهل صنعاء».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 331

..........

______________________________

و في المقاييس: «السلت ضرب من الشعير لا يكاد يكون له قشر و العرب تسميه العريان».

و في مجمع البحرين: «في الحديث سئل عن بيع البيضاء أعني الحنطة بالسلت فكرهه، السلت بالضم فالسكون ضرب من الشعير لا قشر فيه كأنه الحنطة تكون في الحجاز، و عن الازهري انه قال: هو كالحنطة في ملاسته و كالشعير في طبعه و برودته».

و فيه أيضا: «في الحديث ذكر السلت و العلس هو بالتحريك نوع من الحنطة يكون حبتان في قشر و هو طعام أهل صنعاء قاله الجوهري، و قال غيره: هو ضرب من الحنطة يكون في القشر منه حبتان و قد تكون واحدة و ثلاث، و قال بعضهم هو حبة سوداء تؤكل في الجدب، و قيل: هو مثل البر الّا انه عسر الاستنقاء، و قيل هو العدس قاله في المصباح».

و في القاموس: «و السلت بالضم الشعير او ضرب منه الحامض منه».

و فيه أيضا: «العلس محركة القراد و ضرب من البر يكون حبتان في قشر و هو طعام صنعاء و العدس و ضرب من النمل».

و في لسان العرب: «السلت بالضم ضرب من الشعير، و قيل هو الشعير بعينه، و قيل هو الشعير الحامض، و قال الليث: السلت شعير لا قشر له أجرد ...».

و فيه أيضا: «و العلس حب يؤكل و قيل هو ضرب من الحنطة و قال أبو حنيفة: العلس ضرب من البر جيّد غير انه عسر الاستنقاء و قيل: هو ضرب من القمح يكون في الكمام منه حبتان يكون بناحية اليمن و هو طعام أهل

صنعاء. ابن الأعرابي: العدس يقال العلس».

و في الجواهر: «عن العين: السلت شعير لا قشر عليه بالحجاز و الغور يتبردون بالسويق منه في الصيف و نحوه عن المحيط، و عن أدب الكاتب: السلت ضرب من الشعير دقيق القشر صغير الحب و نحوه عن المجمل و ديوان الأدب، و عن المغرب: شعير لا قشر له يكون بالغور و الحجاز».

فهذه كلمات يستفاد من أكثرها كون السلت صنفا من الشعير و العلس صنفا من الحنطة و هنا كلمات لعله يستفاد منها كونهما نوعين مستقلين.

ففي الجواهر: «عن ابن دريد: السلت حب يشبه الشعير او هو بعينه و العلس حبة سوداء تخبز في الجدب أو تطبخ. و عن المغرب: العلس بفتحتين عن الثوري و الجوهري: حبة سوداء اذا أجدب الناس طحنوها و أكلوها و قيل هو مثل البر الّا انه عسر الاستنقاء تكون في الكمامة حبتان و هو طعام أهل صنعاء. و عن المحيط: العلس شجرة كالبر الّا انه مقترن الحب حبتين حبتين.

و عن الفائق: السلت حب بين الحنطة و الشعير لا قشر له».

هذا و في المختلف: «قال الشيخ: العلس نوع من الحنطة ... و أوجب الزكاة في المجتمع من العلس و الحنطة و جعل السلت نوعا من الشعير و أوجب الزكاة فيها أيضا، و الأقرب انهما نوعان

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 332

[لا تجب الزكاة في غير الأربع]

و لا تجب الزكاة في غيرها (1) و ان كان يستحب اخراجها من كل ما تنبت الأرض (2) مما يكال أو يوزن من الحبوب كالماش و الذرة و الأرزّ و الدخن و نحوها الّا الخضر و البقول.

______________________________

متغايران للحنطة و الشعير فلا زكاة فيهما».

و في الشرائع بعد ذكر السلت و العلس مما يستحب فيه الزكاة قال: «و

قيل: السلت كالشعير و العلس كالحنطة في الوجوب و الأول أشبه».

و في القواعد: «العلس حنطة حبتان منه في كمام واحد على رأي و السلت يضم الى الشعير لصورته و يحتمل الى الحنطة لاتفاقهما طبعا و عدم الانضمام».

و لا يخفى ان كلامه في السلت مباين لكلام الشيخ في الخلاف و قد أطلنا الكلام في نقل الكلمات و قد رأيت ان الأكثر على كون السلت صنفا من ماهية الشعير و العلس صنفا من ماهية الحنطة.

و لكن قد عرفت ان هذا لا يكفي في وجوب الزكاة فيهما لاحتمال كون لفظي الحنطة و الشعير الواردين في الأخبار موضوعين لخصوص الصنفين الدارجين المعروفين من تلك الماهيتين و لا أقل من انصرافهما اليهما بحسب الاستعمال كما ان لفظي السلت و العلس موضوعان للصنفين غير الدارجين و صرف الاحتمال موجب للشك في التكليف بالنسبة اليهما و الأصل يقتضي البراءة.

و لعل هذا مراد صاحب الجواهر حيث قال: «لا يخفى عليك ان المدار على الاسم الذي لا مدخلية له في الصورة و الطبيعة، و تناوله له على وجه الحقيقة المساوية للفرد الآخر في الفهم عند الاطلاق في زمن صدور الاخبار محل نظر او منع فالأصل حينئذ بحاله».

هذا و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه خصوصا بالنسبة الى السلت الذي قد يعبر عنه في العرف بشعير النبي.

و في مصباح الفقيه ما حاصله: «ان الاعتماد على قول اللغويين في مثل المقام لا يخلو من اشكال فانه إنما يرجع الى اللغة في تفسير مداليل الألفاظ لا في تحقيق ماهيتها و ليس الاشكال هاهنا في تفسير مفهوم السلت و العلس و لا مفهوم الحنطة و الشعير اذ لا شبهة في ان الحنطة موضوعة لجنس هذا الذي يخبز و يؤكل

و كذا الشعير فليس الاشكال هاهنا في شرح الاسم الذي بيانه وظيفة أهل اللغة بل الاشكال في ان الماهيتين المسميتين بذلك الاسمين في العرف هل هما متحدتان بالنوع مع ما يسمّى في العرف حنطة أو شعيرا أم مغايرتان لهما بالذات و ان تشابهتا في الصورة و بعض الخواص». انتهى و هو جيّد كما لا يخفى.

(1) على المشهور خلافا لابن الجنيد و يونس و قد مرّ تفصيل المسألة في مقام البحث عما تجب فيه الزكاة و مرّ ان الأحوط تزكيتها.

(2) بناء على حمل الاخبار الدالة على ثبوت الزكاة فيها على الاستحباب كما صنعه المفيد

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 333

[حكم ما يستحب فيه حكم ما يجب فيه في قدر النصاب]

و حكم ما يستحب فيه حكم ما يجب فيه في قدر النصاب و كمية ما يخرج منه و غير ذلك (1).

[يعتبر في وجوب الزكاة في الغلّات أمران]

[الأوّل النصاب]

[دليل بلوغ النصاب]

و يعتبر في وجوب الزكاة في الغلّات أمران: الأول: بلوغ النصاب (2).

______________________________

و الشيخ و متابعوهما و اما السيد المرتضى و صاحب الحدائق فحملاها على التقية. فالاستحباب عندهما غير ثابت فراجع ما حررناه في مقام البحث عما تجب فيه الزكاة.

(1) بالإجماع المحقق و المحكى مستفيضا كما في المستند و ان لا يخلو من اشكال، و للإطلاق المقامي في الاخبار المحمولة على الاستحباب فان الظاهر منها كون مواردها بحسب الشرائط و ما يخرج منها مثل ما تجب فيها من الغلات الاربع، نظير ما ذكروه في باب الصلاة من ان اطلاق النوافل يحمل على كونها بحسب الاجزاء و الشرائط مثل الفرائض الّا ما ثبت بالدليل، و للأخبار المتعرضة لذلك كمرسل تحف العقول، عن الرضا «ع» في كتابه الى المأمون قال: و العشر من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و كل ما يخرج من الأرض من الحبوب اذا بلغت خمسة أوسق ففيها العشر ان كان يسقى سيحا و ان كان يسقى بالدوالي ففيها نصف العشر ... «1».

و صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة ...

و موثقته قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: في الذرة شي ء؟ فقال لي: الذرة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة.

و صحيحة محمد بن اسماعيل، عن أبي الحسن «ع» و فيها: و اما الارز فما سقت السماء العشر و ما سقي بالدلو فنصف

العشر من كل ما كلت بالصاع «2». الى غير ذلك من الاخبار فراجع.

(2) في الجواهر: «لا اشكال و لا خلاف في اعتبار بلوغ النصاب في الوجوب بل الاجماع بقسميه عليه كما ان النصوص متواترة فيه بل هو ضروري».

و لكن أبو حنيفة مخالف في ذلك ففي الخلاف (المسألة 68): «لا زكاة في شي ء من الغلات حتى تبلغ خمسة أوسق و الوسق ستون صاعا يكون ثلاثمائة صاع كل صاع أربعة أمداد يكون ألفا و مأتي مدّ. و المد رطلان و ربع بالعراقي يكون ألفين و سبعمائة رطل فان نقص من ذلك فلا زكاة فيه و به قال الشافعي الّا انه خالف في وزن المد و الصاع فجعل وزن كل مدّ رطلا و ثلثا يكون على مذهبه ألفا و ستمائة رطل بالبغدادي و به قال ابن عمر و جابر و مالك و الليث بن سعد و الاوزاعي

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 9.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6، 10 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 334

..........

______________________________

و الثوري و أبو يوسف و محمد. و قال أبو حنيفة: لا يعتبر فيه النصاب بل تجب في قليله و كثيره حتى لو حملت النخلة رطبة واحدة كان فيها عشرها، دليلنا اجماع الطائفة ... و روى أبو سعيد الخدري ان النبي «ص» قال: ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة و روى أبو الزبير عن جابر ان النبي «ص» قال: لا زكاة في شي ء من الحرث حتى يبلغ خمسة أوسق فاذا بلغ خمسة أوسق ففيه الصدقة و الوسق ستون صاعا».

و كيف كان فالظاهر ان على أصل اعتبار

النصاب في الغلات و كذا كونه خمسة أوسق اجماع المسلمين غير أبي حنيفة حتى ان تلميذيه أبي يوسف و محمد بن الحسن أيضا خالفاه، و الاخبار على المسألتين واردة من طرق الفريقين بل لعلها متواترة كما في الجواهر.

نعم اخبارنا على أربع طوائف: فكثير منها تدل على خمسة أوسق و لعلها متواترة، و خبران على وسق، و خبران على وسقين، و خبر على عدم اعتبار النصاب اصلا.

اما الأولى فمنها صحيحة سعد بن سعد الأشعري قال: سألت أبا الحسن «ع» عن أقل ما تجب فيه الزكاة من البرّ و الشعير و التمر و الزبيب فقال: خمسة أوساق بوسق النبي «ص» فقلت: كم الوسق؟ قال: ستون صاعا، قلت: و هل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه اذا صيّره زبيبا؟

قال: نعم اذا خرصه أخرج زكاته «1».

و منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن التمر و الزبيب ما أقل ما تجب فيه الزكاة؟ فقال: خمسة أوسق و يترك معا فارة و أم جعرور لا يزكيان و ان كثرا ... «2».

و منها صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال: ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر، و ما كان منه يسقى بالرشا و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي ء، و ليس فيما انبتت الأرض شي ء الّا في هذه الأربعة أشياء «3».

و منها موثقة زرارة و بكير، عن أبي جعفر «ع» قال: و اما ما انبتت الأرض من شي ء من

الأشياء فليس فيه زكاة الّا في أربعة أشياء: البر و الشعير و التمر و الزبيب و ليس في شي ء من هذه الأربعة الأشياء شي ء حتى تبلغ خمسة أوساق، و الوسق ستون صاعا و هو ثلاثمائة صاع بصاع النبي «ص» فان كان من كل صنف خمسة أوساق غير شي ء و ان قلّ فليس فيه شي ء و ان نقص

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 335

..........

______________________________

البر و الشعير و التمر و الزبيب او نقص من خمسة أوساق صاع او بعض صاع فليس فيه شي ء ... «1». الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

و اما ما دلّ على الوسق فمنها موثقة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته في كم تجب الزكاة من الحنطة و الشعير و الزبيب و التمر؟ قال: في ستين صاعا «2».

و منها مرسلة ابن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الزكاة في كم تجب في الحنطة و الشعير؟ فقال: في وسق «3».

و اما ما دلّ على الوسقين فروايتان عن أبي بصير لعلهما ترجعان الى واحدة، ففي الأولى قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: لا تجب الصدقة الّا في وسقتين، و الوسق ستون صاعا و في الثانية عن أبي عبد اللّه «ع» قال: لا يكون في الحب و لا في النخل و لا في العنب زكاة حتى تبلغ و سقين، و الوسق ستون صاعا «4».

و اما ما دلّ على عدم اعتبار النصاب فموثقة اسحاق بن عمار، عن أبي ابراهيم «ع»

قال: سألته عن الحنطة و التمر عن زكاتهما، فقال: العشر و نصف العشر، العشر مما سقت السماء و نصف العشر مما سقي بالسواني، فقلت: ليس عن هذا أسألك إنما أسألك عمّا خرج منه قليلا كان أو كثيرا له حدّ يزكّى ما خرج منه؟ فقال: زك ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كل عشرة واحدا و من كل عشرة نصف واحد قلت: فالحنطة و التمر سواء؟ قال: نعم «5».

و الشيخ على عادته من الاصرار على جمع الاخبار المتنافية حمل خبر اسحاق بن عمار على ما زاد على الخمسة أوساق و اخبار الوسق و الوسقين على الاستحباب و مراتب الفضل و قال: المراد بالوجوب فيها تأكيد الندب.

و في الحدائق: «الأظهر الحمل على التقية و ان لم يكن بذلك مصرّح من العامة مع ان أبا حنيفة لا يعتبر النصاب بل يوجب الزكاة في كل ما خرج قليلا كان او كثيرا».

و على أي حال فأصحابنا متفقون على اعتبار النصاب و انه خمسة أوسق كما انهما المشهوران أيضا عن غير أبي حنيفة، فالأخذ بذلك متعين و اللّه العالم.

[مقدار النصاب]

تنبيه: لا اشكال و لا خلاف بين الفريقين بل الاجماع بقسميه على ان الوسق ستون صاعا فالنصاب ثلاثمائة صاع، كما لا خلاف في ان الصاع أربعة أمداد. نعم في مقدار المدّ خلاف

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 8.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 10.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 4.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1 و 3.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

كتاب

الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 336

..........

______________________________

بيننا و بين أهل السنة فلنذكر بعض كلمات الأصحاب.

ففي الشرائع: «و الوسق ستون صاعا و الصاع تسعة ارطال بالعراقي و ستة بالمدني و هو اربعة امداد و المد رطلان و ربع فيكون النصاب ألفين و سبعمائة رطل بالعراقي».

و في الخلاف (المسألة 69): «الصاع اربعة امداد و المد رطلان و ربع بالعراقي، و قال أبو حنيفة: المد رطلان، و قال الشافعي رطل و ثلث، دليلنا اجماع الفرقة».

و في المعتبر: «و الصاع اربعة امداد باتفاق العلماء الّا في رواية شاذّة لنا. و اختلف الفقهاء في المد، و المرويّ عن أهل البيت «ع» انه رطلان و ربع فيكون الصاع تسعة ارطال بالعراقي، و قال ابن أبي نصر منا: رطل و ربع بالعراقي، و قال الشافعي و أحمد: رطل و ثلث فيكون الصاع خمسة أرطال و ثلث، و قال أبو حنيفة: المد رطلان فيكون الصاع ثمانية أرطال».

و مراده بالرواية الشاذة روايتا سليمان بن حفص و سماعة الآتيتان الدالتان على ان الصاع خمسة امداد و لم يفت بهما أحد.

و لعل مستند ابن أبي نصر في مقدار المد رواية سماعة اذ فيها ان المد رطل و ثلاث أواق و معلوم ان الرطل اثنتا عشرة أوقية. هذا.

و في المنتهى: «و الوسق ستون صاعا بصاع النبي «ص» و يكون مقدار النصاب ثلاثمائة صاع، و الصاع أربعة امداد. و هذان الحكمان مجمع عليهما ...».

و في الغنية: «و الوسق ستون صاعا و الصاع عندنا أربعة أمداد بالعراقي، و المد رطلان و ربع بالعراقي بدليل الاجماع المشار اليه».

و في مختصر الخرقي من فقه الحنابلة: «و الوسق ستون صاعا و الصاع خمسة أرطال و ثلث بالعراقي».

و كيف كان فيدل على كون الصاع

أربعة أمداد مضافا الى الاجماع و عدم الخلاف فيه قول الصادق- عليه السلام- في صحيحتي الحلبي و عبد اللّه بن سنان في باب الفطرة: «و الصاع أربعة أمداد» «1».

و كذا قول الرضا «ع» في خبر الفضل بن شاذان: «صاع و هو أربعة امداد» «2».

و ما رواه في تحف العقول عنه «ع» في كتابه الى المأمون: «و الوسق ستون صاعا و الصاع تسعة أرطال و هو أربعة امداد و المد رطلان و ربع بالرطل العراقي». قال و قال الصادق «ع»: هو تسعة

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 12.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 18.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 337

..........

______________________________

ارطال بالعراقي و ستة بالمدني «1».

و كذلك صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال: كان رسول اللّه يتوضأ بمدّ و يغتسل بصاع و المد رطل و نصف و الصاع ستة ارطال». قال الشيخ يعني ارطال المدينة و يكون تسعة ارطال بالعراقي «2». اذ يستفاد منها أيضا ان الصاع أربعة امداد. نعم يستفاد من خبر سليمان و سماعة انه خمسة امداد و سيأتي البحث عنهما.

و اما مقدار الصاع و كذا المدّ بحسب الأرطال فيدل عليه مضافا الى ما مرّ اخبار:

منها خبر جعفر بن ابراهيم بن محمد الهمداني قال: كتبت الى أبي الحسن «ع» على يدي أبي:

جعلت فداك ان أصحابنا اختلفوا في الصاع: بعضهم يقول: الفطرة بصاع المدني و بعضهم يقول: بصاع العراقي، قال: فكتب إليّ: الصاع بستة أرطال بالمدني و تسعة أرطال بالعراقي.

قال: و أخبرني انه يكون بالوزن ألفا و مأئة و سبعين وزنة (سبعين درهما- عيون الاخبار-) «3».

و المراد بأبي الحسن أبو الحسن الثالث الهادي- عليه

السلام- و ابراهيم بن محمد من وكلائه «ع» و جعفر ابنه أيضا ممدوح و حيث ثبت بالاخبار السابقة نسبة الصاع و المدّ يستفاد من هذا الخبر و كذا ما بعده نسبة المد و الأرطال أيضا كما لا يخفى.

و منها خبر ابراهيم بن محمد الهمداني أيضا ان أبا الحسن صاحب العسكر كتب اليه (في حديث): الفطرة عليك و على الناس كلهم ... تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة و الرطل مأئة و خمسة و تسعون درهما يكون الفطرة ألفا و مأئة و سبعين درهما «4».

و منها خبر علي بن بلال قال: كتبت الى الرجل «ع» أسأله عن الفطرة و كم تدفع؟ قال:

فكتب- عليه السلام-: ستة أرطال من تمر بالمدني و ذلك تسعة أرطال بالبغدادي «5».

فتحصل من جميع هذه الاخبار ان الصاع بحسب المد أربعة أمداد و بحسب الأرطال ستة بالمدني و تسعة بالعراقي و بحسب الدرهم ألف و مأئة و سبعون درهما فيكون المدّ مأتين و اثنين و تسعين درهما و نصفا و الرطل المدني مأئة و خمسة و تسعون درهما و العراقي مأئة و ثلاثون درهما و على جميع ذلك استقرت فتاوى الأصحاب.

نعم هنا خلافان يجب ان ينبه عليهما: الأول: روايتا سليمان و سماعة حيث يستفاد منهما ان الصاع خمسة أمداد فروى سليمان بن حفص المروزي قال: قال أبو الحسن، موسى بن

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 9 و 10.

(2)- الوسائل ج 1 الباب 5 من أبواب الوضوء، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب

زكاة الفطرة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 338

..........

______________________________

جعفر «ع»: الغسل بصاع من ماء و الوضوء بمد من ماء، و صاع النبي «ص» خمسة امداد، و المدّ وزن مأتين و ثمانين درهما و الدرهم وزن ستة دوانيق، و الدانق وزن ستة حبّات، و الحبّة وزن حبتي الشعير من أوسط الحب لا من صغاره و لا من كباره «1».

و الخبر مرسل و هو من مشكلات الاخبار لاشتماله على مخالفات لما أفتى به الأصحاب و وردت به الاخبار منها تقدير الصاع بخمسة أمداد و منها تقدير المد بمائتين و ثمانين درهما اذ لازمه كون الصاع ألفا و أربعمائة درهم و قد مرّ انه ألف و مأئة و سبعون درهما و منها تقدير الدانق باثنتي عشرة شعيرة و قد مرّ في تقدير الدرهم ان الدانق ثمان شعيرات.

هذا و روى سماعة قال: سألته عن الذي يجزي من الماء للغسل فقال: اغتسل رسول اللّه «ص» بصاع و توضأ بمدّ و كان الصاع على عهده خمسة أمداد و كان المد قدر رطل و ثلث أواق «2».

فمقتضى الخبرين كون الصاع خمسة أمداد و قد تسالم الاخبار و فتاوى الفريقين في جميع الأعصار على كونه أربعة أمداد.

و أجيب عن الخبرين بوجوه: الأول: انه من المحتمل مغايرة الصاع الذي كان على عهد النبي «ص» للصاع المتعارف في عصر الأئمة- عليهم السلام.

و فيه أولا ان المتدبر في الاخبار الواردة في تحديد الصاع بأربعة أمداد لا يكاد يرتاب في ان المراد بالصاع فيها هو صاع النبي الذي جرت عليه الأحكام و منها الفطرة كما وقع التعبير بذلك في بعض اخبار الفطرة فراجع. و ثانيا قد صرحت صحيحة زرارة التي مرّت بأن رسول اللّه «ص» كان

يتوضأ بمدّ و يغتسل بصاع و المدّ رطل و نصف و الصاع ستة أرطال. و مقتضاها كون الصاع أربعة أمداد.

الثاني: ما في الاستبصار فانه بعد ما حكم بكون قوله: «خمسة أمداد» و هما من الراوي قال:

«و يجوز ان يكون ذلك اخبارا عما كان يفعله النبي «ص» اذا شارك في الاغتسال بعض ازواجه»، ثم استشهد لذلك بما دلّت من الاخبار على أنه «ص» كان يغتسل مع بعض ازواجه بخمسة أمداد من الماء.

الثالث: ما في البحار و حاصله: «انه يظهر من الصدوق في الفقيه انه حمل خبر المروزي على صاع الغسل و خبر الهمداني على صاع الفطرة حيث ذكر الاول في باب الغسل و الثاني في باب الفطرة و قد صرح بذلك في معاني الاخبار حيث قال: باب معنى الصاع و المدّ و الفرق بين صاع

______________________________

(1)- الوسائل ج 1 الباب 50 من أبواب الوضوء، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 1 الباب 50 من أبواب الوضوء، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 339

..........

______________________________

الماء و مدّه و بين صاع الطعام و مدّه. بل نقول الاعتبار و النظر يقتضي الاختلاف اذ معلوم ان الرطل و المدّ و الصاع كانت في الأصل مكائيل معينة فقدّرت بوزن الدراهم و شبهها صونا عن التغيير و معلوم ان الاجسام المختلفة يختلف قدرها بالنسبة الى كيل معين فلا يمكن أن يكون الصاع من الماء موافقا للصاع من الحنطة و الشعير فلذا كان الصاع و المد و الرطل المعتبر في الوضوء و الغسل أثقل مما ورد في الفطرة و النصاب لكون الماء أثقل من تلك الحبوب مع تساوي الحجم فظهر ان هذا أوجه الوجوه في الجمع بين الاخبار».

و قد تعرض لهذا الجمع في الحدائق أيضا

و جعله الأظهر في الجواب.

أقول: أولا لم يظهر لي مما حققه في البحار محصل اذ لو كان الاختلاف في الصاعين فقط أمكن ان يقال ان مكيالا واحدا لو فرض اشتماله على أربعة أمداد من الشعير مثلا فهو بعينه يشتمل على خمسة أمداد من الماء لثقل الماء و في الحقيقة يكون الصاع مكيالا واحدا و لكنه يختلف بحسب أمداد ما يكال به و لكن يظهر من عبارة المعاني ان الاختلاف في البابين يكون بين الصاع و كذا بين المدّ و حينئذ فكيف نصلح أمر الأربعة أمداد و الخمسة أمداد.

و ثانيا انه يظهر من صحيحة زرارة السابقة ان صاع الماء أيضا في عهد النبي «ص» كان أربعة أمداد لا خمسة أمداد فلا يصح القول باختلاف صاع الماء و صاع الفطرة.

هذا مضافا الى كثرة الاشكالات كما مرّ في مرسلة المروزي فحلّ احديها لا يكفي في رفع الاشكال منها فالأولى كما في مصباح الفقيه ردّ علم الخبرين المزبورين الى أهله مع مخالفتهما لسائر الاخبار و فتاوى الأصحاب بل فتاوى جميع المسلمين حيث عرفت الاجماع على كون الصاع أربعة أمداد و ان اختلفوا في مقدار المدّ بحسب الارطال.

و اما الخلاف الثاني: فهو ان المستفاد من خبر الهمداني و كذا خبر ابنه، جعفر كما عرفت كون الرطل البغدادي مأئة و ثلاثين درهما.

و لكن في الحدائق انه: «ذكر العلامة في التحرير و موضع من المنتهى ان وزنه مأئة و ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع درهم». ثم قال: «و الظاهر انه سهو من قلمه و انه تبع فيه بعض العامة».

أقول: في المغني لابن قدامة «و الرطل العراقي مأئة و ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع درهم».

و في حاشية الحدائق: «في

المجموع، شرح المهذب بعد تقديره بذلك قال: و قيل: مأئة و ثلاثون درهما و به قطع الغزالي و الرافعي». فيظهر منه كون المسألة مختلفا فيها بين العامة.

و في مجمع البحرين عن المصباح: «و الرطل تسعون مثقالا و هي مأئة و ثمانية و عشرون درهما

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 340

..........

______________________________

و أربعة أسباع درهم».

قال في مصباح الفقيه بعد نقل هذا: «لا يجوز ردّ شهادة جلّ الفقهاء لأجل تصريح بعض اللغويين بذلك خصوصا فيما لا اختصاص للّغوي بمعرفته مع امكان صيرورته في زمان ذلك اللغوي الذي فسره بذلك كذلك».

أقول: و ما ذكره جيد لأن شأن اللغوي بيان مفاهيم الألفاظ لا تقدير الأوزان و المقادير.

و كيف كان فالحق المجمع عليه بيننا الّا من شذّ كون النصاب ثلاثمائة صاع و الصاع تسعة أرطال بالعراقي و الرطل وزن مأئة و ثلاثين درهما فالنصاب كله/ 351000 درهم.

[الوسق و الصاع و المدّ مكائيل]

تتمة: يمكن ان يقال: ان الوسق و الصاع و المدّ كلها مكائيل لا أوزان كما يدل على ذلك كلمات أهل اللغة.

ففي الصحاح: «و الوسق بالكسر ستون صاعا و قال الخليل: الوسق هو حمل البعير».

و في النهاية: «و الوسق بالفتح ستون صاعا ... و الأصل في الوسق الحمل و كل شي ء و سقته فقد حملته».

و في الصحاح: «و الصاع الذي يكال به و هو أربعة أمداد ... و الصواع لغة في الصاع».

و في النهاية: «قد تكرر ذكر الصاع في الحديث و هو مكيال يسع أربعة أمداد».

و في الصحاح: «و المدّ مكيال و هو رطل و ثلث عند أهل الحجاز و رطلان عند أهل العراق».

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب

الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 340

و في النهاية: «المدّ في الأصل ربع الصاع ... و قيل: ان أصل المدّ مقدر بأن يمدّ الرجل يديه فيملأ كفيه طعاما».

و بالجملة الأمور المذكورة كلها مكائيل و اعتبار الأشياء في الأعصار السابقة و لا سيما في القرى كان بالمكاييل بالأصالة لا بعنوان الامارية للأوزان و إنما تعارفت الأوزان بعد رقاء البشر في التمدن فالاعتبار في باب النصاب بل و في الفطرة و الكفارات و غيرها بالكيل لا بالوزن.

فان قلت: مقتضى ذلك ان يكون نصاب الشعير مثلا مغايرا لنصاب الحنطة بحسب الوزن اذ الشعير أخف من الحنطة.

قلت: لا نضايق من ذلك بعد كون الملاك الكيل لا الوزن.

فان قلت: الكيل غير مضبوط بالدقة.

قلت: لا يضر ذلك بعد كونه مضبوطا عرفا و معتبرا عندهم في معاملاتهم.

و الحاصل ان مقتضى التدبر في الروايات و كلمات أهل اللغة كون النصاب معتبرا بالكيل لا بالوزن، و حيث ان المكاييل المعتبرة للشارع غير معلومة عندنا فالأصل بالنسبة الى ما شك في بلوغه هذا الحد هو البراءة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 341

..........

______________________________

قال في التذكرة: «النصاب يعتبر بالكيل لأن الأوساق مكيلة و إنما نقلت الى الوزن لتضبط و تحفظ».

فظاهر كلامه يؤيد ما ذكرناه و لم يعلم منه زمان النقل الى الوزن و لا الناقل.

و لعله أخذ ما ذكر مما ذكره ابن قدامة في المغني ففيه: «فصل و النصاب معتبر بالكيل فان الأوساق مكيلة و إنما نقلت الى الوزن لتضبط و تحفظ ... و قال بعض أهل العلم: أجمع أهل الحرمين على ان مدّ النبي «ص» رطل و ثلث قمحا من أوسط القمح فمتى بلغ القمح ألفا و ستمائة رطل ففيه الزكاة و هذا يدل على انهم قدروا الصاع

بالثقيل فاما الخفيف فتجب الزكاة فيه اذا قارب هذا و ان لم يبلغه و متى شك في وجوب الزكاة فيه و لم يوجد مكيال يقدّر به فالاحتياط الاخراج و ان لم يخرج فلا حرج لأن الأصل عدم وجوب الزكاة فلا تجب بالشك».

هذا و لكن ما ذكر من عدم تعارف الوزن في تلك الأعصار يخالف نص القرآن حيث يقول:

«الَّذِينَ إِذَا اكْتٰالُوا عَلَى النّٰاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذٰا كٰالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ» «1»، و في آيات الحكمة في سورة الاسراء: «وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذٰا كِلْتُمْ وَ زِنُوا بِالْقِسْطٰاسِ الْمُسْتَقِيمِ» «2»، و في سورة الميزان «وَ لٰا تُخْسِرُوا الْمِيزٰانَ» «3»، و في سورة الأعراف عن قول شعيب: «فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزٰانَ وَ لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ» «4». الى غير ذلك من الآيات الكريمة المستفاد منها تعارف الميزان في تلك الأعصار البعيدة أيضا.

و الظاهر ان الكيل كان في الأصل امارة على الوزن و كان الوزن هو الأصل في الاعتبار. و قد عرفت في روايتي الهمداني و جعفر ابنه ارجاع الصاع بالاخرة الى الدرهم و الدرهم كان وزنا عندهم و أفتى فقهاؤنا في جميع الأعصار أيضا على وفق ذلك فيعرف بذلك ان الأصل كان هو الوزن و إنما اعتبرت المكاييل امارات عليه تسهيلا للأمر على الفئات التي لا يوجد في دورهم الموازين، نظير الأشبار في باب الكر فان الظاهر ان الاعتبار فيه أيضا بالوزن أعني ألفا و مأتي رطل، و حيث ان وزن الماء غير ميسّر للجميع جعل الشارع الأشبار امارة عليه، و لا يشترط في الامارة عدم الزيادة و إنما يعتبر فيها دوام المطابقة بأن يوجد ذو الامارة قطعا عند وجودها. و حينئذ فلو علم بالوزن من طريق آخر لم

نحتج الى الامارة و لا يضر تخلفها قهرا.

و على هذا بنى العلامة المسألة في منتهاه حيث قال: «النصب تعتبر في الكيل بالأصواع و اعتبر

______________________________

(1)- سورة المطففين، الآية 2.

(2)- سورة الاسراء، الآية 35.

(3)- سورة الميزان (الرحمن)، الآية 9.

(4)- سورة الأعراف، الآية 85.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 342

[النصاب بالاوزان المختلفة]

و هو بالمنّ الشاهي- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا صيرفيا- مأئة و أربعة و أربعون منّا الّا خمسة و أربعين مثقالا (1) و بالمن التبريزي- الذي هو ألف مثقال- مأئة و أربعة و ثمانون منّا و ربع منّ و خمسة و عشرون مثقالا، و بحقة النجف في زماننا (سنة 1326)- و هي تسعمائة و ثلاثة و ثلاثون مثقالا صيرفيا و ثلث مثقال- ثمان وزنات (2) و خمس حقق و نصف الّا ثمانية و خمسين مثقالا و ثلث مثقال. و بعيار الاسلامبول- و هو مائتان و ثمانون مثقالا- سبع و عشرون وزنة و عشر حقق و خمسة و ثلاثون مثقالا.

______________________________

الوزن للضبط و الحفظ فلو بلغ النصاب بالكيل و الوزن معا وجبت الزكاة قطعا و لو بلغ بالوزن دون الكيل فكذلك و لو بلغ بالكيل دون الوزن كالشعير فانه أخف من الحنطة مثلا لم تجب الزكاة على الأقوى و قال بعض الجمهور تجب و ليس بالوجه».

فان قلت: لو كان الوزن هو الأصل في النصاب فكيف يجعل الصيعان امارة على وزن واحد في كل من الحنطة و الشعير مع اختلاف الصيعان فيهما وزنا و كذا الاشكال في التمر و الزبيب.

قلت: لا بأس بذلك مع كون الاختلاف يسيرا متسامحا فيه و كون الشارع بصدد تسهيل الأمر على المكلفين و الامارة حجة معتبرة ما لم يحرز تخلفها فتدبر.

(1) قد

عرفت ان النصاب خمسة أوسق، و الوسق ستون صاعا، و الصاع تسعة أرطال بالعراقي، و الرطل العراقي مأئة و ثلاثون درهما فالنصاب ألفان و سبعمائة رطل بالعراقي فيكون ثلاثمائة و واحدا و خمسين ألف درهم (351000).

و حيث ان كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية كما عرفت في أوائل زكاة النقدين فيقسم هذا العدد على عشرة ثم تضرب النتيجة في سبعة فيصير النصاب مأتين و خمسا و اربعين ألفا و سبعمائة مثقال شرعي (245700).

و حيث ان المثقال الشرعي ثلاثة ارباع الصيرفي فيضرب هذا العدد في ثلاث ثم يقسم الحاصل على اربع فيصير النصاب مأئة و اربعا و ثمانين ألفا و مأتين و خمسا و سبعين مثقالا صيرفيا (184275) فيقسم هذا العدد على عدد المثاقيل الصيرفية من الأوزان التي ذكرها المصنف يحصل المقصود.

و في المستمسك انا حسبناه مقسما على ما ذكره المصنف فكان الحساب كما ذكر في المتن و حيث ان المثقال الصيرفي يساوي اربع غرامات و ستة اعشار الغرام (6/ 4) كما قيل فالنصاب يساوي ثمانمائة و سبعا و اربعين كيلوغرام و ستمائة و اثنين و ستين غراما (662/ 847) فتدبر.

(2) في المستمسك: الوزنة أربعة و عشرون حقة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 343

و لا تجب في الناقص عن النصاب و لو يسيرا (1) كما انها تجب في الزائد عليه يسيرا كان او كثيرا (2).

[الثاني: التملك بالزراعة]

[التملك بغير الزراعة]

الثاني: التملك بالزراعة (3) فيما يزرع.

______________________________

(1) لما في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع» من قوله: «و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي ء».

و في موثقة زرارة و بكير عنه «ع»: «فان كان من كل صنف خمسة أوساق غير شي ء و ان قلّ فليس فيه شي ء و ان نقص البر و الشعير

و التمر و الزبيب او نقص من خمسة أوساق صاع او بعض صاع فليس فيه شي ء» «1».

هذا و في المنتهى: «هذا التقدير تحقيق لا تقريب و لو نقص النصاب عن خمسة أوسق و لو قليلا سقطت الزكاة خلافا لبعض الشافعية ... احتج المخالف بأن الوسق في اللغة الحمل و هو يزيد و ينقص».

و يرد عليه ان الوسق و ان كان كذلك و لكن الحكم لم يعلق على مطلقه بل على ما كان منه ستين صاعا كما نطق به اخبار الفريقين و حدّد الصاع بالارطال، و الأرطال بالدراهم كما مرّ.

فموضوع الحكم مبني على التحقيق لا التقريب، نعم لا عبرة بما جرت العادة به من ممازجة النصاب بغيره كالتراب اليسير و التبن اليسير لا من جهة أخذ الموضوعات من العرف المسامحي بل من جهة انصراف الاطلاقات الى الأفراد المتعارفة، نظير انصراف الدرهم و الدينار الى الأفراد المتعارفة التي لا تخلو من الغيار خارجا. و قد مرّ تحقيق هذه المسألة في باب النقدين فراجع.

(2) في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه».

و في المنتهى: «بلا خلاف بين العلماء في ذلك».

و يدل عليه اطلاق بعض الاخبار كقوله في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع»: «ما انبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر، الحديث». لوضوح ان الخمسة أوساق أخذت لا بشرط من الزيادة فبحصولها و لو في ضمن الأكثر يجب العشر او نصف العشر في الغلة الموجودة.

و بالجملة فليس في الغلات الّا نصاب واحد و لا عفو فيما بعده فتدبر.

(3) قال في الشرائع: «و لا تجب الزكاة في الغلات الّا اذا ملكت بالزراعة لا بغيرها من

الأسباب كالابتياع و الهبة».

و لا يخفى انه ليس المراد اشتراط كون المالك زارعا بنفسه بل المراد تكونها في ملكه بأن يكون

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5 و 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 344

..........

______________________________

حاصل زرعه او ثمرة أشجاره او الحصة المقررة له بازاء عمله كما في عامل المزارعة و المساقاة في قبال من يشتريها من السوق مثلا.

قال في المدارك بعد كلام الشرائع: «لا يخفى ما في عنوان هذا الشرط من القصور و ايهام خلاف المقصود اذ مقتضاه عدم وجوب الزكاة فيما يملك بالابتياع و الهبة مطلقا و هو غير مراد قطعا لأنه مخالف لإجماع المسلمين كما اعترف به المصنف و غيره و لما سيجي ء من كلام المصنف من التصريح بوجوب الزكاة في جميع ما ينتقل الى الملك قبل تعلق الوجوب به».

هذا و في المعتبر: «لا تجب الزكاة في الغلات الّا اذا نمت في الملك لا ما يبتاع ثمرا و لا ما يستوهب، و عليه اتفاق العلماء».

و في المنتهى: «لا تجب الزكاة في الغلات الأربع الّا اذا نمت على ملكه فلو ابتاع غلة او استوهب أو ورث مالا بعد بدو الصلاح لم تجب الزكاة، و هو قول العلماء كافة».

و عن النافع و إيضاحه و التحرير و التذكرة أيضا التعبير بنمو الغلة و الثمرة في ملكه.

قال في المدارك بعد الكلام السابق: «و جعل المصنف في النافع و المعتبر و العلامة في جملة من كتبه موضع هذا الشرط نموّ الغلة و الثمرة في الملك و هو غير جيد أيضا، اما على ما ذهب اليه المصنف من عدم وجوب الزكاة في الغلات الّا بعد تسميتها حنطة او شعيرا او تمرا او زبيبا

فظاهر لأن تملكها قبل ذلك كاف في تعلق الزكاة بالتملك كما سيصرح به المصنف و ان لم ينم في ملكه، و اما على القول بتعلق الوجوب بها ببدوّ الصلاح فلان الثمرة اذا انتقلت بعد ذلك تكون زكاتها على الناقل قطعا و ان نمت في ملك المنتقل اليه، و كان الأوضح جعل الشرط كونها مملوكة وقت بلوغها الحد الذي يتعلق به الزكاة كما اقتضاه صريح كلام الفريقين».

و في المستمسك بعد نقل كلام المدارك قال: «و ما ذكره في محله». ثم قال ما حاصله: «ان الأولى الغاء هذا الشرط بالمرة اذ لو أريد اشتراطه في أصل التعلق يغني عنه ما تقدم من اعتبار الملك في عداد الشرائط العامة، و ان أريد بيان اعتبار كون الملك حال التعلق فلا خصوصية له من بين الشرائط العامة اذ يعتبر في جميعها ذلك».

أقول: يظهر من ذكرهم شرطا في خصوص باب الغلات و التعبير عنه بالملك بالزراعة او النمو في الملك انه يعتبر فيها شرط زائد و راء الشرط العام المعتبر في الغلات و غيرها من الملكية وقت التعلق و هو بالاجمال عبارة عن مالكيته لها ثابتة على أصولها فلو اشترى من السوق عنبا أو بسرا و جففهما فصارا خمسة أوسق زبيبا او تمرا فلا يظن بأحد الالتزام بوجوب الزكاة عليه و لا سيما اذا اشتراهما ممن لا يتعلق به الزكاة كالصغير و كأشخاص لم يبلغ نصيب كل منهم النصاب مع ان مقتضى كلام المستمسك تعلق الزكاة به لحصول الملكية قبل وقت التعلق و لا سيما على نظر المحقق من اعتبار صدق التمرية و الزبيبية في التعلق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 345

..........

______________________________

و منشأ اعتبار هذا الشرط مضافا الى الاجماع ظهور ما

دلّ على وجوب الزكاة في الغلات في ايجابها على من ملكها ثابتة على أصولها و يرشد الى ذلك التفصيل في الاخبار و الفتاوى بين السقي سيحا و السقي بالدوالي اذ يفهم منها كون الخطاب و الحكم متوجها الى ملّاك الأشجار و الزراعات. فكأن الناس على ثلاثة أقسام: الزراع بالمعنى الأعم الشامل لمربي الأشجار، و أرباب المواشي، و التجار فوجب على الصنف الأول زكاة الغلات، و على الثاني زكاة الأنعام، و على الثالث زكاة النقدين و مال التجارة.

و بالجملة فاعتبار شرط زائد في خصوص الغلات أمر مفروغ عنه و يتردد بين أمور:

الأول: ان يكون مالكا للغلة و الثمرة من بدو تكوّنها الى آخر مراحلها بأن يكون مالكا للبذر او الشجر فتتكون و تتطوّر الغلة او الثمرة و تسير مراحلها في ملكه الى وقت التعلق، فكما ان الملكية طول الحول تعتبر في الأنعام و النقدين فكذلك هنا تعتبر الملكية في جميع مراحل الوجود الى وقت الاشتداد.

الثاني: ان يكون مالكا للغلة او الثمرة كائنة على أصولها بمقدار يحصل لهما النماء في ملكه قبل وقت التعلق و ان لم تكونا من أول التكون ملكا له فيكفي شراؤهما على أصولهما و نموّهما اجمالا في ملكه قبل التعلق.

الثالث: ان يملكهما على أصولهما بمقدار تتغذيان من الأصول و ان لم يكن نموّ كما بين الرطبية و التمرية.

الرابع: ان يملكهما على أصولهما قبل التعلق و ان لم يحصل نماء و لا تغذي.

هذا و لعل المستفاد من التفصيل في الاخبار و الفتاوى بين ما سقي سيحا و ما سقي بالدوالي و الدلاء و ايجاب العشر في الأول و نصف العشر في الثاني هو الاحتمال الأول أعني كونها بجميع مراحلها او عمدة مراحلها في ملكه،

اذ المستفاد من التفصيل المذكور كونه بلحاظ الارفاق بالنسبة الى المتصدي لزرعها و سقيها و مشتري الثمرة او الغلة بعد حصول عمدة نمائها في ملك البائع لا يتفاوت بحاله كونها مسقية بالسيح او بالدلاء بل لعلها لا تحتاج بعد الشراء الى السقي اصلا.

فلو لم يثبت الاجماع على وجوب الزكاة على المشتري قبل التعلق كما قد يدعى كان لازم هذا الوجه عدم وجوب الزكاة في صورة البيع قبل التعلق لا على البائع و لا على المشتري، نظير بيع الأنعام في الشهر الحادي عشر من حولها مثلا. بل لو أغمضنا عن دلالة هذا التفصيل على هذا الوجه أمكن أن يقال ان صرف الاحتمال و الشك كاف في الشك في التكليف. و اجراء البراءة ان لم يكن لنا في باب الزكاة اطلاق يرجع اليه عند الشك.

هذا و سنعود الى المسألة في الحاشية التالية فانتظر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 346

او انتقال الزرع الى ملكه قبل وقت تعلق الزكاة و كذا في الثمرة كون الشجر ملكا له الى وقت التعلق، او انتقالها الى ملكه منفردة او مع الشجر قبل وقته (1).

[في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف]

[قول المشهور]

[مسألة 1]: في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف فالمشهور على أنه في الحنطة و الشعير عند انعقاد حبّهما و في ثمر النخل حين اصفراره او احمراره و في ثمرة الكرم عند انعقادها حصرما. و ذهب جماعة الى ان المدار صدق أسماء المذكورات من الحنطة و الشعير و التمر و صدق اسم العنب في الزبيب و هذا القول لا يخلو عن قوة و ان كان القول الأول أحوط (2).

______________________________

(1) في الشرائع: «اذا ملك نخلا قبل أن يبدو صلاح ثمرته فالزكاة على المشتري و كذا اذا اشترى ثمرة على الوجه

الذي يصح».

و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه و النصوص جميعها متناولة له».

أقول: كون المسألة اجماعية محل تأمل لتوقفه على كونها معنونة في كلمات القدماء من الأصحاب كما ان تناول النصوص أيضا لمن اشترى الغلات على أصولها محل اشكال لما عرفت آنفا من ان التفصيل بين السقي سيحا و السقي بالدلاء لعله يستفاد منه ان المخاطب بهذه الزكاة الزرّاع و مالكو الأشجار المتصدون لزرعها و سقيها فان المشتري للغلة او الثمرة قبل وقت التعلق لا يتفاوت بحاله كيفية سقيها بل لعلها لا تحتاج الى السقي بعد الشراء أصلا فحال المشتري هنا حال من اشترى الأنعام في الشهر الحادي عشر مثلا حيث لا زكاة فيه لا على البائع و لا على المشتري، فالعمدة في المسألة الاجماع لو ثبت فتتبع.

(2) في المسألة قولان نسب أحدهما الى المشهور منا و الجمهور، و الثاني الى ابن الجنيد و المحقق.

ففي مفتاح الكرامة بالنسبة الى القول الأول: «هذا هو المشهور كما في المختلف و الايضاح و جامع المقاصد و تعليق النافع و فوائد الشرائع و الروضة و المسالك و إيضاح النافع و المصابيح و الحدائق و الرياض، و مذهب الأكثر كما في التنقيح و مجمع البرهان و المدارك، و الأشهر كما في الميسية، و أكثر الجمهور كما في المنتهى بل في التنقيح لم نعلم قائلا بمذهب المحقق قبله».

و فيه بالنسبة الى القول الثاني: «و قد يفوح ذلك أعني مذهب المحقق من المقنع و الهداية و كتاب الاشراف و المقنعة و الغنية و الاشارة و غيرها لمكان حصرهم الزكاة في التسعة التي منها التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير فيكون المعتبر عندهم صدق تلك الأسامي».

و في المبسوط:

«و وقت وجوب الزكاة في الغلات اذا كانت حبوبا اذا اشتدت و في الثمار اذا

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 347

..........

______________________________

بدا صلاحها».

و في المعتبر: «و تتعلق الزكاة بهذا اذا صار الزرع حنطة و شعيرا و بالثمر اذا صار تمرا و زبيبا و قال الشيخ في المبسوط في الحبوب اذا اشتد و في الثمار اذا بدا صلاحها و به قال الجمهور».

و في الشرائع: «و الحد الذي يتعلق به الزكاة من الأجناس أن يسمى حنطة أو شعيرا او تمرا او زبيبا، و قيل: بل اذا احمرّ ثمرة النخل او اصفرّ او انعقد الحصرم و الأول أشبه».

و في النافع: «و يتعلق به الزكاة عند التسمية حنطة أو شعيرا او زبيبا او تمرا و قيل اذا احمرّ ثمر النخل او اصفرّ او انعقد الحصرم».

و في المنتهى: «قال الشيخ: و يتعلق الوجوب بالحبوب اذا اشتدت و بالثمار اذا بدا صلاحها و هو قول أكثر الجمهور و قال بعض أصحابنا: إنما يتعلق الوجوب بها اذا صار الزرع حنطة او شعيرا و الثمار تمرا او زبيبا و كان والدي- رحمه اللّه- يذهب الى هذا، و الوجه عندي الأول».

و في المختلف: «المشهور ان الزكاة تجب في الغلات اذا كانت ثمرة عند اصفرارها و احمرارها و ان كانت غلّة فعند اشتداد حبّها و لا يجب الاخراج الّا عند الحصاد و الجذاذ اجماعا و قال بعض علمائنا: إنما تجب الزكاة عند ما يسمى تمرا و زبيبا و حنطة و شعيرا و هو بلوغها حدّ اليبس و اختاره ابن الجنيد».

و في القواعد: «الثاني بدوّ الصلاح و هو اشتداد الحب و احمرار الثمرة او اصفرارها و انعقاد الحصرم على رأي». هذا.

و قال الشافعي في الأم: «و

الخرص اذا حلّ البيع و ذلك حين يرى في الحائط الحمرة و الصفرة و كذلك حين يتموه العنب و يوجد فيه ما يؤكل منه».

و في الفقه على المذاهب الأربعة عن الشافعية: «و متى ظهر لون العنب او الرطب او لان جلده و صلح للأكل او اشتد الحب و الزرع فقد بدا صلاحه و حينئذ يحرم على المالك التصرف فيه قبل اخراج الزكاة و لو بالصدقة».

و فيه عن المالكية: «و يتعلق الوجوب بها من وقت الطيب و هو بلوغ الزرع او الثمر حد الأكل منه قال مالك: اذا أزهى النخل و طاب الكرم و اسودّ الزيتون او قارب منه و افرك الزرع و استغنى عن الماء وجبت فيه الزكاة».

أقول: أزهى البسر أي تلوّن، و أفرك السنبل أي صار فريكا أي مدلوكا.

و في بدائع الصنائع في فقه الحنفية: «و اما وقت الوجوب فوقت الوجوب وقت خروج الزرع و ظهور الثمر عند أبي حنيفة، و عند أبي يوسف وقت الادراك، و عند محمد وقت التنقية و الجذاذ».

و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة: «و وقت وجوب الزكاة في الحب اذا اشتد و في الثمرة اذا بدا صلاحها و قال ابن أبي موسى: تجب زكاة الحب يوم حصاده».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 348

..........

______________________________

فقد ظهر لك مما نقلناها ان المشهور عندنا و عند أهل السنة ان وقت التعلق في الحبوب عند اشتدادها و في الثمار بدوّ صلاحها او تلوّنها او طيبها و اما كفاية انعقاد الحصرم في العنب فلم أره في ما رأيت من الكلمات الّا في الشرائع و النافع و القواعد و لعله استفيد من بدوّ الصلاح، فانه بعد انعقاد الحصرم خلص من الآفات المحتملة فتدبر.

و اما عند

ابن الجنيد و المحقق فوقت الوجوب و التعلق في الأربعة صدق الأسامي من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب.

و لعله المستفاد من كلمات القدماء أيضا حيث حصروا الزكاة في التسعة و عدّوا منها الأربعة.

بل لعله المستفاد من الشيخ في النهاية أيضا حيث قال: «باب الوقت الذي يجب فيه الزكاة:

لا زكاة في الذهب و الفضة حتى يحول عليهما الحول ... و اما الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب فوقت الزكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد و الجذاذ و الصرام».

اذ يظهر من عنوان الباب و من السياق كونه بصدد بيان وقت الوجوب لا وقت الأداء و ان حمله في كشف الرموز على وقت الأداء.

و كيف كان فما ذكره المحقق في كتبه الثلاثة و ما حكاه في المختلف عن ابن الجنيد و كذا المذكور في كلمات القدماء لفظ الزبيب لا العنب، فما في البيان حيث قال: «و قال ابن الجنيد و المحقق: يشترط التسمية عنبا و تمرا»، لا يخفى ما فيه و ان ظهر من بعض اختياره منهم المصنف هنا كما ترى.

ثم لا يخفى ان الظاهر تقارب القولين في الحنطة و الشعير لتلازم اشتداد الحب و صدق الاسمين بل لعل صدقهما أقدم زمانا بقليل و اما في التمر و الزبيب فيتأخر صدق الاسمين عن بدو الصلاح بمدّة معتنى بها.

و يترتب على القولين ثمرات مهمة:

منها ان المالك لو نقل الثمرة في هذه المدة الى غيره فعلى المشهور استقرار الزكاة على الناقل و على قول المحقق على المنتقل اليه.

و منها لو مات المالك في هذه المدة فعلى المشهور الزكاة تعلقت بالمورث فتؤخذ من تركته و على قول المحقق تجب على الورثة اذا بلغ نصيب كل واحد منهم النصاب

و الّا فعلى من بلغ نصيبه النصاب.

و منها جواز تصرف المالك في الثمرة بانحاء التصرفات و لو بالاتلاف في هذه المدة على قول المحقق دون المشهور.

و منها ما اذا بلغ الصبي المالك او عقل المجنون في هذه المدة فعلى المشهور لا تتعلق بهما الزكاة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 349

..........

______________________________

و على قول المحقق تتعلق، الى غير ذلك من الثمرات.

اذا عرفت هذا فنقول: مقتضى القاعدة و كذا الأصل صحة قول المحقق، و غيره يحتاج الى دليل صارف.

اما الأول فلان حكم الزكاة في الاخبار الكثيرة الواردة بطرق الفريقين و كذا الفتاوى قد رتب على الأسامي أعني الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و متى رتّب حكم على عنوان فالظاهر منه ان الموضوع ما هو بالفعل متصف بهذا العنوان و يكون مصداقا له بالفعل دون ما بالاقتضاء و بالقوة، فمقتضى حصر الزكاة في التسعة عدم تعلق الزكاة بالحصرم و البسر و الرطب و غيرها مما لا يصدق عليها التمر و الزبيب بالفعل و ان سلمنا جواز اطلاقهما عليها مجازا بعلاقة الأول و المشارفة.

و اما الثاني: فلان الحادث المشكوك تقدمه و تأخره يستصحب عدمه الى الزمان المتأخر و يسمى هذا في محله باستصحاب تأخر الحادث ففي المقام تكليف الزكاة يعلم بتحققه و يشك في تقدمه و تأخره فيستصحب عدمه الى الزمان المتأخر.

و بالجملة فمقتضى الاخبار الأولية و كذا الأصل صحة كلام المحقق الّا ان يقام على غيره دليل مقنع.

[دليل المشهور]

فنقول: استدل للمشهور بوجوه:

الأول: اجماع المنتهى ففيه: «لا تجب الزكاة في الغلات الأربع الّا اذا نمت على ملكه فلو ابتاع غلة او استوهب أو ورث بعد بدوّ الصلاح لم تجب الزكاة و هو قول العلماء كافة».

و فيه ان

الاجماع على اعتبار النمو في الملك لا على بدوّ الصلاح المذكور تبعا كما لا يخفى على من تأمل.

الثاني: الاجماع المركب بتقريب ان اسمي الحنطة و الشعير يصدقان باشتداد الحبين فيتعلق بهما الزكاة بالعمومات على القولين فيثبت الحكم في البسر و الحصرم بالإجماع المركب اذ القائل بكفاية اشتداد الحبين قائل بثبوت الحكم في البسر و الحصرم أيضا.

و فيه منع ذلك اذ كما عرفت القولان متقاربان في الحنطة و الشعير و كأنه لا خلاف فيهما و إنما الخلاف في التمر و الزبيب، أ لا ترى ان المحقق في الشرائع و النافع تعرض للخلاف فيهما فقط فراجع. ثم ان صدق الاسمين و الاشتداد و ان تلازما في الحبين و لكن المحقق يجعل الحكم للاسمين لا لعنوان الاشتداد.

الثالث: الشهرة المدعاة في كلام كثير من الأصحاب كما عرفت من مفتاح الكرامة.

و فيه ان البحث عن وقت التعلق و ذكر عنوان الاشتداد و بدوّ الصلاح لا يوجد في كتب القدماء المعدّة لنقل المسائل الأصلية المأثورة و إنما هو أمر تعرض له العامة و تعرض له الشيخ في

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 350

..........

______________________________

مبسوطه المعدّ لبيان المسائل التفريعية المستنبطة ثم تعرض له المتأخرون، بل عرفت من مفتاح الكرامة انه قد يفوح مذهب المحقق من كتب القدماء حيث حصروا فيها الزكاة في التسعة التي منها الأربعة فيكون المعتبر عندهم صدق تلك الأسامي. و الشهرة على فرض حجيتها فانما يراد بها شهرة القدماء في تلك الكتب حيث تكشف الشهرة فيها عن تلقي المسألة من الأئمة- عليهم السلام- و اما الشهرة في المسائل التفريعية و لا سيما من المتأخرين فلا تفيد شيئا اللهم الّا لنحو من التأييد.

الرابع: ما ذكره العلامة في المختلف و المنتهى

من كون البسر و الرطب تمرا بحسب اللغة.

قال في المختلف: «لنا ان البسر يسمى تمرا لغة فيتعلق به الوجوب، احتجّوا بأنه يسمى بسرا لا تمرا في العرف. و الجواب الاعتبار بتسمية اللغة لا بالعرف».

و في المنتهى: «أهل اللغة نصّوا على أن البسر نوع من التمر و كذا نصوا على ان الرطب نوع من التمر».

أقول: و ربما أيد ذلك بان الطبيب اذا منع المريض من التمر حكم أهل العرف باندراج البسر و الرطب فيه أيضا و كذا اذا حلف على عدم أكله.

و فيه أولا نص بعض أهل اللغة على خلاف ذلك.

ففي الصحاح: «البسر أوله طلح ثم بلح ثم خلال ثم بسر ثم رطب ثم تمر».

و في مجمع البحرين: «التمر: اليابس من ثمر النخل كالزبيب و العنب».

و في الحدائق عن المصباح المنير: «التمر: ثمر النخل كالزبيب من العنب و هو اليابس باجماع أهل اللغة لأنه يترك على النخل بعد ارطابه حتى يجف او يقارب و يترك في الشمس حتى ييبس».

و في القاموس: «التتمير: التيبيس».

و في الصحاح: «تتمير اللحم و التمر تجفيفهما».

فيعلم من ذلك أخذ اليبس و الجفاف في المادة فاطلاقه على الرطب و البسر مجاز بعلاقة المشارفة.

و ثانيا: لا نسلم تقدم اللغة على العرف بل الألفاظ الشرعية تحمل على المعاني العرفية.

و ثالثا: سلمنا و لكن الزبيب لا يطلق على العنب و الحصرم لغة، اللهم الّا ان يتمسك فيه بعدم القول بالفصل.

و اما ما ذكر من التأييد ففيه ان التعميم فيه للقرائن و الّا كان ممنوعا، هذا.

و في مصباح الفقيه في مقام الجواب عن هذا الوجه: «و فيه بعد تسليم صدق اسم الحنطة و الشعير على الحب بمجرد اشتداده و كذا اسم التمر على البسر و الرطب فلا

شبهة في انصراف اطلاق

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 351

..........

______________________________

أساميها في المحاورات العرفية و معاملاتهم و وقوع شي ء منها في حيز التكليف بصرفه الى الغير الى اليابس منها فلا يتبادر من الأمر بالتصدق بشي ء من هذه الأجناس الّا ارادة يابسها».

أقول: يمكن ان يقال: ان كلامنا ليس في تعيين وقت الأداء حتى يقال بانصرافها في هذا المقام الى يابسها بل في تعيين وقت التعلق و حصول الشركة للفقراء فادعاء الانصراف بلا وجه.

الوجه الخامس: انه لو كانت الزكاة مقصورة على التمر و الزبيب لأدى ذلك الى ضياع الزكاة لأنهم كانوا يحتالون ببيع العنب و الرطب او بجعلهما دبسا او خلّا.

و فيه ان الحيل المذكورة لا تقوى على افناء التمر و العنب لكثرتهما مضافا الى ان جعلهما كذلك ربما يكون بضرر المالكين و ابقائهما و أداء الزكاة ربما يكون انفع لهم، على ان هذه الاستحسانات ليست ملاكا للأحكام الشرعية.

الوجه السادس: التمسك بالعمومات ففي زكاة الشيخ الأعظم: «مضافا الى ان مقتضى العمومات وجوب الزكاة فيما سقته السماء، و أدلّة تعلق الزكاة بالحنطة و التمر مثلا لا تنهض لتقييدها لأن المتبادر منها ارادة الأجناس الأربعة في مقابل الاجناس الأخر».

و فيه أولا: عدم ارادة العموم بالموصول لتفسيره في الاخبار الكثيرة بالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب بل في صحيحة زرارة ذكر الأربعة ثم قال: «ما كان منه يسقى بالرشا و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر و ما سقت السماء ...».

و ثانيا: ان هذا العموم ورد لبيان مقدار الفريضة من العشر و نصف العشر لا لبيان ما فيه الزكاة.

و ثالثا: ما عرفت من ان الظاهر من تعليق الحكم على عنوان كون الموضوع ما هو المتصف بهذا العنوان بالفعل فحمل

الأربعة على الأعم مما بالفعل و بالقوة مجاز لا يصار اليه الّا بدليل.

الوجه السابع: اخبار خاصة يستدل بها للمشهور: منها صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا «1».

و محل الاستشهاد من الحديث موردان:

الأول: قوله: «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق» بتقريب ان التعبير بالنخل لإرادة ثمرة مطلقا لأنه أقرب المجازات و لو أريد خصوص التمر لم يكن وجه للعدول عنه الى التعبير بالنخل نعم يعلم من قوله: «خمسة أوساق» ان المعيار في النصاب التمرية فان الوسق حمل البعير و ما كان يحمل عليه خصوص التمر دون البسر و الرطب.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 352

..........

______________________________

الثاني: قوله: «و العنب مثل ذلك ...». اذ يعلم منه ان الموضوع للزكاة العنب لا الزبيب، نعم في مقام الحساب يقدّر زبيبا لمعرفة النصاب كما قلنا في ثمر النخل.

أقول: و في كلا التقريبين نظر: اما الأول، فلأن التعبير بالنخل لا التمر لعلّه لإفادة الشرط السابق اذ الزكاة تتعلق بالتمر على الشجر لا مطلق التمر و لو ما اشترى منه في السوق كما عرفت بيانه.

و اما الثاني فعن الذخيرة ان لمفهوم الصحيحة احتمالين: أحدهما اناطة الوجوب بحالة ثبت له البلوغ فيها خمسة أوسق زبيبا بالفعل. ثانيهما اناطته بحالة يقدّر له هذا الوصف. و الاستدلال بها إنما يتم على ظهور الثاني و هو في موضع المنع بل لا يبعد ادّعاء ظهور الأول اذ اعتبار التقدير خلاف الظاهر.

و ردّه في مفتاح الكرامة «بان حاصل الوجه الأول انها تجب في العنب اذا

كان زبيبا و من المعلوم زوال وصف العنبية عند كونه زبيبا، كما تقول: تجب صلاة الفريضة على الصغير اذا كان كبيرا و أنت خبير بسقوط هذا التعبير عن درجة الاعتبار فلا بدّ من المصير الى التقدير اذا ورد مثله في الاخبار».

أقول: الحق كما في مصباح الفقيه ان العبارة المذكورة في الرواية قابلة للمعنيين كما عن الذخيرة، و لعل ارادة الفعلية أوفق بظاهر اللفظ. و يحسّن هذا الاستعمال كون وصفي العنبية و الزبيبية حالتين متعاقبتين لشي ء واحد و ليس هذا التعبير ساقطا عند العرف و لا سيما في الكلام المنفي كما في المقام اذ قوله: «و العنب مثل ذلك ...» مآله الى انه ليس في العنب صدقة حتى يكون خمسة أوساق زبيبا، و هكذا في المثال الذي ذكره في مفتاح الكرامة اذ لا مانع من ان يقال: لا تجب صلاة الفريضة على الصغير الّا اذا كان كبيرا أي صار كذلك. و استعمال الكون بمعنى الصيرورة أمر شائع.

و بالجملة فاذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال فالاستدلال بالصحيحة لتعلق الزكاة بالعنب مشكل، و لو سلم فالتعدي عنه الى الحصرم أشكل و لم يتحقق القول بعدم الفصل بينهما بل عرفت ان الحصرم غير مذكور في كلام كثير من الأصحاب و إنما رأيناه في كلمات المحقق و العلامة و كذا الكلام في ثمر النخل.

و يقرب من هذه الصحيحة المرسل: «ليس في النخل صدقة حتى تبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتى يبلغ خمسة أوساق زبيبا، و الوسق ستون صاعا» «1».

و خبر أبي بصير: «عن أبي عبد اللّه «ع» قال: لا يكون في الحب و لا في النخل و لا في العنب

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة

الغلات، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 353

..........

______________________________

زكاة حتى تبلغ و سقين، و الوسق ستون صاعا» «1».

و من الاخبار أيضا صحيحة سعد بن سعد الأشعري قال: سألت أبا الحسن «ع» عن أقل ما تجب فيه الزكاة من البر و الشعير و التمر و الزبيب، فقال: خمسة أوساق بوسق النبي «ص» فقلت: كم الوسق؟ قال: ستون صاعا، قلت: و هل على العنب زكاة او انما تجب عليه اذا صيره زبيبا؟ قال: نعم اذا خرصه اخرج زكاته «2».

فقد يقال: «ان الصحيحة صريحة في تعلقها بالعنب و ظاهرها ثبوت الوجوب من حين الخرص و قد صرح الأصحاب بأن زمان الخرص من حين بدوّ الصلاح».

و لكن قد يقال: ان قوله: «نعم» يحتمل فيه ان يكون تصديقا للجملة الثانية أعني قوله:

«انما تجب عليه اذا صيره زبيبا» فيصير مجملا، و حيث ان الخرص في الصحيحة لم يسند الى عمّال الصدقات بل الى نفس صاحب العنب و الجزاء المترتب عليه أيضا اخراج الزكاة لا التعلق فمن المحتمل جدّا كون الخرص مصحف الحرص بالمهملة من قولهم: «حرص المرعى» اذا لم يترك فيه شيئا فيكون المراد بيان وقت الأداء.

هذا و لكن الظاهر من السؤال ان السائل كان يعلم بتعلق الزكاة بالزبيب و إنما اشكل عليه تعلقها بالعنب أيضا كما هو مورد بحثنا، فمحط نظره في السؤال هو حكم العنب فقوله- عليه السلام- في الجواب: «نعم» ظاهر في ارتباطه بما وقع السؤال عنه.

و بالجملة فالصحيحة ظاهرة في ثبوت الزكاة في العنب فيصير قوله: «خرصه» كناية عن احرازه كونه بمقدار النصاب اذ طريق الاحراز في العنب هو الخرص و ليس الخرص مختصا بالعمّال و لا صراحة في قوله: «اخرج زكاته» في وجوب الاخراج حين الخرص

فيحمل على الاخراج في وقته، مضافا الى عدم الدليل على جواز التأخير لمن يريد اقتطافه عنبا و صرفه كذلك.

فالانصاف ظهور الصحيحة في وجوب الزكاة في العنب.

نعم التعدي عنه الى الحصرم يحتاج الى دليل مفقود و كذا الى الرطب و البسر و القول بعدم الفصل كما عرفت غير محرز فتأمل.

و منها أيضا صحيحة أخرى لسعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا «ع» قال: سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال: اذا ما صرم و اذا ما خرص «3»، بتقريب ان وقت الخرص حين كون الثمر على الشجر حصرما او عنبا.

و فيه أولا انه لا معنى لجعل الوقت الصرام و الخرص بالمعجمة لاختلافهما زمانا فلعله يتعين فيها

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 12 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 354

..........

______________________________

القراءة بالحاء المهملة ليتحد الوقتان. و ثانيا لا نسلم كون وقت الخرص حالة العنبية و الحصرمية بل لما كان الموضوع في الاخبار و منها نفس هذه الصحيحة التمر و الزبيب، فالمراد بالخرص فيها الخرص في حال التمرية و الزبيبية، و لعل المتعارف في ثمرة النخل و الكرم اذا أريد جفافهما كان ابقاؤها على الشجر لتجف عليه اذ بعد الاقتطاف ربما كان يفسد أكثرها او يحمض او يتدود الّا بالتعليق فلم يكن داع الى اقتطافها اذا أريد صيرورتها تمرا او زبيبا و إنما لا يتعارف ذلك في البلاد الباردة كبلادنا.

و يظهر من المحقق في الشرائع أيضا في بيان وقت الاخراج ان حالة الزبيبية

و التمرية كانت تحصل للثمر على الشجر حيث قال: «و وقت الاخراج في الغلة اذا صفت و في التمر بعد اخترافه و في الزبيب بعد اقتطافه». فنسب الاختراف و الاقتطاف الى التمر و الزبيب.

و على هذا فيكون المراد بالصحيحة ان الثمر بعد ما صار تمرا او زبيبا على الشجر و حان وقت صرمه فان صرمه أدّى زكاته و ان أخّر صرمه لجهة من الجهات فيجب عليه خرصه و أداء زكاته.

و صرف الاحتمال كاف في عدم امكان الاستدلال.

فهذه خمسة اخبار خاصة استدل بها للمشهور، و قد عرفت ظهور خبر سعد الأول و لكن لا يثبت به الّا حكم العنب دون الحصرم و البسر و الرطب.

الوجه الثامن: ما يظهر من اخبار الفريقين و كلمات الأصحاب من ان رسول اللّه «ص» كان يبعث من يخرص على أصحاب النخل ثمرتها ليتميز بذلك مقدار الصدقة المفروضة و كان «ص» يأمر عامله بأن يترك للحارس العذق و العذقين و ان لا يخرص أم جعرور و معافارة «1». فلو لم يكن حق الفقير متعلقا بها من حين بدوّ صلاحها الذي هو وقت الخرص لم تكن فائدة في الخرص بل كان تعديا و تضييقا على المالك اذ قد لا يحب ان يطلع على ماله أحد أو يريد ان ينفق جميعه قبل التمرية و الزبيبية.

و الحاصل ان جواز الخرص عند الفريقين اجمالا من أقوى الأدلة على قول المشهور.

و فيه أولا: ان المستفاد من بعض الاخبار انه- صلى اللّه عليه و آله- كان يبعث عبد اللّه بن رواحة الى خيبر للخرص و خيبر صارت بالفتح للمسلمين ثم خارجهم رسول اللّه «ص» على النصف او الثلث فخرص ابن رواحة لعله كان لتعيين الخراج لا الصدقات.

و ثانيا:

ما أشرنا اليه من ان الخرص لعله كان بعد التمرية و الزبيبية اذ قلنا ان المتعارف كان ابقاء الثمر على الشجر حتى يجف.

هذا و لكن المستفاد من المعتبر ان بعثه «ص» للخرص كان للصدقات و انه كان حين

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 19 من أبواب زكاة الغلات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 355

بل الأحوط (1) مراعاة الاحتياط مطلقا. اذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط (2).

______________________________

الرطبية او البسرية.

قال في المعتبر: «يجوز الخرص على ارباب النخيل و الكروم و تضمينهم حصة الفقراء و به قال الشافعي و مالك و أحمد، و قال أبو حنيفة: لا يجوز الخرص لأنه تخمين لا يجوز العمل به ... وقت الخرص حين يبدو صلاح الثمرة لأنه وقت الّا من على الثمرة من الجائحة غالبا و لما روي ان النبي «ص» كان يبعث عبد اللّه خارصا للنخيل حين تطيب ... صفة الخرص ان يقدر الثمرة لو صارت تمرا و العنب لو صار زبيبا فان بلغ الأوساق وجبت الزكاة ثم خيّرهم بين تركه امانة في يدهم و بين تضمينهم حق الفقراء او يضمن لهم حقهم فان اختاروا الضمان كان لهم التصرف كيف شاءوا و ان أبوا جعله امانة و لم يجز لهم التصرف بالأكل و البيع و الهبة لأن فيها حق المساكين».

فكلامه- قدس سره- في الخرص و وقته يضادّ ما اختاره في كتبه الثلاثة من كون وقت التعلق حين التمرية و الزبيبية فتدبر.

و من المناسب ذكر عبارة الخلاف في الخرص أيضا ففيه (المسألة 72): «يجوز الخرص على ارباب الغلات و تضمينهم حصة المساكين و به قال الشافعي و عطا و الزهري و مالك و أبو ثور و ذكروا انه اجماع الصحابة، و

قال الثوري و أبو حنيفة: لا يجوز الخرص في الشرع و هو من الرجم بالغيب ...، دليلنا اجماع الفرقة و فعل النبي «ص» بأهل خيبر و كان يبعث في كل سنة عبد اللّه بن رواحة حتى يخرص عليهم، و روت عائشة قالت: كان رسول اللّه يبعث عبد اللّه بن رواحة خارصا الى خيبر فاخبرت عن دوام فعله، و روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن غياث ان النبي «ص» قال في الكرم يخرص كما يخرص النخل ثم تؤدّى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا».

و كيف كان فهذه وجوه ثمانية استدل بها لما نسب الى المشهور، و قد عرفت ان اكثرها مخدوش و ان القاعدة و الاصل مع المحقق و من تبعه و لكن لا يترك الاحتياط و لا سيما في الرطب و العنب فتدبر.

هذا و المذكور في كلام المبسوط و من تبعه اشتداد الحب و المصنف عبّر بانعقاد الحب و وجهه غير ظاهر.

(1) لا يترك.

(2) كما لو بلغ مالكه او عقل بعد بدوّ الصلاح و قبل صدق الأسامي.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 356

[المناط في النصاب هو اليابس منها]

[مسألة 2]: وقت تعلق الزكاة و ان كان ما ذكر، على الخلاف السالف الّا ان المناط في اعتبار النصاب هو اليابس من المذكورات فلو كان الرطب منها بقدر النصاب لكن ينقص عنه بعد الجفاف و اليبس فلا زكاة (1).

______________________________

(1) قال في المبسوط: «و المراعى في النصاب مجففا مشمسا».

و في المعتبر: «و يعتبر بلوغ الأوساق عند الجفاف فلو صار رطبا او الكرم عنبا و بلغ النصاب لم يكن به اعتبار و اعتبر النصاب عند جفافه و عليه اتفاق العلماء».

و في المنتهى: «إنما يعتبر الأوساق عند الجفاف فلو بلغ الرطب النصاب او

العنب لم يعتبر ذلك و اعتبر النصاب عند جفافه تمرا او زبيبا و هو اجماع».

و في التذكرة: «و النصاب المعتبر و هي خمسة أوسق انما يعتبر وقت جفاف الثمرة و يبس العنب و الغلة فلو كان الرطب خمسة أوسق او العنب او الغلة و لو جفت تمرا او زبيبا او حنطة او شعيرا نقص فلا زكاة اجماعا و ان كان وقت تعلق الوجوب نصابا».

أقول: بناء على ما اختاره المحقق و من تبعه من كون وقت التعلق صدق اسامي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب فالظاهر ان المسألة واضحة اذ الظاهر ان الأسامي الأربعة اسام لليابس من المذكورات.

و اما على المشهور فيمكن ان يستدل للمسألة بوجوه:

الأول: الاجماع المدعى في الكلمات و ان كان الاتكال عليه لا يخلو من اشكال لعدم كون المسألة معنونة في كتب القدماء المعدّة لنقل الأصول المتلقاة عن الأئمة- عليهم السلام- و بذلك يظهر الاشكال في الاجماعات المدعاة في المسائل غير المعنونة في كتب القدماء ككثير من مسائل التقليد مثلا.

الثاني: لفظ الوسق المذكور في الروايات فانه اسم لحمل البعير و لم يعهد الحمل عليه الّا في اليابس من المذكورات.

الثالث: قوله في صحيحة سليمان بن خالد السابقة: «و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا» فانه صريح في كون الاعتبار في نصاب العنب بحالة الزبيبية.

الرابع: كون الأسامي المذكورة أعني الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب هي المذكورة في الاخبار الكثيرة و النصاب مذكور لها فيكون معتبرا بحسبها.

ففي صحيحة زرارة مثلا: ما انبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق ... «1».

الخامس: الأصل فان مقتضاه عدم الوجوب فيما لم يبلغ يابسه حدّ النصاب. و كيف كان

فالظاهر ان المسألة واضحة.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 357

[في الذي يؤكل رطبا]

[مسألة 3]: في مثل البربن و شبهه من الدقل الذي يؤكل رطبا و اذا لم يؤكل الى ان يجف يقل تمره أو لا يصدق على اليابس منه التمر أيضا المدار فيه على تقديره يابسا، و يتعلق به الزكاة اذا كان بقدر يبلغ النصاب بعد جفافه (1).

[لو اراد التصرف فيها قبل يبسها]

[مسألة 4]: اذا أراد المالك التصرف في المذكورات بسرا أو رطبا أو حصرما أو عنبا، بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤن (2) وجب عليه ضمان حصة الفقير (3) كما انه لو أراد الاقتطاف كذلك بتمامها وجب عليه

______________________________

(1) المحتملات في المسألة ثلاثة: الأول: عدم وجوب الزكاة في هذا القسم مطلقا.

لانصراف الأدلة الى ما تعارف ابقاؤه ليصير تمرا و لنهي النبي «ص» عن خرص أمثال هذه التمور كأمّ جعرور و المعافارة.

الثاني: الوجوب مطلقا اذ المترائى من الأدلة وجوب الزكاة في ثمر النخل و ان تعارف صرفه رطبا و النهي عن خرص بعض الأصناف كان ارفاقا لهم و لاستحيائهم من ان يأتوا بهذه الأصناف في مقام أداء الزكاة كما هو المستفاد من اخبار الباب «1».

قال في التذكرة: «اما ما لا يجف مثله و انما يؤكل رطبا كالهلتاة و البرني و شبههما من الدقل الرقيق التمرة فانه يجب فيه الزكاة أيضا لقوله: فيما سقت السماء العشر و إنما تجب فيه اذا بلغ خمسة أوسق تمرا و هل يعتبر بنفسه او بغيره من جنسه؟ الأقرب الأول و ان كان تمره يقل كغيره و للشافعي و جهان هذا أحدهما و الثاني يعتبر بغيره».

و يظهر منها عدم الخلاف في اصل الوجوب و انما الخلاف في اعتبار نصابه بيابس نفسه او يابس غيره.

الثالث: التفصيل قال في المدارك: «و لو لم يصدق على اليابس من ذلك

النوع اسم التمر او الزبيب اتجه سقوط الزكاة فيه مطلقا».

و ما ذكره جيّد لأن المذكور في اخبار الغلّات عنوان التمر و ان كان لا يبعد صدقه على مطلق يابس ثمر النخل فتدبر.

(2) بناء على استثناء المؤن و سيأتي البحث عنه في المسألة 16.

(3) بناء على ما يأتي من المصنف من كون التعلق بنحو الكلي في المعين يجوز التصرف في العين مع بقاء مقدار الزكاة و لا احتياج الى الضمان، نعم بناء على الاشاعة او ارادة التصرف في

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 19 من أبواب زكاة الغلات

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 358

أداء الزكاة حينئذ بعد فرض بلوغ يابسها النصاب (1).

[حكم اخراج الزكاة قبل يبسها]

[مسألة 5]: لو كانت الثمرة مخروصة على المالك فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعي الزكاة منه قبل اليبس لم يجب عليه القبول (2). بخلاف ما لو بذل المالك الزكاة بسرا أو حصرما مثلا فانه يجب على الساعي القبول (3).

______________________________

جميع العين يحتاج الى الضمان و يجب ان يكون باذن الحاكم لعدم الدليل على صحته بدونه.

نعم يجوز العزل كما يأتي في محله للأخبار الخاصة.

ثم الحكم في هذه المسألة مبتنية على ما نسب الى المشهور في وقت التعلق لا على ما اختاره المصنف بنفسه، و كان عليه بيان المسألة على وفق مبناه و قد عرفت ان من فوائد الخلاف في تلك المسألة جواز تصرف المالك في الثمرة بانحاء التصرفات و لو بالاتلاف بعد بدوّ الصلاح و قبل صدق الأسامي على قول المحقق دون المشهور.

(1) قال في الجواهر: «ضرورة معلومية كون التأخير ارفاقا بالمالك الذي يريد الانتظار بالثمرة الى نهايتها فتأمل».

و ما دلّ على جواز التأخير الى زمان التصفية و الجفاف منصرف عن هذه الصورة التي يريد صرفها

قبل يبسها كما لا يخفى.

(2) لما يأتي في المسألة الآتية من تأخر وقت الاخراج و انه عند التصفية و الجفاف.

(3) كما في الجواهر قيل: «لأن ما دلّ على تأخر وقت الإخراج يستفاد منه كونه للإرفاق بالمالك، و بالجملة ظاهره قصر سلطنة الفقير على المطالبة لا قصر سلطنة المالك عن تفريغ ماله أو ذمته».

أقول: الزكاة وضعت لسدّ خلة الفقراء و إدارة المصالح العامة المشار اليها في الآية فلا يجوز تضييعها و الاضرار بهم و من أين ثبت لكم ان التأخير للإرفاق بالمالك فقط.

هذا مضافا الى كونه مناقضا لما اختاره المصنف من عدم التعلق الّا بعد صدق الأسامي.

نعم بناء على ما نسب الى المشهور لو أراد المالك صرفها قبل التصفية و الجفاف و لم يكن تضييعا و اضرارا فلا تشمله أدلة التأخير كما مرّ في المسألة السابقة فتدبر. و لعل بعض ما في المسألة الآتية يفيد في المقام.

و الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين.

تم المجلد الأول من كتاب الزكاة و يتلوه ان شاء اللّه المجلد الثاني، 15 شعبان المعظم 1403.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.